تمهيد

من المؤكد أن تراكم عوامل عديدة، وعلى مدى زمني طويل؛ هو الذي أفسح المجال للثورة المصرية العظيمة في يناير 2011، ولولا هذه التضحيات التي قدمت طوال عقود من الزمن؛ وهذا التاريخ من الصمود في وجه الاستبداد والطغيان؛ ما كان يمكن للدعوات العاجلة التي سبقت 25 يناير أن تجد الأرض الخصبة، وتؤتي أكلها.

لم يكن اندلاع ثورة 25يناير منفصلاً عن سياق دولي واقليمي تفاعل مع الشأن المصري الداخلي وأثر فيه. وسوف نستعرض هنا تلك العوامل الداخلية والخارجية التي أسهمت في تشكيل المناخ الصالح للثورة، والدافع إليها.

اندلعت الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، وقدمت للعالم نماذج هائلة من الصمود، والإرادة، ورفض الظلم، والسعي للشهادة في سبيل الله، وكانت التغطية الإعلامية لأحداثها تثير في نفوس المسلمين والعرب ذكريات تاريخ ماجد، يتجدد بين أيديهم، وشاهد الشباب - الذي سيتظاهر بعد ذلك في ميدان التحرير- الطفل الفلسطيني الأعزل يقف امام دبابة، ورأى الشعب الفلسطيني يحقق انتصارات جزئية بالرغم من فارق القوة.

وكان تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني يثير الغضب المتصاعد في أجواء يبث فيها الإعلام الخاص والعام أخبار التضحيات الهائلة للفلسطينيين، أدى ذلك إلى موجة تعاطف وحراك شعبي مناصرة لفلسطين، وتكونت أطر تنظيمية عابرة للانتماءات السياسية مثل اللجنة المصرية الشعبية لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني، والتي كسرت حاجز منع التظاهرات، فكانت التظاهرة الأكبر في ميدان التحرير في 10 سبتمبر 2001، وشارك في الدعوة اليها نشطاء من تيارات متعددة، وبلغت الحشود ذروتها عام 2002عندما تظاهر مليون مواطن في مناطق مختلفة، وفق تقديرات الباحثين ([1]).

وقد كان الإخوان المسلمون يضعون قضية فلسطين على رأس أولوياتهم، وتشكلت "لجنة فلسطين" التي تتبع مباشرة مكتب الإرشاد، وقام الإخوان بجهد كبير في نصرة القضية، ودعم الانتفاضة من خلال مسارات متعددة، كان منها جمع التبرعات، وإقامة المؤتمرات، وبث الدعاية، ونشاط الخطباء والدعاة، وغير ذلك. كما قامت النقابات المهنية -وكان معظم مجالس إدارتها من الإخوان ومؤيديهم- بدور كبير في ذلك المجال.

وقد توقع الدكتور عبد الوهاب المسيري أن تكون للانتفاضة الفلسطينية؛ وتخاذل الأنظمة العربية إزاء اعتداءات الكيان الصهيوني؛ ارتدادات مؤثرة على استقرار هذه الأنظمة، فقال في مقابلة مع صحيفة "البيان" عام 2001: "إن لم تقم الدول العربية بدعم الانتفاضة، أعتقد أنه سيكون له مردود سيئ للغاية على الشارع العربي، وأعتقد أنه سيتبع ذلك عدم استقرار النظم العربية،  لان انتفاضة الاقصى تمثل فرصة تاريخية نادرة لتصحيح مسار التاريخ العربي ".([2])

نجاح حركة حماس وحكمها غزة:

لقد نجحت حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية في قطاع غزة، في يناير 2006م، وحصولها على 74 مقعدًا من بين 132، بينما حصلت حركة فتح على 45 مقعدًا، واضطر محمود عباس إلى تكليف إسماعيل هنية بتشكيل الحكومة الفلسطينية.

لقد بذلت إسرائيل جهودًا هائلة للحيلولة دون الوصول إلى تلك النتائج، ثم استمرت جهودها لدعم حركة فتح، وتحريض محمود عباس لمحاربة حماس، وحاولت فتح الانقلاب عسكريًا على نتائج الانتخابات،لكن يقظة حماس أجهضت ذلك، واستطاعت تأمين حكمها للقطاع في يونية 2007م، ففرضت إسرائيل الحصار الكامل على قطاع غزة، واعتبرته في أكتوبر 2007 "كيانًا معاديًا"، بينما أيدت الإدارة الأمريكية ورئيسها جورج بوش الابن إسرائيل في سياستها ضد حكم حماس سعيًا إلى إفشالها، وأنفقت أمريكا أموالاً ضخمة في تسليح مقاتلي فتح وتدريبهم، حتى استقال ديفيد وورمز - مستشار نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني للشرق الأوسط، احتجاجًا على ما أسماه "نفاق إدارة بوش"، "وقال:"إن هناك انفصالاً مذهلاًبين دعوة الرئيس للديمقراطية في الشرق الاوسط وهذه السياسة التيتتناقض مع ذلك مباشرة".([3])

ثم جاء العدوان الصهيوني على غزة سنة 2009، الذي أسموه "الرصاص المصبوب"، وأسمته حماس "معركة الفرقان"، وكان صمود حماس في المقاومة ملهمًا للشارع العربي والإسلامي، وتظاهر عشرات الآلاف من الإخوان المسلمين ومؤيديهم في ميدان التحرير وعدة أماكن أخرى ([4])، ولجأ الأمن إلى قمع محاولة روابط التراس الأهلي والزمالك، ومنعهم من الهتاف لفلسطين في مباريات كرة القدم آنذاك([5]).بل رفض أفراد من قوات الأمن المركزي بمعسكر ناصر التوجه لحراسة معبر رفح، وهو ما ترتب عليه اعتقال 3 ضباط و إحالة مجموعة أخري للاحتياط عام 2009([6]).

وفي ذات الوقت كانت سياسة التطبيع مع العدو سائرة في خطوها، بالرغم من الرفض الشعبي لها، ووقع نظام مبارك مع إسرائيل اتفاقية الكويز سنة 2004([7])، واتفاقية تصدير الغاز سنة 2005، وكان اتفاقًا فاضحًا إذ تم بمقتضاه تصدير الغاز المصري للعدو بأقل من ربع سعره العالمي، وخاضت الحكومة المصرية معركة قانونية للتصدي لحكم محكمة القضاء الإداري بإبطال تلك الاتفاقية.

مبارك (الكنز الاستراتيجي لإسرائيل) يحكم الحصار على غزة:

وأحكم مبارك الحصار حول غزة بعد وصول حركة حماس للحكم، وأنشأ جدارًا فولاذيًا فاصلًا بين حدود قطاع غزة ومصر؛ بتكلفة مادية باهظة، وإمكانات تكنولوجية وأمنية هائلة، وتم تنفيذ 60% منه في منتصف سنة 2010، وقد وصفت كارين أبو زيد المفوضة العامة للأونروا الجدار بأنه أكثر متانة من خط بارليف الذي بنته إسرائيل على ضفة قناة السويس لمنع الجيش المصري من العبور في حرب أكتوبر 1973([8]).

 وهدد وزير الخارجية أحمد أبو الغيط في 7/2/2008 بكسر أقدام أي فلسطيني يعبر الحدود المصرية، ووصف صواريخ المقاومة بأنها مضحكة وكاريكاتيرية ([9])، وأعلنت وزيرة خارجية الكيان المحتل -تسيبي ليفني- الحرب على غزة من قلب القاهرة في ديسمبر 2008، إذ خرجت في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية "ابو الغيط" لتقول: "ان الوضع في غزة لابد وان يتغير، وأن ما تفعله إسرائيل هو جزء من احتياجات المنطقة"،  ([10])، ووصف بنيامين بن إليعازر - وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي- حسني مبارك أنه "بمثابة كنز استراتيجي بالنسبة لـ"إسرائيل".([11])

ولم تكن رؤية إسرائيل مبارك على ذلك النحو جديدة، حيث تذكر الوثائق السرية لفترة حكم مارجريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا أن إسرائيل توسطت عندها لكي تساعد مبارك في أزمته الاقتصادية الطاحنة سنة 1986، وقال مستشار بيريز -رئيس وزراء إسرائيل- لمستشار تاتشر وقتها: إن "قيادة الرئيس مبارك شجاعة وتستحق الاعتراف".-من أجل الحفاظ على السلام بين البلدين: مصر وإسرائيل([12]).

الهوامش
 

([1])عزمي بشارة: ثورة مصر ج1 ص242،

([2]) صحيفة البيان الإماراتية، الملف السياسي ـ د. عبدالوهاب المسيري لـ «الملف»: اسرائيل مشروع استعماري غربي في طريقه إلى الانهيار"، بتاريخ 21/6/2001، على الرابط: https://www.albayan.ae/one-world/2001-06-22-1.1174088

([3])الانتخابات التشريعية الفلسطينية 2006، مقال بويكيبيديا، الموسوعة الحرة، على الرابط:https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9_2006

[4]عزمي بشارة: ثورة مصرج1 ص280

([5])عزمي بشارة:  ثورة مصرج1 ص280

([6])عزمي بشارة: المرجع السابق ج1 ص 280

([7]) تقضي بالسماح بتصدير المنسوجات إلى أمريكا دون رسوم جمركية بشرط وجود مكوِّن إسرائيلي بها.

([8]) ويكيبيديا الموسوعة الحرة، "الجدار الفولاذي"، على الرابط: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D8%A7%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%B0%D9%8A

([9]) علي الحمادي: كسر الهوان مقدم على كسر الأقدام، مقال على موقع الجزيرة، بتاريخ 24/2/2008، على الرابط: https://www.aljazeera.net/opinions/2008/2/24/%D9%83%D8%B3%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%85%D9%82%D8%AF%D9%85-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%83%D8%B3%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%82%D8%AF%D8%A7%D9%85-2

([10]) عامر الكبيسي: "ليفني تهدد غزة من القاهرة"، تقرير الجزيرة، بتاريخ 28/12/2008، على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=oeViL47pLxo

([11]) فهمي هويدي: كنز إسرائيل الاستراتيجي، مقال بموقع عمون، بتاريخ 6/5/2010، على الرابط:  https://www.ammonnews.net/article/60039

([12]) عامر سلطان: إسرائيل ضغطت على تاتشر لإنقاذ نظام الرئيس المصري الراحل من أسوأ أزماته الاقتصادية- وثائق بريطانية" مقال على موقع BBC NEWS  عربي، بتاريخ 3/7/2022، على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/middleeast-61836008

شارك الجيش المصري تحت حكم مبارك مع الجيوش الأمريكية والغربية فيما سُمِّي بحرب  "تحرير الكويت" عام 1991 مقابل إسقاط الديون عن مصر التي تسبب فيها نظام مبارك، وكانت قد بلغت ما يقارب 34 مليار دولار، لتتسبب هذه الفاجعة في حصار ممتد للعراق، وعودة ما يقارب 4 مليون مصري من عملهم في العراق بداية التسعينات، دون أن يستردّوا مستحقاتهم . ولما حدث الغزو الأمريكي للعراقعام 2003 سمحت مصر بعبور السفن الأمريكية الغازية من قناة السويس.

وتأسستفي مصرالحملة الدولية ضد الصهيونية والاحتلال،وعقدت مؤتمرا دوليًا سنويًا في نقابة الصحفيين، حضره نشطاء وساسة من مصر وغيرها، ومن أجيال متباينة، وهو ما وفر فرصًاللالتقاء والتعارف والتعاون بين الشبابمن التيارات المختلفة ممن كانوا يحضرونتلك الفعاليات،فتولدبيتهم قدر من الثقة شجعهم على التنسيق في قضايا أخرى([1]).

كان نظام مبارك ينظر إلى الحرب على العراق؛ وحاجة أمريكا إلى غطاء ودعم عربي لعدوانها على أنه فرصة، حاول استغلالها لكسب فوائد اقتصادية، بخفض الديون المتراكمة على مصر في مقابل ذلك الدعم، دون التفات إلى الضرر الهائل على الأمن القومي العربي جراء ذلك العدوان. فسعي إلى تصدير صورته زعيمًا يصمد في وجه المعارضة الداخلية من أجل الرؤية الغربية. فسمح لهذه المعارضة بالتعبير القوي عن نفسها، وتحرك الشارع المصري، فجرى تنظيم اكبر احتجاج جماهيري في استادات الجمهورية، وبلغذروته بتظاهر 40الفًا في ميدان التحرير يوم 20مارس 2002([2])، وقد تصدىالإخوانلترتيب هذه الفعاليات بمشاركة اخرين، وهو ما اكسب بعض كوادرهم - خاصة الشباب والطلاب -مهارات تنظيم فعاليات لعشرات الألاف ([3]).

كانت مشاعر الغضب تتراكم في نفوس الشعوب وهي ترى عاصمة واحدة من أكبر الدول العربية تسقط تحت الاحتلال، وتشاهد رئيسها معلقًا بحبال المشانق في يوم العيد الأكبر، وترى العراق بأهله وعلمائه وثرواته وتاريخه نهبًا مستباحًا، بل تسهم جيوش تلك الأنظمة في صنع جوانب من هذه المأساة.

الهوامش

([1]) عضو مؤسس بالحملة الدولية ضد الصهيونية والاحتلال

([2])عزمي بشارة: ثورة مصر ج1 ص121

([3]) أحد أعضاء لجنة نظام الفعالية التي أقيمت في استاد القاهرة.

بعد وقوع هجمات 11 سبتمبر الذي استهدف مبنى التجارة العالمية وأماكن أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية؛واتهام عدد من الشباب العربي والإسلامي بالضلوع فيها؛ أدركت السياسة الأمريكية أن انسداد الأفق السياسي في البلاد العربية والإسلامية يقف خلفظهور تيارات تتبنى العنف في التعبير عن مواقفها وتطلعاتها([1])،واسفرت الضغوط الأمريكية عن اجراء أول انتخابات رئاسية تنافسية في مصر سنة 2005؛ خاضها د. أيمن نور أمام مبارك الذي كان وقتها قد امضي في الحكم 24 عام، وأجريت انتخابات البرلمان، فتمكن الإخوان من انتزاع 88 مقعد في ظل ما أُجبرت السلطات في حينه علي إتاحته من نزاهة نسبية في المرحلتين الأولى والثانية ، وسرعان ما تراجعت عنها في المرحة الثالثة.([2])

وقد راج في الأوساط السياسية أن مصر احتاجت وساطة إسرائيلية؛ ودعمًا من اللوبي الصهيوني في واشنطن؛ لشرح مخاطر تقدمالإخوان، وضرورة التسامح مع الخطوات المتشددة التي سيقوم بها نظام مبارك للحيلولة دون ذلك.([3])

تقول تمارا كوفتان ويتس - وهي نائبة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى([4])- : "في العقد الأول من القرن الجاري، واستجابة للضغوط المحلية والدولية، جرّب مبارك انفتاحًا سياسيًا محدودًا في وسائل الإعلام والمجتمع المدني، ومنافسة محدودة من الأحزاب السياسية الأخرى، (على الرغم من أن نظامه استخدم الحيل القذرة، وقضايا المحاكم، وغيرها من الأدوات لتقييد النتائج). وحظي مبارك بفرصة بعد 25 عامًا في السلطة لمحاولة وضع نظامه على طريق الإصلاح السياسي التدريجي. ولو فعل ذلك (وسمح له مؤيدوه في الجيش) لكان قد برز في التاريخ باعتباره أعظم حاكم لمصر في العصر الحديث.ولكن لم تكن الإيماءات واللفتات الكبرى من خصال مبارك. مع تقدمه في السن وارتباكه في ما يتعلق بنواياه بالنسبة إلى خلافته، أصبح أبناؤه طموحين، وصار زملاؤه الحزبيون جشعين، وباتت قواته الأمنية مُتعجرفة، وأصبح جنرالاته قلقين، وفَقَدَ مواطنوه الصبر. سيعيش المصريون مع تبعات خيارات مبارك لسنوات عديدة بعد وفاته([5]).

ولما أبدى القادة العرب المستبدون استعدادهم لإنجاز التحول الديموقراطي، كان ذلك بشروطهم هم. وهى بكل ببساطة: التدريج الشديد الذى يكاد يصل إلى البطء المتعمَّد، واحترام الخصوصيات الثقافية الذى يكاد ينفى معالم الديموقراطية الأساسية، وأبرزها تداول السلطة، والانفراد بالحكم الذي يمنع هيكليًا المشاركة الحقيقية للجماهير وللنخبة معًا في عملية صنع القرار ([6]).

الهوامش

([1]) شهادات وزير سابق وعضو بلجنة التنمية الإدارية المركزية ص3 وقيادي بحزب البناء والتنمية ص1

([2]) عضو شورى عام وعضو بأحد مكاتب القاهرة بجماعة الإخوان ص1

[3] كتاب ثورة مص ج1 ص292

[4] عملت في ذلك المنصب في الفترة من تشرين الثاني (نوفمبر) 2009 إلى كانون الثاني (يناير) 2012

([5])تمارا كزمان ويتس: عهد حسني مبارك الذ كان يكره المخاطرة أصاب مصر بالكوارث، مقال منشور في موقع "أسواق العرب"، بتاريخ 26/2/2020، على الرابط: https://www.asswak-alarab.com/archives/19373

[6]السيد يس: إرهاصات ثورة 25 يناير، مقال على موقع "المجالس"، بتاريخ 31 يناير 2017، على الرابط: https://almagales.com/22230/

كان انطلاق الثورة التونسية ملهمًا للشعوب العربية، أعطتها أملاً في إمكان إحداث تغيير في واقعها السياسي المتكلس، وإسقاط أنظمة استبدادية قمعية، أمضت عقودًا على عروشها، وتواكب وقوع الثورة مع اشتعال الغضب في مصر، وتصاعد الاحتجاجات الداعية إلى الحرية.

وكان هروب بن علي من تونس في 14 يناير 2011 نجاحًا هائلاً حرك جماهير الأمة، فخرج العشرات من أبناء الشعب المصري في تظاهرات عفوية قاصدين مقر السفارة التونسية بالقاهرة للتعبير عن تضامنهم مع الشعب التونسي، وفرحته بإزاحة نظام زين العابدين بن علي.

ودعا د. عبد الله الأشعل المرشح الرئاسي الحركة الوطنية إلى التقدم بلائحة عاجلة بمطالب الشعب إلى الرئيس المصري، وفي حال عدم الاستجابة إلى مطالبها "لتكن الجماعة الوطنية أول من يقدم شهداء لتحرير الوطن، تونس تحررت بنحو 70 شهيدًا، ومصر تحتاج الآن إلى تحرر ثان من احتلال وطني جاثم على صدر الشعب منذ 30 عاما، حتى لو دفعنا مئات الشهداء، لأن مصر ستكسب نفسها في النهاية".

وقال المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين في مصر د. عصام العريان، إن الوصفة السحرية للغضب الشعبي من استبداد سياسي ونهب ثروات وفساد إداري وتغييب القانون؛ موجودة في أكثر من بلد عربي وإسلامي، وإن ما حدث في تونس منذ اندلاع الاحتجاجات حتى الوصول إلى "هروب" بن علي رسالة واضحة باستحالة استمرار الحكم على قاعدة من الفساد والاستبداد([1]).

وأصدرت جماعة الإخوان المسلمين بيانًا في 19 يناير 2011، رأت فيه أن سقوط بن علي يمثل رسالة إلى كل الشعوب المقهورة والصابرة بأن الشعوب يمكن أن تفعل الكثير، وأنها إن تحرَّكت بدافع المصلحة العامة ضد السلطان الجائر فإن يد الله تكون معها. ورسالة إلى الحكام الظالمين وإلى الأنظمة الفاسدة المستبدة أنهم ليسوا في مأمنٍ، وأنهم بظلمهم وفسادهم يعيشون فوق بركان غضب الشعوب، وغضب الله أقوى وأشد. ورسالة إلى القوى الكبرى الظالمة تنطق بأن إرادة الشعوب غلابة، ورسالة إلى كل هؤلاء بأن الأمة حية، ولن تموت بإذن الله، وأنها سوف تمضي في طريقها إلى الإصلاح والاستقرار الحقيقي، وليس الزائف بالقهر والكبت وركود الحال. وختم الإخوان رسالتهم بالقول بأن الأسباب والدوافع التي أدَّت إلى هذه الانتفاضة المباركة في تونس موجودة بعينها في الكثير من دول المنطقة التي نعيش فيها، وعلى وجه الخصوص في وطننا مصر.([2])

وانطلقت الدعوة إلى تظاهرات 25 يناير على لسان 5 مجموعات شبابية (شباب الإخوان المسلمين، و حركة 6 ابريل، و شباب من اجل العدالة و الحرية، و حملة دعم البرادعي، وحزب الغد)، و سرعان ما ايدتهم كيانات ورموز سياسية، وأعلن د. محمد البرادعي عبر حسابه الشخصي تأييد هذه الدعوة للتظاهر.

الهوامش

أما الأوضاع الداخلية فقد أسهمت بشكل مباشر في تأجيج الغضب الشعبي العام، وخلق مناخ صالح هيأ للثورة، ومن هذه الأوضاع ما يتصل بالسياسات التي اتبعها النظام الحاكم، ومنها ما يتصل بأدوار القوى السياسية والمجتمعية في ذلك الوقت.

طال عمر مبارك على كرسي الحكم ثلاثين عامًا، ولم يكن ذلك الزعيم الاستثنائي الذي تنفتح أمامه أبواب التاريخ، فيفسح له صفحاته، وولم يولِّ طوال هذه العقود نائبًا له، ولم يفتح بابًا لأمل أو رجاء في تغيير قادم.

وفي ظل الضغوط الدولية المتصاعدة لإحداث انفراجة في الأفق السياسي المصري؛ اضطرمبارك في إلى إجراء تعديل دستوري في المادة 76 التي تنظم انتخابات رئاسة الجمهورية، بما يتيح ترشح أكثر من واحد للانتخابات، بعدما كانت سابقًا تجري بالاستفتاء المباشر الذي يأني بنتيجة مضمونة سلفًا. ووافق مجلس الشعب على التعديل المقترح  في مايو 2005، فأجريت أول انتخابات تعددية في تاريخ الجمهورية المصريةمنذ ثورة 1952، وأسفرت عن فوز مبارك بنسبة 88.5% من الأصوات، وتلاه أيمن نور رئيس حزب الغد بنسبة 7.6% ثم نعمان جمعة رئيس حزب الوفد بنسبة 3%.

تراجعت الضغوط الغربية للسماح بالحريات في العالم العربي بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، وجاء الرد متوقعًا، فطالب مبارك في ديسمبر 2006بتعديلات دستورية جديدة تناولت المادة 76 المنظمة لانتخابات الرئاسة، ضمن حزمة تعديلات شملت 34 مادة، تنتقص من هامش الحرية المحدود. وكالعادة وافق مجلس الشعب على التعديلات، مما فجر معارضة واسعة، وطرحت للاستفتاء، وجاءت الموافقة المتوقعة في مارس 2007([1]).

وقد أوضح بهي الدين حسن "مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" أن أكثر من 50% من التعديلات المقترحة لا يترتب عليها تعديل جوهري في واقع الحال، بينما بقية التعديلات تقلص هامش الحرية المحدود بدرجة كبيرة. ([2])

الهوامش

([1]) راجع نصوص المواد المعدلة على موقع الهيئة العامة للاستعلامات، بعنوان: "تحديث دستور مصر، توافق مجلس الشعب والشورى حول التعديلات الدستورية"، على الرابط: تحديت الدستور

([2])إذ يترتب عليها: إنهاء الإشراف القضائي الجزئي على الانتخابات العامة،وتعزيز إمكانات تدخل السلطة التنفيذية في القضاء، وذلك بإنشاء مجلس جديد لرؤساء الهيئات "القضائية"برئاسة رئيس الجمهورية. وإغلاق الطريق أمام استيعاب الإسلام السياسي، وذلك بالنص على حظر الأحزاب الدينية، الأمر الذي سيفاقم الاحتقان السياسي والطائفي الديني في المجتمع، في ظل إغلاق الباب أمام نشأة أحزاب سياسية حية، ومحاصرة الموجود منها بالقيود التشريعية والإدارية والأمنية. (بهي الدين حسن: "دور المجتمع المدني في التعديلات الدستورية" مركز كارنيجي في يوم 23  أغسطس 2008)، على الرابط:

https://carnegieendowment.org/sada/2008/08/egyptian-civil-society-and-the-proposed-constitutional-amendments?lang=ar

استعان مبارك بدائرة ضيقة اتسع نفوذها يوما بيوم بسبب تقدمه في العمر؛ فقد كان مبارك -الذي ولد سنة 1928-  لما اندلعت ثورة الشعب في يناير 2011 في الثالثة والثمانين، وهو ما دفع بطموح ابنه جمال؛ الذي سيطر على ما أسماه "لجنة السياسات" في الحزب الوطني الحاكم، مدعومًا من أمه لوراثة الحكم، وبدأ الحديث عن توريث جمال مبارك الحكم بعدما تزايد حضوره في المشهد السياسي، وتوليه مسؤولية "لجنة السياسات" في الحزب الوطني، وهي اللجنة التي بدأت بالتدريج تحكم سيطرتها على أمور البلاد.

كان مبارك ورجاله ينفون بقوة إمكان حدوث التوريث في أول الأمر، ثم بدأ صوت إنكارهم في الخفوت. وقد صرح د. علي الدين هلال وزير الشباب والقيادي في الحزب الوطني أن الرئيس مبارك لم يعد ينكر الحديث عن التوريث سنة 2009-2010 كما كان ينكره قبل ذلك سنة 2001-2002، وأن أحد الأخطاء الكبرى هو عدم نفي ذلك نفيًا كاملاً ([1]).

بينما صرح محمد حسنين هيكل في حديثه مع لميس الحديدي بأن د. أسامة الباز المستشار السياسي لمبارك صرح له بأن اتفاقًا سيُعقد مع الصوفية في مصر بأن يؤيدوا جميعًا توريث جمال مبارك، وهو تأييد مضمون -بحسب المتحدث – لأن هؤلاء يؤمنون بحرمة الخروج على الحاكم([2]).

إن كل هذه الإشارات تؤكد أن سيناريو التوريث كان حقيقة يسعى إليها الرئيس وزوجه ومعاونوه، لتتسق الصورة التي برزت في العالم العربي مع توريث الحكم في سوريا بعد وفاة حافظ الأسد لولده بشار سنة 2000، والسعي لتوريث ابن معمر القذافي في ليبيا وابن علي عبد الله صالح اليمن.

الهوامش

([1])لقاء مع د, علي الدين هلال في برنامج "نظرة" مع الإعلامي حمدي رزق، قناة صدى البلد، 8 فبراير 2024، على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=zMw0EBX345E

([2])لقاء هيكل مع لميس الحديدي، قناة CBC Egypt، بتاريخ 11/4/2013، على الرابط:  https://www.youtube.com/watch?v=1mp0CQpLHRw

كان اقتراح مبارك في فبراير 2005 بإجراء انتخابات رئاسية متعددة مما يعزز الآمال في إمكانية احداث اختراق في الأفق السياسي المعتم والمصمت، غير أن الشروط التي وُضعت لتضييق فرص ترشح المعارضين لمبارك كانت مخيبة للآمال، فألقى الإخوان بحجر في الماء الراكد، إذ صرح نائب المرشد العام للإخوان المسلمين د. محمد حبيب في مارس سنة 2005 أن الجماعة ستؤيد ترشيح الرئيس حسني مبارك أو نجله جمال مبارك لرئاسة الجمهورية، إذا ما اتخذت إجراءات فعلية للإصلاح السياسي، منها انتخابات رئاسية تعددية بلا قيود، وإلغاء حالة الطوارئ والقوانين المقيدة للحريات([1]).

لم يستجب النظام لتلك الإشارات، إذ كانت تعني أن يتخلى جمال مبارك عن جميع أدوات القوة، التي يستمدها من وضعه السياسي، ومن سلطة أبيه المطلقة، فلم يكن في حزمة المطالب – إن تم تطبيقها - ما يؤكد استمرار مبارك، أو تولي ولده الحكم، إذ إن إلغاء الطوارئ، وإطلاق الحريات، مع إجراء انتخابات رئاسية متعددة؛ وبرلمانية حرة؛ سيودي بالنظام كاملاً. وكان تطور سياسات المعارضة، وتصاعد الغضب الشعبي، وبواكير حدوث حراك سياسي ضاغط، يزيد من تأزم الأمور، إذ وقع تزوير كثيف في انتخابات مجلس الشعب في (نوفمبر – ديسمبر 2005)، ضد قوائم مرشحي الإخوان المسلمين؛ وبخاصة في المرحلة الثالثة، وبالرغم من ذلك استطاع 88 مرشحًا من دخول المجلس، وهو ما استعمله مبارك في إثارة مخاوف أمريكا والغرب، إذ كان يؤكد أن البديل لحكمه هم الإخوان، مما قلل الضغوط الغربية عليه للسير قدمًا في نهج الحريات والديمقراطية، وتزايدت الضغوط الأمنية على الجماعة، وأحيل عدد من كبار قياداتها إلى محاكمة عسكرية في أواخر 2006 وأول 2007، ووجَّه جمال مبارك -الوريث المنتظر- سنة 2008 انتقادات للجماعة باستغلال الدين لتطوير "أفكارها الهدامة". وعلى ذلك فقد أعلن الإخوان رفضهم المطلق للتوريث على لسان مرشدهم مهدي عاكف المرشد العام للإخوان في حوار له مع وكالة فرانس برس في 14 /10/2006م([2])، وكرر عاكف الموقف نفسه في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) في القاهرة في  23 أبريل 2008 ([3])، وفي لقاء له مع قناة الجزيرة في 31/3/2009"([4])، وتتلخص حجته في أنه كان يرحب قبل تعديل المادة 76 من الدستور المصري بجمال مبارك، ويؤكد حقه في الترشح «كمواطن عادي» للانتخابات الرئاسية. وأضاف: «ولكن بعد أن تم تعديل المادة 76 لتصبح تفصيلا عليه، لا يمكن أن يترشح إلا إذا ترك قصر أبيه، وتعامل مع الشارع، والآن أعتبره مرفوضًا، مرفوضًا، مرفوضًا؛ بعدما رأيت من سياسته السيئة: المحاكم العسكرية والاعتقالات وسجن المعارضين وغلاء الأسعار... كل هذه القرارات صادرة عن لجنة السياسات (بالحزب الوطني الديمقراطي الحاكم) التي يرأسها، وأتوقع منه الأسوأ دائما".

وقد كان ذلك أحد أسباب التصعيد ضد الإخوان الذي بلغ ذروة في انتخابات 2010، حيث حرم النظام كل قوى المعارضة من الحضور السياسي في البرلمان.

الهوامش

([1])" الإخوان يؤيدون ترشيح مبارك أو نجله" تقرير لجريدة الراية القطرية، بتاريخ 29 مارس 2005، على الرابط:

https://www.raya.com/2005/03/29/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%8A%D8%A4%D9%8A%D8%AF%D9%88%D9%86-%D8%AA%D8%B1%D8%B4%D9%8A%D8%AD-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%83-%D8%A3%D9%88-%D9%86%D8%AC%D9%84%D9%87/

([3]) ونشرته جريدة الوسط البحرينية بتاريخ  23 أبريل 2008، على الرابط:http://www.alwasatnews.com/news/290789.html

أدمنت داخلية مبارك تزوير الانتخابات بوسائل شتى أصبحت معلومة للجميع، ووجدت غض الطرف من القضاة الذين يشرفون إشرافًا صوريًا على الانتخابات، غير أنه بارتفاع حدة المعارضة للنظام خرج بعض القضاة يتصدون لذلك التزوير، كما حدث مع المستشار حسام الغرياني الذي أصدر حكمًا ببطلان الانتخابات في دائرة الزيتون عام 2003 م وكان الفائز فيها زكريا عزمي، رئيس ديوان مبارك، وكما حدث مع المستشارة نهى الزيني -نائبة رئيس هيئة النيابة الإدارية التي رأست إحدى اللجان الفرعية في انتخابات دائرة بندر دمنهور-  التي كشفت التزوير الذي وقع ضد مرشح الإخوان د. جمال حشمت، لصالح د. مصطفى الفقي أحد مستشاري مبارك([1]).

أجريت انتخابات مجلس الشعب في نوفمبر - ديسمبر 2005، وفاز فيها الإخوان ب 88 نائبًا، بالرغم من قلة أعداد مرشحيهم (161 مرشحًا من الإخوان من 5400 مرشحًا على مستوى الجمهورية، أي أقل من 3%) وشهدت تزويرًا واسعًا وبخاصة في الجولة الثالثة، وفي تلك الانتخابات قتل من شباب الإخوان اثنا عشر فردًا، واعتقل الكثيرون. ويبدو أن ثمة تفاهمات بين النظام والإخوان سبقت هذه الانتخابات بغية تحسين ظروف المعتقلين من رجال الإخوان، والإفراج عمن قضوا المدة المكافئة للإفراج عنهم، فلم يرشح الإخوان سوى 150 مرشحًا، ولكن النتيجة كانت مفاجئة للإخوان أنفسهم بنجاح هذا العدد الذي يمثل أكثر من 58% من المرشحين. وقد أصبحت أعداد الإخوان في المجلس النيابي 20% من أعضائه، (أي واحدًا من كل خمسة نواب) مما يدل على تنامي المعارضة للنظام الحاكم، واتجاه المزاج الشعبي نحو الطرح الإسلامي المعتدل.

على أن التزوير الذي حدث في 2005 لا يقارن بالتزوير الشامل الذي أصاب انتخابات 2010، وأسماها بعض قادة الإخوان "الانتخابات السرية المشفَّرة" على سبيل السخرية، حيث حيل بين المرشحين والوصول إلى الناس، ومنعت الدعاية الانتخابية، قبل التدخل للتزوير في مقار الانتخابات نفسها([2]). وجاء ذلك التزوير بمثابة القشة التي قصمت ظهر النظام، حيث أوكلت أدارتها لأمين الحزب أحمد عز بعدما كان يديرها أصحاب خبرات مثل صفوت الشريف وكمال الشاذلي، وقد ادارها عز صديق مبارك الأبن الطامح للتوريث برعونة غير مسبوقة، وبتزوير فجٍّ، وثَّقته المعارضة، وكانت منصات التواصل مجددًا ساحة الفضح و التشهير، أدى هذا التزوير لاحتقان غير مسبوق بين قوى المعارضة التي لم ينل أي منهم مقعدا بالمجلس فتجمعت و أعلنت تشكيل البرلمان الموازي بمشاركة إخوانية واسعة ومؤثرة، كان من بين الأعضاء د. محمد البلتاجي وفريد أسماعيل وحازم فاروق، اجتمع البرلمان الموازي قبل مظاهرات يناير بأيام واتخذ قرارًا بالمشاركة فيها.

وثائق أمن الدولة تفضح ميليشيا المزورين:

 لقد تبين بعد ثورة يناير عام 2011؛ ووقوع وثائق خطيرة في أيدى الثوار عن وجود ميليشيات منظمة تدار من جانب أجهزة وزارة الداخلية، وخصوصًا مباحث أمن الدولة، تُستخدم أثناء الانتخابات لتزوير النتائج، وقبلها للتضييق على المرشحين المعارضين. 

ووفقا للمستندات التي تسربت أثناء أحداث ثورة 25 يناير عام 2011 ؛ بعد اقتحام الثوار بعض مقرات مباحث أمن الدولة في مارس وإبريل من هذا العام؛ فان وزارة الداخلية يوجد في عملياتها 165 ألفًا و250 متعاونًا (أي جواسيس) موزعون كالتالي: 

(أ) 85481 مسجل خطر، يُستخدمون في كافة العمليات بما في ذلك تزوير وضرب ومنع المعارضين أثناء الانتخابات.

(ب) 79796 متعاون (سوابق) غير مدرجين بكشوف مسجلي خطر. 

ويُدار هؤلاء من خلال إدارة بمباحث أمن الدولة تسمى (إدارة التعامل مع المدنيين)، كان يديرها حتى اندلاع ثورة 25 يناير عام 2011 العميد "على جلال".

وتتضمن المستندات أربع مذكرات للعرض، مقدمة من العميد "علي جلال" إلى اللواء حسن عبد الرحمن مدير جهاز مباحث أمن الدولة قبل الثورة، تتعلق بحصر هؤلاء "المتعاونين" مع الوزارة، وتسجيل بياناتهم إلكترونيًا، وتورد أنهم بلغوا 165250 متعاونًا، وكانت المذكرة الأخيرة بعنوان "أعداد العناصر المدنية المتعاونة مع الجهاز لانتخابات مجلس الشعب"، والمؤرخة في 1/11/2010، وفيها يؤكد العميد على جلال على أنه قد تم تنبيه جميع إدارات الأمن العام بعدم تحرير محاضر، أو اتخاذ أية إجراءات ضد البلطجية، أو مسجلي الخطر الذين يتم ضبطهم أو تقديمهم للشرطة. 

وهذه الأرقام عن الجيش السري للبلطجية الذي يعمل تحت قيادة ضباط رسميين في وزارة الداخلية يكاد يقترب من الرقم الذي ذكره اللواء أحمد جمال في تصريح لاحق، وقال فيه أن عدد المسجلين خطر في الوزارة يقارب 110 ألف شخص. وإذا أضفنا إليها ما صرح به اللواء صلاح الشربيني مساعد وزير الداخلية للأمن المركزي قبل الثورة بأن عدد أفراد الأمن المركزي كان قد بلغ 118 ألف فرد، وأن عدد المجندين في الشرطة بصفة عامة كان قد بلغ 290 ألف مجند، وأن عدد معسكرات الأمن المركزي في البلاد قد بلغ 20 معسكرًا، فلنا أن نتصور هذا الجيش العرمرم الذي كان يحكم به الرئيس مبارك ووزير داخليته اللواء حبيب العادلي مصر. 

وقد استخدمت هذه الميليشيات التي كان يقودها موردين من أمثال صبري نخنوخ (الذي نال على عفو رئاسي من الجنرال عبد الفتاح السيسي عام 2016) ضد المرشحين المعارضين في المرحلة الثالثة من الانتخابات التشريعية، وامتدت أيديهم إلى القضاة المشرفين على العملية الانتخابية الذين رفضوا بإصرار وشرف حدوث أي تلاعب في صناديق الاقتراع. ([3])

الهوامش

([1]) وقالت المستشارة في شهادتها إنها أنهت مهمتها في إجراء عملية الانتخاب، وسلمت نتيجة اللجنة إلى اللجنة العامة لفرز الانتخابات، والتي طلب رئيسها منها الانصراف بعد مضي وقت طويل من الليل، وقد قارب الفرز نهايته، ثم تقول: "كانت المؤشرات قرب النهائية القادمة من اللجان الفرعية تدل علي أن المرشح جمال حشمت حصل علي 25 ألف صوت «علي أقل تقدير»، بينما حصل مصطفي الفقي علي 7 آلاف صوت «علي أعلي تقدير»، ولكن النتيجة المعلنة كانت على عكس ذلك، بادعاء نجاح الدكتور مصطفى الفقي، وتعقب المستشارة نهى الزيني على ذلك بأن الحديث قد اشتهر بأن هناك قضاء واقفًا، وقضاء جالسًا، ويجب أن نضيف إلى هذين النوعين نوعًا ثالثًا هو "القضاء المنبطح". ثم تختم حديثها بأن تظهر عوار تدخل السلطة التنفيذية في أمر القضاء، وإفساده ضمائر كثير من أهله، قائلة: "إنه - مع الأسف - من لم يرهبهم سيف المعز تراخت إرادتهم أمام ذهبه، وبدلاته ومكافآته وانتداباته في السلطة التنفيذية، حيث يتحول الجميع جالسين وواقفين إلي مرؤوسين لوزراء تنفيذيين، منبطحين أمام توجيهاتهم، حريصين علي عدم ضياع مكتسبات مادية مغرية، استبدلوها باستقلالهم وشموخهم وترفعهم عن الشبهات، ... وأستصرخ همة القضاة الأحرار أن يتوقفوا عن المشاركة في الإشراف علي الانتخابات، حتي ينالوا استقلالاً حقيقيًا؛ يمكّنهم من السيطرة الحقيقية والكاملة علي العملية من أولها لآخرها، ولأن ينسب التزوير إلي غيرهم خير من أن ينسب إليهم (راجع نص الشهادة على موقع المصري اليوم، بتاريخ 25/11/2005) على الرابط: https://www.almasryalyoum.com/news/details/2189382

([2]) د. أسامة ياسين في حواره مع أحمد منصور على قناة الجزيرة، برنامج شاهد على الثورة، بتاريخ 6/11،2011، على الرابط:

https://www.youtube.com/watch?v=ZP4OD7yGIgM

تنصّ المادتان 55 و56 من الدستور المصري على أنه "كل من يُقبض عليه، أو يحبس، أو تقيد حريته؛ تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًّا أو معنويًّا، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك، ولائقة إنسانيًّا وصحيًّا.. وتخضع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي، ويحظر فيها كل ما ينافي كرامة الإنسان، أو يعرض صحته للخطر".

      كانت هاتان المادتان أبعد ما تكونان عن واقع العدالة المهيض في مصر أيام مبارك،وفي ذلك يقول فيليب لوثر- مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية-: إن مبارك فرض قانون الطوارئ أول حكمه، وبالتالي "أنشأ قانون الطوارئ نظام عدالة الظل الذي تحايل على النظام القضائي العادي، والضمانات المحدودة التي يكفلها. وقد نجم عن ذلك احتجاز عشرات الآلاف من الأشخاص بدون تهمة أو محاكمة، غالبًا في ظروف مزرية. كما أشرف حكم مبارك على إنشاء جهاز مباحث أمن الدولة سيئ السمعة، والمثير للخوف، والذي بلغ عدد موظفيه في أوجه ذروته ما يزيد عن 100 ألف موظف، وكان يُعتقد أنه مسؤول عن مئات حالات التعذيب، وغيرها من الانتهاكات، مثل عمليات الاعتقال والاحتجاز بشكل تعسفي.

واختتم فيليب لوثر كلامه قائلاً: “لقد رسخ مبارك جذور الدولة المصرية العميقة، والتي بدورها رسخت قوات الأمن فجعلتها محصنة وغير قابلة للمساءلة. ولم تحاسب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان المرتكبة في عهد مبارك، وفي السنوات التي تلت ذلك. وما زالت تتصرف حتى يومنا هذا وكأنها فوق القانون”.([1])

وتعدى دور أجهزة الأمن مصر إلى خارجها، تسبقها "مؤهلاتها وتاريخها الدموي"، وسمعتها في التعذيب، "وانتزاع المعلومات في أقبية التحقيق في القاهرة"، مما رشحها بقوة للقيام "بدور مشبوه"كوكيل للاحتجاز والتعذيب بالوكالة، وجعلها "على رأس الأجهزة المرشحة للعب دور الوسيط العالمي لشؤون العمليات "القذرة" للعديد من الأجهزة الأمنية حول العالم"([2]). وكان عصر عمر سليمان علامة بارزةفي تحويل المعتقلات والسجون المصرية إلى أقبية للموت والاختفاء حرفيا لا مجازا([3]).

      


([1]) يلقب الصحافي الأمريكي الشهير رون سوسكيند اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة زمن مبارك بـ "الرجل المطرقة" في كتابه الصادر عام 2006 والمعنون بـ "عقيدة الواحد في المائة"،  ويدافع سوسكيند عن استخدامه لهذا الوصف بزعمه أن المخابرات الأمريكية حين اشتبهت في قيامها بقتل القيادي بتنظيم القاعدة آنذاك أيمن الظواهري، فإنها طلبت من السلطات المصرية الحصول على عينة من الحمض النووي من شقيقه المحتجز في مصر، غير أن سليمان عرض إرسال ذراع الشقيق كاملا عوضًا عن ذلك، قبل أن يخبره المحققون الأمريكيون أن قارورة واحدة من الدماء ستكون أكثر من كافية. (محمد السعيد: المقال السابق)

وكان شيوع التعذيب في السجون المصرية مؤخرا والكشف عن وقائع متتالية، من أبرز العوامل التي فاقمت الشعور بالاحتقان، خاصة الموجه لرجال الشرطة.

 وكان من أبرز القضايا التي هزت الشارع المصري، لدى تفجرها عام 2005، قضية عماد الكبير الذي تعرض للاغتصاب بأحد أقسام الشرطة مع التصوير بقصد الإهانة.

 ثم جاءت قضية "مقتل الشاب السكندري خالد سعيد" في 6 يونيو 2010 بعد تعرضه للضرب حتى الموت على أيدي الشرطة خارج مقهى للإنترنت، وتصوير مقتله على أنه انتحار بابتلاع لفافة من البانجو المخدر، لتفتح أبواب الغضب على الشرطة ورجالها. وقد تميزت القضية بتحولها إلى قضية رأي عام وقضية دولية بعد تبنى جمعيات حقوقية داخل وخارج مصر، استخدمت فيها أحدث وسائل الاتصال، وتم إنشاء جروب «كلنا خالد سعيد» على فيس بوك، الذى وصل عدد المشاركين فيه لأكثر من 600 ألف، واستمرت المظاهرات في عدد من المحافظات أكثر من 6 أشهر، وكانت من أقوى أسباب اندلاع ثورة 25 يناير.

ثم زاد الغضب بعد مقتل سيد بلال تحت التعذيب على يد مباحث أمن الدولة في الإسكندرية أيضًا، بزعم اتهامه بالتورط في تفجيرات كنيسة القديسين التي وقعت في أثناء احتفال الأقباط برأس السنة الميلادية 2011، وتشير الأدلة إلى اتهام وزارة الداخلية بالتسبب فيها، فتم إنشاء جروب «كلنا سيد بلال» وذلك فبل وقوع الثورة بأيام.([4])

الإخوان المسلمون بين السجن والتعذيب:

كتب الصحفي عامر شماخ كتابًا عنوانه "الإخوان المسلمون في معتقلات وسجون مبارك"، استعرض فيه الظلم والاضطهاد الذي تعرضت له الجماعة تحت حكم مبارك، والتضحيات التي قدموها طوال 30 عامًا، حيث اعتقل منهم 50 ألفًا، منهم 30 ألفًا في العشر السنوات الأخيرة، وقد قتل مبارك أربعة من الإخوان عمدًا، وقتل العشرات بالموت البطيء داخل سجونه المظلمة التي لم تخلُ من أعضاء الجماعة يومًا، وقد أحالهم إلى المحاكمات العسكرية الاستثنائية سبع مرات شملت الفترة من 1995 حنى 2006، كانت ثلاثة في سنة واحدة هي 1995 ([5]). وبلغت أعداد من حوكموا عسكريًا 170 أخًا، وتم الحكم على 119 منهم بأحكام مشددة، ومصادرة أموال عدد منهم([6]).

وقال عبد المنعم عبد المقصود محامى جماعة الإخوان المسلمين: إن مبارك أهدر أكثر من 62 ألف حكم قضائي صدرت لجماعة الإخوان المسلمين.وإن هذه الأحكام صدرت إما ببراءة متهمين من الجماعة، أو الإفراج عنهم، ولم يتم تنفيذها، وتم استبعاد مرشحين من جميع الانتخابات التي شهدتها مصر من مجالس الشعب والشورى والمحليات، وهناك أحكام صدرت لطلاب الإخوان؛ سواء بعدم فصلهم؛ أو إدراجهم بكشوف المرشحين، وأحكام صدرت بأحقيتهم في السكن في المدن الجامعية، وأحكام أخرى صدرت بأحقية ممنوعين من قيادات الجماعة في السفر، بعد إدراجهم في قوائم المنع من السفر، حيث تم منع 3200 من قيادات الإخوان من السفر.

وأوضح عبد المقصود أنه من ضمن هذه الحصيلة تم غلق أكثر من 1400 شركة لأفراد الإخوان، بالمخالفة للمبادئ الدستورية التي كفلت وحصَّنت الملكية الخاصة للمواطنين، مما نتج عنه خسائر اقتصادية كبيرة، وهروب استثمارات كانت تستعد للدخول إلى البلاد، وأضعفت من فرص مصر في الاستثمار الأجنبي.

وأضاف: "بجانب الشركات التي تم غلقها؛ وصل الأمر إلى التحفظ على أكثر من 800 سيارة، وإتلافها من خلال إيداعها في أماكن غير مناسبة، وكان القبض على أحد من الإخوان يعنى تقييد حريته، وغلق باب رزقه، ومصادرة ما يملك، والتحفظ على سيارته، وقد جرى استبعاد 11 ألفًا من العمل في الوظائف المختلفة، ولم يكن طلاب الإخوان بمنأى عن الأحداث، حيث تعرض على مدى عهد مبارك أكثر من 44 ألف طالب لانتهاكات تمثلت في القبض على عدد منهم، وفصل طلاب بسبب انتمائهم للجماعة، أو التعبير عن آرائهم، وتعرضوا لشطب من انتخابات الاتحادات الطلابية، والتحقيق بسبب التعبير عن الرأي، والحرمان من السكن في المدن الجامعية.

وأكد عبد المقصود أنه في عهد مبارك أيضًا تم حرمان الإخوان المسلمون من تأدية الخدمة العسكرية الإلزامية، التي كان يسعى إليها الإخوان في الوقت الذى كان يتهرب فيه منها البعض.

وأضاف أن الآلاف من الإخوان تعرضوا للتعذيب على يد زبانية مبارك في جهاز مباحث أمن الدولة المنحل، واستشهد منهم عدد ليس بقليل على رأسهم كمال السنانيري ومسعد قطب وأكرم الزهيري.([7])

الهوامش

([1])تقرير "حسني مبارك، إرث حيّ من التعذيب الجماعي والاحتجاز التعسفي"، على موقع منظمة العفو الدولية،  بتاريخ 25/2/2020،على الرابط: https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2020/02/hosni-mubarak-legacy-of-mass-torture/

([2]) وتسوق التقارير أمثلة لذلك بشأن التحقيق والتعذيب الذي تعرض له قيادات في تنظيم القاعدة، أرسلتهم المخابرات الأمريكية لانتزاع الاعترافات منهم إلى مصر، تجنبًا للعقوبة التي يفرضها القانون الأمريكي على ممارسة التعذيب.   حتى قال رجل المخابرات الأمريكي روبرت باير:  "إذا ما أردت استجوابًا رصينًا لسجين فأرسله إلى الأردن، وإذا أردت أن تعذبه فأرسله إلى سوريا، أما إذا كنت تريد أن يختفي تماما فأرسله إلى مصر"، إلا أن القاهرة ظلت الوجهة المفضلة والأكثر شيوعا لواشنطن، حيث كان بإمكان الأمريكيين إعطاء الأسئلة للمحققين المصريين في الصباح والحصول على الأجوبة من المحتجزين في المساء وفق شهادات نصية للمحققين الأمريكيين. (محمد السعيد: "صممت لتقتلهم ببطء.. كيف تمت هندسة السجون المصرية لتكون مقابر للأحياء؟قناة الجزيرة) ،على الرابط:

https://www.aljazeera.net/midan/reality/politics/2020/6/17/%D8%A3%D9%82%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D9%82%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B8%D9%84%D9%85%D8%A9

([3]) يلقب الصحافي الأمريكي الشهير رون سوسكيند اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة زمن مبارك بـ "الرجل المطرقة" في كتابه الصادر عام 2006 والمعنون بـ "عقيدة الواحد في المائة"،  ويدافع سوسكيند عن استخدامه لهذا الوصف بزعمه أن المخابرات الأمريكية حين اشتبهت في قيامها بقتل القيادي بتنظيم القاعدة آنذاك أيمن الظواهري، فإنها طلبت من السلطات المصرية الحصول على عينة من الحمض النووي من شقيقه المحتجز في مصر، غير أن سليمان عرض إرسال ذراع الشقيق كاملا عوضًا عن ذلك، قبل أن يخبره المحققون الأمريكيون أن قارورة واحدة من الدماء ستكون أكثر من كافية. (محمد السعيد: المقال السابق)

([4]) عبد الفتاح عبد المنعم: خالد سعيد الشهيد الذي صنع الثورة، مقال بموقع المصري اليوم، بتاريخ 17/2/2011، على الرابط: https://www.youm7.com/story/2011/2/17/%D8%AE%D8%A7%D9%84%D8%AF-%D8%B3%D8%B9%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%87%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%89-%D8%B5%D9%86%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9/353319

([5])وهي: (القضية رقم 1995/8 جنايات عسكرية)  في يناير، و (القضية رقم1995/11 جنايات عسكرية( في نوفمبر، و(القضية رقم 1995/13  جنايات عسكرية( في نوفمبر أيضًا. و)القضية رقم 1996/5 جنايات عسكرية) و)القضية رقم 1999/18 جنايات عسكرية)، و(القضية رقم 2001/29 جنايات عسكرية)، وكانت آخر هذه القضايا في ديسمبر 2006، وهي السابعة لهم في عصر مبارك، هي (القضية رقم 2007/2  جنايات عسكرية). راجع تقريرًا بعنوان "المحاكمات العسكرية للإخوان المسلمين في عهد النظام البائد وحملات التشويه" على موقع ويكي إخوان، على الرابط:   https://2u.pw/MDJSmrqI

([7]) تقرير "الإخوان: 32 ألف معتقل وغلق 1400 شركة نصيب الجماعة من قانون الطوارئ" على موقع دنيا الوطن، بتاريخ 1/6/2012، على الرابط: https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2012/06/01/283412.html?utm_source=chatgpt.com

 

في هذه النسخة المحرفة من الرأسمالية نجد أن هذا النظام "تشكل فيه الدولة لب الطبقة المسيطرة، ويشكل رجال الأعمال وكلاء لها أساسًا"، فالدولة تتصرف كمالك إقطاعي، يهيمن على مجمل الاقتصاد، بما في ذلك القطاع الخاص، بل إن هذه الطبقة المسيطرة "تمارس الجريمة الاقتصادية، وغير الاقتصادية على نطاق واسع"([1])

لقد توسعت الحكومة في اعتماد اقتصاد السوق، دون مراعاة البعد الاجتماعي، فاتسعت دائرة الاحتجاجات لتشمل الجميع بما في ذلك العمال والفلاحين([2]). واستخدمت السلطة العصا الغليظة لتمرير هذه السياسات، وبلغت في تجاوزاتها حد احتجاز نساء فلاحات للضغط على ازواجهن لإخلاء الأراضي التي بحوزتهم، مع اتباع سياسة عقاب جماعي تصدى لها الفلاحون عبر عدة اشتباكات مع الشرطة في محافظات البحيرة والدقهلية و القليوبية([3]). 

وتبني مبارك سياسات الخصخصة، وبالرغم من تحقيق حكومة أحمد نظيف معدلات نمو مرتفعة إلا أن عوائد هذا النمو صاحبها سوء توزيع الدخل، فزادت الفروق الاقتصادية بين المصريين، في المجمل أدت تلك السياسات الى إفقار غير مسبوق المصريين([4])، في مقابل إثراء فاحش مشوب بالفساد لرجال الأعمال المقربين من مبارك ونجله، والذين كان سلوكهم شديد الاستفزاز لغالبية المصريين الفقراء([5]).

كما شاب عمليات الخصخصة (بيع الأصول المملوكة للدولة إلى رجال أعمال) فساد واهدار للمال العام، و اضرار بالعمال، وبالرغم من قدرة النظام على تمرير تلك السياسات؛ إلا انه دفع مقابل ذلك من سمعته ومشروعيته. ويلخص أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة جريدة الأهرام جانبًا من جوانب الفساد في عصر مبارك؛ في مقال له يوم 8/12/2014 فيقول: تم منح المقربين من «رجال أعمال» نظام مبارك غالبية أراضي طريق القاهرة-الإسكندرية الصحراوي، وأراضي توشكي والعوينات، وأراضي شمال غرب خليج السويس، وأراضي المدن الجديدة، وأراضي الحزام الأخضر حول مدينة 6 أكتوبر وغيرها من الأراضي والمناطق بلا معايير، وبالتخصيص بأوامر مباشرة، وبأسعار بالغة التدني، وبدون إلزامهم بالتنمية الزراعية أو الصناعية في وقت محدد، وبدون معاقبتهم على تغيير استخدامها من التنمية الزراعية إلى التنمية العقارية..

وعلى سبيل المثال تم منح أراضي للتنمية الزراعية على طريق القاهرة-الإسكندرية الصحراوي بـ 200 جنيه للفدان (الفدان 4200 متر مربع) بالتقسيط على آجال زمنية طويلة. وتم تحويلها لمنتجعات سكنية فاخرة، يصل سعر المتر المربع من الأرض الفضاء فيها إلى نحو ألف جنيه، ويصل سعر متر المباني إلى أكثر من أربعة آلاف جنيه. وهذا يعنى أن الفدان الذي تم شراؤه من الدولة بـ 200 جنيه يصل سعره كأرض فضاء إلى 4,2 مليون جنيه، ويصل سعره كمبان إلى 16,8 مليون جنيه.

وفى سبتمبر 1998 وقعت الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية - التابعة لوزارة الزراعة - عقدا مع شركة «المملكة للتنمية الزراعية» ويملكها الأمير السعودي الوليد بن طلال بشأن الاتفاق على تخصيص وبيع 100 ألف فدان بمشروع توشكي لشركته؛ بسعر 50 (خمسين) جنيها للفدان، بإجمالي ثمن قدره 5 ملايين جنيه، سُدد 20% منها عند التوقيع، رغم أن نصيب كل فدان من تكلفة البنية الأساسية في مشروع توشكي يبلغ 11 ألف جنيه، أي نحو 220 مثل السعر الذى بيعت به الأرض لابن طلال.

وفيما يتعلق بسعر بيع المياه لشركة ابن طلال فإنه يبلغ أربعة (4) قروش إلى (6) قروش! كما أنه معفى من جميع الضرائب والرسوم والأتعاب لمدة 20 عاما، تبدأ بعد بدء إنتاج 10 آلاف فدان من الأرض المخصصة للشركة، أي أنها لم تبدأ بعد (وقت كتابة المقال). ويسرى هذا الإعفاء على المقاولين والعمال في مشروعه..

وتم بيع فتدق الميريديان –الذي يبدو كشبه جزيرة في النيل؛ في موقع فريد وشديد التميز- إلى مشترٍ سعودي بمبلغ 75 مليون دولار. بينما كانت  قيمة الأرض وحدها التي أقيم عليها الفندق كانت تساوى 630 مليون جنيه مصري؛ أي أكثر من 185 مليون دولار بأسعار ذلك العام. أي أنه تم بيع ذلك الفندق بنحو 40% من قيمة الأرض وحدها !! .([6])

ومن ذلك الفساد ما كان من إهدار الغاز الطبيعي المصري الذى تم بيعه للكيان الصهيوني وإسبانيا بأقل من ربع سعره في الأسواق العالمية، واتهم فيها أحد المقربين من مبارك وهو حسين سالم صاحب النصيب الأكبر من أسهم شركة غاز شرق المتوسط، مع شركاء صهاينة وأمريكان، ووقعت الاتفاقية بين الحكومة المصرية والإسرائيلية عام 2005، وتقضي بتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي لمدة 20 عاما، بثمن يتراوح بين 70 سنتا و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما يصل سعر التكلفة 2.65 دولار، كما حصلت شركة الغاز الإسرائيلية على إعفاء ضريبي من الحكومة المصرية لمدة 3 سنوات من عام 2005 إلى عام 2008، وقد أثارت تلك الاتفاقية غضبًا عامًا، ورفع بعض المعارضين دعوى أمام محكمة القضاء الإداري، فقضت ببطلان الاتفاقية، وإيقاف تصدير الغاز في 18 نوفمبر 2008، ، إلا أن الحكومة المصرية طعنت في الحكم!! فألغت المحكمة الإدارية العليا الحكم السابق في 2 فبراير 2009، وقضت بصحة الاتفاقية؛ لأنها عمل من أعمال السيادة التي لا يجوز الطعن فيها! ليُستأنف تصدير الغاز للعدو([7]).

وظهرت قضايا فساد نواب القروض، وهم نواب في مجلسالشعبالمصر، يُفترضفيهمالدفاععنمصالحه، ومراقبةالحكومة، وضماننزاهتها، لكنهم اتهموا باستغلال مناصبهم في الحصول على قروض مالية قيمتها 892 مليون جنيه بدون ضماناتبنكيةوهي قضايا ظلت تتداولها المحاكم، ويتبارى فيها المحامون عدة سنوات([8]).

الهوامش

([1]) عادل العمري: نقد الثورة المصرية ص11-12، مقال منشور عبر الإنترنت، بتاريخ 4/5 / 2012

([2])عزمي بشارة: ثورة مصر ج1 ص 285

([3]) المرجع السابق ج1 ص 273

([4]) بحسب رواية "ديفيد أوتاوي" المدير السابق لمكتب واشنطن بوست في القاهرة والباحث في مركز وودرو ويلسون، راجع عزمي بشارة: ثورة مصر ج1 ص 258، كيركباتريك: في أيدي العسكر ص19

([5]) كيركباترك: في ايدي العسكر ص 24

([6])"كوارث عصر مبارك التي ينبغي محاسبته عليها"، مقال أحمد السيد النجار رئيس مجلس إدارة جريدة الأهرام في الأهرام بتاريخ 8/12/2014، السنة 139 العدد 46753، على الرابط: على الرابط: https://gate.ahram.org.eg/daily/News/51389/4/345098/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D9%83%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%AB-%D8%B9%D8%B5%D8%B1-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%89-%D9%8A%D9%86%D8%A8%D8%BA%D9%89-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%B3%D8%A8%D8%AA%D9%87-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%87%D8%A7.aspx

([7]) راجع "اتفاقية تصدير الغاز المصري لإسرائيل"، موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة: على الرابط https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9_%D8%AA%D8%B5%D8%AF%D9%8A%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%B2_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A_%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84_(2005)

[8]" نواب القروض"، موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة، على الرابط: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%A8_%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D9%88%D8%B6

وخلَّفت أعوام حكم مبارك أكثر من 20 مليونمصريتحتخطالفقر، و8 ملايين يعانون من البطالة، و12 مليوناً يعيشون في العشوائيات، و22 مليوناً من الأميين، علاوة على ما يعادل 800 مليار جنيه من الدين الداخلي والخارجي، و42 مليار جنيه (حسب التقديرات الرسمية) هربها رجال الأعمال من المحسوبين على السلطة إلى خارج البلاد (.([1]

وتوالت الكوارث الاجتماعية نتيجة سياسات عاجزة، واستهتار بآدمية الإنسان. وتعد حادثة قطار الصعيد التي وقعت بالعياط جنوبي القاهرة؛ الأسوأ من نوعها في تاريخ السكك الحديدية المصرية، حيث راح ضحيتها أكثر من ثلاثمائة وخمسين مسافرًا، بعد أن تابع القطار سيره لمسافة 9 كيلومترات والنيران مشتعلة فيه؛ ولم تصدر حصيلة رسمية بالعدد النهائي للقتلى. واختلف المحللون في عدد الضحايا حيث ذكرت بعض المصادر أن عدد الضحايا يتجاوز 1000 قتيل.

وفي يوم 2 فبراير/ شباط 2006 غرقت العبارة المصرية "السلام 98" التابعة لشركة السلام للنقل البحري في البحر الأحمر أثناء رحلة بين ميناءي ضبا السعودي وسفاجا بمصر. وكانت العبارة تحمل أكثر من 1400 شخص عند غرقها بمن فيهم أفراد الطاقم، ومات في هذه الكارثة 1033 شخصا. وقد حمَّلت لجنة تحقيق برلمانية مصرية الشركة المالكة والحكومة مسؤولية الكارثة. ويوم 27 يوليو/ تموز 2008 قضت محكمة ببراءة مالك العبارة، وأصدرت حكما وحيدا بالسجن ستة شهور بحق قائد سفينة أخرى تزامن وجودها على مقربة من العبارة الغارقة، حيث لم يتدخل للقيام بعمليات الإنقاذ اللازمة!.

في4 أغسطس 2006، وقع تصادم بين قطارين في طريق «المنصورة – القاهرة»، واختلفت الإحصاءات عن عدد القتلى فذكر مصدر أمنى أن عدد القتلى بلغ 80 قتيلا، وأكثر من 163 مصابًا، في حين ذكرت قناة «الجزيرة» الفضائية أن عدد القتلى بلغ 65 شخصًا.

  وفي 6 أكتوبر 2009 تصادم قطاران في منطقة العياط على طريق القاهرة-أسيوط، وأدى إلى مقتل 30 شخصا وإصابة آخرين([2]).

كانت هذه الكوارث مما يراكم الغضب الشعبي، وقد حذرت 10 تقارير أمنية مبارك من مغبة ذلك الغضب، كان أول هذه التقارير سنة 2003 نتيجة الغضب بسبب غزو العراق، وحذر تقرير أمن الدولة في 2005 النظام من خطورة وصول عدد كبير من قيادات جماعة الإخوان للبرلمان، واقتحامهم السياسة، واصفًا الأمر بأنه "خطير"، وفى 2006 قدم أمن الدولة تقريرًا ملتهبًا للنظام، حذر فيه من تداعيات الحوادث الكبرى التي شهدتها البلاد، ووصفت حالة الغليان في الشارع المصري، بعد حادث غرق العبارة السلام 98، ويعتبر تقرير أمن الدولة في نهاية 2007 هو الأخطر، حيث شرح التقرير حالة الغضب التي انتابت الشارع المصري جراء التعديلات الدستورية على يد مبارك، التي فتحت الباب للتمهيد لاحتمال ترشح جمال مبارك، ونوه التقرير الأمني المقدم من أمن الدولة في 2008 إلى أن ما حدث في 6 أبريل بمدينة المحلة الكبرى قد يكون بروفة لثورة شعبية ستشهدها مصر خلال الفترة المقبلة، محذرة من تكرار هذا المشهد في الشارع المصري. واستعرض التقرير الأمني في 2009، أزمات السكة الحديد، والفساد الموجود بهذا القطاع، مما تسبب في حادث قطار العياط في أكتوبر 2009، وقام وزير النقل والمواصلات محمد لطفى منصور بتقديم استقالته على خلفية هذا الحادث، كما تخوف التقرير الأمني من الاضطرابات قبل وبعد مباراتي منتخبي مصر والجزائر في نوفمبر 2009، وحذر تقرير أمنى في 2010 من خطورة الفتنة الطائفية، وشدد على ضرورة وأدها، كما نوه التقرير إلى أن هناك حالة غضب من المواطنين بعد حادث خالد سعيد وحالة سخط من جهاز الشرطة، وتعرض التقرير لتزوير الانتخابات البرلمانية، مؤكدًاً أن الشارع يشهد حالة من الغليان لسيطرة الحزب الوطني على البرلمان. وقدمت أجهزة الأمن للنظام في مطلع يناير 2011 ثلاثة تقارير أمنية، بعدما تصاعدت المطالب بالحشد والنزول للميادين في ذكرى عيد الشرطة 25 يناير للمطالبة بالتغيير([3]).

وشهدت مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة السابقة للثورة أكبر موجة احتجاجات عمالية؛ قفزت من 115 إضرابًا عام 2001، إلى عشرة آلاف اعتصام، و1250 إضرابًا عام 2008، على سبيل المثال، وتضاعفت تلك المعدلات عام 2010.([4])

الهوامش

([1])عزمي بشارة: ثورة مصر ج1 ص 220، وتقرير بعنوان: سنوات حكم مبارك، كوارث خلفت الآلاف من الضحايا، موقع العربي الجديد، بتاريخ 25  فبراير 2020 على الرابط: https://www.alaraby.co.uk/%D8%B3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%AD%D9%83%D9%85-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%83-%D9%83%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%AB-%D8%AE%D9%84%D9%81%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A2%D9%84%D8%A7%D9%81-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B6%D8%AD%D8%A7%D9%8A%D8%A7

[2] تقرير بعنوان: "أشهر 10 كوارث في عهد مبارك" موقع المصري اليوم، بتاريخ 11/8/2014، على الرابط:  https://www.almasryalyoum.com/news/details/499524

([3])محمود عبد الراضي: أسرار 10 تقارير أمنية تجاهلها مبارك قبل ثورة يناير فأطاحت به، تقرير على موقع المصري اليوم، بتاريخ الأحد، 17 يوليو 2016 ، على الرابط:

https://www.youm7.com/story/2016/7/17/%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%B1-10-%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%A3%D9%85%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%87%D9%84%D9%87%D8%A7-%D9%85%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%83-%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%8A%D9%86%D8%A7%D9%8A%D8%B1-%D9%81%D8%A3%D8%B7%D8%A7%D8%AD%D8%AA/2804146

([4]) تقرير "حكومات مصر تصنع الكوارث"، موقع الجزيرة، بتاريخ 7/2/2011، على الرابط: https://www.aljazeera.net/news/2011/2/7/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%B5%D9%86%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%AB

لم تعطِ السلطات في هذه الفترة حق الوجود الرسمي لعدة تنظيمات معارضة، مما ترتب عليه نمو ظاهرة التنظيمات المعارضة غير المرخص لها، كانت هذه التشكيلات اكثر فاعلية من الأحزاب الرسمية، كما انها سعت للتنسيق فيما بينها، فتشكلت جبهات معارضة في عدة قضايا وطنية بمشاركة الإخوان، كانت الأحزاب الرسمية تحذر من الاقتراب منها.

وبعيدًا عن الانتماء الحزبي ظهرت كيانات موازية للكيانات الرسمية التي أخضعتها الحكومة، فأُجريت انتخابات موازية لانتخابات الاتحادات الطلابية الرسمية، اسفرت عن تأسيس اتحادات حرة. وتشكلت تكوينات نقابية بديلة عن التكوينات الرسمية التي سيطر عليها الأمن، وبدأت قطاعات مهنية وعمالية في تنظيم إضرابات، نجح بعضها في إجبار السلطة على التراجع عن قراراتها، مثل اضراب عمال المحلة 2006،وأدي عدم استيعاب النظام للمعارضة في الأطر والتكوينات الرسمية إلى الدفع بحركة المعارضة في الشارع، وأمام مقار النقابات المهنية عامة، ونقابات الرأي خاصة، فبات سلم نقابة الصحفيين هايد بارك Hyde Park مصري، لا يخلو يومًا من متظاهرين ضد سياسة أو قرار حكومي، فبات مألوفًا مشاهدة المظاهرات، و سماع الهتافات ضد النظام.([1])

الهوامش

([1]) عضو مجلس أحد النقابات المهنية

صاغ ثلاثمائة من المثقفين والشخصيات العامة تمثل كل الأطياف السياسية المصرية وثيقة تأسيسية في يوليو 2004، تطالب بتغيير سياسي حقيقي، وإنهاء الظلم الاقتصادي والفساد في السياسة الخارجية، وعُرفت حركتهم باسم "كفاية"، تعبيرًا عن رفض استمرار مبارك في الحكم.وتلاقت تلك الشخصيات على اختلاف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية لمواجهة أمرين أساسين:

الأول: المخاطر والتحديات الهائلة التي تحيط بالأمة العربية، والمتمثلة في الغزو الأميركي للعراق، والعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني، ومشاريع إعادة رسم خريطة العالم العربي، وآخرها مشروع الشرق الأوسط.

الأمر الثاني: مواجهة الاستبداد الذي أصاب المجتمع المصري، مما  يستلزم إجراء إصلاح شامل سياسي ودستوري، يضعه أبناء هذا الوطن، وليس مفروضا عليهم تحت أي مسمى.

وتوسع عمل وتأثير حركة كفاية وامتدت إلى 22 محافظة من أصل 29، وتحدت الأوامر بعدم التظاهر، ورفعت من شأن التحدي الإعلامي للنظام، وتناولت بالنقد الشديد شخصيات كان من المحظور الإشارة إليها، مثل أفراد أسرة الرئيس المصري، وخاصة زوجه وولده جمال المرشح لخلافته.وساعدتها بنيتها التنظيمية الشبكية على الحركة بمرونة كبيرة، وتولدت عنها حركات فئوية خاصة مثل "شباب من أجل التغيير"، و"عمال من أجل التغيير"، و"صحفيون من أجل التغيير"، و"طلاب من أجل التغيير"، فخرجت من عباءتها كوادر وأفكار استخدمتها الأحزاب السياسية وجماعة الإخوان المسلمين في نشاطات موازية.ومما ساعدها في زيادة شعبيتها إعلانُها عدم سعيها للوصول إلى السلطة، فنجحت في استقطاب مثقفين لهم وزنهم في الساحة الفكرية والثقافية والسياسية المصرية كالمفكر الراحل د. عبد الوهاب المسيري([1]).

تعددت مظاهرات حركة كفاية التي رفعت شعارات: لا للتمديد"، وُوجه بعضها بعنف أمني زائد، مثل مظاهرات مايو 2005 أمام نقابة الصحفيين، التي تم الاعتداء عليها من البلطجية؛ في حماية قوات الأمن المركزي([2]).

كما ووجهت بعض قيادات الحركة بإهانات بالغة، مثلما حدث لمنسق الحركة الصحافي د.عبد الحليم قنديل الذي اختطفه 4 أشخاص يرتدون بزات داكنة اللون، ويحملون أسلحة بيضاء يوم 2-11-2004 من أمام منزله في الثالثة فجرًا، وحملوه في سيارة معصب العينين إلى منطقة صحراوية، وقال للنيابة - فيما بعد - إنه تعرض طوال الطريق للضرب الذي أدى لإصابات مختلفة، وهناك تركوه عاريًا حتى من ملابسه الداخلية، وجردوه من هاتفه المحمول، ونظارته الطبية، ومحفظة نقوده، واضطر إلى السير، حتى نجح بعد حوالي 300 متر في الوصول إلى نقطة شرطة، حيث حصل من جنديين على ملابس يستر بها نفسه، وأوقفوا له سيارة مارة بالطريق أوصلته إلى وسط القاهرة.

أما د. عبد الوهاب المسيري الذي تولي قيادة الحركة بعد قنديل فقد اختطف مع زوجته د.هدى حجازي، و د. كريمة الحفناوي (صيدلانية وممثلة مسرحية وعضو مؤسس بحركة كفاية) أثناء وجودهم في مظاهرة بميدان السيدة زينب الخميس 17-1-2008، وقال عبدالوهاب المسيري: تم وضعهم في سيارة انطلقت إلى الصحراءبرفقة رجال أمن يرتدون ملابس مدنية، وسارت بهم السيارة زهاء الساعتين في طريق الاوتوستراد، خارجالقاهرة، وتركوهم في العراء بمنطقة صحراوية خالية تمامًا على الطريق السريع، وانطلق رجال الأمن عائدين بسيارتهم، وظل المسيري ومن معه وقتا طويلا يحاولونإيقاف سيارة دون جدوى، إلى أن مر اتوبيس خاص استجاب لمحاولاتهم، وحملهم دون أن يتقاضى سائقه أجرا بعد أن تعرف على شخصياتهم([3]).

الهوامش

([1])اجع عزمي بشارة: ثورة مصر ج1 ص244، وتقرير بعنوان "حركة كفاية"موقع الجزيرة، في 28 نوفمبر 2015، على الرابط:https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2015/11/28/%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D9%83%D9%81%D8%A7%D9%8A%D8%A9

([2])عزمي بشارة: ثورة مصر الجزء 1 ص312

[3]  تحقيق موقع العربية تحت عنوان: زعيم كفاية يروي قصة خطفه وقذفه إلى الصحراء مع زوجته، تشر في 20 يناير 2008 على الرابط: https://www.alarabiya.net/articles/2008%2F01%2F20%2F44469

 

 

  وفي سنة 2005 تأسس التجمع الوطني للتحول الديمقراطي برئاسة د. عزيز صدقي رئيس وزراء مصر الأسبق، ووكالة كل من يحيى الجمل أستاذ القانون الدستوري وحسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، ومراد غالب، ومصطفى بكري متحدثا رسميا باسم التجمع. وضم التجمع أحزابًا رسمية وأخرى غير مرخص لها، بالإضافة لعديد من الشخصيات المستقلة، ونقابيين، وأكاديميين، ومنظمات مجتمع مدني، واعلن التجمع بأن هدفه هو إقامة نظام ديمقراطي حقيقي. وتحديد كليات عامة تجتمع حولها كل الحركات والقوى السياسية والرموز الوطنية، في صورة تحالف من أجل الخروج بالبلاد من النفق المظلم. وصرح عزيز صدقي بأن "الصمت عن الوضع العام اليوم يعد جريمة بكافة المقاييس"، مؤكدا أن أغلب الكوارث التي تعاني منها مصر تعود إلى أن أغلبية أبنائها ما زالت صامتة حتى الآن، في ظل انفراد كامل من الحزب الحاكم بالسلطة، وعدم سماحه بأي نوع من المشاركة السياسية للشعب([1]) .وأعلن الإخوان المسلمون انضمامهم إلى التجمع مع تلك الكيانات والقوى السياسية.

الهوامش

([1])محمود جمعة: "انعقااد المؤتمرالأول لتجمع سياسي مصري يدعو للتغيير"، موقع الجزيرة نت (13/7/2005) على الرابط: https://www.aljazeera.net/news/2005/7/13/%D8%A7%D9%86%D8%B9%D9%82%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84-%D9%84%D8%AA%D8%AC%D9%85%D8%B9-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A

ظهرت حركة شباب 6 أبريل سنة 2008 إثر إضراب عمال المحلة في ذلك التاريخ، ودعت إلى تأييد الحراك العمالي، وجعل الإضراب عامًّا في مصر كلها، ونظمت عددًا من المظاهرات الجريئة التي لفتت إليها الانتباه، وأغلب أعضاء الحركة من الشباب الذين لا ينتمون إلى تيار أو حزب سياسي، ويفضلون الحركة الواسعة لأعضائها دون لون إيديولوجي خاص، ومؤسسها هو أحمد ماهر وهو مهندس سكندري، ولقيت الحركة اتهامات من السلطة لها بالإرهاب والعمالة للخارج، كما واجهت مبكرًا انقسامات وخلافات داخلية وأخرى مع شركاء الميدان.

وبينما كان سيناريو التوريث يتسارع؛ ترك الدكتور محمد البرادعي منصبه كرئيس لوكالة الطاقة النووية عام 2009 ، وبدأ يستعد للعودة إلى مصر، ووجدت جماعات من المعارضة المصرية فيه شخصية تصلح لمنافسة جمال مبارك الوريث المحتمل، فدعته لتولي قيادتها . وبينما كانت المعارضة تطرح البرادعي بديلا؛ وأسرة مبارك تدفع بجمال وريثًا؛ اطلقت السلطة إعلامها لتشويه البرادعي، وأجهزة أمنها للتصنت على مكتبه([1]).

تغيرت واجهة المعارضة الرئيسية من "كفاية" الي "الجمعية الوطنية للتغيير"، واكتسبت زخمًا لتولى شخصية ذات حضور دولي قيادتها، بالإضافة لانضمام جماعة الإخوان المسلمين إليها؛ بما تمثله من ثقل جماهيري، وانتشار جغرافي، وإمكانات تنظيمية، وهو ما تسبب في طفرة في الحملة الالكترونية التي اطلقتها الجمعية لجمع مليون توقيع على 7 مطالباعلنها البرادعي في حينه، تستهدف فتح آفاق التغيير السلمي في البلاد([2]).

   ويحسب للحملة أن أنشطتها لم تنحصر في القاهرة، وأنشأت لها في المحافظات لجانًا فرعية.([3])

كانت المرحلة تشير إلى مزاج وطني عام، يظهر في شكل تحالفات وجبهات، سواء كانت سياسية كما مر بنا، أو اجتماعية كما رأينا في تنظيم المظاهرات والاحتجاجات العمالية، أو رياضية، كما ظهر في روابط مشجعي كرة القدم (الألتراس) التي خاضت مواجهات محدودة مع الشرطة من خلال المباريات الرياضية، محملة بروح التمرد التي تميز الشباب.وبشكل عام تنامت ظاهرة الحركات الاحتجاجية، وشهدت مظاهراتها طفرة في الأعداد والتأثير في عامي 2007-2008، فقفزت من 19 عام 2001 الى 94 تظاهرة عام 2008([4]).

الهوامش

[1] كيركباتريك: في أيدي العسكر ص 16

[2] رابط بيان الدكتور البرادعي: "معًا سنغيِّر"، على موقع الجمعية الوطنية للتغيير، على الرابط: https://web.archive.org/web/20100518124132/http://www.taghyeer.net/

[3] عزمي بشارة:  ثورة مصر ج1 ص284

([4])المرجع السابقج1 ص284

 

تولى محمد مهدي عاكف مسؤوليته مرشدًا عامًا للإخوان المسلمين في يناير 2004م، ووافقت طبيعته المنفتحة على الآخر ذلك الحراك الشعبي الذي تواصلت في شتى الاتجاهات السياسية في مصر، فأطلق مرشد الإخوان محمد مهدي عاكف مبادرة للإصلاح، أعلن عنها من قلب نقابة الصحفيين في مارس2004([1])، طالبت برفض كل صور الهيمنة الأجنبية، وتحقيق إصلاح شامل يحقق آمال الشعب في حياة كريمة، ونهضة شاملة تبدأ بالإصلاح السياسي الذي ينبغي أن تتضافر لإنجازه الجهود جميعًا، ويشمله شعار الجماعة بأن "الإسلام هو الحل"، وجاءت المبادرة في 13 محورًا تعبر عن رؤية شاملة في المجالات كافة. ([2])، وأتاح عاكف مساحة أكبر للشباب في العمل مع التيارات الأخرى، وشارك الإخوان في عدة أطر تنسيقية كان المرشد حاضرًا فيها بنفسه، وشارك رموزهم - وفي مقدمتهم أعضاء مكتب الارشاد- في مظاهرات التضامن مع القضاة، والتي ألقي فيها القبض على كثير من الإخوان.

وفي مايو 2005 نظم الإخوان المسلمون مظاهرات أمام المساجد في كافة المحافظات للمطالبة بالإصلاح، واستطاعوا حشد عدة آلاف في هذه المظاهرات، وقابلتها الحكومة بإجراءات عنيفة، وصلت حد اعتقال ألفين منهم، وإحالة 600 إلى النيابة للتحقيق معهم. وقد استشهد أحد أعضاء الإخوان في هذه المظاهرات بمدينة طلخا، فصعَّد مهدي عاكف من أبداء معارضته للنظام، وهدد بالعصيان المدني، وأبدي مواقف داعمة لحركة كفاية، وصلت حد تصريحه بعضويته فيها([3]). وبعد انتخابات البرلمان سنة 2005 أصبح للإخوان 88 نائبًا، مما أتاح لهم فرصًا أكبر للتأثير السياسي، وإمكانات أوسع للتفاعل مع القوى السياسية المتعددة.

الهوامش

([3])عاكف: أنا عضو في حركة كفاية.. تقرير لجريدة القبس بتاريخ 9 مايو 2005، على الرابط: https://www.alqabas.com/article/154298

 

 

تعرضت منظومة العدالة والقضاء في مصر لتغول السلطة التنفيذية منذ ثورة يوليو وبدء حكم الجيش ([1])، وظل مبارك يحكم البلاد طوال 30 عامًا بقانون الطوارئ، والتزوير الممنهج للانتخابات والاستفتاءات المضمونة نتائجها سلفًا، وأدخل كثيرًا من رجال الشرطة في زمرة القضاة، من خلال تعيينهم في سلك النيابة العامة. وخلال أربعين عامًا من هذا الاتجاه أصبح لدينا ما لا يقل عن 35- 40% من القضاة الجالسين على منصة الحكم والقضاء من أصول شرطية، بينما كان  يجري التدقيق في قوائم المعينين في مناصب قضائية ليستبعد من تحوم حولهم شبهة الانتماء إلى المعارضة، ولجأ مبارك إلى المحاكم العسكرية ليسوق إليها خصومه السياسيين([2])، فضلاً عن تدخل وزارة العدل في أمور القضاء بالترقية والتضييق، واعتماد النظام طرق المحسوبية في مجاملة المطيعين له، وتعيين أبناء القضاة وأقاربهم ([3]).

وطوال هذه العقود لم تخبُ آمال القضاة ومحاولاتهم لاستعادة وسائل استقلالهم وأدوات تحقيق عدالتهم، حتى نجحوا في تكوين تيار من شيوخهم وشبابهم، يسعى جادًا للمطالبة بحريتهم وضمان تحقيق العدالة التي جعلتهم الأمة حراسًا لها. وبرز تيار الاستقلال القضائي منذ عام 2001، بقيادة المستشار زكريا عبد العزيز في انتخابات نادي القضاة، حيث فاز عبد العزيز بمنصب الرئيس، ثم حصد أغلبية مطلقة بالمجلس في الانتخابات المبكرة عام 2002 بعد الفوز بكل مقاعد مجلس الإدارة.

ويعني مصطلح «استقلال القضاء» أبعادًا ثلاثة، هي:حماية القضاء من تغول السلطة التنفيذية، وحماية الحقوق والحريات العامة، والاستقلال المالي والوظيفي؛ من نقل وندب وتعيين وإعارة... إلخ..ولهم – أي تيار استقلال القضاء - تصور واضح لكيفية تحقيق ذلك الاستقلال ([4]).

جاء تزوير الانتخابات المتتابعة، والزعم بأنها تجري تحت إشراف القضاة ليزيد من الانتقادات المتوجهة إليهم، فقررت الجمعية العمومية لنادي القضاة برئاسة زكريا عبد العزيز - في مايو 2005- الامتناع عن الإشراف على الانتخابات البرلمانية التي كان مزمعًا عقدها في نهاية العام، إذا لم يتم تنفيذ مطالب القضاة في إقرار قانونهم الخاص بالسلطة القضائية ومنحهم سلطة الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات. وفي منتصف عام 2006، تحرك عبد العزيز في مواجهة قرار الحكومة بإحالة القاضيين هشام البسطويسي ومحمود مكي إلى مجلس الصلاحية بسبب كشفهما تزوير الانتخابات، واتهام عدد من زملائهم بالتورط في عملية التزوير، كما أحيل آخرون إلى التحقيق، وأعلن عبد العزيز ومجلسه الاعتصام، وسط تضامن حزبي وشعبي واسع، وردد المتظاهرون: "يا قضاة يا قضاة.. خلصونا من الطغاة"، و "إن في مصر قضاة لا يخشون إلا الله"،... مما أدى إلى الاكتفاء بتوجيه اللوم إلى القاضيين. وكانت للإخوان مشاركة واسعة في تضامنهم مع القضاة، واعتقل عشرات منهم إثر ذلك.

أدرك نظام مبارك ضرورة مواجهة حراك القضاة المتسع، وبخاصة أنه مقبل على انتخابات رئاسية متعددة، وانتخابات برلمانية ستؤثر على مسيرة البلاد في مستقبل قريب، في فترة يؤهل فيها جمال مبارك لوراثة الحكم، فتدخل النظام في انتخابات نادي القضاة التي حدثت في 13 فبراير 2009، ليتم انتخاب المستشار أحمد الزند رئيسًا لنادي القضاة، وأعلن الزند تجميد كافة الأنشطة العامة والاكتفاء بالدور الخدمي للنادي، وسيكون الزند بعد ذلك أحد أعمدة الثورة المضادة على الرئيس المنتخب محمد مرسي([5]).

لقد أفرزت حركة استقلال القضاء جماعة من شيوخ القضاء كان لهم دور في أحداث هذه الفترة، نذكر منهم المستشار كمال عبد العزيز، وهشام البسطويسي، ومحمود مكي، ومحمود الخضيري وحسام الغرياني وغيرهم.

وقررت الجمعية العمومية لنادي القضاة برئاسة زكريا عبد العزيز - في مايو 2005- الامتناع عن الإشراف على الانتخابات البرلمانية التي كان مزمعًا عقدها في نهاية العام، إذا لم يتم تنفيذ مطالب القضاة في إقرار قانونهم الخاص بالسلطة القضائية ومنحهم سلطة الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات.وفي منتصف عام 2006، تحرك عبد العزيز في مواجهة قرار الحكومة بإحالة القاضيين هشام البسطويسي ومحمود مكي إلى مجلس الصلاحية بسبب كشفهما تزوير الانتخابات، واتهام عدد من زملائهم بالتورط في عملية التزوير، كما أحيل آخرون إلى التحقيق، وأعلن عبد العزيز ومجلسه الاعتصام، وسط تضامن حزبي وشعبي واسع،  وردد المتظاهرون: "يا قضاة يا قضاة.. خلصونا من الطغاة"، و "إن في مصر قضاة لا يخشون إلا الله"،... مما أدى إلى الاكتفاء بتوجيه اللوم إلى القاضيين. وكانت للإخوان مشاركة واسعة في تضامنهم مع القضاة، واعتقل عشرات منهم إثر ذلك.

لكن نظام مبارك أدرك ضرورة مواجهة حراك القضاة المتسع، فتدخل في انتخابات نادي القضاة التي حدثت في 13 فبراير 2009، ليتم انتخاب المستشار أحمد الزند رئيسًا لنادي القضاة، وأعلن الزند -بعد انتخابه- تجميد كافة الأنشطة العامة والاكتفاء بالدور الخدمي للنادي، وسيكون الزند بعد ذلك أحد أعمدة الثورة المضادة على الرئيس المنتخب محمد مرسي([6]).

لقد أفرزت حركة استقلال القضاء جماعة من شيوخ القضاء كان لهم دور في أحداث هذه الفترة، نذكر منهم المستشار كمال عبد العزيز، وهشام البسطويسي، ومحمود مكي، ومحمود الخضيري وحسام الغرياني وغيرهم.

محاولات القضاء التصدي للجور السياسي الاجتماعي:

وباستمرار المظالم الاجتماعية والسياسية تزايد صدورأحكام ضد بعض ممارسات السلطة من دوائر في القضاء الإداري، وضعت السلطة في حرج، منها على سبيل المثال:

  • صدرقرار المحكمة الإدارية بإلغاء وجود الحرس الجامعي بالجامعات بعد التجاوزات الصادرة منه([7])، وهو الحكم الذي أيدته المحكمة الإدارية العليا يوم 24/10/2010، وقدّمت المحكمة البديل، وهو إنشاء وحدة أمنية تُشرف عليها إدارة الجامعة، بدلاً من الحرس الجامعي..([8])

  • صدرت عدة أحكام للقضاء الإداري تخص رفع المظالم الواقعة على الإسلاميين في الجامعات، ومنهم أساتذة منعوا من السفر مرافقين لأسرهم، وطلاب كانوا أوائل نظرائهم فحرمتهم التقارير الأمنية من حقهم في التعيين معيدين بالجامعة، وطلاب حرموا من الترشح في انتخابات اتحاد الطلاب، وآخرون حرموا من حقهم في السكنى بالمدن الجامعية بسبب توجهاتهم الفكرية، ونشاطهم الدعوي..

  • قرار المحكمة الإدارية بوقف تصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني.

  • طعن عدد من المحامين والمنظمات الحقوقية في قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 637 لسنة 2007 بإنشاء "الشركة القابضة للرعاية الصحية"لتحل محل الهيئة العامة للتأمين الصحي، وتقدم كافة الخدمات المنوطة بها([9]).

  • صدر حكم من القضاء الإداري في 22 يونيه 2010 بإلغاء عقد بيع أراضٍ بالقاهرة الجديدة لصالح شركة طلعت مصطفى والمعروفة إعلاميًا بأرض “مدينتي”. وفي 14 سبتمبر 2010 أيدت الإدارية العليا حكم القضاء الإداري([10]).

  • لجأ عمال شركة عمر أفندي إلى مجلس الدولة في 21 أكتوبر 2010 للطعن على اجراءات خصخصة شركتهم. وفي 7 مايو 2011 قضت المحكمة ببطلان خصخصة شركة عمر أفندي، لتفتح الباب أمام العديد من العمال للمطالبة ببطلان خصخصة شركاتهم([11]).

الهوامش

([1]) حاول عبد الناصر تطويعهم، وجرى الاعتداء على كبيرهم عبد الرزاق باشا السنهوري رئيس مجلس الدولة بالضرب بالنعال، فلما لمس منهم استعصاء لجأ إلى إنشاء المحاكم الثورية الجائرة، ثم إلى ارتكاب مذبحة القضاء سنة 1968، وتولى السادات الحكم، فاستمر في تشكيل المحاكم الاستثنائية، مثل محاكم أمن الدولة العادية، ومحكمة القيم، واستحدث منصب المدعي الاشتراكي (د. عبد الخالق فاروق: دور قضاة مصر في التمهيد للثورة المصرية.. معركة استقلال القضاء (2)،موقع ذات مصر، بتاريخ 3/5/2023، على الرابط: https://www.zatmisr.com/5206/%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%85%D9%87%D9%8A%D8%AF-%D9%84%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A1-2

[2] د. عبد الخالق فاروق: دور قضاة مصر في التمهيد للثورة المصرية.. معركة استقلال القضاء (2)، مقال سابق

[3] سحر عزيز: "القضاء المصري تحت السيطرة"، تقرير معهد كارنيجي بتاريخ 20 أغسطس 2014، على الرابط: https://carnegieendowment.org/sada/2014/08/egypts-judiciary-coopted?lang=ar

([4])يحدد «تيار الاستقلال» عناصر الإصلاح القضائي على النحو التالي:

أولًا: إلغاء تعدد جهات القضاء الذي يؤدى غالبًا إلى تعدد واختلاف وتضاد رؤاها وقواعدها، وكذا أحكامها. بأن تخرج من مفهوم القضاء هيئات غير قضائية، مثل: هيئة النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة..

ثانيًا: يكون للقضاء الدستوري والقضاء الإداري والقضاء الجنائي والمدني محكمة عليا واحدة، ومجلس أعلى واحد للقضاء، ويكون للقضاة نادٍ واحد.

ثالثًا: إلغاء سلطة وزير العدل في تعيين قضاة محكمة النقض.

رابعًا: نقل التفتيش القضائي من وزارة العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء.

خامسًا: نقل ميزانية القضاة والقضاء من حوزة وزير العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء.

سادسًا: يكون تعيين النائب العام من جانب المجلس الأعلى للقضاء.

سابعًا: إلغاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية، والعودة إلى المجلس الأعلى للقضاء، وإخراج الجهات غير القضائية منه.

. (د. عبد الخالق فاروق: دور قضاة مصر في التمهيد للثورة المصرية (2)،مقال سابق)

 

([5]) إبراهيم هلال: "مرسي آخر ضحاياه، كيف تحول القضاء المصري من حماية القانون إلى انتهاكه؟"، مقال على موقع الجزيرة، بتاريه 17/6/2020، على الرابط: https://www.aljazeera.net/midan/reality/community/2020/6/17/%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D9%85%D9%84%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84-%D9%85%D9%86

([6]) إبراهيم هلال: "مرسي آخر ضحاياه، كيف تحول القضاء المصري من حماية القانون إلى انتهاكه؟"، مقال سابق

([7]) رفع عدد من أساتذة الجامعات دعوى قضائية لدى محكمة القضاء الإداري تطالب بإلغاء الحرس الجامعي باعتبار وجوده مخالفا للدستور والقوانين, وذلك بعد اعتداء شرطي بالركل والضرب على طالبة في جامعة الزقازيق.

([8])وقالت  المحكمة في حيثيات حكمها إن "وجود قوات للشرطة تابعة لوزارة الداخلية بصفة دائما داخل حرس الجامعة يمثل انتقاصًا للاستقلال الذي كفله الدستور والقانون للجامعة، وقيدا على حرية الأساتذة والباحثين والطلاب فيها، كما أن إلغاء الحرس الجامعي يسمح لهيئة الشرطة بالتفرغ للمهام الجسام الملقاة على عاتقها لكفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين في ربوع البلاد على امتدادها".(تقرير بعنوان" إلغاء الحرس الجامعي في مصر"، قناة الجزيرة، بتاريخ 24/10/2010)، على الرابط: https://www.aljazeera.net/news/2010/10/24/%D8%A5%D9%84%D8%BA%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1

([9])راجع عن طبيعة هذا الحكم  خالد علي: "قراءة في دفتر الخصخصة 2: مواجهة الخصخصة"، مقال على موقع المفكرة القانونية، بتاريخ 15/9/2018، على الرابط:

https://legal-agenda.com/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%AF%D9%81%D8%A7%D8%AA%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B5%D8%AE%D8%B5%D8%A9-2-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%AC%D9%87%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B5%D8%AE%D8%B5%D8%A9/

([10])واستند مجلس الدولة في الحكمين إلى أن العقد تم بالأمر المباشر، ودون إتباع لقواعد قانون المزايدات والمناقصات، فضلًا عما أصاب العقد من خلل في التوازن العقدي والمالي لصالح الشركة (خالد علي: المقال السابق)

([11])خالد علي: المقال نفسه

 

 

في تسعينيات القرن الماضي عقدت النقابات المهنية اجتماعًا مشتركًا في نقابة الأطباء، طالب فيه ممثلوها بمطالب سياسية، أبرزها: مطالبة حسني مبارك بالتخلي عن رئاسة الحزب الوطني، وإلغاء العمل بقانون الطوارئ، حيث اعتبر النظام ذلك تسييسًا للعمل النقابي.

وكان رد نظام مبارك هو فرض الحراسة على عدد من النقابات النشطة سياسيًّا، وفقًا للقانون رقم 100 لسنة 1993 الخاص بتنظيم انتخابات النقابات المهنية الذي أنهى عمليًا انتخابات النقابات، وفرض عليها الحراسة القضائية([1])، وكانت نقابة المهندسين من أوائل النقابات التي فرضت عليها الحراسة في مصر في عام 1994 للتخلص من سيطرة جماعة الإخوان على مجلس النقابة العامة، ومجالس النقابات الفرعية([2]).

بعد فرض الحراسات القضائية على النقابات، تم تجميد المجالس والأنشطة النقابية، وآلت مسؤولية الرقابة عليها  والمتابعة إلى حارس قضائي "لا توجد وسيلة لمحاسبته. ويؤدي فرض الحراسة؛ وعدم عقد جمعية عمومية؛ إلى إهدار المال العام بالنقابة، وانتشار الفساد داخل لجانها التي تقوم بتيسير أعمالها، ووصوله إلى النقابات الفرعية بالمحافظات.

لقد خاض النقابيون معارك قانونية طويلة لإلغاء فرض الحراسة على نقاباتهم، ونجحوا في كثير منها، فقد صدرت عدة أحكام قضائية بإبطال فرض الحراسة على نقابة المهندسين، وتصدت الدولة لها عن طريق تقديم استشكالات لإيقاف تنفيذ قرارات القضاء الإداري الملزمة، أو تقديم دعاوى أمام محكمة الأمور المستعجلة -غير المختصة بهذا النوع من القضايا، والتي ينحصر دورها فيما يتعلق باﻷمور الطارئة، أو النزاعات ذات الضرورة المُلحّة – لكنها تحولت إلى أداة لفرض أحكام مستعجلة تريدها السلطة التنفيذية([3]).

ثم أخيرًا حكمت المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 2/1/2011 بعدم دستورية قانون 100 لسنة 1993والمعدل بقانون رقم 5 لسنة 1995 بشأن ضمانات ديمقراطية التنظيمات النقابيةالمهني([4])

الهوامش

([1])يشترط القانون 100 لصحة انتخاب النقيب وأعضاء مجلس النقابة العامة أو الفرعية تصويت نصف عدد أعضاء الجمعية العمومية المقيدة أسماؤهم في جداول النقابة ممن لهم حق الانتخاب، على الأقل،فإذا تعذر اكتمال النصاب؛ يعاد التصويت خلال أسبوعين، ويُشترط حضور ثلث الأعضاء، فإذا لم يتوافر ذلك النصاب يستمر النقيب ومجلس النقابة في مباشرة اختصاصاتهما لمدة ثلاثة أشهر فقط، وتعاد الكرَّة كما سبق، فإذا لم يكتمل النصاب أيضًا يتولى اختصاصات مجلس النقابة العامة لجنة قضائية مؤقتة ، وكان من الصعب جدًا -إن لم يكن مستحيلاً- اكمال النصاب الذي يصل أحيانًا إلى عدة آلاف لا يتسع لهم مقر النقابة مهما اتسع، ويحتاجون لإتمام اجتماعهم إلى ميدان عام! (راجع نص القانون على موقع الجزيرة)، على الرابط:

https://www.aljazeera.net/2005/05/16/%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%B6%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85%D8%A7%D8%AA

([2])بعد الحكم القضائي برفع الحراسة. هل تعيد نقابة المهندسين الدور السياسي للنقابات المهنية؟ ... مخاوف حكومية"، موقع جريدة القبس الكويتية بتاريخ 5 يناير ٢٠٠٦، على الرابط: https://www.alqabas.com/article/27424-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%83%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B6%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D8%A8%D8%B1%D9%81%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%B9%D9%8A%D8%AF/

([3]) من ذلك حكم محكمة القضاء الاداري في 5/1/2006 بإلزام وزير الري والحارس القضائي على نقابة المهندسين بدعوة الجمعية العمومية للانعقاد لإنهاء الحراسة المفروضة عليها، منذ سنة 1995، وإجراء انتخابات مجلس النقابة، وحكم محكمة جنايات شمال القاهرة برفع الحراسة القضائية عن نقابة المهندسين في الدعوى رقم 6263 لسنة 2009م([3])، حتى صدر حكم تاريخي من محكمة استئناف شمال القاهرة بإنهاء الحراسة القضائية في أغسطس 2011، ورغم استشكال الحارس القضائي على الحكم، إلا أنه تقرر رفع الحراسة عن نقابة المهندسين اعتبارًا من أول أكتوبر 2011، أي بعد ثورة يناير(موقع فيتو الرابط السابق)

[4] راجع نص القرار في موقع "منشورات قانونية"، على الرابط: https://manshurat.org/node/1455

 

 

في سنة 2007 تم تعديل لائحة عام 1979 التي كانت تثير غضب الجامعات لتصبح أكثر سوءًا.  فزادت عليها بعض المواد لقمع الحركة الطلابية تحت وطأة العقوبات التأديبية، والفصل من الكليات والمدن الجامعية.

وزادت تدخلات الحرس الجامعي أثناء حكم مبارك بعد نقل تبعيته الى وزارة الداخلية. بالرغم من مخالفة ذلك قانون تنظيم الجامعات، حيث تنص المادة 317 من لائحته التنفيذية على إنشاء وحدة للأمن الجامعي تابعة لرئيس الجامعة.

ومن أجل الحد من سيطرة طلاب الإخوان على اتحادات الطلاب في الجامعات كانت إدارة الحرس الجامعي تحذف أسماء الطلاب المرشحين من القوائم الابتدائية للانتخابات، وتتدخل في الأنشطة الجامعية عن طريق رفض استضافة بعض الضيوف المدعوين لإلقاء محاضرة أو ندوة داخل الجامعة، واشتراط الحصول على الموافقة الأمنية.

كان اختيار القيادات الجامعية يتم بالتعيين، بحسب قانون تنظيم الجامعات، كما يسمح القانون نفسه لرئيس الجامعة بإقالة تلك القيادات قبل انتهاء مدة ولايتها، بعد موافقة مجلس الجامعة، وبعد إجراء التحقيق اللازم، مما يتيح التخلص من المعارضين للسلطة.

أما تعيين المعيدين فكان من الضروري أن تسبقه موافقة أمن الدولة على ذلك، وهو أمر لم ينص عليه القانون؛ ولكن فرضه النظام السياسي بالتعاون مع رؤساء الجامعات المعينين من قبله. وظلت السلطة تراقب آراء وتصريحات أعضاء هيئة التدريس بعد تعيينهم؛ فتتخلص ممّن يخالفها الرأي.

في 2008، نشأت حركة "9 مارس لاستقلال الجامعات" التي كان من بين أهدافها طرد الحرس الجامعي خارج أسوار الجامعة. وقد لجؤوا الى القضاء الإداري، فأصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمها في 23-10-2010 بأن وجود الحرس الجامعي داخل الجامعة يتعارض مع مبدأ استقلال الجامعة الذي كفله الدستور([1]).

ونظرًا للتضييق على النشاط الطلابي تكرر خروج التظاهرات الطلابية في جامعات مثل القاهرة وعين شمس والأزهر و الإسكندرية وكانت كثيرًا ما تحدث اشتباكات مع الأمن اثناء تلك التظاهرات ربما كان أولها زمنيا المظاهرات التي اندلعت في الإسكندرية نتيجة مقتل الطالب محمد السقا 2002 كما استشهد طلاب آخرون على يد الشرطة في وقائع متعددة. وكان الجهاز الأمني شديد التوجس من خروج المظاهرات إلى الشارع، لاحتمال أن يؤدي ذلك إلى تفجير الغضب الشعبي المكبوت، وكثيرًا ما أدت هذه الاشتباكات إلى إصابة الطلاب نتيجة عنف قوات الأمن المركزي في التصدي لهم، حتى في تلك الظروف التي تستدعي إظهار موقف وطني واحد، كالتضامن مع فلسطين، والتضامن مع شعبها، كما حدث في أيام الانتفاضة، والاعتداء على العراق.

الهوامش

([1])منة عمر: هكذا تحرك الطلبة والأساتذة من أجل الدفاع عن مفهوم استقلال الجامعة في مصر، موقع المفكرة القانونية، بتاريخ 2/9/2014، على الرابط:

https://legal-agenda.com/%D9%87%D9%83%D8%B0%D8%A7-%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%91%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%84%D8%A8%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%AA%D8%B0%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%AC%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF/

 

 

يمكن القول إن نظام مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي قد استهدف إحداث قلق طائفي، وإثارة مخاوف الأقباط بشكل دائم، من خلال أحداث طائفية مستمرة، ضمن محاولاته لتشويه صورة البديل المحتمل للنظام، وهم الإخوان المسلمين، وقد ذكر د, أسامة ياسين في شهادته عن أحداث الثورة أن مجموع الأحداث الطائفية في فترة حكم مبارك بلغت 1600 حادث([1]). أي أن المعدل السنوي لحوادث العنف الطائفي في فترة حكم مبارك حتى يناير 2010 حوالي ثلاثة وخمسين حادثًا سنويًا،بمعدل حادث كل أسبوع، توزعت بين 17 محافظة من أصل 29 محافظة مصرية.

ولم يبذل مبارك جهدًا حقيقيًا في حل المشكلة الطائفية، من حيث تطوير النصوص التشريعية، وإشاعة خطاب ثقافي يعزز مفهوم المواطنة بدل الانتماء الطائفي الضيق، بل استمر في اتباع سياسة "ترضية النخب القبطية"، وذلك عبر بعض التعيينات في المجالس البرلمانية، والزيارات الاحتفالية.

وقد وقعت في سنوات مبارك الأخيرة حوادث تحوُّل عدد من الأقباط إلى الإسلام، وبخاصة بين النساء، مما كان يثير غضب عائلاتهم، وقد يواجهونهن بالقتل، كما ازداد الاحتقان بسبب العنف الذي كان يعانيه الأقباط نتيجة نشاط معادٍ لهم من بعض الجماعات الإسلامية، وقد رويت أخبار عن ذلك لا تخلو من حقائق شابتها مبالغات. ([2])

وقد تبدَّى الفشل الذريع لإدارة الملف الطائفي من قبل نظام الرئيس المخلوع سواء في تهوينه وإنكاره له صدًّا لإمكانيات التدخل الأجنبي، ولمركزية الإدارة الأمنية في إدارة الملف الطائفي بعموم، أو تقديم التنازلات لطرف دون الطرف الآخر، كما تجلى في تسليم أجهزته "وفاء قسطنطين" سنة 2008 أو "كاميليا شحاتة زاخر" سنة 2010 للكنيسة، وهو ما أثار الجماهير المسلمة بشكل كبير، وخرجت من أجله المظاهرات الكبرى في وسط القاهرة- قبل وبعد الثورة- ورفََضه عدد من المثقفين المسيحيين في الآن نفسه، إقرارا لمبدأ حرية الاعتقاد والتعبير([3]).

وكان من أبرز أسباب حوادث العنف آنذاك بناء الكنائس دون ترخيص، وخاصة في المناطق والقرى ذات الأغلبية المسلمة، والتي تفاجأ ببناء كنيسة دون إنذار مسبق لهم، وقد شهدت منطقة العمرانية بالجيزة أحداثًا بهذا الشأن في ديسمبر 2010، بعد محاولات السلطات منع بناء كنيسة لم يرخص لها، كما تم حرق كنيسة العذراء في إمبابة من قبل بعض العامة عام 2011. ([4])

 وفي ليلة رأس السنة 2011 كان حرق كنيسة القديسين في الإسكندرية، وما ترتب عليه من غضب في الجانبين الإسلامي والقبطي، أما المسلمون فلاعتقال "سيد بلال"، وتعذيبه حتى الموت اتهامًا له بالمسؤولية عن هذا الحدث، وأما الأقباط فبسبب إزهاق أرواح عدد منهم -زاد عن العشرين- يحتفلون في دار عبادتهم.

، وتمثلت مواقف الإخوان المسلمين إزاء هذه الأحداث في إدانتها، واتهام النظام نتيجة تهاونه أو ضلوعه فيها، ولم يكن ذلك مستبعدًا، فقد كان هدف النظام في هذا الوقت تشديد مخاوف الكنيسة والأقباط ليزداد ارتماؤهم في أحضان النظام، الذي يبدو آنذاك ملجأ لهم من التطرف الإسلامي المزعوم، ومخاطره في المستقبل؛ الذي يبدو فيه وريثًا محتملاً لنظام متداعٍ. وأذاعت الجماعة بيانًا عقب الاعتداء على كنيسة القديسين استنكرت فيه هذا الاعتداء "الاجرامي و"الاثم". واكدت في بيانها أن الاخوان "يرفضون كل أشكال العنف وتهديد وترويع الآمنين من المسيحيين والمسلمين"، داعية "أبناء الوطن إلى توحيد الجهود، من أجل النهوض بمصر، والتصدي للهجمة الغريبة الإجرامية"([5]).

وقد شاركت رموز من الإخوان المسلمين في مظاهرات الأقباط الغاضبة بعد حادثة كنيسة القديسين، من بينهم د. حازم فاروق و د.محمد البلتاجي مع غيرهم من النشطاء، وانتهت المظاهرة باعتصام في كنيسة مسرة، وتم القبض على عدد من المسلمين شاركوا فيها([6])

الهوامش

([1]) حديث أسامة ياسين مع أحمد منصور في برنامج شاهد على الثورة، بتاريخ 6/11/2011، على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=ZP4OD7yGIgM

([2])هاني نسيرة: الطائفية قبل وبعد الثورة المصرية، مركز الجزيرة للدراسات، 23 يوليو 2011، على الرابط: https://studies.aljazeera.net/ar/issues/2011/07/201172374514916553.html

[3]المقال السابق

[4] المقال نفسه

([5])"إدانة دولية واسعة للاعتداء على كنيسة قبطية في الإسكندرية"، تقرير موقع فرانس 24، بتاريخ 1/1/2011، على الرابط: https://www.france24.com/ar/20110101-alexandria-egypt-attack-church-christians-international-condamnations

[6] احد قيادات الإخوان الوسطى من المشاركين في المظاهرة

 

كان السياق الإقليمي والدولي يتصاعد حول مسألة الحريات والإصلاح السياسي وقضايا الأقليات بعد حرب العراق عام 2003، وهو السياق الذي تزامن مع ثورة الفضائيات العربية (قناة الجزيرة- قناة العربية- برامج التوك شو السجالية) التي جعلت ما كان يمر بهدوء في السابق موضوعا ساخنًا وخبرًا إعلاميًا يسكن أو يحرك الجدل العام والخاص في الآن نفسه، وهو ما لم يعد قاصرا على الإعلام فقط ولكن صار جزءًا من ثوابت الخطاب السياسي للقوى السياسية المختلفة.

لم ينتبه النظام السياسي لهذا الفوران الاجتماعي والديني بفعل الثورة الاتصالية والإعلامية، التي جعلت هذه الأحداث المتباعدة متلاقية ومجسدة أمام نظر المشاهدين في كل أنحاء مصر والعالم، وهو ما لم تكن مصر فيه استثناء بل كانت جزءا من حراك عربي وإقليمي فتم الدفع بمسألة التنوع المجتمعي (الطائفي والديني والمذهبي والعرقي)،  وكانت الأنظمة- ولا زال بعضها- هو الاستثناء في ذلك، إذ ظلت بعيدة عن سماع استحقاقات الشعوب أو الاستجابة لها.

الصحافة تكسر جدار الخوف:

لما اشتدت رياح التغيير فُكَّت عقلة لسان عدد من كبار الصحفيين والسياسيين، فعلت أصواتهم بالإنكار على مبارك، وظهرت مؤسسات صحفية مستقلة، أو ينتمي بعضها إلى أحزاب رسمية، فقد كتب عبد الحليم قنديل في صحيفة الكرامة في بتاريخ 3/6/2009، تحت عنوان: أشعر بالعار لأنك رئيسي"، يقول عن مبارك إنه لا يعرف قيمة مصر، "ولا أقدارها ولا جغرافيتها ولا تاريخها، ولا ما ملكت ولا ما أعطت، وحول بلدًا هائل الوزن بحجم مصر إلي عزبة بالحجم العائلي.

أشعر بالعار لأن مبارك رئيس لمصر، وهو الذي لا يملك من الرئاسة مؤهلاتها، فلا فوائض عقل، ولا زاد من بصيرة ولا حسن بالسياسة، ولا شرعية حتى بالخطأ أو بالباطل، فلا هو ديكتاتور ذو رؤية، ولا هو منتخب ديموقراطيًا، بل هي الصلافة المحضة، وتناحة الروح، وجلافة اللغة، والتصريحات المفرطة في الغياب الذاهل على طريقة البتاع ده..

أشعر بالعار لأن مبارك رئيس لمصر... ويتصرف كموظف أرشيف، أو كأمين مخزن زاغت مفاتيحه، جاءت به الصدفة إلى رأس بلد كان تاج الرأس، وانتهى به إلى بلد بالصدفة، انتهي بنا إلى مقلب نفايات، وبواقي فساتين وبقايا صور، وأكواب مهشمة وتراب يثقل القلب، وجعلنا نشعر بالخجل من اسم مصر، فقد حول علونا خفضا، ونزل بنا من حالق إلى الفالق، فلا مكانة ولا دور ولا كرامة من أصله، ولا فرصة للمقارنة إلا مع دول من نوع جيبوتي والصومال وبوركينا فاسو، ففقرنا من مهانتهم، نكاد لا يرانا أحد، كما لا يراهم أحد، وقد يكون لهم عذرهم ولنا العذر بالرئيس الذي هو أنكى من العذر بالجهل... فهو يستحق أن يُحاكم لا أن يحكم، أن يفزع لا أن يفزعنا، أن يعزل لا أن يسأل، أن تذهب ريحه لا أن يذهب باسم مصر لها المجد في العالمين.

نعم يا مبارك أشعر بالعار لأنك الرئيس أشعر بالقرف أشعر كأني أريد أن أتقيأك.."([1])

وكتب إبراهيم عيسى مقالاً في جريدة الدستور تحت عنوان "إنك ميت"، يقول:

سيادة الرئيس مبارك، سأقول لك مالم يقله لك مفتيك، ولا شيخك، ولا خطباؤك، ولا فقهاؤك الذين عينتهم، وأجلستهم بجوار كرسى عرشك، يبررون، ويحللون ما حرمه الله من تعذيب واعتقال وفساد واستبداد، ويحرمون ماحلله الله من قولة حق أمام سلطان جائر، أو حتى عادل، وسأقول لك مالم تسمعه من بطانتك التى تنافقك، وتمتدحك، وتصعد بك إلى مصاف الأبرار المقدسين، ولا تنطق إلا بآيات شكرك وحمدك على مناصبهم ونفوذهم وفلوسهم. سأقول لك مالم تقرأه من كتبتك، ومداحيك، وطبالى مواكب نفاق السلاطين، ومصاحبيك على جناح طائرتك وعرشك، أقول لك سيادة الرئيس إنك ميت.. وإنهم ميتون! أظن أنه فى زحام سلطانك وسلطاتك؛ وفى مشاغل لقاءاتك وتدابيرك وقراراتك؛ربما نسيت ياسيادة الرئيس؛ أو تناسيت؛ أو تجاهلت أنك ستموت كما نموت جميعا".

وكتب إبراهيم عيسى تحت عنوان "يفتح الله" يقول:

لقد افقد نظام مبارك مصر اعز ما تملك وهو كبرياؤها ولقد اختصر حكم مبارك الطويل والذي لا يريد أن ينتهي كرامة البلد في رئيسها ومن يقترب منه بالنقد آو الهجوم السياسي ساعتها لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق علي جوانبه دم صحفيين وإعلاميين بينما لا تملك مصر مبارك أن ترفع رأسها في مواجهة أمريكا فهي تأكل من معوناتها ويعيش أصحاب المقام الرفيع علي عمولات وسمسرة هذه المعونات والصفقات وهناك إصرار علي ترك زمام عقدها بعيدا عن البرلمان ولا يمكن للقاهرة أن ترفض أمرا للبيت الأبيض من العمل كوسيط أو وكيل بين إسرائيل والفلسطينيين لان هذا الدور فقط هو الذي يبرر لواشنطن الابقاء علي نظام مستبد حيث تتلخص مهمته الوحيدة في حماية مصالح أمريكا وإسرائيل.
فكيف لنظام يسجن شعبه، ويعتقل سياسييه، ويسجن معارضيه، ويعمل بقانون الطوارئ طيلة عمر مبارك السياسي، ويزور الانتخابات، ويقتل شعبه بالمرض والفقر؟ كيف لنظام تعلم أمريكا حسابات رجاله في بنوك سويسرا، وحجم ثروات رموزه المتضخمة؟ كيف لنظام يرتجف أمام إسرائيل، ويصف قوتها بقوة الأسد؟ كيف لهذا النظام ان يملك كرامة وكبرياء؟ وكيف له أن يدافع عن كرامة شعبه ودم شهدائه"؟

الإعلام البديل والفضاء الإلكتروني:

لقد تسبب الشعور العام باليأس والإحباط والعزوف الجماعي عن المشاركة في الحياة السياسية؛ في تهيئة المناخ للثورة، مع ما يبدو في ذلك من مفارقة. إذ رأت مجموعات كبيرة من الناشطين سياسيًا أن الفضاء الإلكتروني هو البديل الآمن لممارسة الحقوق السياسية. تشير هذه النقطة إلى مفارقة جديرة بالاهتمام في مسيرة المعارضة السياسية الإلكترونية. أن المعارضة بدأت تعبيرًا عن حالة العزوف عن ممارسة الحقوق السياسية في الشارع، إلا أنّها انتهت بالعودة إلى الشارع مرة أخرى، بحض الجميع على النزول إليه للتعبير عن آرائهم ومطالبهم وحقوقهم السياسية. لكن الجديد هذه المرّة أنّ استجابة "الشارع" جاءت مفاجئة  للجميع. جاءت الاستجابة سريعة ومنظمة وبأعداد غفيرة، بحيث جعلت النظام السابق يفشل في التعاطي معها أو القضاء عليها، على الرغم مما لديه من قوّة بشرية وتقنية وتاريخ طويل في ممارسة القمع والقهر السياسي.([2])

في سنة 2004 أنشئ أول موقع للتواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ومن ثمَّ توالى إنشاء مواقع أخرى مثل يوتيوب، وتويتر، وصاحب ذلك تطور الهاتف المحمول ليصبح "ذكيًا"، وقادرًا على الدخول على تلك التطبيقات، ويصبح صاحبه قادرًا على متابعتها أنّى وُجد. فأنجاه ذلك من القيود الرسمية في الوصول إلى المعلومات، ومراقبة استعماله إياها.

ومع انعدام الثقة في صدقية الإعلام الرسمي بدأ التحول تدريجيًا إلى الاعتماد على الإعلام البديل الذي تمثله وسائل الاتصال الحديثة، كما أتاحت القنوات الفضائية الجديدة مثل الجزيرة والعربية وغيرها أدوات جديدة. فتحولت هذه الأدوات من وسائل تستعمل غالبًا للترفيه؛ إلى وسائل للحشد السياسي، وكانت أول تجربة في هذا المجال لدعم عمال المحلة في احتجاجهم سنة 2008، التي تشكلت على إثرها حركة 6 إبريل.

كان عدد مستخدمي الإنترنت في مصر قبل 25 يناير حوال 21 مليونًا، وارتفع بعد الثورة مباشرة ليصبح 23 مليونًا، وتضاعفت مدة استخدام الفرد له من 900 إلى 1800 دقيقة شهريًا، كما ارتفع عدد مستخدمي الفيسبوك من 4 مليون قبل الثورة إلى 9 مليون بعدها([3]).

لقد ترتب على التوسع في استعمال تكنولوجيا الاتصالات وجود جيل من الشباب متواصل مع أحداث العالم، ومتأثر بها، وناقم على الحال المزرية التي آلت إليها بلاده. كما أتيحت أمامه وسائل للنشر ومساحات للتأثير غير مسبوقة، فنًشرت فيديوهات للتعذيب داخل مقرات الشرطة، كما أتيحت للشباب من كافة التيارات فرص التواصل والحوار، ولم تقتصر الفعاليات التي تتبناها تلك المواقع على الفضاء الالكتروني، فدعت لفعاليات على الأرض.

وكانت صفحة "كلنا خالد سعيد" قد تأسست في 10 يونيو 2010، أسسها وائل غنيم- وكان يعمل وقتها مديرًا إقليميًا بشركة جوجل لتسويق منتجاتها في الشرق الأوسط- مع صديقه عبد الرحمن منصور، ولما انطلقت الدعوات لتظاهرات 25 يناير بلغ عدد المشتركين في الصفحة 400 ألف([4])، وأجرت الصفحة استطلاعًا للرأي في صيغة سؤال: هل ستشارك في المظاهرات؟ فأجاب 90 ألفًا بنعم، سنشارك([5])

وتأسست صفحة "وحدة الرصد الميداني" في أغسطس 2010 على يد شباب من الإسلاميين، فكانت حملة "راقب، صوَّر، دوِّن" لمراقبة ونشر المخالفات في الانتخابات التي شهدت تزويرًا فجَّا. وكان نشاطها يعتمد على دور الفرد في الوصول إلى الخبر، وتصويره، وتدوينه، ثم نشره على صفحتهم، لقد غذت هذه المنصة الشابَّة قناة الجزيرة بكثير من أدلة التزوير آنذاك،  فخرجت من الانتخابات وهي تمتلك رصيدًا من المراسلين في شتى محافظات الجمهورية.

غيرت الشبكة اسمها إلى اسم "رصد" مع بدء وقائع الدعوة لمظاهرات 25 يناير، وتعاونت مع صفحة "كلنا خالد سعيد"،  ومؤسسها وائل غنيم، الذي نصح بمتابعة الأخبار - أولاً بأول -على موقع شبكة رصد، وكان هذا الإعلان ضروريًا، إذ اعتقل وائل غنيم يوم 27 يناير، وقد رحّب معظم الناس بها، وانضم في اليوم الأول لإنشائها 176315 عضوا ، وفي اليوم الثاني وصلوا إلى 268694 شخصاً.([6])

وعندما قررت السلطات عزل مصر عن العالم بقطع اتصالات الانترنت؛ قام أعضاء رصد المقيمون خارج مصر بضمان عرض تطورات الأحداث أولا بأول، واعتمد عليها كثير من وسائل الإعلام في الحصول على الأخبار.([7])

وبدأ الناشطون المصريون ومستخدمو تويتر حول العالم باعتماد وسم (هاشتاج) #Jan25 لتمييز التغريدات أو تدوينات تويتر المرتبطة بالثورة المصرية. ولم يغب دور يوتيوب في الدعوة إلى الثورة. إذ كان د. محمد البرادعي أشهر المدونين عليه في مصر، وانضم إليه في سنة 2010، وقد بلغ عدد المتابعين له الآن على تويتر 6 ملايين، فقد نشرت آنذاك أسماء محفوظ فيديو على الموقع ناشدت فيه المصريين الاستجابة لدعوات التظاهر في 18 يناير 2011 وشاهده أكثر من 180 ألف زائر، وعلق عليه المئات. وعندما أدرك نظام مبارك خطورة وسائل الاتصال قام بقطع الاتصالات الجوالة والإنترنت، بالإضافة إلى حظر موقع تويتر يوم 28 يناير لعدة أيام. لكن شركة جوجل أطلقت خدمة تتيح استخدام تويتر رغم حظره، ودون اتصال بالإنترنت، إذ وفرت رقمًا هاتفيًا ليتصل به المصريون، ويتركوا رسائل صوتية تتحول تلقائيًا إلى رسالة مكتوبة على تويتر([8]).

لم يكن الإسلاميون بعيدين عن هذا التطور الجديد، فلما قرر الإخوان خوض الانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2010 اتجهوا بجزء كبير من حملتهم الانتخابية إلى هذا الجمهور الشاب الجديد، من خلال موقعهم الإلكتروني "إخوان أون لاين" الذي تعرض للحجب صبيحة يوم الانتخابات([9]).

وعُني عدد من قيادات الإخوان بمواقع التواصل الاجتماعي، فكانت لهم صفحاتهم على الفيسبوك وغيره، منهم د. عصام العريان، ود. جمال حشمت، ود. سعد الكتاتني، وغيرهم، وما زالت مشاركات هؤلاء باقية منذ سنة 2011 بعد حذف جهودهم السابقة.

كما أسس صفوت حجازي صفحة باسم "المحروسة"، من 2 يناير 2011 حتى 12 فبراير اليوم التالي لتنحي مبارك، وكانت مخصصة لتلقي الأسئلة الشرعية والإجابة عليها، وكانت الأسئلة تدور حول مشروعية الثورة وآلياتها.

الهوامش

[1]سعد عبد الحفيظ: أشعر بالعار لأنك رئيس مصر، مقال

([2]) مجموعة مؤلفين: الثورة المصرية الدوافع و الاتجاهات ..المركز العربي للأبحاث، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، ط1، سنة 2012، ، ص324-325

([3]) جمال محمد غيطاس: الانترنت والثورة المصرية، نموذج لتفعيل تكنولوجيا المعلوماتفي العمل الجماهيري، ملتقى دور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في دعم الديمقراطية وحرية التعبير والراي، المنظمة العربية للتنمية الإدارية – ماليزيا، 2011 ص93-117، على الرابط : تجارب عربية - ( المنظمة العربية للتنمية الإدارية – ماليزيا، سنة 2011 ص93-117)، على الرابط:  http://search.mandumah.com/Record/123844

[4] أحمد تهامي عبد الحي: خريطة الحركات الشبابية الثورية في مصر، مركز الجزيرة للدراسات، بتاريخ 10/2/2011، على الرابط: https://studies.aljazeera.net/ar/reports/2011/2011721194149734210.html

([5])كيركباتريك:  في أيدي العسكر ص 46

([6])موقع ويكيبيديا الموسوعة الحرة، "شبكة رصد الإخبارية"، على الرابط: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A9_%D8%B1%D8%B5%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%A9

([7]) أحمد تهامي عبد الحي: مقال سابق

([8]) تقرير "ثورة مصر وفورة الإعلام الاجتماعي"، تقرير منشور على موقع sky news  عربية، بتاريخ 25/1/2012، على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/2465-%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D9%81%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%95%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%95%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A

([9])عبد الرحمن سعد: الإخوان يستعينون بفيسبوك، مقال بموقع الجزيرة، بتاريخ 28/11/2011، على الرابط: https://www.aljazeera.net/news/2010/11/28/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D9%8A%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A8%D9%81%D9%8A%D8%B3%D8%A8%D9%88%D9%83

 

سيطرت الدولة على الحركة الفنية وأدواتها منذ حكم عبد الناصر، وتم تأميم وسائل الإنتاج الفني، واستعمال الفن أداةً في الترويج لسياسات النظام، وبدأ التحكم في صعود الفنانين الموالين، ومحاربة المخالفين، ولما تولى السادات الحكم بدأ سياسة الانفتاح، ودخلت رؤوس الأموال الخاصة وشركاتها في الإنتاج الفني، وغزا الإنتاج العربي والمشترك سوق العرض والطلب.وبدأ ظهور الصوت الآخر في ذلك المجال على استحياء. واستمرت الدولة من خلال أنظمة مراقبتها تملك سلطة الموافقة والمنع.

تواصلت تلك السياسة في عصر مبارك، غير أن ظهور الفضائيات الخاصة -العربية والعالمية- ولَّد القدرة على التمرد ضد أهواء النظام، كما ساعد امتلاك أجهزة العرض الخاصة في البيوت على رواج ما يخالف السياسات العامة له.

وأعانت ديكتاتورية النظام على نمو ظاهرة التمرد الفني، في وقت ظهرت فيه قوة التيار العلماني الليبرالي، واستمرنفوذالتيار اليساري التي تحكمت في العقود السابقة، واكتسبت خبرات ومهارات لها أثرها. وكان يشد من أزرها سعي النظام إلى محاربة الإخوان، والتيار الإسلامي عامة، فظهرت مجموعة من الأفلام تهاجم سياسات الدولة والحركة الإسلامية معًا، وغضَّت الدولة الطرف عنها بغية التنفيس عن مشاعر الغضب المكتوم، والمساعدة في الحرب على الإسلاميين. فظهرت جملة من الأفلام في التسعينات، مثل: "ضد الحكومة" سنة 1992، و"طيور الظلام" سنة 1995.

بدا واضحا أنه مع حلول عام 2005 زادت نُذر الانتفاض ضد مبارك، وظهرت بعض الافلام الناقدة للمرحلة، ففي عام 2003 ظهر فيلم "عايز حقي"([1])، وفيعام 2007 ظهر فيلم (هي فوضى؟)([2])، وفيلم (الديكتاتور)في عام 2009[3])، وفيلم (عسل أسود) عام 2010[4])، وبدأ تصوير فيلم (صرخة نملة) في أكتوبر 2010، لكنه لم يعرض إلا في يونية 2011[5]).

ويلاحظ على هذا الحراك الفني أنه تجنب في الغالب إظهار المعارضة الإسلامية كقوة مؤثرة في المنظور السياسي، أو التطرق لمعاناتها ودفعها أفدح الأثمان نتيجة مواقفها الثابتة، كما يلاحظ أن الحركة الإسلامية -وفي مقدمتها الإخوان المسلمون - لم تسعَ -كمؤسسة- إلى استخدام الفن أداةً للتعبير عن أدوارها، وعرض قضاياها. ولم يكن الطريق أمامها معبَّدًا لو أرادت.وما ظهر من جهود فنية في هذه الفترة ظل في إطار المبادرات الفردية التي تدرك تأثير الفن وقوته، كما عايشناها في الأناشيد الثورية التي تتطلع إلى غد أفضل، أو تحارب الظلم ومظاهر الفساد، أو تتغنى بتاريخ زاهر بعيد أو قريب. مع محاولات لأداء بعض العمل المسرحي الهادف يقوم بها شباب من الموهوبين من النشطاء في العمل الطلابي، أو كانوا من نتاجه.

الأدب الثائر:

أتاحت حرية النشر على الفيسبوك وغيره من وسائل التواصل للشعراء مساحة مفتوحة للتأثير العام، كما أتاحت الفضائيات المتنافسة سبيلاً إلى إظهار هؤلاء الشعراء والكتَّاب، وترميزهم، إضافة إلى ذلك أفردت الحزبية والجبهوية - التي نشطت آنذاك - فضاءً لهؤلاء لممارسة تأثيرهم كقوة ناعمة لها دورها.

فشابّ مثل عبد الرحمن يوسف القرضاوي وجد ترحيبًا في مؤتمرات النقابات، وحركات الرفض والغضب مثل كفاية والجبهة الوطنية للتغيير، وكان منسقًا لجبهة دعم البرادعي. ومن إحدى نوافذها -في مؤتمر للقوى المعارضة- صدح بقصيدته التي أسماها "الهاتك لأمر الله" يقول فيها:

يا من لعرضي هتك
فقدت شرعيتك
من ربع قرن كئيب لعنتُها طلعتك
أموالنا لك حِلٌّ فاملأ بها جعبتك
خلف الحراسة دومًا مستعرضًا قوتك
تبدي مظاهر عز .. تخفي بها ذلتك

............

مع العدو كليل لكن بشعبي فتك
سواد قلبك بانٍ فاصبغ به شيبتك
يأتيك دعم عدوي فاصلب به قامتك
سجدت للغرب دوماً مستبدلاً قبلتك
بأدمعي و دمائي كتبتها قصتك

......................

تعطي لنسلك أرضي ممارساً سلطتك
كأن أرض جدودي قد أصبحت ضيعتك
لا شك موتك يأتي مستئصلاً شأفتك
يوم الحساب قريب ترى به خيبتك
يوم المنصة حق فخذ به عبرتك
هذه الجموع يقيناً ما جددت بيعتك

وأصدر الشاعر بضع دواوين في نقد النظام الحاكم في مصر والعالم العربي، منها: "لا شيء عندي أخسره"،وديوان "مسبحة الرئيس، هجائيات أشعلت ثورة".

وفي إحدى هذه المؤتمرات -المؤتمر العام لنصرة غزة بالمنصورة قي يناير 2010 -أنشد الشاعر الشاب د. أحمد والي قصيدته شيد جدارك، التي ثار فيها على بناء نظام مبارك الجدار الفاصل بين مصر وقطاع غزة، فألقي في السجن بسببها، ويقول فيها:

شيِّد جدارك

 واصنع من الفولاذ عارك

 وانقش على سيناء وشْم الذل

ولتكشف عوارك

 أسكرتنا كذبًا.. وسُقت على مسامعنا من الزور انتصارك

 أغلقتَ ظهر الأرض كيْما يذعنوا

 فتألقوا في صبرهم..

 وهُزمت أنت ومَن أثارك

......

 شيِّد جدارك

 واحشد عليهم ألف سجان..

 وقل للعلقمي كفيتكم.. فاحفظ تتارك

 واقرأ على الأعداء سِفر الذلِّ..

ثم اقرأ على نعش العروبة ما تيسر من “تبارك”

 واشرب مع الأقزام من حكامنا

 نخْب الفضيحة من دموع صِغارنا..

والعن صَغـَارك

 ما عاد يؤلم أهل غزة فعلكم

لو كنت حرًّا ما فعلت.. ولا أسأت لمصرنا

 ولَصُنت في الدنيا دِثـَارك

 لكنني والكل يعلم واثقًا.. ليس القرار هنا قرارك

 لن تغفر الأجيال سوء فعالكم

 وشواهد التاريخ لن تنسى عِثارك

 شيد ففوق العرش ربٌ قادرٌ

 والشعب فوق الأرض يشتاق اندحارك ([6])

ووجد شاعر العامية "أمين الديب" الفرصة لإذاعة قصائده التي يخاطب بها بسطاء الناس، ويفسح مساحات وعيهم بخطر الانفتاح والتطبيع وتهاوي القيم.. وقد اهتمت بإنتاجه الشعري صحف الإخوان، ومنها آفاق عربية، والأسرة العربية، حتى اشتهر بأنه شاعر الإخوان، بالرغم من أن الرجل كان ناصريًا في شبابه، ولما وقع الانقلاب على الرئيس محمد مرسي أيد الانقلاب!

كانت بعض صحف المعارضة تفسح بعض صفحاتها لعرض نتاج الشعراء والكتّاب، ومن أشهر ذلك الباب وأعظمه أثرًا كتابات د. محمد عباس في صحيفة الشعب، وتنتمي إلى الأدب السياسي، ومن أجرئها في نقد نظام مبارك وجرائمه كتابه "إني أرى الملك عاريًا"، وقد نشرتها كاملة مكتبة مدبولي سمة 1999م.وضم الكتاب ثلاثة أجزاء جاءت على شكل ثلاث رسائل: الرسالة الأولي: أوقفوا التعذيب، الرسالة الثانية: الشرطة خدم السلطان، الرسالة الثالثة: جلالة الملك فخامة الرئيس. ويتضح من عناوين الرسائل قدر ما تحمله من الغضب والمرارة والثورة

وقال الكاتب في مقدمته: "يا قارئي: إن ما يحدث في ربوع أوطاننا جرائم مروعة تؤكد أن النظام كله مختل، وأن المجتمع كله مريض: الكبار والصغار، المتّهمون والمتهمون، ولعل مادة هذا الكتاب التي نشر الكثير منها كمقالات في الأعوام الخمسة الماضية تشكل صفحات من التاريخ تقطر دما.. وكرامة.. وألما.. وأملاً مسفوحا.. ولعل ما نشر، وما لم يتسع الهامش الديموقراطي في بلادنا لنشره، لعلها جميعا تتشكل كديوان للوطن في مخاضه الدامي، ولعل ذلك ما كاد يدفعني لتقسيم هذا الكتاب لا إلى رسائل وأجزاء وأبواب وفصول.. بل إلى أشلاء ... قد كان واضحا أمام الكاتب أنه مع جرائم التعذيب والتزوير التي تمارسها السلطة، والتي بلغت تداعياتها إلى نسف منازل مواطنين لمجرد الشك في مناوأتهم للدولة أنه لم يكن البيت هو الذي انهدم، بل كان الوطن هو الذي انهزم، وكان الشعب هو الذي انقسم، وكانت الأمة هي التي تشتت شذر مذر.كان ذلك واضحا، فلا خير في وطن يكون السيف في يد جبانه، والمال في يد لصوصه، والقلم في يد منافقيه".

الهوامش

([1])الذي أعلن فيه صابر، الشاب الفقير العاجز عن إكمال زواجه، أن الحل يكمن في استرداد المال العام من يد الدولة التي لا تستطيع إدارته من جهة، ولا تديره بعدالة من جهة أخرى، وحافظ الفيلم على توازن السخرية بين الدولة والمواطن، فإذا كانت الدولة عاجزة عن إدارة المال العام، فإن المواطن "سفيه" سيبيعه للأعداء.

([2])الذي يبرز الفساد المتجسد في القمع المباشر، والرشوة، والمحسوبية، وتزوير الانتخابات، والسلطة المطلقة التي يتعامل بها افراد الشرطة مع ابناء الشعب. كما يتنبأ الفيلم بوقوع ثورة جماعية في النهاية.

([3])الذي تنبأ بقيام ثورة على حاكم دكتاتور يريد أن يورث الحكم لأحد ابنائه، وقد ملأ بلاده فسادًا، مما يثير غضب الشعب، فيقوم بثورته، لكنه لا يهنأ بها، إذ يستطيع أنصار الدكتاتور القضاء على الثورة، واستعادة الحكم بالقوة مرة أخرى.

([4])وقدم صورًا من معاناة شاب مصري يحمل الجنسية الامريكية عاد ليقيم في مصر، ولقي معاملة راقية بالنظر إلى أنه أمريكي، لكنه لما  فقد جواز سفره الأمريكي أصبح يعامل معاملة المصريين، ويلاقي ما يلاقونه من عنت وقهر.

([5])ويتعرض لمعاناة الشعب في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية القاتمة، واستغلال أصخاب النفوذ، مع العجز عن إظهار التمرد على هذه المظالم إزاء القبضة الأمنية الباطشة.

 

 

 

لم يكن الداعون إلى تظاهرات يوم 25 يناير يتوقعون التجاوب الشعبي الهائل الذي لاقته دعوتهم، ولما تصدت الشرطة لتفريقهم لم يكونوا يتوقعون الثبات الذي حدث في الميادين، لقد سرت موجات من القوة والإصرار في نفوس الداعين ومن دعوهم، فتلقى الشباب قنابل الغاز، ودفعات المياه من خراطيم المطافئ، والرصاص المطاطي، ثم الرصاص الحي، تلقوا ذلك وهم مصرون على مواصلة حراكهم، والوصول إلى نقطة الالتقاء المستهدفة في ميدان التحرير، بينما أدى عنف الشرطة إلى مقتل عدد من المتظاهرين في السويس والإسكندرية، وتناقلت وسائل التواصل تلك الأنباء فازداد تراكم الغضب، واتقدت نيران الحماسة.

لقد كان سقف طموح من أطلقوا الدعوات للتظاهر إقالة وزير الداخلية، بل لم يكن نظام مبارك بما يملكه من أجهزة أمن يتوقع ذلك التجاوب الكبير الذي لقيته هذه الدعوات، لقد كانت الثورة مفاجئة حتى للمخابرات الأمريكية التي كانت تعتمد على كبار قيادات الأجهزة الأمنية بمصر كمصدر للمعلومات([1])

الهوامش

[1]كيركباتريك: في أيدي العسكر ص 48

 

 

بعد سقوط بن علي بدا نظام مبارك قلقًا، فروَّج من خلال إعلامييه لمقولة: مصر ليست مثل تونس"، و"النظام في مصر غيره في تونس"..

ثم انطلقت الدعوات للتظاهر في يوم عيد الشرطة 25 يناير([1]) ،  مما أعطى هذه الدعوة رمزيتها البالغة. حيث كان طغيان الشرطة بلغ أوجه في أواخر 2010.

واستدعى جهاز أمن الدولة مسئولي المكاتب الإدارية للإخوان على مستوى الجمهورية؛ ليهددهم ويحذرهم من عواقب مشاركة الإخوان في تلك التظاهرات، وبالرغم من عدم التنسيق المسبق بينهم؛ إلا أن كل من تيسر لنا مقابلتهم من هؤلاء توافقوا على أنهم ردّوا على هذا التهديد والوعيد بأن الإخوان جزء من الشعب. وأصدرت جماعة الإخوان بيانًا ترفض فيه هذا الإجراء، وتصفه بالإرهاب، رافضة أن يتم التعامل معها عبر القنوات الأمنية، أو بصورة منفصلة عن الجماعة الوطنية، مع استعدادها لحوار سياسي يشمل الجميع. ([2])

وفي ليلة 25 يناير ظهر د. عصام العريان في فيديو على المواقع الرسمية للجماعة ليعلن ان الإخوان سيشاركون برموزهم مع القوى الوطنية الأخرى في عدة أماكن، وأن الجماعة أبلغت أعضاءها ألا حرج عليهم إذا أراد أي منهم أن يشارك في ذلك الحراك. ([3])

إن ما سبق يعني أن الجماعة لن تنزل بكامل أفرادها في بدء تلك الاحتجاجات، تحسبًا لضعف المشاركة الشعبية، مما سيفسر وقتها على أنه شغب من الإخوان وحدهم، فتنصبّ عليهم أداة البطش الأمني كما حدث في السنوات السابقة. وقد قرر الإخوان منذ مدة سياسة المشاركة لا المغالبة، فليسوا نائبين عن الأمة. وكان الحشد هذه المرة ناتجًا عن غضب عارم، وآمال عريضة كافية بإخراج الأمة عن السلبية([4]). لذا كان موقفهم هو التريث لقياس مدى المشاركة في الحدث الكبير المنشود، فإن رأوا العزائم اللائقة فسيكونون وقودها الأكبر. واتساقًا مع هذه الرؤية فقد قرروا أن تكون مشاركاتهم ضمن الجموع، فلا تُرفع لهم راية خاصة، ولا يتصدر المشهد قادتهم. ولو اتخذت الجماعة قرارا بالمشاركة الكثيفة فسيضر ذلك بالحدث نفسه لأن الاعتقالات ستكون كبيرة وتلجأ الحكومة لاستخدام فزاعة الإخوان([5]).

وكانت مشاركة رموز منهم في بدء التظاهر ضمن رموز القوى السياسية المختلفة. وكان إقرارهم بحق شبابهم في التظاهر مع الآخرين تقديرًا لدورهم، واعترافًا بحقهم، وهي مشاركة بدأت منذ مراحل الإعداد للثورة مع شباب القوى الأخرى كما مر بنا.

على أن شباب بعض المحافظات أبدى رغبة كبيرة في المشاركة الكاملة مع الثوار يوم 25 يناير، وألحَّ على موافقة الجماعة على رغبته، كما حدث في محافظة الفيوم، حيث رتب المكتب الإداري بها لقاء بين هؤلاء الشباب وأمين الجماعة د. محمود عزت، انتهى اللقاء بتفويض المكتب الإداري في اتخاذ القرار الذي يراه، فكان حشدهم ومشاركتهم في ذلك اليوم كاملة.

وكان حضور نواب الإخوان ورموزهم وقياداتهم التنظيمية بارزة في مواقع التظاهر المعتادة، فشارك د. عبد المنعم أبو الفتوح مع المتظاهرين أمام دار الحكمة، و د. محمد البلتاجي مع عدد من نواب الإخوان أمام دار القضاء العالي، مع حضور أعداد كبيرة من الإخوان.

وصدرت جريدة الشروق يوم 25 يناير تحمل عناوين بارزة مثل "الإخوان يشاركون في مظاهرات اليوم بعد اجتماع سري وصلت تفاصيله للأمن".

يعزز من ذلك شهادات عدد من الشباب - من غير الإخوان - الذين تصدروا الدعوة للتظاهر يوم 25 يناير، فقد أقروا بأن عددًا من شباب الإخوان كانوا مشاركين معهم في الإعداد والتخطيط، وكانوا ممن قاد المسيرات بدءًا من المناطق الشعبية وصولاً إلى ميدان التحرير([6]).

وقد تقدم عدد من شباب الإخوان السابقين([7]) - ممن انشقوا عن الجماعة نتيجة خلافات داخلية عقب الثورة - إلى مجلس شورى الجماعة بمذكرة تفصيلية تبين سير الأحداث في هذه الفترة، ويشرحون فيها تواصلهم المستمر مع قيادة الجماعة، وتحركهم بإذنها آنذاك. وجاء فيها: "ما قبل 25 يناير 2011: حين بدأت الدعوات إلى المشاركة في فعاليات يوم 25 يناير، تقدم الإخوة أعضاء اللجنة الإعلامية بقسم الطلاب باقتراح للدكتور محمود أبو زيد (عضو مكتب الإرشاد والمشرف على قسم الطلاب) يوصي بأن يعلن القسم بصورة خاصة عن مشاركة طلاب الإخوان في فعاليات 25 يناير نظرًا لأن الدعوات في هذا اليوم شبابية بالدرجة الأولى، ومن المهم أن يكون لشباب الجماعة حضور واضح فيها.. وكان رد الدكتور محمود أن قرار الجماعة معلن، وبشكل واضح، وهو عدم المشاركة، وأن ذلك يسري على الجميع، والقسم سيلتزم بالقرار العام. وبعد تصريح د. عصام العريان بعدم مشاركة الإخوان، اتصل به أحمد عبد الجواد، وأوضح له أهمية عدم رفض المشاركة بشكل واضح، وإمكانية الاكتفاء بترك مساحة من الحرية للأفراد في المشاركة، وبعد موافقة مكتب الإرشاد على ذلك طلبنا التصريح إعلاميا بهذا القرار.. وهو ما تم بفضل الله. وبناء على هذه المساحة التي أتاحها إخواننا، تم إنشاء جروب مغلق على الفيس بوك أسميناه "كلمة حق"، يضم شباب الإخوان الذين أعلنوا المشاركة في فعاليات يوم 25 يناير، وذلك بهدف تجميع الجهود وتنسيقها، وتم التواصل مع شباب القوى الوطنية والناشطين وصفحة خالد سعيد في ترتيبات اليوم وتحديد أماكن التظاهر التي سيعلن عنها، وتحديد شارع ناهيا كنقطة حقيقية لبدء التظاهرات.([8])

وهذا الحضور - في التخطيط والتنفيذ -كفيل بدحض رواية الباحثة الإسرائيلية بندتا برتي، التي زعمت أن الإخوان المسلمين لم يكونوا من المنظمين الأوائل للمظاهرات الشعبية، فلم يشتركوا في يوم 25 يناير 2011([9]). وما أورده يوسي أميتاي من أن الإخوان المسلمون امتنعوا عن المشاركة في الثورة في بدايتها، وقفزوا على عجلة الثورة بعد عدة أيام ([10])

 

 

 

(رسم كروكي يبين خريطة تحرك الثوار يوم 25 يناير، رسمه محمود سامي مسؤول الاتصال الجماهيري بحركة 6 أبريل، نشرته جريدة الشروق بتاريخ الثلاثاء 28 يناير 2014)

الهوامش

([1])هو ذكرى اليوم الذي صمد فيه قسم شرطة الإسماعيلية أمام العدوان البريطاني، وقاتل رجاله، فاستشهد منهم خمسون، وجرح ثمانون، وكان ذلك في 25 يناير 1952، مما مهد لقيام الثورة في 23 يوليو

([4])عضو شورى عام ومسئول احد المكاتب الإدارية (د. حلمي الجزار ص1-2)

([5])أحمد تهامي عبد الحي: مقال سابق

([6])محمد أبو الغيط: بالصور "بوابة الشروق" تعيد نشر خرائط خطة "كرة الثلج" التي أطلقت شرارة الثورة المصرية، جريدة الشروق، بتاريخ 28 يناير 2014، على الرابط:https://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=28012014&id=c200bd39-5166-47a5-9868-943ce32412d4

([7])منهم أحمد عبد الجواد، وإسلام لطفي، ومحمد القصاص، وأحمد نزيلى، وهاني محمود

[8] ويكمل البيان: "في يوم 25 يناير الساعة الواحدة والنصف ظهرا تحركت كرة الثلج بداية من شارع ناهيا.. وفتح الله على مصر بتجاوب الشارع مع الحركة مما أعطاها زخما وقوة لم تكن متوقعة، وتحركت التظاهرات حتى وصلت إلى ميدان التحرير. ومن أول لحظة لوصولنا الميدان حرصنا على التواصل مع إخواننا وإطلاعهم على حقيقة الوضع في الشارع وطلب توجيهات الجماعة ورؤيتها.. فتواصلنا مع د. عصام العريان، الأستاذ السيد نزيلي، د. عصام حشيش.. ونقلنا لهم صورة الميدان وطلبنا توجيه الجماعة ودعمها، ولكن لم يأتنا رد.. حتى الساعة 8 مساءً. ونظرا لأننا كنا نجتمع على رأس كل ساعة مع شباب القوى السياسية لتقييم الموقف ومحاولة التفكير فيما بعد اللحظة.. وفي اجتماع الساعة 8 مساءا بدأت هتافات المتظاهرين بإسقاط النظام والدعوة إلى الاعتصام.. فكان قرارنا بضرورة التوجه إلى مكتب الإرشاد والتواصل المباشر مع إخواننا. زيارة مكتب الإرشاد: وبالفعل توجه إسلام لطفي وأحمد نزيلي وهاني محمود إلى مكتب الإرشاد، وكان في المكتب كل من: (د. محمود عزت، د. محمود غزلان، د. محمد مرسي، د. عصام العريان، د. محمد البلتاجي، د. سعد الكتاتني، د. هشام عيسى) وكان الهدف الأساسي من الزيارة عرض الأمر على إخواننا ونقل نبض الشارع لهم بصورة مباشرة، وطلب دعم الجماعة للميدان، وأن من مصلحتنا المباشرة السعي بكل قوة لإنجاح هذه الحركة، حيث كان بيان الداخلية قد صدر قبل ذلك وحمّل الجماعة مسئولية الأحداث.. وأن هناك أمل كبير في نجاحها إذا دعمت الجماعة الميدان بالأفراد وبالدعم المادي المطلوب للاعتصام. وكان خلاصة الاجتماع رد د. محمود عزت أن الأمر بدأ شعبيا ومن الأفضل أن يكمل كما بدأ، وأن موقف الجماعة معلن وقرارها وواضح، وكونوا أنتم مع الناس في الشارع.. إن بقوا في الميدان أو انصرفوا، ونحن سنتفق مع الجمعية الوطنية على النزول يوم الجمعة 28. فأخبرنا الإخوة في المكتب أن كل القوى السياسية لها رموز واضحين في الميدان إلا الإخوان، وطلبنا منهم أن يحضر معنا إلى الميدان أحد رموز الجماعة.. فطلبوا من د. محمد البلتاجي أن ينزل معنا إلى الميدان، وهذا ما حدث وكان لنزوله أثره البالغ بفضل الله.. وبقينا وحدث ما حدث مساء 25 يناير من ضرب المعتصمين في الميدان.. وتحركنا بفضل الله مع الشباب في مظاهرات جابت شوارع القاهرة حتى صباح اليوم التالي. ما بعد 25 : بنهاية أحداث يوم 25 يناير كان قد بدأ يتضح للجميع أن وجه مصر قد اختلف، وأنه بالفعل تُصنع ثورة في مصر.. لذلك كان حرصنا على استمرار تحركات الشارع حتى يأتي يوم جمعة الغضب 28 ليجد الشعب مهيأ ومتجاوبا.. فاستهدفنا خلال هذين اليومين دعم وتحريك مظاهرات في العديد من الأماكن من خلال التواصل والتشجيع للشباب ... وتمت عدة مظاهرات في الطالبية والهرم ومدينة نصر وغيرها أيام 26 و 27 يناير. - ويوم الخميس 27 يناير حضر هاني محمود اجتماع الجمعية الوطنية للتغيير نيابة عن د. محمد البلتاجي، وفي هذا الاجتماع تمت صياغة بيان القوى الوطنية لجمعة الغضب، وتم التواصل بعد الاجتماع مع د. البلتاجي وإبلاغه بما دار، وإرسال نسخة البيان له. - يوم الخميس 27 يناير تواصلنا مع العديد من الشباب من مناطق مختلفة في محاولة لتوحيد الجهود في تحركات يوم جمعة الغضب ورتبنا خريطة تحركات اليوم، ونسقنا بعدها مع الشباب الناشطين على أن يتم الإعلان عن 20 نقطة انطلاق وهمية على صفحة خالد سعيد.. وأننا سنتبنى 5 نقاط رئيسية غير معلنة (الطالبية – إمبابة – المعادي – شبرا – العباسية) سنتولى تحريكها ووزعنا أنفسنا عليها، وتواصلنا مع إخواننا مسئولي مكتب إداري الجيزة ومكتب إداري 6 أكتوبر وإبلاغهم بما تم ترتيبه حتى يتم توحيد الجهود، وأفادونا بأنه لا يوجد ترتيب معين لليوم وتركوا لنا حرية التنسيق مع مسئولي المناطق.. وهذا ما حدث بالفعل مع بعض المناطق. - ثم كان يوم جمعة الغضب بما فيه.. وبفضل الله تعالي تم الدخول لميدان التحرير وفق المخطط له" راجع نص المذكرة على الرابط:https://www.elwatannews.com/news/details/118898#goog_rewarded

[9]بندتا برتي : الربيع العربي و صعود الإسلام السياسي. التقرير الاستراتيجي لإسرائيل 2012/2013 معهد دراسات الأمن القومي- جامعة تل أبيب. سنة 2013 ص.162-164

[10]يوسى أميتاي: صيف 2013 في مصر ليست قصة الأخيار في مواجهة الأشرار-موقع هاعوكتس24 أغسطس 2013 http://tinyurl.com/ytgisxxl

 

 

 

لقد أسهمت جهودالإخوان عبر عقود من الزمن في تشكيل المناخ المتهيئ للثورة، والحاضن لها، سواء في دعوة جماهير الشعب إلى شمول الإسلام، وأن السياسة جزء منه، وفرضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتصدي للتأثيرات الوافدة المضللة للبناء العقلي والإيماني، وكشف سياسات النظم الحاكمة التي تتجافى عن مقتضى العدل الاجتماعي والقيمي، وانحياز تلك النظم إلى موالاة أعداء الأمة، وعجزها عن مواجهة المشروع الصهيوني والغربي، واستهدف الإخوان تربية كفاءات سياسية وعلمية، ورموز اجتماعية، فردية وجماعية، وصقلها بالعمل الشعبي، والدفع بها في ساحات العمل النيابي والنقابي والطلابي والخدمي.. ثم تحمل تكلفة ذلك كله سجنًا، وتعذيبًا، وظلمًا، وإقصاءً.. كل ذلك أسهم ولا شك في تكوين البيئة الصالحة للثورة، والدفع بشرائح واسعة من الشعب في طريق الحشد لها.. مستعدة لتحمل أعباء الثورة والثبات في محطاتها الفاصلة، مثلما جري يوم موقعة الجمل وغيرها.

وكان الإخوان جزءًا من القوى الشعبية التي ملأت فضاء السياسة في هذه الفترة احتجاجًا، ونسقوا مع الجمعية الوطنية للتغيير بقيادة د. محمد البرادعي، التي تأسست في مارس 2010، التي ضمت طيفًا واسعًا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وكان للإخوان الدور الأكبر في جمع التوقيعات على وثيقة الإصلاح التي أعلنتها الجمعية الوطنية للتغيير، والتي ضمت 7 مبادئ تم التوافق عليها، وبدأ الإخوان حملة كبرى لجمع تلك التوقيعات، وأسسوا لذلك موقعًا خاصًا، جمع 850 ألف توقيع من المليون توقيع المستهدف.[1]

. لقد أـسهم الإخوان في صنع هذه البيئة الغاضبة، أو ملء جرَّة الغاز التي تنتظر عود الثقاب.

الهوامش

[1] "مسار تحالف إسلاميي مصر.. التعثر والنجاح 2 من 2"، تقرير موقع عربي 21، بتاريخ 22 مارس 2019، على الرابط:  https://arabi21.com/story/1168201/%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%B1-%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%AA-%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%AB%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%AC%D8%A7%D8%AD-2%D9%85%D9%862

 

 

عزمي بشارة: ثورة مصر، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، ط1، 2016

كيركباتريك (ديفيد): في أيدي العسكر، الحرية والفوضى في مصر والشرق الأوسط، ترجمة محمد الدخاخني، جسور للترجمة والنشر، بيروت، ط1، سنة 2024

مجموعة مؤلفين: الثورة المصرية الدوافع و الاتجاهات ..المركز العربي للأبحاث، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، ط1، سنة 2012

 

شهادة د, نهى الزيني على موقع المصري اليوم، بتاريخ 25/11/2005) على الرابط: https://www.almasryalyoum.com/news/details/2189382

قانون ضمانات ديموقراطية التنظيمات النقابية المهنية، منشور على موقع الجزيرة بتاريخ 16/5/2005، على الرابط: https://2u.pw/ZqCRTGtn

قرار عدم دستورية قانون النقابات المهنية رقم 100 لسنة 1993، على موقع "منشورات قانونية"، على الرابط: https://manshurat.org/node/1455

مبادرة جماعة الإخوان المسلمين للإصلاح الداخلي في مصر ، موقع الجزيرة 16/5/2005، على الرابط: https://2u.pw/xPfuiaxa

بيان الإخوان حول انتفاضة تونس ومطالب الشعب المصري، 19 يناير 2011 ، بيان من الإخوان حول انتفاضة تونس ومطالب الشعب المصري - إخوان أونلاين - الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين

بيان الإخوان المسلمين حول حالة الاحتقان الشعبي والاستبداد الأمني في مصر - إخوان أونلاين - الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمون، على الرابط: https://www.ikhwanonline.com/article/78268

بيان د. البرادعي: "معًا سنغيِّر"، على موقع الجمعية الوطنية للتغيير، على الرابط: https://web.archive.org/web/20100518124132/http://www.taghyeer.net/

 

أحمد تهامي عبد الحي: خريطة الحركات الشبابية الثورية في مصر، مركز الجزيرة للدراسات، بتاريخ 10/2/2011، على الرابط: https://studies.aljazeera.net/ar/reports/2011/2011721194149734210.html

جمال محمد غيطاس: الانترنت والثورة المصرية، نموذج لتفعيل تكنولوجيا المعلوماتفي العمل الجماهيري، ملتقى دور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في دعم الديمقراطية وحرية التعبير والراي، المنظمة العربية للتنمية الإدارية – ماليزيا، 2011 ص93-117، على الرابط  : تجارب عربية - ( المنظمة العربية للتنمية الإدارية – ماليزيا، سنة 2011 ص93-117، على الرابط:  http://search.mandumah.com/Record/123844

د. عبد الخالق فاروق: دور قضاة مصر في التمهيد للثورة المصرية.. معركة استقلال القضاء (2)، موقع ذات مصر، بتاريخ 3/5/2023، على الرابط:https://2u.pw/oEesP74K

د. عبد الخالق فاروق: دور قضاة مصر في التمهيد للثورة المصرية.. من الدعوة لاستقلال القضاء إلى الدعوة لحرية شعب مصر (5)، موقع ذات مصر، بتاريخ 25/5/2023، على الرابط: https://2u.pw/Hti5y02b

هاني نسيرة: الطائفية قبل وبعد الثورة المصرية، مركز الجزيرة للدراسات، 23 يوليو 2011، على الرابط: https://studies.aljazeera.net/ar/issues/2011/07/201172374514916553.html

الإخوان المسلمون في معتقلات مبارك" كتاب لفضح ممارسات مبارك"، تقرير على موقع اليوم السابع، بتاريخ 25 يناير 2012، على الرابط:https://2u.pw/dwFWDHuD

"الإخوان: 32 ألف معتقل وغلق 1400 شركة نصيب الجماعة من قانون الطوارئ"، تقرير على موقع دنيا الوطن، بتاريخ 1/6/2012، على الرابط: https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2012/06/01/283412.html?utm_source=chatgpt.com

الإخوان يطرحون مبادرة الإصلاح في مصر تقرير على موقع الجزيرة نت 3/3/2004، على الرابط: https://2u.pw/FmJi5XiX

"إدانة دولية واسعة للاعتداء على كنيسة قبطية في الإسكندرية"، تقرير موقع فرانس 24، بتاريخ 1/1/2011، على الرابط: https://www.france24.com/ar/20110101-alexandria-egypt-attack-church-christians-international-condamnations

" أشرف أصلان: مصر.. حكومات تصنع الكوارث"، تقرير موقع الجزيرة، بتاريخ 7/2/2011، على الرابط: https://2u.pw/hJDZlALp

أشهر 10 كوارث في عهد مبارك"، تقرير على موقع المصري اليوم، بتاريخ 11/8/2014، على الرابط:  https://www.almasryalyoum.com/news/details/499524

" إلغاء الحرس الجامعي في مصر"، تقرير لقناة الجزيرة، بتاريخ 24/10/2010)، على الرابط: https://2u.pw/HUTEgnjI

بالصور "بوابة الشروق" تعيد نشر خرائط خطة "كرة الثلج" التي أطلقت شرارة الثورة المصرية، جريدة الشروق، بتاريخ 28 يناير 2014، على الرابط: https://2u.pw/ckPeV8bn

"الثورة التونسية هل تلهم المصريين؟"، تقرير الجزيرة، بتاريخ 15يناير 2011، على الرابط: https://2u.pw/P9y8vclP

ثورة مصر وفورة الإعلام الاجتماعي"، تقرير منشور على موقع sky news  عربية، بتاريخ 25/1/2012، على الرابط: https://2u.pw/oB15m7af

حركة كفاية"، تقرير علىموقع الجزيرة، في 28 نوفمبر 2015، على الرابط:https://2u.pw/3Pwh4r05

حسني مبارك، إرث حيّ من التعذيب الجماعي والاحتجاز التعسفي"، تقرير على موقع منظمة العفو الدولية،  بتاريخ 25/2/2020،على الرابط: https://www.amnesty.org/ar/latest/news/2020/02/hosni-mubarak-legacy-of-mass-torture/

"سنوات حكم مبارك، كوارث خلفت الآلاف من الضحايا"، تقرير على موقع العربي الجديد، بتاريخ 25  فبراير 2020 على الرابط: https://2u.pw/WHOxLa4k

"ليفني تهدد غزة من القاهرة"، تقرير الجزيرة، بتاريخ 28/12/2008، على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=oeViL47pLxo

محمود جمعة : انعقاد المؤتمر الأول لتجمع سياسي مصري يدعو للتغيير، موقع الجزيرة نت ١٣-٧-٢٠٠٥ على الرابط: https://2u.pw/e8ipCvJw

محمود عبد الراضي: "أسرار 10 تقارير أمنية تجاهلها مبارك قبل ثورة يناير فأطاحت به"، تقرير على موقع المصري اليوم، بتاريخ الأحد، 17 يوليو 2016 ، على الرابط: https://2u.pw/uDsleAew

مرشد الإخوان في مصر يرفض توريث الحكم لجمال مبارك"، تقرير جريدة الرأي الأردنية 14/10/2006، على الرابط: https://2u.pw/U08Wn1Wl

مرشد الإخوان يرفض ترشح نجل الرئيس المصري لحكم البلاد، تقرير لموقع الجزيرة، بتاريخ 31/3/2009، على الرابط:https://2u.pw/ZrEKcN08

"القضاء المصري تحت السيطرة"، تقرير معهد كارنيجي بتاريخ 20 أغسطس 2014، على الرابط: https://carnegieendowment.org/sada/2014/08/egypts-judiciary-coopted?lang=ar

نص مذكرة شباب الإخوان عن كواليس عدم مشاركة الجماعة يوم 25 يناير، موقع جريدة الوطن، على الرابط: https://www.elwatannews.com/news/details/118898#goog_rewarded

"مسار تحالف إسلاميي مصر.. التعثر والنجاح 2 من 2"، تقرير موقع عربي 21، بتاريخ 22 مارس 2019، على الرابط:  https://2u.pw/3ZIJAjHn

 

د. أسامة ياسين في حواره مع أحمد منصور على قناة الجزيرة، برنامج شاهد على الثورة، بتاريخ 6/11،2011، على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=ZP4OD7yGIgM

حديث د. أسامة ياسين مع أحمد منصور في برنامج ساهد على الثورة، بتاريخ 6/11/2011، على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=ZP4OD7yGIgM

حوار د. عصام العريان حول موقف الإخوان من يوم 25 يناير 2011 - YouTube

صحيفة البيان الإماراتية، الملف السياسي، د. عبدالوهاب المسيري لـ «الملف»: اسرائيل مشروع استعماري غربي في طريقه إلى الانهيار"، بتاريخ 21/6/2001، على الرابط: https://www.albayan.ae/one-world/2001-06-22-1.1174088

مقابلة عاكف مع وكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) في القاهرة في  23 أبريل 2008، ونشرته جريدة الوسط البحرينية بتاريخ  23 أبريل 2008، على الرابط:http://www.alwasatnews.com/news/290789.html

شارك برأيك

تعليقات القراء

الاسم
الإيميل
عنوان الموضوع *
التعليق
أرفق ملفات

Max file size (Mb): 10