عمرٌ من تحدي الطوارئ

نشر 20 مايو 2010 | 09:16

د عصام العريان

سألني مراسلون فرنسيون أثناء وقفتنا الاحتجاجية أمام مجلس الشعب الثلاثاء 11/ 5 / 2010م أثناء نظر مد العمل بحالة الطوارئ، فقلت له: أمامك حالة مثالية لتطبيقات الحكومة المصرية لحالة الطوارئ: - اعتقالات إدارية متكررة.

- اتهامات جزافية وفق مواد قانون العقوبات خاصة المواد المتعلقة بالإرهاب.

- قرارات من نيابة أمن الدولة بالحبس الاحتياطي دون مبرر، سرعان ما يقرر القضاء الطبيعي عدم جديتها، ويقرر إخلاء سبيلنا.

- إحالة لمحكمة عسكرية وفق فقرة من قانون الطوارئ تحكم دون نقض ولا استئناف إلى قضاء 5 سنوات سجناً لا تنقص يوماً واحداً 

- منع من السفر حتى لأداء الفروض الدينية . 

- مراقبة دائمة للتحركات بواسطة مخبرين لا يكلون ولا يملون.

- تنصت مستمر على كل التليفونات: محمولة وثابتة، منزلية وتجارية. 

عمر كامل من تحدي الطوارئ، فلولا تحدي حالة الطوارئ، وعدم الاستسلام للإجراءات القمعية، ما أصبح داخل السجون المصرية عشرات الآلاف من السياسيين -إخوان وغيرهم- ولا تَعَرَّضَ للمحاكمات العسكرية المئات، ولا صودرت ملايين الجنيهات من الممتلكات الخاصة.

أدمن النظام المصري العمل بحالة الطوارئ التي تقيد كل حريات المواطنين الدستورية، وتهدر كافة ضمانات التقاضي الطبيعية، وتشوّه صورة مصر في بلاد العالم؛ لأن النتيجة التي يدركها العالم أجمع هي:

- أن مصر تخضع للأحكام العرفية والأحكام العسكرية، مما يعني أن هناك قلاقل واضطرابات، فلا تنمية ولا استثمار.

- أن النظام والحكومة تلجأ إلى استخدام قانون الطوارئ لمواجهة خصومها السياسيين، وتزوّر الانتخابات دوماً تحت سيف قانون الطوارئ. 

إذن لا أحد يقتنع - داخلياً ولا خارجياً- بحجج الحكومة حول أن فرض حالة الطوارئ إنما هو لمواجهة خطر الإرهاب، أو للحرب على تجارة المخدرات.

إذ إن تجارة المخدرات ازدهرت بصورة غير عادية خلال حالة الطوارئ، كما أن الحكومة نفسها قرّرت منذ عام 1992 تعديلات خطيرة على مواد قانون العقوبات أدّت إلى تعريف فضفاض جداً للجريمة الإرهابية، ومع ذلك تصرّ الحكومة على إهدار كل ضمانات قوانين الإجراءات الجنائية والقوانين العادية باستخدامها لقانون الطوارئ.

هذا التبلد الحكومي في مواجهة الضغوط الخارجية، والرفض الداخلي لاستمرار العمل بحالة الطوارئ، بل في مواجهة الوعد الرئاسي منذ 5 سنوات بإلغاء العمل بالطوارئ في خطاب مدرسة المساعي المشكورة، يجب أن يتم مواجهته بتحدٍّ كبير، وتجاهل تام لحالة الطوارئ.

يجب أن نضع الحكومة والنظام أمام الأمر الواقع بانتزاع حقوقنا كمواطنين، لهم حقوق دستورية وقانونية.

هذا واجب الجميع، ولا يجب أن نترك الإخوان المسلمين وحدهم، أو شباب 6 أبريل أو حركة كفاية تواجه هذا البطش الحكومي، لأنه إذا ازدادت مساحة تحدي الطوارئ فلن تملك الحكومة ولا الداخلية شيئاً لمواجهة التحدي العام للطوارئ 

على الأحزاب السياسية أن تنزع من نفسها رداء الخوف من الطوارئ أو التفاهمات السرية.

إذا كان المواطن العادي نزع الخوف من قلبه، ووقف على رصيف مجلس الشعب، أو انتفض في شركته أو مصنعه معترضاً على انتزاع لقمة العيش من فمه، فواجب الأحزاب والقوى السياسية أكبر في انتزاع حقها في التمثيل السياسي، والانتخابات الحرة في مجلس الشورى الآن، ومجلس الشعب بعد شهور.

الحكومة الآن تتعهد كتابة في قرار رئيس الجمهورية بأنها ستوقف العمل ببعض مواد قانون الطوارئ، فعلى الجميع وضعها أمام مسؤولياتها بتحدي إرادة النظام والحكومة ووزارة الداخلية في توسيع صلاحياتها وفق حالة الطوارئ.

علينا أن نتمسك بحقنا الطبيعي في حياة طبيعية، حيث إن فرض حالة الطوارئ يحدده الدستور بوضوح قاطع، والنظام يخالف الدستور منذ عقود بعد انتهاء حالة الحرب، وعدم تعرض البلاد لأوبئة أو كوارث، فمن واجبنا أن نتحدى ذلك التبلد الحكومي الذي أدّى إلى انعدام كفاءة الأجهزة الأمنية، فزادت الجرائم العادية، وازدهرت تجارة المخدرات رغم قانون الطوارئ.

للأسف الشديد إذا أردنا أن ننفذ إلى جوهر القضية سنصل إلى نتيجة عجيبة، وهي أن استخدام الحكومة للطوارئ ليس بسبب حماية أمن مصر، ولا مواجهة الإرهاب والمخدرات، ولكن – ويا للعجب – لحماية أمن العدو الصهيوني، فكافة المحاكمات الأخيرة خلال العقد الأخير القاسم المشترك فيها هو تهديد أمن العدو، سواء "خلية حزب الله"، أو حتى "حادث الزيتون"، وكذلك اعتقالات الإخوان الأخيرة وما قبلها بسبب الاحتجاجات القوية على ما يحدث في القدس، والتهديدات الصهيونية للمسجد الأقصى، بل إن إصرار الحكم على تزوير الانتخابات إنما يأتي بتبرير غريب يتم تسويقه للغرب؛ وهو منع القوى المناوئة للسياسة الأمريكية والمعارضة بقوة للعدو الصهيوني من المشاركة السياسية، حتى إطلاق الرصاص بكثافة على المتسللين عبر الحدود إلى أرض فلسطين من الأفارقة المساكين البؤساء الباحثين عن حلم العمل والحياة الرغيدة يتم وفق قانون الطوارئ، ولصالح العدو الصهيوني رغم تشويه سمعة مصر.

علينا أن ندرك أن القضايا مترابطة ومتشابكة، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مرتبطة بحصولنا كشعب وجماهير على حقنا السياسي في اختيار نقابيين أحرار لتحرير نقاباتنا العمالية والمهنية من السيطرة الحكومية.

كما أن إقرار العدل في الأجور، ومواجهة التهاب الأسعار، وتحقيق التنمية المستدامة، رهن بوجود مجلس شعب وشورى يمثل المواطنين بعيداً عن تزوير إرادة الناخبين.

التقدم الذي ننشده في كل المجالات، والرخاء الذي نبحث عنه لأنفسنا وأولادنا وأحفادنا، والمكانة اللائقة التي نريدها لبلدنا مصر، لا يمكن أن تتحقق إلا باختيارنا لقائد ورئيس وزعيم للبلاد في انتخابات حرة نزيهة، بها تكافؤ فرص بين كافة المرشحين، بدءاً من الحق في الترشيح، وانتهاء بسلامة العملية الانتخابية.

كل تلك الآمال لن تتحقق في ظل استمرار العمل بحالة الطوارئ.

لذلك يصرّ النظام على إبقاء حالة الركود والفساد والاستبداد والتخلف كما هي، بإصراره على استمرار حالة الطوارئ رغم محاولات التجمل بالكذب الصريح، ورغم ادعاءات كتَبَتِه ومثقفيه في البرامج والأحاديث إلى حد القول بأننا ألغينا حالة الطوارئ .

من أجل مستقبل أفضل علينا أن نقضي أيامنا القادمة في تحدي حالة الطوارئ حتى نجهز عليها تماماً ونتعود على حياة طبيعية كشعب يستحق الحياة.

                                                       إذاعة صوت الاقصى

شارك برأيك

تعليقات القراء

الاسم
الإيميل
عنوان الموضوع *
التعليق
أرفق ملفات

Max file size (Mb): 10