مثلت ثورة الخامس والعشرين من يناير مصدر قلق كبير للكيان الصهيوني؛ فلم تكن إسرائيل تتوقع هذا الحدث الكبير الذين كان بإمكانه- لو استكمل مساره- أن يغير شكل المنطقة، ويؤثر سلبًا على المصالح الصهيونية، ويخصم من رصيد قوتها في المنطقة.
ولطالما استمدت إسرائيل مكانتها الدولية، من كونها الديمقراطية الوحيدة وسط عالم عربي ديكتاتوري، ولطالما أدركت أن تفوقها مبني أساسًا على استمرار الاستبداد في العالم العربي الذي تنعكس آثاره على كل مناحي الحياة، فكان العالم العربي يزداد تخلفًا، بينما يزداد الكيان الصهيوني تقدمًا. أمام هذا الحدث كان طبيعيًا أن ينشغل الإسرائيليون: السياسيون، ومراكز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية، والمحللون، والإعلاميون بمتابعة ما يحدث من ثورات في العالم العربي، وانعكاساتها المحتملة على الكيان، والكتابة عنها، ووضع السيناريوهات المختلفة للتعامل معها حسب مجريات الأحداث.
وطوال أربعة عشر عاما، منذ انطلقت ثورات الربيع العربي وحتى يومنا الحالي، لم تتوقف مراكز الأبحاث الإسرائيلية عن الكتابة حول هذه الثورات؛ فصدرت مئات الدراسات والمقالات تتناول كل ما يتعلق بالربيع العربي؛ مع إعطاء المساحة الأكبر للثورة في مصر، لمكانتها، وأهميتها، وموقعها الجغرافي؛ فاهتمت بأسباب وقوع الثورة، ومكانة الجيش، والفرص والمخاطر المحتملة على إسرائيل، أمنيا وسياسيا، واتفاقية كامب دافيد، ودور دول الخليج مع الثورة، ومستقبل الربيع العربي، والتيارات المختلفة التي شاركت في الثورة المصرية، والحركات الإسلامية، والخلافات بين العلمانيين والإسلاميين، والعلاقة بين قوى الثورة والمجلس العسكري. يضاف إلى ذلك مراحل الثورة المختلفة، والوقوف عند أهم التحولات التي مرت بها في مصر... وغير ذلك من موضوعات.
كما أفردت مساحة خاصة، وأهمية كبيرة لحركات الإسلام السياسي، وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين في ظل التوقعات بأن يكون الإخوان هم الرابح الأكبر، واحتمال تصدرهم للمشهد السياسي على إثر الحراك السياسي في ذلك الوقت.
وقد حاولنا هنا أن نقدم رؤية تتناول ما صدر باللغة العبرية حول ثورة يناير، والتركيز بشكل أساس على كيفية حديث المصادر العبرية عن جماعة الإخوان المسلمين منذ انطلاق الثورة وصولاً إلى سنوات ما بعد الانقلاب؛ وفي إطار ذلك كيفية تعامل الإخوان المسلمين في ملفات وأحداث بعينها من وجهة النظر الإسرائيلية.
كانت نقطة الانطلاق من لحظة بدء الثورة، ومتى شارك الإخوان فيها، ومدى فاعلية دورهم، ثم الحديث عن أداء الإخوان مع تيارات الثورة وشبابها، ثم علاقة الجماعة بالأحزاب السياسية والسلفيين. كانت الملاحظة البارزة وجود انحياز إسرائيلي واضح للأحزاب العلمانية والتيارات الليبرالية، وتأكيد مستمر على تأخر مشاركة الإخوان في مظاهرات يناير، وسرقة الإسلاميين- وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون- الثورة؛ رغم تضحيات الشباب أصحاب الاتجاهات المختلفة، وقيادتهم الحراك حينها. وكان واضحًا تمييز بعض الكتابات الإسرائيلية بين الاتجاهات الإسلامية المختلفة، والقدرة على استيعاب الفوارق داخل التيار السلفي نفسه، وإدراك الاختلافات بين السلفية الجهادية المعارضة للأنظمة، والسلفية التي يمكن تصنيفها تابعة لها، وكيف تأثر الإخوان سلبًا بالتيار السلفي عمومًا في أثناء الثورة، وسنوات ما بعد الانقلاب العسكري.
ثم انتقلت الدراسة بعد ذلك إلى الحديث عن علاقة قوى الثورة عمومًا، والإخوان على وجه التحديد، مع المجلس العسكري، أو الجيش، وميزنا فيه بين الكتابات الصهيونية التي كتبت قبل الانقلاب وتناولت هذه العلاقة، وتلك التي صدرت بعد وقوعه، ولاحظنا سطحية بعض هذه الكتابات، وتركيزها على أن السبب الرئيس الذي قاد لحالة العداء بين الجيش والإخوان المسلمين كان مرتبطًا بمصالح الجيش الاقتصادية، بعيدا عن الحسابات السياسية والإقليمية والدولية، وفصل موقف الجيش في مصر عن هذه السياقات. غير أن كتابات أخرى أشار أصحابها إلى تعمد الجيش بث الخلاف بين القوى السياسية، والاستفادة من حالة العداء التي رسخها بينها، بل إن بعض الكتابات الإسرائيليين تنبأ بمآلات العلاقة بين المجلس العسكري/الجيش والإخوان المسلمين، وتوقعت- في ظل تجارب سابقة في مصر عام 54، وفي الجزائر إثر فوز الإسلاميين بالانتخابات في عام 1991- فشل الإخوان في مواجهة المشاكل الاقتصادية في مصر، وعدم نجاح تجربتهم، ومن ثم كان طبيعيًا أن يقرأ بعضهم مشهد تخلص الجيش من محمد مرسي مبكرًا، حتى قبل أن يستلم مهام منصبه. وقد رصدت بعض المصادر الإسرائيلية تورط الجيش في إفشال محمد مرسي، عبر محاولة تشويهه، أو دعم التظاهرات ضده، مستفيدين من أخطاء وقع فيها الرئيس، أشارت إليها هذه المصادر، وبالغت فيها.
واهتمت الدراسة كذلك ببيان طبيعة العلاقة بين الإخوان والإعلام في أثناء الثورة، سواء على مستوى عدم القدرة على تقديم أداء إعلامي جيد، أو بالادعاء بأن الإخوان، وخصوصا في فترة حكم الرئيس مرسي، مارس اضطهادًا للصحافة والإعلاميين، مع اهتمام بعض الباحثين الإسرائيليين بتتبع حقيقة هذا الادعاء وتفنيده بدراسات تطبيقية على صحف حكومية مصرية خلال العام الوحيد لحكم الرئيس الراحل.
كما اهتمت الدراسة كذلك بالعلاقة بين القوى الخارجية والثورة في مصر، مع تركيز رئيس على دول الخليج وإسرائيل، وكيف توجست هذه الدول جميعا من الثورة وناصبتها العداء، ودعمت إفشالها بالتخطيط أو بالأموال. وبالنسبة لدول الخليج كان هناك عاملان أثارا التخوف لدى هذه الدول؛ فقد كانت تخشى أن تنتقل الحالة الثورية إليها، وهذا ما دفع السعودية -على سبيل المثال- لقمع الحراك في دولة البحرين، كما أنها توجست من استعادة مصر مكانتها والعودة لقيادة المنطقة، ولذلك فقد أنفقت، هي ودولة الإمارات، مليارات الدولارات لإفشال الإخوان المسلمين، ثم دعمت نظام السيسي فيما بعد بمليارات أخرى لتثبيت حكمه، علاوة على تصعيد عدائها مع الإخوان وتصنيفها على أنها حركة إرهابية. وفي سياق العلاقة بين الخليج والإخوان المسلمين فصلت دراسات إسرائيلية أسباب حالة العداء ودوافعها لدى الأنظمة الخليجية، وردها إلى تمييز السعودية تحديدًا بين نوعين من الإسلام، أحدهما التابع للسلطة؛ والذي رسخ حكم الأسرة الحاكمة في السعودية، والإسلام الثوري الذي تنتمي له جماعة الإخوان المسلمين والحركات الجهادية رغم الاختلافات بينها.
أما فيما يتعلق بإسرائيل، فقد أفردنا لموقفها من الثورة وجماعة الإخوان المسلمين ونظام السيسي، الحيز الأكبر ضمن هذه الدراسة، وفيه تمت الإجابة على كثير من الأسئلة؛ من بينها: هل تفاجأت إسرائيل بثورة يناير، وهل فشلت أجهزتها الاستخبارية في توقع الأحداث؟ وما الأسباب التي دفعت لتخوف إسرائيل من الثورة؛ خصوصا فيما يتعلق بإيران وحركة حماس في غزة؟ وإلى أي مدى كانت القراءة الإسرائيلية مصيبة في قراءة وقائع ما بعد رحيل مبارك؟ وما موقف الرأي العام الإسرائيلي من الثورة؟ وكيف أثر الموقف المصري من حرب غزة 2012 وموقف الرئيس مرسي في زيادة القلق الإسرائيلي؟ وكيف قيمت إسرائيل علاقتها بالدولة المصرية منذ صعود الإخوان حتى لحظة الانقلاب؟ وكيف لبى النظام المصري في أعقاب الانقلاب التطلعات والمصالح الإستراتيجية الإسرائيلية؟ وغير ذلك من أسئلة كثيرة تدخل ضمن هذه العلاقة.
كما ركزت الدراسة أيضا على بعض الملفات الداخلية في ظل إدارة الرئيس مرسي؛ في مقدمتها صياغة الدستور، وما ارتبط به من ادعاءات ومزاعم جرى طرحها في الإعلام الإسرائيلي، وكان أكثرها متأثرا بالطرح العلماني والليبرالي في مصر الرافض للدستور، مع موضوعية في حدها الأدنى، وكان واضحا أن أكثر من كتبوا عن دستور الثورة المصري من الإسرائيليين لم يتكلفوا عناء العودة لنص الدستور نفسه، واكتفى أكثرهم بما أثير في الإعلام المصري من مزاعم. وقد عرضنا كذلك لكيفية المعالجة الإسرائيلية لعام الحكم الوحيد للرئيس مرسي، مع توضيح أن التقييم الإسرائيلي لهذا العام، على المستوى السياسي والاقتصادي والإدارة الداخلية كان فاشلا، مع تعمد التشويه أحيانا في ظل عدم اعتماد معايير دقيقة للتقييم، وعدم التطرق لميراث الأنظمة السابقة الفاشلة أصلاً، وتعمد عدم المقارنة بين الأداء الاقتصادي في عام حكم مرسي والأعوام التي تلته بعد الانقلاب.
وكان من الضروري التعرض لعلاقة إسرائيل بالانقلاب نفسه، وهل تورطت فعليًا في المشاركة فيه أم لا، وكيف كانت طبيعة هذا الدور، وفي هذا الإطار، جرى التركيز على علاقة السيسي بالنظام الصهيوني قبل الانقلاب وأثناء التحضير له، ثم كيف دعمت نظام السيسي منذ اللحظة الأولى للانقلاب على الرئيس؛ وخصوصًا في محاولة ثني الولايات المتحدة عن اتخاذ أي إجراءات ضد نظام السيسي، وتحديدًا فيما يتعلق بالمعونة الأمريكية، وتوظيف جماعات الضغط الصهيونية جهودها مع الإدارة الأمريكية دعمًا لنظام السيسي، مع إعطاء مساحة حول علاقة هذا النظام بمخططات إسرائيل في المنطقة. وإلى جانب ذلك فإن الدراسة اهتمت بكيفية التناول الإسرائيلي لمذبحة رابعة، وكيف برر أكثر الكتاب هناك هذه المذبحة، مع عدم اختلاف بين يمين أو يسار في الحديث عن المذبحة.
وقد تطلبت هذه الملفات السابقة كتابة تقييم شامل عن أداء الإخوان المسلمين منذ لحظة انطلاق الثورة وصولا إلى اللحظة الراهنة من واقع الأدبيات العبرية؛ فجرى تقييم الجانب الفكري والأداء الداخلي، والأداء السياسي والاقتصادي، مع تفصيل فيما يتعلق بالواقع وتحديات المستقبل.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذه الدراسة اعتمدت بشكل أساسي على المنهج الوصفي، وبقدر أقل على المنهج التحليلي، مع استخدام محدود للمنهج المقارن حينما كانت هناك ضرورة إلى ذلك. كما أنه من المهم التنبيه إلى ما ورد في هذا العمل، وهذه الملفات اعتمد بشكل رئيس على ما أمكن الوصول إليه من أبحاث ودراسات ومقالات أو أخبار منشورة. كما أن ما كتبناه هنا هو جهد ينتمي إلى علم نظري، تتعدد فيه الآراء، فيصيب صاحبها أو يخطئ، وبالتالي تظل قابلة للأخذ والرد.
يتناول هذا الفصل آراء الكتاب الإسرائيليين الجدل حول مشاركة الإخوان المسلمين في الثورة، ودور شبابهم في إنجاحها، وعلاقة الإخوان بشركاء الثورة من قوى وطنية وأحزاب سيلسية وجماعات إسلامية، وعلاقتهم بالمجلس العسكري في فترة الثةرى نفسها.
يتضح من استقراء الخطاب الصهيوني في فترة الثورة والمدى الزمني القريب منها أنه سار في اتجاهين:
1- التشكيك في دور الإخوان في الدعوة إلى الثورة والمشاركة فيها منذ بدايتها، بغرض ترويج نظرية أن الإسلاميين سرقوا الثورة من صانعيها الأصلاء، وهم -من وجهة نظرهم- الشباب العلمانيين والليبراليين.
2- التركيز على فرضية وجود خلافات عميقة بين شباب الإخوان الثوريين وقيادة الجماعة التقليديين والتصالحيين وفق رؤيتهم.
لم تخرج الخلاصة الإسرائيلية حول مشاركة الإخوان المسلمين في ثورة يناير عن واحدة من العبارات التالية: "لم يشترك الإخوان في الثورة منذ بدايتها"، "لم يكونوا في طليعة الاحتجاجات"، "الإخوان سرقوا الثورة".
هكذا كان تقييم الصحافة الإسرائيلية لدور الإخوان في ثورة يناير، وهكذا كان العنوان العام منسجما تماما مع الموقف الذي تكرر على ألسنة كثيرين من السياسيين والإعلاميين في مصر منذ ذلك الوقت، وحتى اليوم.
ويكشف العنوان الذي استخدمه الكاتب الإسرائيلي، أفي يساخروف، عن نفس التوجه المنحاز بداية، والذي يرى أن الإخوان سرقوا الثورة؛ جاء العنوان "سرقوا الثورة"، وفي تفاصيله ما يبعد الإسلاميين عامة، والإخوان على وجه الخصوص من المشاركة فيها؛ ويقول يساخروف "إن الشباب المصري العلماني، الذين أسقطوا حسني مبارك وجدوا أنفسهم فجأة أمام تعاون مهدد، بين المجلس العسكري المسيطر على البلاد، والإخوان المسلمين".1 هكذا افترض الكاتب أن الشباب الذين شاركوا في الثورة علمانيين، واستبعد الإسلاميين تماما.
ويؤكد عاموس يدلين على الأمر نفسه، ويقول إن الثورة فجرها وقادها الشباب والليبراليون والعلمانيون، وهي التي أدت لسقوط حسني مبارك، لكن في النهاية فاز الإخوان والسلفيون ب 75% في الانتخابات الحرة، واستبعد أولئك الشباب من التأثير السياسي في مصر، وتحول ما بدأ ربيعا عربيا ليصبح عاما إسلاميا، وهذه فقط البداية. واعتبر يدلين أن مصطلح "الربيع العربي" لم يقدم وصفا صحيحا للظاهرة التي ضربت الشرق الأوسط في 2011، لأن الحديث لم يعد عن ازدهار ثورة تؤدي لنموذج "ليبرالي علماني أنجلو أمريكي للديمقراطية"، ولا عن تغيير غير عنيف، ولا عن "تأثير دومينو" سريع مثل الذي حدث في شرق أوروبا، بل حديث عن ظاهرة ستغير وجه الشرق الأوسط كله.2 والواضح من حديث يدلين، أن هذا التغيير لم يكن مقصودا به تغييرا للأحسن، بل أن تتحول المنطقة إلى مكان خطر.
كذلك كتب الباحث في مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة؛ يهوناتان دحوح هاليفي، حول ما ساد لدى باحثين إسرائيليين وغربيين عن الثورة المصرية وتفسيرها بوصفها تعبيرًا يخص التيارات الديمقراطية والليبرالية في المجتمع المصري، الذين خرجوا متأثرين بالثورة التونسية ضد النظام الدكتاتوري للرئيس مبارك، وخصصت عناوين كثيرة حول الشباب المصري ووصفوا بالقوة المبادرة والمحركة للثورة الشعبية، وتعلقت آمال كبيرة بهم لينقلوا مصر لعصر الديمقراطية الغربية، وقد نسب تأثير كبير لفيس بوك وتويتر في تحريك الجماهير في الصراع من أجل الديمقراطية، حتى أن الثورة أطلق عليها تسمية "ثورة الفيس بوك".
هذا الموقف - بحسب هاليفي - كان منتشرا لدى كتاب غربيين؛ مثلما فعل الصحافي الأمريكي توماس فريدمان في مقال له في 11 فبراير 2011 في صحيفة نيويورك تايمز،(3) كما وجد صدى له في الصحافة الإسرائيلية أيضا في مقال لجدعون ليفي في صحيفة هآرتس 13 فبراير 2012 الذي قلل من دور القوى الإسلامية في الثورة، فكتب يقول: "إن نبوءات الغضب التي مفادها أن أي تغيير سوف يؤدي إلى صعود الإسلام بعيدة عن التحقق حاليا، تمعنوا في صور الثورة المصرية من ميدان التحرير، حيث لم تظهر لافتات إسلامية إلا بصورة محدودة، لكنهم كانوا يصلّون في هدوء، وحولهم حزام واسع من الثوار العلمانيين".4
وقد امتد هذا الموقف الذي اعتبر الإخوان سارقين للثورة في الإعلام الإسرائيلي لما بعد الانقلاب، حتى علق أحد الإعلاميين في لقاء متلفز على القناة الأولى الإسرائيلية بعيد الانقلاب مباشرة؛ بأن "من سرق يُسرق"، وأن الإخوان مثلما سرقوا الثورة عبر الانتخابات التي أصروا على التعجيل بها بعد أن عرفوا أنهم وحدهم المستعدون والمنظمون لها، سرقت منهم كل المكاسب التي حصلوا عليها، من قبل، في لحظة الانقلاب.(5)
ويتحدث المدير الأسبق للمركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة، يوسي أميتاي، أن من قاد "ثورة التحرير" وألقى بنفسه فيها كانوا شبابا وفتيات مثاليين، أسماهم "شباب الثورة"، وهؤلاء تظاهروا في الميادين رافعين شعارات "عيش حرية عدالة اجتماعية" وتعرض مئات منهم لإطلاق النار، وقدموا حياتهم ثمنا لتحقيق الحرية. بينما امتنع الإخوان المسلمون عن المشاركة في الثورة في بدايتها، وقفزوا على عجلة الثورة بعد عدة أيام، بعد أن قدروا أن الطريق نحو إزاحة مبارك ممهدة.(6)
ويؤكد تحدث به أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة حيفا، ليعاد بورات؛ التوجه نفسه، فيرى أن الإخوان لم يبادروا إلى الدعوة إلى النزول لميدان التحرير، لكنهم انضموا إلى الدعوات، وسعوا إلى تعزيز قيمهم، ليكونوا القوة المسيطرة في الشارع بحيث يظهر فوزهم في الانتخابات في النهاية على أنه فوز للشعب المصري.(7)
في هذا السياق تتعدد مداخلات الكتاب الإسرائيليين؛ فتقول الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، بندتا برتي، أنه على الرغم من أن الحركات الإسلامية لم تكن من بدأ الدعوة والتحشيد للربيع العربي، فإنهم نجحوا في البلدان التي حدث فيها تغيير أن يركبوا موجة الثورات، وأن يحسنوا وضعهم، ويزيدوا قوتهم.(8)
الاتجاه الثاني: الترويج لفكرة التباين الكبير بين شباب الإخوان وقيادتها:
وإلى جانب ذلك تميز الكتابات الإسرائيلية بين دور شباب الإخوان، وقيادة الحركة؛ إذ تظهر أن استجابة القيادة للحاق بالثورة كان نزولا على رغبة الشباب، وأن قرارهم بالمشاركة جاء بعد أن أدركوا أن الثورة ماضية في طريقها للنجاح.
بعض الكتاب الإسرائيليين وضع فرضيات خالية من المنطق، وساروا وراءها، بغض النظر عن وجود حقائق على الأرض تدعم هذه الفرضيات أم لا؛ فتحدثت أستاذة العلوم السياسية بجامعة حيفا، رونيت مرزان، عن أن تأخر قادة الإخوان خلال ثورة يناير في المسارعة للانضمام إلى الاحتجاجات كان خوفا من أن تؤدي مشاركتهم لحرب أهلية، وفضلوا أن يجروا حوارا مع السلطة، وأن يجبروها على التعامل معهم كشركاء محتملين، لكن الجيل الصغير في الحركة شاركوا في الاحتجاجات أفرادا، ورفعوا لافتات لا تحمل شعارات إسلامية، وانفصل المدونون الشباب ممن كانوا أعضاء في الحركة عنها، لاشتياقهم للحرية، وانضموا لمجموعات يسارية وليبرالية، أو لأحزاب إسلامية ليبرالية، وفضلوا أن يكونوا جسرا بين هويتهم الإسلامية والعالم الحديث، ورفضوا الشعار التقليدي الذي وضعته الحركة "الإسلام هو الحل"، وطالبوا أن تكون الديمقراطية، والحريات الشخصية والعدل الاجتماعي جزءا من الحوار. فقد كان الإسلام بالنسبة لهؤلاء الشباب كلمة مرادفة للعدالة الاجتماعية.(9)
تحمل تفسيرات مرزان السابقة قدرا كبيرا من الجهل بتفاصيل أحداث هذه الفترة؛ فضلا عن غياب المنطق، وبخاصة تفسيرها تأخر مشاركة الإخوان لخوفهم من الحرب الأهلية، أو لتفضيلهم الحوار مع السلطة، والذي بدأ يوم 5 فبراير 2011، أي بعد قرار الإخوان المشاركة الكاملة في الثورة. هذا الموقف منها تكرر مرة أخرى حين تحدثت عن أن "الجيل الإسلامي الصغير من شباب الإخوان رفض قبول التفكير الثنائي الذي يميز بين المسلمين وغير المسلمين، والمتدين والعلماني، والشرق والغرب، وسعى للتخلص من ثقافة الطاعة والولاء الأعمى للقيادة... وتدريجيا أدرك أعضاء الجيل المؤسس للحركة أن عدم مشاركتهم في الاحتجاجات قد تؤدي إلى النظر إليهم على أنهم ضعفاء، وقد يفقدون صورتهم كقوة رائدة في الحركات الاحتجاجية. ومن ثم قرروا، بعد أن أدركوا قوة الدعم الشعبي وحجمه، القفز إلى العربة وجعل قدراتهم التنظيمية واللوجستية متاحة للمتظاهرين".(10)
عدم منطقية ما طرحته مرزان ينبع من عدم تقديرها للفاصل الزمني بين يوم 25 يناير، الذي لم يعلن الإخوان فيه المشاركة بشكل رسمي- وتركوا الحرية لأفرادهم وقياداتهم للمشاركة لمن أراد- ويوم 28 من نفس الشهر الذي قرروا فيه المشاركة الكاملة، وخلال هذه الأيام التي تفصل بين اليومين لم تكن قد ظهرت بعد بوادر أي أزمة طاعة أو ثقة تجاه قيادة الإخوان من قِبَل بعض شباب الحركة، الذين أسهموا في التخطيط ليوم 25 يناير من خلال عضويتهم ضمن "ائتلاف شباب الثورة"؛ إذ يعود أول خلاف معلن بين "شباب الإخوان" والقيادة إلى أحداث جمعة الغضب الثانية 27 مايو 2011. وبالتالي فإن تفسيرها استجابة الإخوان وقرارهم المشاركة على هذا النحو لا يتوافق مع معطيات الفترة
1 - أفي يساخروف: سرقوا الثورة. هآرتس 25 نوفمبر 2011.
https://tinyurl.com/2awa4wcx
2 - عاموس يدلين: السابق ص. 11.
الجميع يؤكد أن الثورة كانت علمانية ليبرالية وفاز من ورائها الإسلاميون، وهي نفس الرؤية التي روجها علمانيو مصر، بحيث أوجد ذلك إدراكا في الغرب بأن الإسلاميين انتهازيون، ولا يخفى ما في هذه الرؤية من مبالغة وتجاوز وحكم مسبق، لكنها في جانب منها تشير إلى افتقاد قوى التأثير في الآخر الغربي من خلال وجود مفكرين وصحافيين وإعلاميين وأدباء ومثقفين كان من الممكن لو كان للإسلاميين قوة ناعمة مثلها أن تصنع تأثيرا مختلفا، بغض النظر عن حجمه، فالتغيير حتى لو كان ضعيفا، فهو أفضل من صفر تغيير.
3 - وجد هذا الموقف صدى كبيرا في الأدبيات الغربية كذلك، وبشكل واسع؛ فانتشرت كتابات تتحدث عن أن الإخوان لم يكونوا في طليعة الاحتجاجات، ولم يتحدثوا للناس علنا، ولم يدعوا إلى الحشد، رغم انضمام أفراد منهم إلى الاحتجاجات في ميدان التحرير، وكانت اللافتات تعبر عن الوحدة/القومية المصرية، وكان الجميع يتحدث عن مصر واحدة، ويغنون النشيد الوطني، ويلوحون بالأعلام المصرية فحسب. لمزيد من التفاصيل؛ راجع:
John L. Esposito, Tamara Sonn & John O. Voll: Islam and Democracy after the Arab Spring. Oxford University Press. New York 2016. p. 211.
4 - يهوناتان دحوح هاليفي: وثيقة استخبارية تكشف؛ انخراط الإخوان المسلمين في التخطيط للثورة في مصر وتوجيهها. مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة. 15 أغسطس 2012.
https://tinyurl.com/29jom58y
5 - "الثورة العسكرية في مصر ضد مرسي" لقاء تليفزيوني في القناة الأولى الإسرائيلية. 5 يوليو 2013
https://tinyurl.com/222jsocd
6 - يوسي أميتاي: صيف 2013 في مصر؛ ليست قصة الأخيار في مواجهة الأشرار. موقع هاعوكتس 24 أغسطس 2013.
https://tinyurl.com/ytgjsxxl
7 - مقابلة متلفزة مع أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة حيفا، ليعاد بورات عقب الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب في مصر في 2011.
http://tinyurl.com/yqmkn25v
8 - بندتا برتي: الربيع العربي وصعود الإسلام السياسي. التقدير الاستراتيجي لإسرائيل 2012/2013، معهد دراسات الأمن القومي – جامعة تل أبيب. تل أبيب 2013. ص. 162 - 164.
9 - رونيت مرزان: الخطاب المخدر لقطر وتركيا والإخوان المسلمين. جامعة حيفا، فبراير 2021.
http://tinyurl.com/ylqyb8ka
10 - السابق
يبدو هذا السؤال النظري مثيرًا في ظل طرحه في وقتنا الحالي، بعد أن كشفت أحداث معركة طوفان الأقصى مستوى غير مسبوق من فشل الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية في جمع المعلومات، وتوقع الأحداث. والحقيقة أن ما جرى اليوم من فشل لا يمكن قراءته بمعزل عن الواقع الإسرائيلي، ومستوى عمل الأجهزة الاستخبارية لديها قبل الثورات، ومدى قدرتها على قراءة أحداث تلك الفترة وتوقعها. وتؤكد المصادر العبرية المختلفة أن انفجار ثورة يناير 2011 كان مفاجئًا لإسرائيل ورجال المخابرات لديها، ويقول الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل، موشيه ألبو، وإيتي خيمينيز، إن هذه الثورة فاجأت رجال المخابرات في إسرائيل، مثلما فاجأت الباحثين الأكاديميين، والمحللين السياسيين الذين اهتموا بمدى استقرار نظام مبارك، وغيره من الأنظمة العربية. ويطرح الباحثان تساؤلاً مهمًا خلاصته هي: هل كان بإمكان المعرفة الجيدة بالثقافة الشعبية المصرية في سنوات ما قبل الثورة أن تؤدي إلى منع هذه المفاجأة، أو على الأقل، إن كان بإمكانها أن تتيح فهما أفضل لمصادرها ونتائجها؟ ويؤكد الباحثان، في إجابتهما عن هذا السؤال، أن الثقافة الشعبية وسط قطاعات كبيرة في المجتمع المصري، في سنوات ما قبل الثورة، شهدت تغيرًا فكريًا عميقًا، وأن هذا التغير كان في صلب دوافع الثوار وأفعالهم، لكن مع ذلك فإن هذا الإدراك المبكر لهذا التغير الفكري لم يكن ليمنع المفاجأة، لكنه على الأقل كان سيساعد متخذي القرار ورجال الاستخبارات في فهم الثورة، والتفكير بشكل مختلف حول الشأن المصري في اليوم التالي لهذه الثورة.11
والواقع أن مراكز الأبحاث الإسرائيلية، وقبلها أجهزة الدولة التي تقوم بجمع المعلومات، تهتم طوال الوقت بالبحث في مدى استقرار الأنظمة في المنطقة، لما لذلك من مساس مباشر بالأمن القومي الإسرائيلي؛ وخلال السنوات التي سبقت الثورة في مصر، طرح كبار رجال الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمن) عددا من التصورات المرتبطة بتقييم احتمالات استقرار الأنظمة، واحتمالات تغييرها.
وقد كشفت الأبحاث التي أجريت بعد انفجار الثورات في العالم العربي عن تفاجؤ الباحثين مما حدث للأنظمة العربية من اضطراب، وتحدثوا عن ضرورة تطوير منهجية مناسبة توفر الأدوات للباحثين لتحليل ديناميكيات التغيير.
وقد تراوحت أسباب عدم نجاح أجهزة الاستخبارات بين التحدي المستحيل في جمع كم غير محدود من المعلومات وتحليلها، والذي اشتمل على معلومات مهولة، مصدر أحدها وسائل التواصل الاجتماعي بما تشتمل عليه من معلومات غزيرة، إضافة إلى عدم إعطاء هذه الأجهزة الأولوية للبحث الاجتماعي الثقافي، وتركيزها في المقابل على مستوى صناع القرار أو العناصر الفاعلة في توظيف القوة، وليس على الجوانب "الناعمة".12
في نفس سياق المفاجأة كان الصحافي في يديعوت أحرونوت، عمري إفرايم، كتب في 31 يناير 2011 أن تقديرات رئيس الموساد الأسبق، مائير داجان، كانت تؤكد على استقرار النظام المصري، وأنه لا يوجد ما يهدد استمراره في السلطة، يضاف إلى ذلك أن رئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء أفيف كوخافي، كان صرح قبل أيام من اندلاع الثورة أن نظام مبارك لا يواجه خطرا حقيقيا، وهذا يعني أن الثورة في مصر فاجأت الجهاز الأمني في إسرائيل. وعلى الرغم من هذه المفاجأة فإن قادة سابقين لم يروا في ذلك فشلا، على اعتبار أن توقع تطورات بمثل هذا الحجم هو مهمة شاقة، وقد علق رئيس الأركان السابق، أمنون ليفكين شاحاك، حينها بأن عدم توقع ما حدث في مصر لم يكن دليلاً على فشل عناصر المخابرات، فالمخابرات- طبقا لقوله- كان لديها معلومات عن مشاكل صعبة في مصر، لكن أولوياتها ترتبط أكثر بالتحذير من الحروب وجمع معلومات في هذا السياق، والمفروض أن يكون ما يطلب منها معقولاً. كذلك لم يعتبر رئيس وحدة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية حينها، العميد يعقوف عميدرور، أن ما حدث دليل فشل، فلا يوجد أي أحد في العالم يمكنه توقع أحداث كهذه.13
كان التخوف الإسرائيلي من الثورة مبنيًا على أنها ستقود إلى حريات واسعة تمكن شعوب المنطقة من تكوين تحالفات تهتم بمصالح الشعوب أولا، وهي تحالفات كان من الممكن، حسب الرؤية الإسرائيلية حينها، أن تقود إلى تغيير وجه المنطقة كلها، وقد يؤدي إلى نظام عالمي جديد يقوم على أسس أيديولوجية معادية لإسرائيل، في ظل التوقع الأكبر الذي ساد حينها بوصول الإسلام السياسي للسلطة، وما قد يصاحبه من تهديد ينتج عن تنامي قوة السياسيين على حساب المؤسسة العسكرية، واحتمال التعاون مع إيران، وتعاظم قوة حماس على حساب السلطة الفلسطينية، وقبل ذلك ما يمثله من تهديد على استمرار اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. ورغم ما أبداه الإسلاميون من برجماتية حول احترامهم اتفاقية السلام، فإن ذلك لم يكن مقنعا لإسرائيل. لكن في مقابل ذلك كانت هناك أسباب خففت من حدة هذه التخوفات، في مقدمتها القناعة الإسرائيلية بأن أي نظام سياسي في مصر سوف يكون منشغلا بإصلاح الوضع الاقتصادي، ولن تكون إسرائيل في أولوياته في تلك المرحلة.
بدأت المخاوف الإسرائيلي من الثورة منذ لحظة اندلاعها، أو بالأحرى ما بعد 28 يناير الذي أعطى إحساسًا للإسرائيليين- يصل حد اليقين- أن عصر مبارك قد انتهى، ثم تحولت إلى واقع مثير للقلق بعد ظهور نتائج انتخابات البرلمان وصعود الإسلاميين، وما أعقبه من وصول د. محمد مرسي لمقعد الرئاسة.
كانت تقديرات إسرائيل الأولية أن التغيير السياسي السريع الفاقد للسيطرة لن يكون بالتأكيد متماشيًا مع مصالحها. ومما عزز من القلق الإسرائيلي أنها بينما كانت ترى في مبارك "كنزا استراتيجيا"، كانت التصريحات الصادرة من ميادين الثورة في مصر رافضة لإسرائيل، أو منادية بإعادة النظر في اتفاقية السلام معها، والتي تعد ذات أهمية قصوى لإسرائيل وأمنها القومي ولمكانتها في المنطقة. وخلال الأيام الأولى للثورة المصرية، كانت أكثر التوقعات تشير إلى تصدر الإخوان المسلمين المشهد، ففي 30 يناير 2011، توقع أستاذ دراسات الشرق الأوسط بالجامعة العبرية بالقدس، البروفيسور إيلي بوده، توحد جميع القوى السياسية المصرية ضد مبارك في المرحلة الأولى من الثورة، ثم وصول الإخوان للسلطة في المرحلة الثانية، معتبرا ذلك أمرًا مقلقًا للغاية. وقد اتفقت معه البروفيسور رفكا يدلين، أستاذة الدراسات الإسلامية في الجامعة العبرية، في توقع صعود الإخوان إلى السلطة.14
ولم يمنع ذلك من وجود أصوات أخرى، فقد رصدت صحيفة يديعوت أحرونوت في التاريخ نفسه - 30 يناير 2011- توقعات بعض السياسيين الإسرائيليين لمآلات الثورة؛ فتوقع السفير السابق في واشنطن، وأستاذ الدراسات الشرقية، إيتامار رابينوفيتش، تضرر مصالح إسرائيل إذا أزاح الجيش مبارك. بينما استبعد شموليك بكر، المتخصص في الشأن المصري من مركز الدراسات البينية في هرتسليا، أن يمسك الإخوان بالسلطة، وبرر ذلك بقوله: "يجب أن نتذكر أن قيادتهم متقدمة كثيرا في السن، وأنهم، وإن كانوا يريدون ثورة، إلا أنهم يخشون اليوم التالي، وهناك شك حول معرفتهم كيفية حكم دولة".15
وفي فبراير 2011 - بعد خلع مبارك مباشرة قال نتنياهو: "إن التاريخ القريب يخبرنا كيف استغلت عناصر إسلامية في الشرق الأوسط، في حالات كثيرة، قواعد اللعبة الديمقراطية لامتلاك القوة وفرض حكمهم غير الديمقراطي". كان تصريح نتنياهو، وهو رأس الدولة، مبكرًا جدًا، وكاشفًا عن حجم القلق الإسرائيلي. وهو قلق مزدوج، كما تقول الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، بنديتا برتي؛ فإيران من ناحية ستحاول استخدام الثورات لتعزيز قوتها ومكانتها في المنطقة، لأن نظامها، طبقا لنتنياهو "غير معني برؤية مصر التي تدافع عن حقوق الأفراد، والنساء والأقليات، وليس معنيا بمصر المتقدمة لمواكبة القرن 21، فما يعنيها هو أن تتحول مصر لغزة أخرى، تحكمها قوى متشددة رجعية ترفض كل ما ينادي به العالم الديمقراطي".
كان نتنياهو يقصد بكلامه الإخوان تحديدًا، فهم من كان يتوقع وصولهم إلى سدة الحكم ممن أطلق عليهم "راديكاليين"، فضلاً عن أن الربط بقطاع غزة هو إشارة لحكم حماس، ولا يخفى ما بينها والإخوان من روابط فكرية، وهو مصدر القلق الثاني لنتنياهو. وفي أبريل 2011 صرح نتانياهو أن إسرائيل كانت تريد أن تشاهد ربيعا عربيا على غرار "الربيع الأوروبي لعام 1989" لكنها بدلاً من ذلك عليها أن تستعد "لشتاء إيراني"، وتنظيمات إسلامية، ستستغل الظرف للسيطرة على الأمور بالتدريج. هذا إضافة لتصريحات أخرى أشرنا لبعضها من قبل.16
غير أن استخدام إسرائيل لمصطلح "معاداة الديمقراطية" هو استخدام مطاطي، فإسرائيل لم تكن معنية مطلقا بالديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي، بل إنها دائما وأبدا كانت حريصة على أن تكون هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة؛ وقد عبر كثير من السياسيين البارزين هناك عن تفضيلهم للسلطة الجائرة في العالم العربي على الحرية التي تأتي بالإسلاميين، وفي هذا السياق نقل عن عضو الليكود ذي الأصل الدرزي، أيوب قرّا، والذي خدم وزيرا في حكومة نتنياهو بين عامي 2017 – 2019 قوله "أنا أفضل التطرف السياسي للرئيس السوري، على التطرف الإسلامي.. نحن لا نريد تطرفا إسلاميا على حدودنا".17 وهذا موقف متكرر من السياسيين الإسرائيليين.
في أعقاب سقوط مبارك، باتت إسرائيل مقتنعة أن مصر أصبحت منقسمة بين قوتين رئيستين؛ المؤسسة العسكرية والقوى السياسية الجديدة يتقدمها الإخوان. وكانت إسرائيل تفضل الأولى بسبب التوجه المحافظ للمجلس العسكري الذي يدير هذه المؤسسة، واستمرار التعاون بين الجيشين المصري والإسرائيلي، حتى أنها وافقت أن تُدخل مصر بشكل دائم قوات إضافية لسيناء لمواجهة العنف هناك. كما اعتبرت أن قرارات مرسي بعزل طنطاوي وعنان في أغسطس 2012 أضعفت مؤسسة الجيش، وهو ما سبب قلقًا لها، لاحتمالية الإضرار بتعاونها مع مصر في كل مجال.18
ومن المفهوم أن مبعث هذا التخوف الإسرائيلي من الإخوان ارتبط بالأساس بأيديولوجيا الإخوان المسلمين المستندة على نصوص دينية، وتاريخ طويل رافض للصهيونية، لكنه بدرجة أخرى، وإن كانت هامشية، ارتبط بتصريحات من قيادات الإخوان قبل الثورة وفي أثنائها؛ من ذلك تصريح للمرشد العام د. محمد بديع، نقله موقع والا الإسرائيلي عن صحيفة القدس العربي، -نشر قبل يوم من آخر انتخابات برلمانية في عهد مبارك في نوفمبر 2010 - تعهد فيه بديع أن الجماعة، في حال فوزها بالانتخابات، ستعمل على قطع العلاقات مع إسرائيل، وأضاف "نحن بالتأكيد غير راضين عن حالة الزواج غير الشرعي بين القاهرة وتل أبيب.. قادة النظام يعلمون جيدا أنه في لحظة وصولنا للسلطة سنغير أمورا كثيرة في السياسة، وفي مقدمتها العلاقات مع إسرائيل التي تسببت لنا في أضرار كبيرة"، وأضاف "لن نسمح أن يموت الفلسطينيون من الجوع بينما نغلق المعابر أمامهم، في نفس الوقت الذي يدخل الإسرائيليون إلى سيناء كيفما يريدون"، وطبقا لكلامه فإن هناك ثلاثة أطراف لا يريدون للإخوان الانتصار في الانتخابات؛ الولايات المتحدة، وإسرائيل والنظام المصري.19
لقد كانت أية تصريحات توصف بالاعتدال أو البراجماتية من الإخوان ينظر إليها على أنها مجرد كلام لتهدئة بعض توجهاتٍ في الداخل، وجماهير وحكومات أجنبية في الخارج، فإن أي برجماتية من تيار اعتاد منذ تأسيسه مهاجمة الصهيونية وإسرائيل، واشتبك معها عسكريا، ولديه أسبابه الاعتقادية في عدائها لم تكن لتقنع إسرائيل، ما لم يصحبها تغيرات فكرية كبيرة. ونظرًا لذلك فإن عواقب صعود هذه الحركات للسلطة على إسرائيل سيمثل تهديدً أمنيًا لا يطاق.20 ومن أبرز الأمثلة على عدم اقتناع إسرائيل بأي برجماتية صادرة عن الإخوان المسلمين، موقفهم من الالتزام باتفاقية السلام تحديدًا، وتتحدث بندتا برتي أن موقف الإخوان شابه تناقض واضح؛ ففي البداية كان تهديدًا بإلغاء المعاهدة، وذلك كان أشبه بـ "إعلان حرب"، ثم وعود بتنظيم استفتاء حول استمرارها.. ثم بدأ الحديث يميل تدريجيًا إلى الاعتدال عند تناول الموضوع، فكان موقف الإخوان المعلن هو الحفاظ على اتفاق السلام، مع الرغبة في إدخال تعديلات على بعض بنوده، وخصوصًًا على البروتوكول الذي يقيد نشر الجيش المصري قواته في سيناء – وهو ما كانت إسرائيل تنظر إليها بقلق كبير.
لم تكن إسرائيل تنظر إلى هذا الموقف البراجماتي كمدخل لتحسين العلاقات، بل على أنه توجه من الإخوان نحو تبريدها، بينما يظل موقفهم الأصيل هو عداء إسرائيل، والذي ظهرت تجلياته في امتناع الرئيس مرسي نطق اسم إسرائيل أو الإشارة المباشرة لها، واستمرار استخدام خطاب معاد لها على لسان المتحدث باسم الإخوان، والأكثر من ذلك انتشار الاتهامات للموساد الإسرائيلي بالمسؤولية عن الهجوم الذي وقع في أغسطس 2012 وأدى إلى مقتل عدد من الجنود في سيناء.21
إن صعود أنظمة حكم يقودها الإخوان المسلمون وأضرابهم من الإسلاميين في المنطقة العربية يمكنها تسخير القدرات العسكرية والموارد الطبيعية المتاحة لتحقيق رؤية الخلافة الإسلامية التي تقودها الشريعة، والخوف من تكوين تحالفات بين الأنظمة الإسلامية الحديثة على أساس برنامج أيديولوجي مشترك، وأهداف دينية مماثلة، كل هذا يخلق نظاما إقليميًا؛ ثم نظامًا عالميًا جديدًا قابلاً للانفجار، وخطيرًا من الناحية الأمنية على إسرائيل والدول الأخرى التي لا تتشارك أيديولوجيا مماثلة. وهذا يعني مواجهة وصراعات حدودية مع إسرائيل، أو مواجهات عسكرية، ونشاط إرهابي متزايد عابر للحدود، وربما الانجرار لحرب إقليمية شاملة. وهذا السيناريو يمكن أن يتصاعد مع تقدم الحركات الإسلامية التي ستؤثر في الدول التي شهدت/ أو لم تشهد ربيعًا عربيًا. إلى جانب ذلك فإن الحكومات المنتخبة الجديدة ستعمل على إقرار أنظمتها أولا، ثم تتحول إلى العدو الإسرائيلي التقليدي، من أجل صرف الأنظار عن فشلها المتوقع، والغضب الداخلي الذي سينتج عن حالة الإحباط في هذه البلدان.22 وكان ذلك يعني، لرئيس المخابرات العسكرية الأسبق، عاموس يدلين، أن تعيد إسرائيل النظر في ميزانيتها للأمن، وبناء قوات الجيش بشكل آخر مختلف تماما، يتناسب مع احتمالية تحول مصر إلى عدو.23
إن الحريات التي يتوقع أن يحظى بها الشعب المصري في ظل الثورة كانت ستظهر الموقف الشعبي الحقيقي المعادي لإسرائيل؛ وهي مسألة كانت إسرائيل تعرفها جيدا؛ وتدرك أنها لا ترتبط بتيار الإسلام السياسي وحده، بل بكافة التيارات، تلك المشاعر المعادية لم تكن نتيجة للربيع العربي، فهي مشاعر قديمة مستمرة. عند الإسلاميين وغيرهم، وتشير برتي إلى استطلاع رأي أجري في أبريل 2011 كشف عن تأييد 54% من المستطلعة آراؤهم من المصريين ضرورة إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل، وأن 48 % من غير الإسلاميين عبروا عن رأي مشابه،24 علاوة على استطلاع آخر، أشارت إليه برتي، أظهر أن 85% من المصريين عبروا عن موقف سلبي تجاه إسرائيل.25 وهذا يعني أن مشاعر العداء تجاه إسرائيل في مصر أثناء الثورة لم تكن مرتبطة بصعود الأحزاب الإسلامية، وعلى الرغم من توقع الدراسات الإسرائيلية حينها ألا تتحول مشاعر العداء تلك لتصبح تهديدًا استراتيجيًا حقيقيًا على إسرائيل، نتيجة حدة التحديات الداخلية التي ستواجه الدول العربية التي مرت بثورات،26 فإنه يدل على أن حالة القمع السياسي التي مارسها نظام حسني مبارك كانت أحد أسباب عدم تحول المشاعر المعادية إلى تصرفات سياسية معادية لإسرائيل، ما يعني أن زوال هذه الحالة القمعية في حد ذاته هو مصدر القلق الحقيقي.
كما أن حالة من عدم الاستقرار قد تحدث بسبب سقوط الأنظمة، وخاصة في المناطق القريبة من إسرائيل؛ فمصر وإسرائيل كانتا تعملان معا، في عهد مبارك، لفرض الحصار على قطاع غزة من أجل إضعاف سلطة حماس، ووقف تهريب السلاح للقطاع.27 علاوة على ذلك كانت دولة الاحتلال تتخوف من أن تصبح سيناء منطلقًا لتنفيذ عمليات ضدها، نتيجة ضعف السيطرة المصرية عليها منذ سقوط مبارك، وقد ظهر هذا التحدي على أوضح ما يكون في أغسطس 2011، وطبقا للرواية الصهيونية فإن مسلحين فلسطينيين تسللوا من مصر، إلى الأراضي المحتلة، وقام الجيش الإسرائيلي بمطاردتهم، ونتيجة تبادل النار على الحدود قتل خمسة ضباط أمن مصريين، وأدت الحادثة لأزمة دبلوماسية بين الدولتين، اندلعت على إثرها مظاهرات ضد إسرائيل في أنحاء مصر، ولم يكف الاعتذار الإسرائيلي في تهدئة الأجواء، وعلى خلفية ذلك وقع الهجوم على السفارة الإسرائيلية في القاهرة. وهكذا ظلت سيناء منذ صيف 2011 ذات حساسية كبيرة لإسرائيل من الناحية الأمنية، ومثلت تهديدا لعلاقتها مع مصر.28 وإلى جانب ذلك كانت إسرائيل تخشى استغلال المنظمات الفلسطينية ذلك الوضع للعمل بحرية كبيرة ضد إسرائيل، نبعا من تقديرهم أن إسرائيل ستضبط النفس حتى لا تنجر الأمور لحرب إقليمية.29
يضاف إلى ذلك تخوف إسرائيل من أن يؤدي الربيع العربي وصعود الإسلاميين إلى تفاقم التهديدات الأمنية في فلسطين؛ خاصة في الضفة الغربية، وإلى ضعف السلطة الفلسطينية مقابل تنامي قوة حماس، ولذلك تقول الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي، عنات كورتيس، إن ما كان على إسرائيل والسلطة فعله هو مواصلة الجهود المشتركة لمنع انفجار احتجاجات شعبية في الساحة الفلسطينية حتى لا يؤدي لفتح مواجهات جارفة.30
ازدواجية التعبير الإسرائيلي عن الموقف من الربيع العربي:
إذا انتقلنا لأسلوب تعامل إسرائيل مع الثورة، نجده غارقا في التناقضات والازدواجية؛ فكان تعاملها على المستوى الداخلي الخاص، مختلفا عن المستوى الخارجي المعلن؛ وقد لاحظ أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العبرية، ليئور لهرس، أن كلام نتنياهو للداخل الإسرائيلي حول الثورة في مصر كان واضحا من دون لبس، لكن تصريحاته الخارجية في المقابل كانت ذات طابع مختلف؛ فقدم رؤية متفائلة تجاه التغيير، وأبدى تقديرا نحوه، وبدا وكأنه يعود لكلامه الذي كتبه في التسعينيات في كتابه "مكان بين الأمم" عن أهمية الديمقراطية في الشرق الأوسط، وعن العلاقة بين الديمقراطية ومسيرة السلام؛ وفي فبراير 2011، وأثناء حوارات مع بعض السياسيين، نقل عنه قوله إن "إسرائيل دولة ديمقراطية تشجع تقدم قيم الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط، ويمكن لدفع هذه القيم أن يفيد عملية السلام". 4 وفي خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة سبتمبر 2011 تطرق نتنياهو لحديث عن الربيع العربي، وأعلن أنه يمد يده "لشعوب ليبيا وتونس، تقديرًا لكل من يحاول بناء مستقبل ديمقراطي.. ولمواطني سوريا ولبنان وإيران على شجاعتهم ضد من يحارب لقمع الشعوب". وفي لقاء مع قناة العربية يوليو 2011 قال نتنياهو "إذا وجدت ديمقراطية حقيقية في العالم العربي فسنشهد سلامًا حقيقيًا، لأن الديمقراطية الحقيقية تعكس رغبة الشعب، وأغلب الشعبين العربي واليهودي لا يريد رؤية أبنائهم وبناتهم يموتون في ساحات المعارك، فهم يرغبون في السلام، لذلك فالديمقراطية مفيدة للسلام، قد يكون هذا صعبا، وسوف تكون هناك فترة اضطراب وقلاقل، لكن في نهاية الأمر سيؤدي ذلك إلى نتيجة طيبة"، وحينما سئل عن قلقه من احتمال صعود الإسلام السياسي أجاب "إن الشعوب العربية تطمح إلى التوجه للأمام، نحو إصلاح حقيقي، هم لا يريدون العودة للعصور الوسطى المظلمة، فهم يريدون عالما آخر"، وكل هذا الكلام مختلف كثيرا عما قاله في الكنيست حين أكد أن "الحركات الإسلامية في أغلب دول المنطقة هي القوى الأكثر تنظيما، والأقوى، بينما القوى الليبرالية التي ترغب في الحرية والتقدم منقسمة وضعيفة".
هذه الازدواجية كانت موجودة أيضا لدى وزير الخارجية أفيجادور ليبرمان؛ فمثلاً في خطاب كتبه لنتنياهو في أبريل 2011- سُرِّب للإعلام لاحقًا- وصف ليبرمان جملة التهديدات لنتائج الربيع العربي في مصر بقوله: "الموضوع المصري مزعج أكثر من المسألة الإيرانية بكثير، ولا يستبعد أن تخرق مصر، بعد انتخاب رئيس جديد، اتفاقية السلام بصورة جوهرية، وأن تدخل قوات كبيرة إلى سيناء"، ودعا ليبرمان في الخطاب "لنتخذ قرارا سياسيا شجاعا، لنقوم بتأسيس قيادة الجنوب من جديد، عبر إعادة إقامة الفيلق الجنوبي الذي تم تفكيكه بعد اتفاقية السلام"، لكنه عند زيارته لفرنسا قال كلاما مختلفا لوزير الخارجية الفرنسي، وصرح بأنه "رغم صعود القوى المتشددة، إلا أن الربيع العربي أتى معه بقوى جديدة شابة، ومثقفة وليبرالية".31
هذا الخطاب الذي بدا مشجعًا التجربة الجديدة نحو الديمقراطية في مصر- وهو الخطاب الموجه للخارج، والذي لم يسمع صداه في خطاب الداخل الإسرائيلي- كان واضحًا أكثر عند رئيس الوكالة اليهودية، ناتان شارنسكي، في مقاله في واشنطن بوست ديسمبر 2011 بعنوان "يجب أن يراهن الغرب على الحرية في مصر"، انتقد فيه الموقف الداعي لدعم الدكتاتورية من أجل الاستقرار، ودعا الغرب للرهان على دعوات الحرية في ميدان التحرير، وقال إنه لا يوجد شيء دائم، ودعاه أن يدعم المجتمع المدني، والمؤسسات الديمقراطية في الدول العربية، وأن يستخدم المساعدات الاقتصادية وسيلة لتحقيق هذا الهدف.32 لكن في مقابل هذا الخطاب الموجه للغرب، والمتظاهر بضرورة دعم الديمقراطية، قابله في نفس الوقت خطاب داخلي يعبر عن حقيقة المشاعر الإسرائيلية تجاه ما يحدث، وهو ما جاء على لسان نتنياهو في نوفمبر 2011 "كانت أغلب التوقعات تنذر بأن موجة إسلاموية ستغمر الدول العربية، موجة مناهضة للغرب، ولليبرالية، ولإسرائيل، وللديمقراطية، ولا أفهم إلى أي اتجاه ستسير الأمور، إنهم يتقدمون، لكن ليس للأمام بل إلى الخلف"33
ثمة تناقض آخر لوحظ على التعامل الإسرائيلي مع الثورة في مصر؛ فبينما كان الحديث يدور حول قيمة الديمقراطية من أجل التقدم، كان الأشخاص أنفسهم يحرضون على بقاء الأنظمة الدكتاتورية ويدعمونها. ففي كتابه "مكان بين الأمم" الذي صدر عام 1993، تحدث نتنياهو عن أن الغرب إذا كان معنيا بدفع السلام في الشرق الأوسط فعليه أولاً أن يمارس ضغوطًا على الأنظمة العربية كي تتقدم نحو الديمقراطية، وانتقد الغرب لعدم ممارسة هذه الضغوط مطلقًا على الأنظمة العربية، رغم قيامه بها في مناطق أخرى، وقال نتنياهو أمرًا مشابها في خطابه الأول رئيسًا للوزراء في الكونجرس الأمريكي في يوليو 1996.34
لكن في فبراير 2011 - أي بعد عقدين من نشر كتابه - كان رد فعل نتنياهو كرئيس للوزراء تجاه الأحداث مختلفًا تمامًا عما كتب؛ فبعد أن بدأت الشعوب العربية تعبر بوضوح عن رغبتها في الديمقراطية، قدم نتنياهو موقفًا مختلفًا للجمهور الإسرائيلي وصورة سلبية تمامًا، وقاسية، وتهديدية حول ما يحدث، فلم يشر في أول تناول له عن الثورة التونسية في 16 يناير 2011 إلى البعد الديمقراطي، ولكن اعتبرها تعبيرًا عن الطابع غير المستقر للشرق الأوسط؛ "المنطقة غير المستقرة". وهو ما فعله في أول رد فعل له عن الثورة المصرية في 31 يناير 2011 حين تجاهل مسألة الديمقراطية، وركز على القلق من أن تؤدي الأحداث لصعود "نظام قمع إسلامي متشدد.. فمع مثل هذا النظام يدهسون حقوق الإنسان، ويشكلون تهديدًا للسلام".35
يشار كذلك إلى أن طبيعة تصريحات المسؤولين الإسرائيليين كانت تختلف بحسب تغير ظروف الثورة وتفاعلاتها. وبالتالي لم يتخذ الموقف الإسرائيلي المعلن من الثورة موقفًا ثابتًا؛ وكان يعكس حالة القلق التي اضطرت السياسيين للتعبير عن مواقف متناقضة، وهو تناقض دُفعت إليه لضرورات دبلوماسية، لكنه كان دليلاً على عدم ترحيب بالثورة.
وهو موقف يمكن تفهمه في إطار ما أعلنته الثورة من أهداف؛ كان من شأنها تخليص مصر من التبعية، واستعادتها مكانتها في المنطقة، وما يستتبعه من بناء الدولة، والذي كان سيخصم من مصالح إسرائيل في المنطقة. لكن على الرغم من ذلك حاولت إسرائيل، قدر الإمكان، تجنب التصريحات المبالغة في معاداة الثورة في العلن، فعبر نتنياهو عن أمنياته بعودة الاستقرار إلى البلدين، وتحدث رئيس الأركان، وكذا وزير الحرب شاؤول موفاز عن رغبة في عودة الأوضاع لطبيعتها، وأن يسيطر النظام على الاحتجاجات التي اندلعت ضده. في نفس الوقت عملت إسرائيل على التخويف من النتائج المحتملة للربيع العربي. وحرصت على دعم نظام مبارك في الخفاء، حسبما أشارت تقارير، عبر حث مسؤولين إسرائيليين نظرائهم الأمريكيين والأوروبيين، سرًا، بالتوقف عن انتقاد نظام مبارك،36 ثم تغيرت لهجة الخطاب المعلن بعد سقوطه إلى إظهار قيمة الديمقراطية لشعوب المنطقة، كما تقدم.
لكن حينما تقدم الوقت بالثورة، وظهرت المؤشرات على أن الإسلاميين في طريقهم إلى السلطة حدث تغير في هذا الحديث المعلن، وأصبح التعبير عن المخاوف أمرًا أساسيًا لدى السياسيين في الحكومة والمعارضة؛ ففي خطابه في افتتاح جلسة الكنيست في 31 أكتوبر 2011 خطب نتنياهو بشكل مفصل عن التطورات في العالم العربي "أصدقائي.. لو كان لي أن ألخص ما نتوقعه في المنطقة كنت سأستخدم تعبيرين: عدم الاستقرار، والشك.. فنحن في حاجة لأمرين في مواجهة الاثنين: القوة والمسؤولية.. إن لم يقم المتشددون دينيا بجعل رؤيتهم معتدلة فهناك شك أن تتحقق الآمال الكبيرة التي لاحت مع بزوغ الربيع العربي، والأرجح أنها ستتأخر لأجيال أخرى".
بعد شهر من ذلك خطب نتنياهو خطابا أكثر حدة، لم يخل من نبرة ساخرة ممن رأوا علامات إيجابية متفائلة في المستقبل، وعبر عن أن الشرق الأوسط ليس مكانا للسذج الذين اعتبروا خروج ملايين المصريين لشوارع القاهرة مبشرًا بعصر ليبرالي جديد، وأن ما يحدث هو موجة إسلامية ستكون نتائجها سيئة على الغرب وإسرائيل، ولذلك فإن سياسة إسرائيل يجب أن تتوافق مع الواقع، لا الأماني. وأضاف في سبتمبر 2012 قوله: لذلك "أنا آخر الديناصورات الذين لم يروا في الربيع العربي تقدمًا وأخوّة قادمة إلينا بأقصى سرعة".37
وعبر وزراء من الائتلاف الحاكم في ذلك الوقت عن موقف مشابه، كنائب وزير الخارجية داني أيالون (إسرائيل بيتنا) "لا نتكلم عن ربيع، بل بالأحرى شتاء عربي، من يتصور أن الربيع العربي سيصلح مشاكل الدول العربية مخطئ.. يمكن للمراقبين أن ينخدعوا إذا ظنوا أن الأحزاب الإسلامية في الدول العربية معتدلة، لكن قادة هذه الأحزاب ليسوا معتدلين، والاعتقاد أن المشاكل الأساسية التي تتسم بها المجتمعات العربية ستنصلح تحت حكم الأحزاب الإسلامية لن يتحقق"، واستخدم تسمية الشتاء العربي، وانتقد من تلقى الأحداث بحماس، واعتبر هذا الحماس نتيجة تبني مفهوم غربي قائم على الجهل، وتحكيم العواطف، وهو نموذج سيثبت فشله في المنطقة. وقد انضمت زعيمة المعارضة في ذلك الوقت، تسيبي ليفني، لهذا التصنيف، الذي تبنى رؤية متشائمة مثل نتنياهو، لكنها انتقدته في الكنيست على أساس ما يخطط له في مواجهة الخطر المتوقع "كلنا نعلم أن الربيع العربي يمكن أن يصبح بداية لشتاء إسلامي متشدد وبارد، لكن سيدي رئيس الوزراء، ماذا أنت فاعل في هذا الأمر غير تحذير الشعب؟".38
ويجب أن نشير أن أغلب القيادات الأمنية والعسكرية في إسرائيل كانت تتبنى الخط المتشائم من الثورة في مصر وغيرها من بلدان العالم العربي، وأيدت الرؤية السلبية للأحداث، وكان ذلك يتصاعد مع النجاحات التي حققها الإسلاميون في الانتخابات؛ من ذلك مثلا: أن اللواء احتياط عاموس جلعاد، رئيس القسم الأمني السياسي في وزارة الدفاع رأى أن "الربيع العربي سيؤدي لإقامة إمبراطورية إسلامية"، وقال قائد الجبهة الداخلية في ذلك الوقت، اللواء إيال أيزنبرج "يسمون هذا ربيع الشعوب العربية، لكنه يمكن أن يصبح شتاء إسلاميا متشددا، وهذا يرجح احتمالية حدوث حرب شاملة".39 مثال آخر اللواء احتياط يوآف جالانت (هو وزير الدفاع الحالي) قال "لقد انتظر الإخوان سنوات وراقبوا الآخرين، ووصلوا الآن إلى نتيجة مفادها أن وقتهم قد حان، وهذا التغيير لا يبشر بالخير لإسرائيل، سوف يتضح أن الربيع العربي هو شتاء إسلامي مستمر وبارد، وكافة المظاهر الحاصلة في مصر هي سلبية في رأيي"،40 كذلك قدم رئيس الاستخبارات العسكرية (أمن) اللواء أفيف كوخافي (رئيس الأركان الـ 23 من يناير 2019 – يناير 2023) تقييمًا سلبيًا، قال: "دولة إسرائيل ستواجه في السنة القادمة بيئة إقليمية غير مستقرة، متوترة، وإسلامية أكثر من قبل، وهي بيئة تتعامل مع سلسلة أزمات إقليمية وداخلية، ترفع مستوى حساسية جميع اللاعبين، وقد تؤدي دون تخطيط مسبق إلى تفجر الأمور".41
كانت الرؤية الإسرائيلية تنطلق من حكم مسبق بأن الإسلاميين غير ديمقراطيين، وأنهم لا يقدمون إجابات عن كثير من الأسئلة التي ترتبط بالديمقراطية. وهو منطلق يتعمد شيطنة الإسلاميين، وإظهارهم بمظهر من يتبع ديمقراطية المرة الواحدة التي تصل بهم إلى الحكم، ثم ينتهي كل شيء. وهي نقاط كانت تطرح في الخطاب الإعلامي العلماني والليبرالي في مصر والعالم العربي، قبل الثورة وفي أثنائها، وبعد الانقلاب، وقد وجدت صداها في الخطاب الإعلامي الصهيوني بصورة واضحة.
من ذلك مثلا طرح رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية الأسبق، عاموس يدلين، تساؤل عن سبب تأخر الثورات في العالم العربي لتظهر الآن، ولم تظهر في العقود السابقة تزامنا مع الثورات التي اندلعت في أوروبا الشرقية، ومناطق أخرى من العالم؟ ويرى يدلين أن سبب ذلك يعود إلى بعض الأسئلة المطروحة بلا إجابات عنها حتى الآن، وهي أسئلة عادة ما تتكرر كلما مر العالم العربي بمرحلة تغيير الهوية العربية (ذات التعددية الدينية) إلى الهوية الإسلامية كهوية قائدة؛ ومن بين هذه الأسئلة: كيف ستتعامل الإسلاموية مع التقدم، والرغبة في الحرية التي جلبها الإنترنت؟ وهل ستنجح الإسلاموية في محو مفهوم "سيادة الشعب" وأهمية صوت الجمهور في تشكيل الدولة؟ وهل ستكون الانتخابات في مصر حرة ونزيهة مثل الانتخابات التي أجريت بعد الثورة؟ وما هو مصدر المرجعية السياسية في البلاد التي شهدت ثورات؛ هل هو الشعب، أم الله والأنبياء؟ وما هي الأيديولوجيا التي يمكن أن تؤدي للتغيير الاجتماعي والاقتصادي، وتخليص مصر من أزماتها بعد أن سيطرت الأيديولوجية الاشتراكية بدءا من خمسينيات القرن الماضي، ثم الرأسمالية في التسعينيات؟(42)
ويبدو أن طرح هذه الأسئلة وغيرها على هذا النحو، لم يكن بقصد البحث عن إجابات عنها عند الإسلاميين، بل إثارة المخاوف منهم وشيطنتهم، ومن ثم تبرير وجود الدكتاتورية في العالم العربي في ظل توقعات فوزهم في حال أجريت انتخابات حرة. وقد جاء هذا المعنى واضحا على لسان السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر، تسفي مزال، وليؤكد أن جماعة الإخوان شكلت تهديدا مستمرا للعالم العربي، والأهم أنها كانت أحد أسباب وجود دكتاتوريات علمانية مضطرة للدفاع عن نفسها أمام الإسلام المتشدد.(43) وهو معنى تكرر من قبل على لسان عاموس يدلين، حين اعتبر أن مبارك كان محقًا تمامًا في تأكيده المتكرر أنه يقف سدا أمام صعود الإسلام السياسي.(44)
كان الواضح في كافة المقالات أن إسرائيل قلقة من فوز الإسلاميين بالانتخابات بعد الثورة، وهذا كان يعني- تلميحا وتصريحا- أنها كانت تتمنى لو تمكن الليبراليون والعلمانيون من زمام الأمور في مصر، فنموذج الدولة الديمقراطية الليبرالية لم يكن ليقلق إسرائيل، لأنه حسب تعبير الباحث في معهد دراسات الأمن القومي، مارك هالر، كان سيخفض تدريجيا أهمية الهوية الإثنية /الدينية المذهبية، أو أن يكون التعبير عن هذه الهوية بطرق أقل تطرفا.(45)
ومن المفيد أن نشير إلى أن بعض الكتاب الإسرائيليين حاولوا أن يكونوا موضوعيين حينما كتبوا بعد الانقلاب عن العلاقة بين الإسلاميين والقوى المدنية في أثناء الثورة، وتحديدا خلال الأحداث التي جرت في عامي 2012-2013، فتحدث إفرايم كام عن عدم امتلاك مصر والدول العربية الأخرى العناصر المهمة لتحقيق ديمقراطية حقيقية وكاملة، لأن القوى السياسية الأساسية في مصر؛ الإخوان، الجيش، وأغلب المجموعات الليبرالية، ليست ديمقراطية بالمعنى الغربي للكلمة. فالإخوان كانوا حريصين على الديمقراطية للوصول إلى السلطة عبر الفوز بالانتخابات، وهو ما حققوه بالأساس عبر قدرة التنظيم ودافعيته العالية، لكنهم بعد وصولهم للسلطة لم يكن لديهم اهتمام كاف بقيم الديمقراطية الأساسية؛ كتقدم مكانة الدستور على الشريعة الدينية، والاهتمام بالأقليات والمحافظة على حقوقهم، والمساواة الكاملة للنساء والأقليات الدينية، وحرية الدين والفكر. أما الجيش فليس من طبيعته بالتأكيد إعطاء أهمية كافية لقيم الديمقراطية. وبالنسبة للمجموعات الليبرالية فقد اتضح أنها هي الأخرى كانت مستعدة أن يقوم الجيش باستخدام القوة ضد الإخوان، وأن يوقف مسيرة الديمقراطية، لأن الأمر كان موافقا لمصالحها.46
ويقدم الباحث في دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن جوريون، نمرود هورفيتس، رؤية معتدلة أخرى كتبها قبل الانقلاب في مصر بثلاثة أشهر تقريبا؛ إذ يرى أن جماعة الإخوان في مصر، وفي سياق الصراع على السلطة، تحركت بسرعة قبل أن يتاح لليبراليين الوقت الكافي لتنظيم أنفسهم استعدادًا للانتخابات. وهو ما اعتبره الليبراليون، الذين نظروا لأنفسهم على أنهم "أصحاب الثورة" ومن أشعل فتيلها، بمثابة اختطاف للثورة. ومما عمق من المشكلة بين الطرفين أن الليبراليين والعلمانيين رأوا أن "الإخوان المسلمين" ضللوا الجمهور، سواء عندما أعلنوا أنهم لن ينافسوا في انتخابات البرلمان إلا على 30% من مقاعده، والتي ارتفعت إلى 40%، ثم وصل الأمر إلى المنافسة على نسبة أكبر من ذلك بكثير، لينتهي بفوزهم بـ 47% من مقاعد البرلمان، وهذا ما تكرر أيضا في موقفهم من الرئاسة حين تعهدوا أنهم لن يترشحوا لها، ثم قدموا مرشحا في نهاية الأمر. ويقول هورفيتس إن هذه الوعود، التي نكثت بطريقة متهورة، خلقت لدى الليبراليين انطباعا بأن "الإخوان المسلمين" ليسوا أكثر من جماعة تمارس الألاعيب، وأنها لن تغادر السلطة بمجرد أن تصل إليها.
لكن من ناحية أخرى، طبقا لهورفيتس، فإن كثيرا من المصريين يعتقدون أن الليبراليين، وحلفاءهم في المؤسسات القضائية، بذلوا كل ما لديهم لنسف حكم "الإخوان المسلمين"، الذين انتخبوا انتخابا ديمقراطيا. وهكذا، على سبيل المثال، أبطلت المحاكم نتائج أبرز إنجاز ديمقراطي، وهو الانتخابات النيابية. ونتيجة لهذا الصراع شهدت مصر حرب سلطات، وركزت السلطة القضائية على كبح السلطة التنفيذية بكل الطرق الممكنة. وينبه الكاتب إلى معضلة صعبة كانت تواجه الليبراليين في مصر وغيرها من البلدان التي شهدت ثورات، وهو أن الوقت الذي كانوا يطالبون به للتحضير للانتخابات، لم يكن سيغير كثيرا في المشهد في ظل الدعم الشعبي الذي كان الإسلاميون يتمتعون به، وحينها ماذا كانوا سيفعلون لو فازت القوى المناهضة لليبرالية في الانتخابات الديمقراطية؟ فهي، أي القوى الليبرالية والعلمانية، إذا تصرفت وفق رأي الأغلبية ستضر بقيم الليبرالية ومبادئها، وإذا دافعت عن هذه المبادئ أمام نتائج الانتخابات التي لم تكن على مزاجها فإنها، في هذه الحالة، تلحق الضرر بمبدأ مهم من مبادئ الديمقراطية، وهو حكم الأغلبية.47 ولا شك أن هذه الرؤية التي قدمها هورفيتس في قراءته لمشهد هذه الفترة تضمن نقاطا موضوعية كثيرة.
يشار إلى أن الباحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي اهتم بالحديث عن ربط تقدم الإخوان وشعبيتهم لدى المصريين، في وقت الثورة، بجهودهم الكبيرة التي ظلت مستمرة لسنوات طويلة، وتأسيسهم شبكات اجتماعية في المدن الكبيرة، وفي القرى الصغيرة التي عانت من قلة الاهتمام الإعلامي، علاوة على تعرضهم للقمع لفترات طويلة نتيجة كونهم أكثر فصيل واجه نظام مبارك.48
بقيت هنا الإشارة إلى تكرار الصحافة الصهيونية ما كان متداولا في مصر حول ثورة يناير، وأن سمتها الأبرز انطلاقها من دون أيديولوجيا، ومن دون قيادة شخصية كاريزمية. وأن دخول الإخوان والسلفيين إلى الثورة "وسرقتها" جعلها تأخذ الطابع الأيديولوجي الخاص بالإسلام السياسي.49
هكذا تناولت الصحافة الإسرائيلية هذه القضية، وهو تناول كان أكثره منحازا ضد الإسلاميين، وبعضه حرص على إظهار حيادية مقبولة، وهي حيادية لم تبتعد عن الكتابات الغربية التي أظهرت مستوى أعلى من الموضوعية البحثية حول هذه الفترة الشائكة، وتقييم أداء القوى المختلفة، الإسلامية وفي مقدمتها الإخوان، والقوى العلمانية والليبرالية في ذلك الوقت. إحدى هذه الكتابات دراسة مهمة صدرت عن جامعة أكسفورد لثلاثة من الباحثين هم: جون إسبوزيتو، وتامارا سون، وجون فول، ذكرت أن الإخوان المسلمين لم يكونوا في طليعة الاحتجاجات، ولم يقوموا بالدعوة إلى الحشد، رغم انضمام أفراد منهم إلى الاحتجاجات في ميدان التحرير.50 كما تحدثت أيضا بوضوح عن أن أحد الأسباب التي كانت تدفع الإخوان للتعجيل بالانتخابات هو خشيتهم من أن يؤدي تأخيرها إلى تمكن الحزب الديمقراطي من التسلل لمقاعد السلطة من جديد، وأن أكبر اهتمامات العسكريين كانت مصالحهم، والحصانة من المحاسبة، والبقاء مستقلين بعيدا عن الرقابة المدنية لأنهم من بقايا رجال مبارك وهم نخب علمانية، وكانوا يتعنتون ويصرون على ألا يكون للدين أي دور في الدولة. ويرى الباحثون أن من عقد المشهد هم الديمقراطيون "غير" الليبراليين الذين يدافعون عن الديمقراطية، لكن خوفهم الشديد من أنها، أي الديمقراطية، ستجلب مجموعات مثل الإخوان المسلمين إلى السلطة، غالبا ما كان يدفعهم إلى اللجوء إلى مواقف غير ليبرالية لإحباط هذا الاحتمال، فكانوا يؤيدون أن تطول فترة حكم المجلس العسكري. ويعلق المؤلفون بقولهم "المفارقة هي أنه على الرغم من أن الديمقراطية لا تضمن ظهور نظام مبني على القيم الديمقراطية، فإنها تمنع خروج الأمور عن السيطرة. وكان من المؤكد أن الخوف، وباسم الديمقراطية نفسها لم يكن ليؤدي، في نهاية المطاف، إلا إلى النتيجة الاستبدادية".51
كان واضحا في أحاديث الإسرائيليين وخطاباتهم أن إسرائيل كانت تتمنى تصدر الليبراليين والعلمانيين المشهد بعد الثورة، وليس الإسلاميين. وهو ما عبر عنه بوضوح السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن، وأستاذ دراسات الشرق الأوسط، إيتامار رابينوفيتش، ضمن مقاله الذي خصصه لدور مرسي في حرب غزة 2012، وقراراته التي شملت إقالة قادة المجلس العسكري حينها؛ يقول رابينوفيتش: "إن إسرائيل وجدت نفسها في موضع غريب، فالتأييد الطبيعي للإسرائيليين هو للعناصر العلمانية والليبرالية، وللقضاة ورجال سلطة القانون، إلى جانب أن الإسرائيليين كانوا يعرفون جيدًا موقف جماعة الإخوان المسلمين من الصهيونية وإسرائيل. لكن في ظروف اضطرابات المنطقة، وسقوط أنظمة في بلدان مجاورة كانت إسرائيل مهتمة أكثر بالاستقرار، وقد نجح مرسي في اختبار غزة".52
لكن أمام احتمالية تصدر الإسلاميين برزت مواقف دعت للتعامل مع الأمر الواقع، واعتبار أن حركات الإسلام السياسي لها طبيعة مختلفة، تميل إلى البرجماتية ستدفعها لتركيز اهتمامها الأكبر على تحسين الأوضاع الاقتصادية المتدهورة، ومعالجة المشاكل الداخلية، وترك "ملف إسرائيل" ولو مؤقتا،53 على أساس أن احتمالية فشلهم في هذا الملف قد يقضي على أي انتصارات يمكن أن يحققوها. وهذا يعني أن إسرائيل لن تكون في بؤرة اهتمام هذه الحركات في تلك المرحلة.
يضاف إلى ذلك ما أشار إليه محللون سياسيون من أن إسرائيل تعاملت بالأساس مع حركات الإسلام السياسي في العالم العربي بوصفها لاعبا خطيرا متشددا، لا يجب إعطاؤه الشرعية، ولا الدخول معه في حوار، وربطه بصورة مباشرة بالتنظيمات الإرهابية وإيران. وقد اعتبر هؤلاء المحللون حينها أن الصورة كانت أكثر تعقيدا، خاصة بعدما أصبحت هذه الحركات لاعبا مركزيا في ظل الربيع العربي، وانتقالهم من أدنى درجات المعارضة إلى رأس سلم السلطة. وبالتالي كان من الضروري فتح حوار يقدم قراءة جديدة، عقلانية، وغير أحادية تبحث في الطرق والوسائل للتعامل مع الواقع الجديد، وتدفع نحو نقاش رسمي أو غير رسمي مع هذه الحركات. مثل هذا الحوار يمكن أن يتطرق مثلا إلى احتمالية أن يؤدي دمج هذه الحركات في السلطة إلى اعتدالها، وأن يفرض عليها التنازل عن توجهها المتشدد من أجل الاعتراف بالواقع القائم، وأيضا إلى الادعاء بأن الحوار الإسرائيلي مع الأنظمة التي تضم هؤلاء اللاعبين سوف تكتسب شرعية واسعة، ويمنح العملية السياسية صلاحية أكبر.54
ومن هنا سارت مواقف سياسيين في هذا الاتجاه؛ ففي مقال كتبه الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز، في أبريل 2011 في صحيفة الجارديان عنوانه "إسرائيل ترحب بالربيع العربي"؛ اعتبر أن ما قام به الشباب في مصر فرصة، وأنه "ليس بالتأكيد شتاء إسرائيليا، فربيع الشباب هو خير لنا جميعا، نحن مستعدون للمساعدة من أجل نجاحهم"،55 وفي خطاب أمام لجنة الرئيس قال: "لا شك أن مصلحة المنطقة كلها- بما في ذلك إسرائيل- لا ينبغي أن يحكم عليها من الانطباع الأول، ولا من فعل واحد"، ما يعني أنه كان يدعو لعدم الحكم على فائدته على المدى القصير، وكان بيريز يرى أن شباب المنطقة "مثقفون، ومنفتحون وحداثيون أكثر"، وبالتالي لن يصلوا لأهدافهم "بقفزة واحدة"، وأن الإخوان المسلمين قد يفوزون في الجولة الأولى، لكنهم، طبقا لبيريز، إن لم يلبوا التوقعات ويقدموا حلولا حقيقية للمشاكل والفقر والقمع "فإن الجوع سيقضي على انتصارهم هذا.. ولن يتحمل الشباب السكوت". ويبدو أن تقدير بيريز، حسب كتاب إسرائيليين، قد تحقق بدرجة كبيرة في يونية 2013 بظهور حركة تمرد قادت لحركة احتجاج في كل أنحاء مصر، وأدت لتدخل الجيش.56
يمكن الإشارة إلى أن وزير شؤون الاستخبارات، دان مريدور، كان يرى أن الربيع العربي يمكن أن يكون فرصة؛ وقد عبر عن ذلك في مقابلة أجريت معه في ديسمبر 2011 دعا فيها "للبحث عن الفرص فيما يحدث في العالم العربي.. هناك فرص لتحالفات أكثرها سرية".57 وكذا كانت رؤية مسؤولين في الخارجية الإسرائيلية؛ حيث تحدث السفير الإسرائيلي في مصر حتى نوفمبر 2011، إسحاق لفانون عن إمكانية أن تحقق إسرائيل الاستفادة من برجماتية الإخوان، واعتبار أنهم "أقل خطرا، وأكثر برجماتية من الصورة الشائعة عنهم في إسرائيل"، بل من الممكن أن يكون لهم تأثير إيجابي على حماس.58
وقد تحدثت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن رفض إدارة الخارجية الإسرائيلية طلب السفير لفانون فتح حوار مع الإخوان المسلمين بعد سقوط مبارك بوقت قصير، لكن هذا الموقف تغير بعد انتخابات مجلس الشعب المصري، وتلقى خليفته، يعقوب أميتاي، الضوء الأخضر لهذا الحوار. وفي السياق نفسه كانت صحيفة يديعوت أحرونوت أشارت في يونية 2012 إلى وجود مبادرة لعقد لقاء في واشنطن بين أعضاء كنيست إسرائيليين وأعضاء عن البرلمان المصري، بينهم ممثلون عن الإخوان المسلمين، غير أن تسرب المعلومة للإعلام أدى لإلغاء اللقاء،59 وفي ديسمبر 2011 صدر تقرير عن تشكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية لجنة لدراسة إمكانية الحوار مع حكومات عربية وممثلين جماهيريين.60
وفي نفس سياق الفرص الكامنة في الربيع العربي أيضا، يمكن فهم كلمات رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، عاموس يدلين، الذي رأى أن الاحتجاجات هي "فرصة أكثر من كونها تهديدا.. وأن ما يحدث في العالم العربي سيضعف المحور المتشدد الذي يعمل ضد إسرائيل".61 كذلك زعم مائير داجان رئيس الموساد السابق، أن التحدي العسكري تجاه إسرائيل اختفى في أعقاب الربيع العربي لثلاث أو خمس سنوات قادمة.62
وبعد فوز الإخوان المسلمين بانتخابات الرئاسة أصبحت إسرائيل أمام أمر واقع، كان عليها التعامل معه، فاضطرت لتسيير أعمالها، وساعدها في ذلك، كما يقول الباحث الإسرائيلي، ليئور لهرس، أن رسائل التهدئة التي نقلها مرسي وشخصيات أخرى في مصر أكدت الالتزام باتفاقية السلام مع إسرائيل، وهو ما خفف من مخاوف الإسرائيليين.63 وجدير بالذكر أن دراسات إسرائيلية، تعود إلى تلك الفترة، كانت أشارت إلى أن بعض المتخصصين الإسرائيليين رأوا وجاهة أن تقوم إسرائيل بإجراء تغييرات محددة في شروط معاهدة السلام مع مصر، وأن تستغل الدعوات المستمرة للإخوان المسلمين وغيرهم في مصر لإجراء مباحثات جديدة حول عدد من شروط المعاهدة لتكون في صالحها، ولكي تتأكد أن مصر، وخصوصا الإخوان المسلمين، سوف يوفون بالتزاماتهم في الحفاظ على السلام.64
ما خفف من مخاوف إسرائيل أيضا أن قلقها من تطور العلاقات المصرية الإيرانية تراجع مع رئاسة مرسي؛ فصار انطباعها أن مصر غير معنية ببناء شراكة حقيقية مع إيران؛ على أساس أن الزيارة الوحيدة لمرسي أثناء مؤتمر دول عدم الانحياز- وهي الأولى لرئيس مصري منذ الثورة الإيرانية- وجه فيها نقدًا حادًا لإيران لدعمها نظام الأسد، وقد أثار انتقاده موجة غضب في إيران، واتُّهِم بأنه ليس لديه رشد سياسي.65
وهناك شبه اتفاق بين الإسرائيليين أن أحد أهم الأسباب التي خففت من حدة التخوفات الإسرائيلية من الثورة، توقعها انشغال أي نظام مصري منتخب بعد الثورة بإقرار الوضع الاقتصادي في مصر، وليس بإسرائيل، وهو وضع سيدفع أي نظام مصري قادم إلى الاستمرار في الالتزام باتفاقية السلام مع إسرائيل، حتى وإن انشغل كثير من المرشحين في الانتخابات البرلمان، وخاصة من الإخوان المسلمين، بمهاجمة إسرائيل وتهديدها.66
11 - ألبو، وخيمينز: السابق
12 - السابق
الهدف من ذكر هذه الجزئيات توضيح أمرين؛ أولهما أن الاستخبارات على الأرجح تفاجأت من حدوث الربيع العربي فعليا، الأمر الآخر هو أن التحرك لا يكون إلا بمعلومات يتم على أساسها اتخاذ القرارات، وهذه المعلومات تكون مبنية على أسس عدة منها السياسي والاستراتيجي والعسكري، وبالتأكيد الثقافي والاجتماعي الذي يشير إليه الكاتب هنا.. وهذا يعني أن تكون هناك مراكز أبحاث عديدة متخصصة في مجالات عديدة تدرس الآخر دراسة شاملة.
13 - عمري إفرايم: فشل استخباري؟ مبارك أيضا لم يتوقع الثورة. صحيفة يديعوت أحرونوت. 31 يناير 2011
https://tinyurl.com/2nn64o62
14 - عمري إفرايم: متخصصون؛ الولايات المتحدة ستؤيد كل الثورات. يديعوت أحرونوت 30 يناير 2011.
https://tinyurl.com/2oauqza2
15 - السابق
16 - بندتا برتي: السابق ص. 165 - 166.
راجع أيضا الجزء الأول من: أداء الإخوان مع إسرائيل.
17 - Joshua Mitnick: Amid Syria’s turmoil, Israel sees Assad as the lesser evil. The Christian Science Monitor. May 6, 2011.
https://tinyurl.com/25wm2gj4
18 - برتي: ص. 167 – 172.
19 - نير ياهاف: "لو فزنا في الانتخابات سنقطع العلاقات مع إسرائيل" خبر منشور في موقع والّا، 27 نوفمبر 2010.
http://tinyurl.com/ylzpl7v6
وانظر أيضا: "رئيس البرلمان المصري: الضغوط الأمريكية للإصلاح قد تقود لدولة دينية". صحيفة القدس العربي 26 نوفمبر 2010
https://tinyurl.com/22mseoqg
20 - مارك هالر: ردود أفعال إسرائيلية على الربيع العربي. من: سنة على الربيع العربي، النتائج الإقليمية والدولية. ص. 75 – 77.
21 - برتي: ص. 169 - 171.
22 - بوعز جانور: الربيع العربي وتأثيراته على إسرائيل في مجالي الأمن والإرهاب. معهد السياسات لمواجهة الإرهاب. هرتسليا 2011. ص. 1 – 2.
23 - بوعز فايلر: يدلين؛ الجيش الإسرائيلي سيتغير تماما بسبب مصر. يديعوت أحرونوت 9 فبراير 2011.
https://tinyurl.com/2dfz4765
24 - هنا رابط الاستطلاع الأول الذي أشارت إليه الباحثة، والذي أجري في أبريل 2011
https://tinyurl.com/23e7du8p
25 - وهذا رابط الاستطلاع الثاني الذي نشرته صحيفة جيروزاليم بوست في 17 مايو 2012
https://tinyurl.com/23bm6mw4
26 - برتي: ص. 168 - 169.
27 - ألفو بن: صلاة لسلامة مبارك. هآرتس 26 مايو 2010.
https://tinyurl.com/2yccmgcp
28 - برتي: ص. 173 - 174.
29 - جانور: ص. 2.
30 - عنات كورتس: الربيع العربي والمحور الإسرائيلي الفلسطيني. من: سنة على الربيع العربي، النتائج الإقليمية والدولية. ص. 67 – 69.
31 - السابق: ص. 9.
32 - N. Sharansky: The West Should bet on Freedom in Egypt. The Washington Post, 17 Dec. 2011.
https://tinyurl.com/26f9x69b
33 - خطاب نتنياهو أمام الكنيست بتاريخ 23 نوفمبر 2011.
https://tinyurl.com/27yhwgjs
34 - لهرس: ص. 7.
35 - السابق: ص. 8.
36 - بندتا برتي: السابق. ص. 164 - 167.
37 - ليئور لهرس: السابق. ص. 8.
38 - السابق: ص. 11، 13.
39 - يوآف زيتون: اللواء أيزنبرج؛ ازدياد احتمالات الحرب الشاملة. يديعوت أحرونوت 5 سبتمبر 2011.
https://tinyurl.com/2crqhc4m
40 - عاموس هرئيل، ناتاشا موزجوفيا: جالانت؛ التغييرات في الشرق الأوسط تقلق إسرائيل. صحيفة هآرتس 15 يونية 2012.
https://tinyurl.com/2yuyx32j
41 - يوآف زيتون: الاستخبارات العسكرية؛ المنطقة تصبح أقل استقرارا، واحتمالية الاشتعال قائمة. يديعوت أحرونوت 27 أغسطس 2012.
https://tinyurl.com/23lqhhem
42 - عاموس يدلين: عام على الانتفاضة العربية؛ سنة على الربيع العربي، النتائج الإقليمية والدولية. معهد دراسات الأمن القومي، جامعة تل أبيب 2012. السابق: ص. 12.
43 - تسفي مزال: الثورة المصرية تصحح مسارها. مركز القدس لشؤون الجماهير والدولة. 4 يوليو 2013.
https://tinyurl.com/yvng5lp8
44 - عاموس يدلين: السابق ص. 11.
45 - الثورات الداخلية والتغيير في ميزان الاستراتيجية الإقليمية. من: التقرير الاستراتيجي لإسرائيل 2012 – 2013. معهد دراسات الأمن القومي – جامعة تل أبيب 2013. ص. 59 – 73.
46 - إفرايم كام: الانقلابات بمصر. معهد دراسات الأمن القومي – جامعة تل أبيب، يناير 2014. ص. 59.
47 - نمرود هورفيتس: الربيع الإسلامي؛ ثورة في موسم انتقالي. موقع مولاد 7 أبريل 2013
https://tinyurl.com/2mez4jet
48 - مارك هالر: ردود أفعال إسرائيلية على الربيع العربي. من: سنة على الربيع العربي، النتائج الإقليمية والدولية. ص. 75 – 77.
49 - عاموس يدلين: السابق ص. 12.
50 - Esposito, Sonn & Voll: p. 211.
51 - Ibid. p. 213 - 215.
52 - إيتامار رابينوفيتس: طاغية وثني. صحيفة جلوبس 25 يناير 2012.
https://tinyurl.com/2j4xarsw
53 - برتي: ص. 166 – 167.
54 - ليئور لهرس: ص. 20.
55 - Shimon Peres: We in Israel welcome the Arab spring. The Guardian 1 April 2011.
https://tinyurl.com/26vbwxrd
56 - ليئور لهرس: ص. 11.
57 - مزال موعلم: مريدور؛ ليس هناك مصلحة مصرية لإلغاء اتفاقية السلام. NRG، 4 ديسمبر 2011
https://tinyurl.com/26g3z58x
58 - إيلي بردنشتاين: يجب أن نشجع وجود حوار مع الإخوان المسلمين. NRG، 18 ديسمبر 2011
https://tinyurl.com/294lkrmh
59 - موران أزولاي: إلغاء اللقاء أعضاء الكنيست والإخوان المسلمين. يديعوت أحرونوت 12 يونية 2012
https://tinyurl.com/29fkpqm3
60 - باراك رافيد: الربيع العربي، وعام الشتاء الإسرائيلي. هآرتس 8 ديسمبر 2011.
https://tinyurl.com/29g3qlsh
61 - بوعز فيلر: عاموس يدلين؛ الربيع العربي فرصة أكثر من كونه تهديدا. يديعوت أحرونوت 28 يونية 2011.
https://tinyurl.com/26xrb2zo
62 - ليئور جوطمان: مائير داجان؛ التهديد العسكري على إسرائيل تلاشي لثلاث أو خمس سنوات. صحيفة كلكاليست 10 يوليو 2012.
https://tinyurl.com/2dzj5jth
63 - ليئور لهرس: ص. 15.
64 - برتي: ص. 173 - 174.
هذه إحدى نقاط القوة في فترة تولي الإخوان الحكم، ويجب إبرازها في ظل حالة الكراهية المتصاعدة ضد دولة الاحتلال بعد أحداث طوفان الأقصى.
65 - برتي: ص. 167 – 172.
66 - إيال زيسر: الإسلاميون المصريون يلعبون اللعبة، وينظرون للمستقبل. موقع والا 28 نوفمبر 2011.
https://tinyurl.com/2egyarqq
انطلقت أغلب الكتابات الإسرائيلية من فكرة أن الإسلاميين عامة - والإخوان خاصة - قفزوا على الثورات، أو ركبوها حسب التعبير المصري الشائع. لكن قفز الإسلاميين على الثورة كانت له مبرراته لدى الإسرائيليين؛ في ذلك كتبت الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي، بندتا برتي، في عام 2012 بحثا نشر ضمن "كتاب التقدير الاستراتيجي" الذي يصدره المعهد بشكل دوري، ذكرت فيه أسبابا منطقية هي التي جعلتهم أكثر الرابحين من الثورة في ذلك الوقت؛ أولها أن الأحزاب الإسلامية – ومصر خير مثال على ذلك – كانت أكثر تنظيما من الأحزاب العلمانية، وهذا نتيجة حقيقة أن الأنظمة القمعية منعت تطور مجتمع مدني فاعل من الناحية السياسية، أو تبلوُر معارضة سياسية مستقلة، في مقابل النشاط الاجتماعي للحركات الإسلامية التي كانت تحركها دوافع إسلامية للعمل المدني والاجتماعي، أدت لرسوخها في المجتمع المحلي؛ فاستفاد الإخوان في مصر، مثلا، من وجودهم القوي على الأرض، ومن إستراتيجيتهم التنظيمية المتطورة بين الجماهير.
ثانيا: استفادت الأحزاب الإسلامية من سمعة الاستقامة والعقلانية، وأصبح يُنظر إليهم على أنهم لاعب سياسي لم يتساوم مع النظام القمعي القديم. وهذه الحركات الإسلامية نجحت في تقديم نفسها كمن يعرض بداية جديدة ونظيفة، لا صلة لها بالنظام الفاسد القديم.
ثالثا: إن صعود الإسلام السياسي لم يكن نتيجة نجاحه فحسب، بل نتيجة مصاحبة لعدم اتحاد الأحزاب العلمانية وتنظيمها. ومن ثم فازت حركة النهضة في تونس، والإخوان في مصر بالبرلمان، ثم مجلس الشورى في مصر، ومن ثم الرئاسة.. لكن ذلك لم يستمر كثيرا؛ حيث لوحظ تراجع التأييد الشعبي للإخوان في مصر في الفترة ما بين فبراير حتى يونية 2012.(67)
والملاحظ أن الرؤية الإسرائيلية حول الأحزاب الإسلامية التي نشأت من رحم الربيع العربي كانت تعتمد في أغلب الأحيان على طروحات العلمانيين والليبراليين العرب، فلم تختلف عنها كثيرا. بل شهدت أحيانا كثيرة اعتمادًا على غلاة العلمانيين، الذين صنفهم الإسرائيليون على أنهم ليبراليون، بينما الحقيقة عكس ذلك. وقد فعل دافيد جوفرين، سفير الكيان الصهيوني في مصر بين عامي 2016 – 2019، ثم في المغرب 2021، ذلك، فوجدناه يتحدث عن آراء سعد الدين إبراهيم، وأسامة الغزالي حرب، حينما يتحدث عن تقييمات في صالح الإخوان، وعن آراء السيد ياسين، وسيد القمني، ومجدي خليل، وهالة مصطفى في معرض معارضة مواقف الإخوان.. وهذه الأسماء كلها لم تكن يوما معارضة لنظام مبارك، بل إن بعضها، وخصوصا الأسماء الأربعة الأخيرة، لم تكن تختلف عن النظام في شيء، وكانوا يضعون شروطا مبدئية في كتاباتهم من أجل قبول الإسلاميين واستيعابهم في النظام السياسي. وهكذا جاء تعامل الكتاب الإسرائيليين على نحو مشابه، وجاءت كتاباتهم تعكس حالة التشكك الكبير في نوايا الإخوان المسلمين، أو القبول الحذر، أو إبداء قدر من التعالي، وصولاً إلى مناقشة إمكانية توافق الإسلام نفسه مع قيم الديمقراطية، مع موضوعية محدودة في بعض الأحيان.
حول قناعة الإخوان بالديمقراطية والدولة المدنية:
من ذلك مثلا ما أثاره دافيد جوفرين عما أسماه "السؤال الدائم": هل تسمح مكانة الإسلام في العالم العربي باستيعاب القيم الديمقراطية أم تعارضها؟ صحيح أن نقاشات الليبراليين كانت تدعم وبقوة الفصل بين الدين والدولة، لكن كان هناك ليبراليون أدركوا أن الخلفية الإسلامية السائدة هي عامل لا يمكن إغفاله، وهؤلاء بحثوا عن طريق وسط عملي يسمح بالوصول إلى دولة مدنية عبر الحوار المستمر مع ممثلين إسلاميين، ومنهم الإخوان المسلمون. وعبر جوفرين عن ميله لقبول وجهة نظر المفكرين الليبراليين الذين رأوا عدم وجود تناقض، غير قابل للتوفيق، بين الدين الإسلامي وقيمه والقيم الديمقراطية، وحقيقة أن الإخوان المسلمين أقاموا، في تلك الفترة، حوارًا مطولاً مع شباب الثورة، وكانوا مستعدين حقيقة- وليس على سبيل المناورة- أن يعلنوا أن فكرة الدولة المدنية ليست غريبة بالنسبة لهم، وهذه الحقيقة تدل على أن القيم الليبرالية نفسها لم تكن طابو (مرفوضة) لديهم.(68)
ويرى جوفرين أن الفوز الكبير للإسلاميين في انتخابات البرلمان كان مفاجأة للجميع بمن فيهم الإخوان أنفسهم، ونتيجة لذلك لم يكونوا مستعدين لتقديم خارطة طريق محددة، إضافة إلى أن خوفهم من تحمل المسؤولية، ومن الفشل دفعهم بالفعل في هذه المرحلة إلى التمسك بخط مشاركة الأحزاب السياسية الأخرى والتكنوقراط في الحكومة، ورفض الإدارة الحصرية للبلاد، وهو ما عبر عنه الرئيس مرسي فيما بعد بالحاجة لإدارة البلاد بمسؤولية.69 وقد اعتبر كتاب إسرائيليون آخرون نتائج انتخابات الرئاسة في الجولة الأولى تعكس قوة المعسكر العلماني حينها، حيث ذهب حوالي 55% من أصوات الناخبين في الجولة الأولى حينها إلى مرشحين علمانيين (أحمد شفيق، حمدين صباحي، وعمرو موسى)، وكان ذلك يعني أن تنامي الإسلام السياسي صاحبه وضع مركب، وتعقيدات تشير إلى وجود التوجهات غير الإسلامية، وتناميها.70 بمعنى أن الوقت منذ بدء الثورة وصولا إلى لحظة انتخاب الرئيس مرسي، لم يكن يخدم الإسلاميين نتيجة أدائهم السياسي.
وطبقا لوجهة نظر أغلب الإسرائيليين فإن هذا الأمر تأكد بعد تولي مرسي الرئاسة؛ والذي حاول في فترة حكمه القصيرة، رغم وعوده البرجماتية المعتدلة، السيطرة على جهاز القضاء المصري، بإقالة مئات القضاة. كما سعى لتأكيد الطابع الإسلامي لمصر في الدستور الجديد، وتجاهل مطالبات أطياف كبيرة من الشعب المصري وتوقعاتهم، وخصوصا العلمانيين. ونتيجة ذلك خرجت المظاهرات الضخمة في يونية 2013 تطالبه بالاستقالة. وبغض النظر عن كون هذه التظاهرات قد جرت بالتنسيق مع قيادة الجيش أم لا، فقد انتهت بقيام السيسي ورئيس الأركان بإزاحة مرسي من الرئاسة عبر انقلاب عسكري.71
ولا شك أن أحداث الثورة منذ لحظة رحيل مبارك أدت إلى تبدل السؤال الذي كان يطرح في الماضي، والذي أشرنا إليه، عن إن كانت "الثقافة العربية أو الإسلام متوافقين مع الديمقراطية أم لا"، ليصبح السؤال بعدها مطروحا على الجميع وليس الإسلاميين وحدهم، وفي القلب منهم الإخوان المسلمون، وهو إن كان "الحرس القديم والنخب الراسخة (الجيش والقضاء والشرطة والأمن والبيروقراطيون، وغيرهم من النخب السياسية والاقتصادية المرتبطة بحكومة مبارك) وكذلك الإسلاميون مستعدون للانتقال للديمقراطية؟" وسرعان ما تبددت الوحدة التي عاشها المصريون في الأيام ال 18، فأصبحت المجموعات الأربعة في المشهد المصري (الإسلاميون، العلمانيون، شباب الثورة، وبقايا النظام السابق) تسعى لتحقيق الأفضلية، كل لصالحه.. هذا الحطام كان يجمعه الجيش الذي كانت له أجندته الخاصة، والذي كان يؤلب هذه المجموعات ضد بعضها بعضا.72
2 – علاقة الإخوان بالسلفيين
لا تميز المصادر الإسرائيلية في حديثها عن تأثير السلفيين على الثورة المصرية في بعض الأحيان، بين الحركة السلفية التي عادة ما تكون تابعة للأنظمة، أو تعمل في سياق إرادتها، والسلفية المعارضة للنظام التي قد تميل أدبياتها للعنف، وصولا إلى السلفية الجهادية التي يتفاوت تعاملها مع الأنظمة بين التخوين، أو اعتبارها أنظمة كافرة ينبغي محاربتها. لكن مصادر أخرى تدرك هذا التمييز جيدا. وفي الحالتين يبدو أن أغلب الكتاب الإسرائيليين في حديثهم عن العلاقة بين السلفيين والإخوان يتحدثون عن أن هذه العلاقة ألحقت الضرر بالإخوان، أو أن نشاطهم كان مبعثه في الأصل الخصم من رصيد الإخوان في الشارع؛ مع التنبيه إلى أن العلاقة مع الحركة السلفية كانت تنظيمية، بينما كانت العلاقة مع السلفية الجهادية علاقة أفراد نشأت في أعقاب الانقلاب، واقتناع فئات من شباب الإسلاميين بعدم جدوى التظاهرات السلمية ضد النظام المصري.
وبالنسبة للحركة السلفية النظامية؛ فإن أول ما تركز عليه الكتابات الإسرائيلية هو موقفهم الرافض للثورة؛ وقد كتب ميخائيل باراك، المتخصص في الحركات السلفية والصوفية في العالم العربي، مركزا على موقف السلفيين الرافض للثورة، على اختلاف توجهاتهم، سواء بالدعوة لعدم الخروج على الحاكم، أو بالدعوة إلى قمع المتظاهرين بالسلاح، مثلما فعل بعض شيوخهم ومنهم محمود المصري، أو بمطالبة المتظاهرين بالعودة إلى البيوت؛ مثلما فعل مصطفى العدوي من خلال التليفزيون المصري. بل إن بعضهم بادر بالذهاب لميدان التحرير لإثناء الشباب عن الاستمرار، وقام الشباب بطرده من الميدان، مثلما حدث مع مصطفى القوصي.
كان موقف السلفيين، كما يقول باراك، نابعا من علاقتهم الجيدة التي تطورت مع نظام مبارك في السنوات الخمس الأخيرة قبل الثورة، وهذه العلاقات كان سببها الأول رغبة النظام في أن يكون هناك قوة يمكنها أن تخصم من الشريحة الاجتماعية للإخوان المسلمين، الذين كانوا مهتمين بالنشاط السياسي، ويتسببون في تهديد استقرار النظام، خاصة وأن الإخوان فازوا في برلمان 2005 ب 88 مقعدا وهو فوز شكل تحذيرا واضحا للنظام في مصر.
على إثر فوز الإخوان في هذا الوقت تقارب النظام مع السلفيين، وسمح لهم في عام 2006 بتأسيس عشرة قنوات فضائية، ما سمح لهم بالدخول إلى كل بيت في مصر لنشر أفكارهم وتعزيز مستوى تأثيرهم في المجتمع.. لكن تنامي تأثير الشيوخ السلفيين وتحولهم لنجوم إعلاميين، أثار مخاوف الجهات الأمنية من أن قوتهم قد زادت أكثر من اللازم، ولهذا أمرت هذه الجهات بإغلاق أكثر قنواتهم الفضائية في أكتوبر 2010.. وهي خطوة لم تؤثر في علاقة التيار السلفي بالنظام بسبب احتياج كلاهما للآخر.. حتى أن رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية الشيخ محمود عامر لطفي أفتى بسفك دم البرادعي في ديسمبر 2010.73
دخول السلفيين مجال السياسة وتحالفهم الهش مع الإخوان:
بعد إزاحة مبارك بدأ السلفيون الدخول للحياة السياسية وأسسوا حزب النور، وأفتوا بحرمانية تسجيل عضوية في الأحزاب العلمانية، لأنها تنوي إقامة نظام علماني معاد للإسلام ويهدف لإلغاء المادة الثانية من الدستور... وأنهم غيروا موقفهم القديم وقرروا الدخول للسياسة لخوفهم من تغيير هوية مصر الإسلامية، ولتنامي قوة العلمانيين، إضافة إلى أنهم وجدوا الفرصة سانحة لتحويل مصر لدولة إسلامية. يدل على ذلك قيام مجموعة من الشيوخ السلفيين البارزين، في مارس 2011، بتأسيس ما سمي "مجلس شورى علماء الشريعة" من أجل الضغط على صناع القرار في الدولة لرفض إلغاء المادة الثانية من الدستور.. وكانت هناك مظلة أخرى سميت باسم "تحالف القوى الإسلامية" والذي ضم مجموعة كبيرة من شيوخ السلفية، وأحزابا وقوى إسلامية أخرى كالإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية الذي تأسس على نفس الأساس، وهو ما ظهر جليا في يوم الجمعة 29 يوليو 2011 حيث شارك السلفيون والإخوان والجماعة الإسلامية في مظاهرة مشتركة في ميدان التحرير ورفعوا شعارات "الشعب يريد الشريعة"، أو "القرآن دستورنا".74
كان اللافت توقع الإسرائيليين منذ 2011 بهشاشة التعاون بين السلفيين والإخوان، ويشير باراك إلى أن عدم خبرة السلفيين حينها، وعدم وجود خطة لديهم أو رؤية سياسية منظمة، دفعهم إلى معالجة ذلك عبر التحالف مع أصحاب الخبرة من الإسلاميين، أي الإخوان، رغم أنهم مكروهون عند السلفيين حتى نشوب الثورة، وبالتالي كان السلفيون في حاجة للإخوان، كما أن الإخوان كانوا في حاجة إلى السلفيين بسبب شعبيتهم الكبيرة في المجتمع المصري. لكن مع ذلك، فإن العداء التقليدي بين الاثنين، ورغبة كل طرف في تقوية نفسه على حساب الآخر، واختلاف الآراء بينهما.. كل ذلك كان يؤشر على تحالف هش وعابر بينهما، لكن من المبكر الحكم إن كانت هذه الهشاشة ستظهر في موعد الانتخابات أم لا.75
قمع النظام يقارب بين الإخوان وبعض السلفية:
أما السلفية الرافضة للنظام، وكذلك الجهادية، فكان لهما تأثيرهما السلبي أيضا؛ فطبقا لدراسات إسرائيلية حول تأثيرات الانقلاب على جماعة الإخوان المسلمين، يتحدث كاتبها إيرز شطريم، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي عن حدوث تغييرات أيديولوجية تعرض لها الإخوان جراء تأثيرات سلفية. يقول الكاتب: إن تأثير السلفية، واليأس من الصراع السلمي، والانتقال إلى نشاط أقل مركزية، عرّض جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت في السابق جماعة مغلقة ومتناغمة نسبيا، إلى تأثيرات خارجية لنشطاء ورجال دين سلفيين، ممن لديهم مواقف أكثر تشددا تجاه النظام الحالي خاصة، والدولة المصرية عامة. فالتعاون الذي نشأ بين نشطاء الحركة، والنشطاء السلفيين في أثناء الاحتجاجات في رابعة العدوية ضد الإطاحة بمرسي كان يتعمق أكثر كلما تصاعد التوتر بين النظام والمعارضة؛ وكثير من رجال الدين، الذين يوصون بمواجهة النظام بالعنف في القنوات التي تبث من قبل الإخوان من تركيا، هم شيوخ سلفيون، غير محسوبين تقليديا على الجماعة. وبالتالي فالقاسم المشترك المتمثل في القمع الذي تمارسه قوات الأمن يطمس الخطوط الفاصلة بين مختلف التيارات الإسلامية.
قمع النظام يزيد الاتجاه الثوري عند الإخوان:
في هذا السياق يرصد الإسرائيليون مرور خطاب قادة حركة الإخوان بمرحلة تصعيد مع تزايد القمع من قبل النظام؛ ففي يناير 2015 نشر بيان على الموقع الإلكتروني للجماعة، تم إزالته بعد وقت قصير، يدعو أعضاء الجماعة ومؤيديها للاستعداد "لمرحلة طويلة ومتواصلة من الجهاد"، وفي يونية 2015 تبنت قيادة الحركة بيانا استفزازيا وقعه 159 من علماء الدين المسلمين بعضهم محسوب على الحركة، يدعون فيه إلى الثورة على النظام ويحثون على الإضرار به وبأنصاره. إضافة لذلك، يزعم العديد من قادة الحركة أنهم، رغم رفضهم للعنف، يتفهمون "أولئك الذين يسعون للانتقام" من قوات الأمن بسبب إيذاء أقاربهم، وأنهم لا يمكنهم منع ذلك. وقد زعم قادة الحركة أكثر من مرة أن "كل ما دون الرصاص هو مقاومة سلمية" وهو إعلان يهيئ لأعمال تخريب للممتلكات، وقذف بالحجارة والزجاجات الحارقة.
ويؤكد شطريم أن الإخوان حينها أدركوا العواقب الخطيرة لوجود إعلان رسمي حول المواجهة المسلحة ضد نظام السيسي، لأنه سيقيد قدرة الحركة على العمل في الساحة الدولية، ويعطي مبررا إضافيا لمزاعم النظام ضدها، كما أنها ستنفر جزءا كبيرا من أعضائها التقليديين. وهذا جعل الجماعة تصرح مرارا وبشكل رسمي أنها لا تؤيد العنف. غير أن الإحباط المتزايد بين الشباب نتيجة التمسك بالمواجهة السلمية، كان مصدر تهديد للسيطرة المحدودة التي تبقت لقيادة الحركة على أعضائها. ومن هنا أخذت الحركة، في ذلك الوقت، طريقا وسطا سمي "الثورية"، وهو ذو معنى عام، يتغير حسب التفسيرات المختلفة، وهي تفسيرات تمتد بين الاحتجاج والثورة الشعبية، مرورا بعمليات تخريب أعمدة الكهرباء، وتفجير البنية التحتية لوسائل النقل، وصولا إلى الأعمال الموجهة ضد قوات الأمن.76
3-علاقة الإخوان والمجلس العسكري
يمكن تقسيم الكتابات الإسرائيلية التي تناولت موضوع العلاقة بين المجلس العسكري/الجيش والثورة عامة والإخوان على وجه الخصوص إلى تقسيمين أساسيين؛ أولهما يرتبط بما كتب أثناء الثورة وحتى لحظة الانقلاب، والآخر ما كتب بعد الانقلاب، سواء كان ذلك بعده مباشرة أو بعدة سنوات؛ من أجل فهم طبيعة علاقة الجيش المصري بالدولة، وكيف يسيطر عليها.
إذا نظرنا إلى كتابات المحللين الإسرائيليين التي كتبت في أثناء الثورة نجد أن بعضها اتسم بالسطحية وعدم التعمق، بل إن التشابه بين ما طرحه هؤلاء الكتاب، وما كان يثار في بعض الكتابات المصرية، وأحاديث الإعلام المصري في أثناء الثورة، أمر يصعب تجاهله.
هل المشكلة بين الإخوان والجيش تنحصر في الاقتصاد أم الاستقلال السياسي؟
وقد تخيل بعض الكتاب الإسرائيليين أن مشكلة قادة المجلس العسكري والجيش كانت تتعلق فقط بالأمور المالية، ودرجة سيطرتهم على الاقتصاد المصري، دون أن يضع هؤلاء الكتاب في اعتبارهم الحسابات الإقليمية والدولية، ومدى ارتباط المواقف التي اتخذها المجلس العسكري بهذه الحسابات، من دون أن يقلل ذلك من أهمية عامل المصالح الاقتصادية للجيش عامة، ولهؤلاء القادة على وجه الخصوص. من ذلك مثلا ما كتبه السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر بين عامي 1996 - 2001، تسفي مزال، وهو يعلق على ما عرف في مصر بوثيقة علي السلمي، وما أحدثته من حالة غليان في مصر، وقرار كثير من قوى الثورة حينها- ومن بينهم الإخوان المسلمون- رفض هذه الوثيقة، والنزول إلى ميدان التحرير فيما عرف بمليونية رفض وثيقة السلمي الجمعة 18 نوفمبر. وقد اعتبر مزال أن الإخوان بموقفهم ضد الوثيقة وصلوا لنقطة مواجهة مع المجلس العسكري، وأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أدرك بعد الثورة أن الإخوان المسلمين هم القوة الأساسية في البلاد منذ الإطاحة بمبارك، ومن ثم حاولت قياداته إقامة حوار مع الإخوان المسلمين، من أجل التوصل معهم إلى اتفاق يقضي بتسليمهم السلطة أو تشكيل الحكومة المقبلة، وأن يتركوا الجيش يعود لثكناته. وتحدث السفير الأسبق عن توقع قادة المجلس العسكري أن الإخوان سيكونون راضين عن هذا الطرح، وسوف يتوقفون عن التحقيق في تصرفات كبار الضباط، وعلى رأسهم وزير الدفاع ورئيس الأركان، الذين يسيطرون على 30-40 % من اقتصاد الدولة.
هل كان الاستفتاء على الدستور اتفاقًا بين الإخوان والمجلس العسكري؟
ويلاحظ أن تعامل مزال مع أحداث الفترة التي كتب عنها كان عادة ما يتم باعتبار كل حدث مستقل بذاته، من دون أن يضعه في سياقه الأشمل؛ فقد اعتبر أن طرح المجلس العسكري لاستفتاء مارس 2011 الذي جرى تعديل بعض مواد الدستور على أساسه، كان جزءا من اتفاقه مع الإخوان المسلمين، والسماح لهم بمساحة واسعة للحركة، وأن الإخوان دعوا للموافقة على هذه التعديلات، التي أقرت بنسبة 77%، لاعتقادهم أن المجلس العسكري سيجري انتخابات في وقت قصير يحقق فيها الإخوان الأغلبية، ما سيتيح لهم، حسب رؤيتهم، تغيير الدستور بشكل يؤسس لحكم إسلامي للدولة. بل إن مزال، حين تحدث عن وثيقة السلمي المشار إليها، رأى أنها جاءت على خلفية اقتناع المجلس العسكري بأن الحوار الذي كان يجريه مع الإخوان في الغرف المغلقة، والذي كانت غالبية الجماهير تشعر به، وبما يحدث بين الطرفين من ترتيبات، كشف لكبار الضباط صعوبة التوصل لتفاهم مع الإخوان المسلمين لأنهم يحاولون فرض الحكم الإسلامي على الدولة في كل مناسبة. ومن هنا قرر الجيش توجيه نائب رئيس الوزراء بإعداد وثيقة المبادئ فوق الدستورية.77
أراد المجلس العسكري التفريق بين قوى الثورة:
هكذا تعامل مزال مع الأحداث من منظور جزئي، من دون أن يربطها بسياسة الجيش التي كانت واضحة حينها، والتي قصد من خلالها تمزيق العلاقات بين القوى التي شاركت في الثورة، وزرع بذور الخلاف بينها عبر سماحه ببعض التسريبات عن لقاءات مع القوى المدنية، وتفضيل الجيش إحداها على الأخرى، أو عبر طرح القضايا الخلافية منذ اللحظة الأولى، وعلى رأسها قضية هوية الدولة، التي كانت السبب الرئيس في حالة العداء التي نشبت بين القوى الإسلامية من ناحية، وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون، والقوى العلمانية والليبرالية. وقد نجح الجيش في ذلك نجاحا باهرا، في مناسبات مختلفة مثل طرحه لاستفتاء مارس 2011 على بعض المواد الدستورية، ووثيقة علي السلمي وغيرهما. والواضح أن كثيرين من الكتاب الإسرائيليين فهموا مبكرا هذه السياسة التي اتبعها المجلس العسكري، وحولوا هذا الفهم إلى مقولات مفادها أن أي صراع كان يدور بين الإخوان ومعارضيهم كان يؤدي مباشرة إلى تقوية تأثير الجيش.78
تفسير إقالة طنطاوي وعنان:
ظهرت هذه السطحية أيضا حين تعجل الباحث في معهد دراسات الأمن القومي، إفرايم كام، في الحكم على القيادات الجديدة في المجلس العسكري، بعد قرارات مرسي بإقالة عدد من أعضائه، بأنها قيادة أكثر ارتباطا بمرسي، وأن هذا الارتباط يزيد من احتمالية الإضرار بالعلاقة مع إسرائيل.79 كما ظهرت كذلك حين اعتبر أستاذ دراسات الإسلام السياسي والشرق الأوسط في الجامعة العبرية، موشيه ماعوز، أن القرارات التي أصدرها الرئيس محمد مرسي في أغسطس 2012 بإقالة وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي، ورئيس الأركان، سامي عنان، وعدد من قادة المجلس العسكري كانت بمثابة استكمال لسيطرة الإخوان المسلمين على مؤسسات الدولة. وعلى الرغم من صحة الفكرة التي انطلق منها ماعوز، والتي تقول إن العلاقة بين المجلس العسكري والإخوان المسلمين كانت علاقة تنافسية،80 فإن ما ذهب إليه ماعوز من أن قرارات مرسي بإقالة قيادات عليا وتعيين غيرهم، كانت دليلا على سيطرة الإخوان على ما تبقى من مؤسسات الدولة، كان حكما متعجلا، وغير دقيق. يؤكد ذلك أن كتابا إسرائيليين آخرين تعاملوا مع هذه القرارات بصورة أكثر منطقية، وعقلانية، رغم أنهم كتبوا عنها بعد أيام قليلة من صدورها، كما سيأتي.
المجلس العسكري بين الحفاظ على مصالحه الاقتصادية وارتباطاته الدولية والإقليمية:
هناك طروحات لم يخطئ أصحابها أو يصيبوا طوال الوقت، فجمعت بين هذا وذاك؛ من ذلك مقالة كان كتبها، السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر بين عامي 1988 – 1991، شمعون شامير، في أبريل 2012، تساءل فيها عن إن كان الجنرالات قد شعروا بخيبة الأمل نتيجة عدم تمكنهم من السيطرة الكاملة على الدولة؟ وإن لم يكن متأكدا، أي شامير، من أنهم كانوا يريدون السيطرة الكاملة على كل شيء، بل كانوا فقط يريدون الحفاظ على مصالحهم الخاصة.81 وهي أيضا رؤية منقوصة، تعزل العامل السياسي، الدولي والإقليمي، عن التأثير على مجريات الأحداث في مصر، وتجعل رغبة الجيش المصري في السيطرة على الدولة، وتصرفات المجلس العسكري، منذ بداية الثورة وحتى لحظة الانقلاب، مرتبطة حصرا بمصالح الجنرالات الكبار الاقتصادية.
وطبقا لمنظور شامير كان المتوقع أن تتم خطوات سيطرة الجيش على الدولة عبر النقاط التالية:
السيطرة الكاملة على الدفاع، من ناحية الميزانية ورسم السياسات، والحفاظ على الثروات الاقتصادية والمزايا الخاصة، وأن يتمتع بمكانة في النظام السياسي تخوله الدفاع عن الحقوق، ومنع أي انقلاب دستوري يمكن أن يؤدي لأسلمة تضر بالمصالح الوطنية، حسبما يفهمها القادة العسكريون، وأن يكون لهم تأثير في الرئاسة من أجل إيجاد حالة توازن للحفاظ على الدولة؛ فإذا كان البرلمان إسلاميا، تكون الرئاسة بيد الجنرالات أو يكونوا قادرين على التأثير فيها. وفي هذا السياق يفسر شامير طرح المجلس العسكري لوثيقة علي السلمي، التي كانت تضع خطوطا موجهة للدستور المزمع صياغته. لكنهم اضطروا للتراجع عنها أمام تصاعد الاحتجاجات.82
ويطرح كلام شامير السابق سؤالا نظريا عما إذا كان حكم حل مجلس الشعب لم يكن ليصدر لو قرر الإخوان حينها عدم خوض انتخابات الرئاسة، وهل كانت الأمور لتتغير في حالة تجنبهم ملف الرئاسة في هذا الوقت؟
وبالعودة لمسألة تراجع الجيش، أو ما أسماه شامير بالضعف أمام القوى المدنية رغم امتلاكه القوة المادية التي كان بمقدورها أن تحقق له سيطرة مريحة، فيرجعه إلى التمييز بين الجنرالات والجيش نفسه، فقيادة المجلس العسكري ليست الجيش، وهناك قيادات وسطى ودنيا، لا يتمتعون بنفس ميزات الجنرالات، بل ويتأثرون بالظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها عامة المجتمع. ولذلك لم يكن الجنرالات متأكدين من الحصول على كل الدعم المطلوب من أعضاء المؤسسة التي يقودونها، وهذا ما دفعهم للتراجع التدريجي.83
لماذا أيد الجيش الثورة وتفاهم مع الإخوان أول الأمر؟
كان شامير موفقا أكثر في النصف الآخر من مقاله وقدم فيه تصوره عن سبب وقوف الجيش مع الثورة في مصر، وسبب تفاهم المجلس العسكري مع الإخوان المسلمين في الشهور الأولى منها، ثم العداء معهم، والذي سيتحول في نهاية المطاف إلى مواجهة من أجل القضاء عليهم. وقد أكد شامير أن قيادات الجيش لم تكن مؤيدة للثورة، لا من حيث التفكير ولا الأيديولوجيا، فقد كانوا نخبة من أصحاب الرتب العسكرية العالية، وجزءا من النظام القديم، ولم يكن من الممكن أن ينضموا بشكل مخلص لأي أحد جاء للقضاء على هذا النظام، لكنهم كانوا رافضين فكرة التوريث التي كان يخطط لها مبارك، حتى لا تدار الدولة على يد رئيس غير عسكري للمرة الأولى منذ يوليو 52، كما لم يعجبهم الخط الاقتصادي الذي يفكر به جمال مبارك، والذي كان يتعارض مع مصالحهم الاقتصادية. ونظرا لإدراكهم أن قمع الثورة لن يتحقق إلا بأثمان باهظة، فقد قرروا الالتفاف والسيطرة عليها.. فالمجلس جزء أساس لا ينفصل عن نظام مبارك، وقد حظوا بميزات كبيرة جدا، والأهم أنهم كانوا يسيطرون على 25 – 40% من الاقتصاد المصري.. وكان الجنرالات يديرون الوزارات عبر الحكومات المدنية بعد سقوط مبارك، وشعر الشباب بذلك مبكرا، وتغير الشعار الذي نشأ في بداية الثورة "الجيش والشعب يد واحدة"، وأصبح هناك غضب تجاه الجيش وتصرفاته، والعنف الذي استخدمه في تفريق المظاهرات؛ مثلما فعل في فض اعتصام الأقباط في ماسبيرو، وضد بعض الإسلاميين في العباسية، وطريقة تعامله مع المرأة، مثلما ظهر في قضية كشوف العذرية... الخ.84
هل استخدم الجيش الإخوان لأغراضه الخاصة في بداية الثورة؟
ولأن الجنرالات أدركوا مبكرا أن القوة التي يمتلكونها غير كافية للتعامل مع كل هذه الأزمات المجتمعية الصعبة، فقد احتاجوا قاعدة شعبية تسهل لهم التعامل مع الناس والسيطرة عليهم، وهكذا جاء الإخوان المسلمون على رأس حساباتهم. كان الغريب في الأمر أن أحد المبادئ التي كانت النخبة العسكرية تعتمدها دائما هي التخلص من الإسلاميين، ولذلك كان التناقض كبيرا بين القوتين. هكذا تطورت الأمور إذا، وقام الجيش الذي يمثل القوة، بتوظيف الإخوان المسلمين لاستغلال كل ما لديهم من وسائل دعوة من أجل السيطرة على المواطنين المصريين العاديين. أي أن الجيش قام باستخدام الإخوان المسلمين لأغراضه الخاصة. ويقول شامير إن الأمور سارت في البداية بشكل جيد للغاية، وكان الجنرالات يشركون الإخوان في أي لجان يؤسسونها، وهذا كان غريبا لأن الإخوان كانوا تنظيما غير شرعي، غير أن الجيش منحهم شرعية كاملة، ووصلت ذروة التعاون بين القوتين في استفتاء مارس 2011؛ حيث أدار الجيش والإخوان عملا دعويا معا لتمرير التعديلات على الدستور.85
نية مبكرة للجيش في إفشال الإخوان:
ورغم أن ما كتبه شامير يعود إلى أبريل 2012 فإنه حمل إشارات جديرة بالانتباه، هي أقرب للتنبؤ بمآلات الأحداث في مصر في مسألتين؛ مستقبل العلاقة مع المجلس العسكري/الجيش، وعدم تمكن الإخوان من مواجهة المشاكل الاقتصادية. فقد تحدث عما حدث مع الإخوان في عام 54 على يد عبد الناصر ورفاقه، وما حدث للإسلاميين في الجزائر إثر فوزهم بالانتخابات في عام 1991، ووظف ذلك في مقاله على أنه خلفية تاريخية للتجربة القديمة بين الإخوان والجيش في مصر، حيث تعاون عبد الناصر مع الإخوان في أول الأمر، وكان كل طرف يستخدم الآخر لأغراضه إلى أن حدث ما حدث في عام 54. وما جرى في الجزائر بين الإسلاميين ممثلين في الجبهة الإسلامية للإنقاذ والجيش؛ ففي الحالتين انقلب الجيش في النهاية على الإسلاميين، ومارس معهم أبشع أنواع التنكيل، وقضى على كل الفرص للانتقال لحكم مدني، ولم يسمح بوصول الإسلاميين إلى السلطة أو المشاركة فيها. فهل أراد الكاتب القول إن التجربة القديمة يمكن أن تتكرر؛ خاصة وقد تحدث عن أن الجنرالات في مصر لم يكونوا مستعدين لأن يتعجل الإخوان بالخروج للشارع، والظهور كقوة مستقلة في مواجهة الجيش، وأن قطاعا من الإخوان أحسوا بأنهم القوة الأساسية في مصر، وبدأ بعضهم يناقش فكرة التخلي عن مبدأ المشاركة بعد فوزهم بانتخابات البرلمان، واعتبار أن الفرصة سانحة للإخوان لتحقيق سيطرة كاملة على مصر، وطرح بعضهم السؤال: إن لم يكن الآن، فمتى؟ فالأمر لن يكون ممكنا فيما بعد، لأن الإخوان سيكونون في موقع السلطة ويتحملون المسؤولية عن الوضع الاقتصادي وكافة الصعوبات، ومن ثم تضعف مكانتهم. وربما ما يرجح أن شامير قد ساق هذه الإشارات في إطار الاحتمالات المتوقعة، أن خاتمة مقاله تضمنت كلاما عن عدم رضا الجيش عن الضغوط التي مارسها الإخوان في موضوع وثيقة السلمي، وانعكاس ذلك على زيادة الشعور الشعبي أن الإخوان هم القوة الأكبر على الساحة، ومن ثم فقد فهم أن التعاون مع الإخوان قد انتهى، وبدأت المواجهة، وتحول التعاون إلى مواجهات حادة.86
هكذا إذا جاءت العديد من الكتابات أو المداخلات المرئية التي كتبت أو سجلت قبل الانقلاب سطحية، ومزج بعضها بين الخطأ والصواب. لكن على الجانب الآخر كانت هناك كتابات ولقاءات إسرائيلية قدمت رؤية أكثر عمقا للأحداث، وكانت أكثر واقعية، وإحاطة بالموضوع.
من ذلك مثلا فهم حقيقة الجيش المصري، وشكل العلاقة المتوقعة بينه وبين مرسي منذ اللحظة الأولى لتولي مرسي الرئاسة، بل حتى قبل انتخابات الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة بين محمد مرسي وأحمد شفيق؛ ففي تقرير نشر يوم 26 مايو 2012 في صحيفة كلكاليست التي تصدر عن يديعوت أحرونوت- أي بعد يومين من انتخابات الجولة الأولى التي جرت يومي 23 و 24 مايو، وقبل إعلان النتيجة بشكل رسمي- ذكر أن فوز مرسي في الجولة الثانية سوف يؤدي لزيادة التوتر بين مرسي الإسلامي والجيش المصري، وأن فوز مرسي بالرئاسة يعني تحكم الإسلاميين في أغلب مؤسسات الدولة، البرلمان والرئاسة، لكنهم لن يتحكموا في الجيش، الذي سيعمل على تقييد قوة الرئيس إن كان إسلاميا.87
67 - بندتا برتي: الربيع العربي وصعود الإسلام السياسي. ص. 163 - 164.
68 - دافيد جوفرين: الطريق إلى الربيع العربي؛ الجذور الأيديولوجية لاضطرابات الشرق الأوسط في الفكر العربي الليبرالي. دار ماجنس، القدس 2016. ص 239.
69 - السابق: ص 240-242.
70 - ليئور لهرس: الخطاب الإسرائيلي حول الربيع العربي. إسرائيل والربيع العربي، الفرص الكامنة في التغيير، تحرير: نمرود جورن، جنيا يودكفيتس. مجلة ميتفيم (تصدر عن المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية. 2013). ص. 19.
71 - موشيه ماعوز: الإسلام السياسي والربيع العربي. من: إسرائيل والربيع العربي. ص. 37.
72 - Esposito, Sonn & Voll: p. 212.
73 - ميخائيل باراك: السلفيون في مصر وثورة يناير 2011؛ لماذا السياسة الآن؟ مجلة تسوميت تصدر عن مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا جامعة تل أبيب. عدد 1، مجلد 10، أكتوبر 2011 ص. 1 – 2.
74 - السابق. ص. 2 - 3
75 - السابق ص. 3.
76 - إيرز شطريم: الإخوان المسلمون في مصر؛ استعدادات متجددة. مقال منشور على صفحة معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي 23 ديسمبر 2015.
https://tinyurl.com/yt3dqx5f
77 - تسفي مزال: الإخوان المسلمون يصارعون على هوية الدولة. موقع والا 21 نوفمبر 2011
https://tinyurl.com/yvczvm45
78 - إفرايم كام: مستقبل السلام بين إسرائيل ومصر. من: التقرير الاستراتيجي لإسرائيل 2012 – 2013. معهد دراسات الأمن القومي – جامعة تل أبيب 2013. ص. 132
79 - السابق: ص. 132
80 - موشيه ماعوز: الإسلام السياسي والربيع العربي. من: إسرائيل والربيع العربي، الفرص الكامنة في التغيير، تحرير: نمرود جورن، جنيا يودكفيتس. مجلة ميتفيم (تصدر عن المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية. 2013). ص. 35.
81 - شمعون شامير: ثورة، انقلاب، انقلاب على الانقلاب. (محاضرة مرئية في مؤتمر عقده مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا. جامعة تل أبيب 29 أبريل 2012. (شمعون شامير كان سفير إسرائيل في مصر من 1988 – 1991)
http://tinyurl.com/22c37tah
82 - السابق
83 - السابق
84 - السابق
85 - السابق
86 - السابق
87 - مصر مقبلة على معركة: الإسلامي في مواجهة الجنرال. صحيفة كلكاليست 26 مايو 2012.
https://tinyurl.com/22j4mwre
يتناول هذا الفصل اتجاهات لرأي العام الإسرائلية عن ثورة يناير ورئاسة الرئيس محمد مرسي، ثم يتطرق لبعض سياسات الرئيس تجاه الأوضاع الداخلية، ومنها: كتاباتهم حرية الصحافة، ووضع دستور الثورة ومواده التي أثارت جلبة في المشهد المصري.
اتجاه الرأي العام الإسرائيلي من الثورة المصرية
أظهر أول استطلاعات الرأي حول الثورة، أجري في إسرائيل في فبراير 2011- أي عقب خلع مبارك مباشرة- علامات قلق وخوف من الأحداث؛ فقد عبر 46% من الإسرائيليين عن تخوفهم من أن تؤثر الثورة في مصر سلبا على العلاقة مع إسرائيل، بينما اعتبر 21% فقط أنها لن تؤثر، وتوقع 9% أن يكون للثورة تأثير إيجابي. في فبراير نفسه كانت هناك استطلاعات أخرى تشير لعلامات قلق وخوف من الأحداث على إسرائيل؛ ويطلعنا تحليل النتائج الأولى للثورة المصرية على تباين موقف اليهود عن موقف عرب 48 في إسرائيل؛ فأغلبية كبيرة بين اليهود (70%) كان توقعها منخفضا فيما يخص قيام نظام ديمقراطي في مصر في المستقبل القريب بعد الثورة، مقابل 74% بين العرب كان توقعهم مرتفعا. وتوقع نصف اليهود بشكل مرتفع قيام حكم إسلامي متشدد في مصر، بينما 28% فقط من عرب 48 توقعوا ذلك. كانت التباينات واضحة كذلك فيما يتعلق بسياسة حكومة أوباما، فاعتقد 52% من اليهود أن الولايات المتحدة أخطأت في تأييدها للمتظاهرين ضد مبارك، بينما عبر 70% من عرب 48 أن هذا كان موقفا صائبا. كان الموقف الانتقادي في إسرائيل لتعامل إدارة أوباما تجاه مبارك واضحا في وسائل الإعلام؛ فاستخدمت يديعوت أحرونوت عنوان "الولايات المتحدة تسن السكين"، وصرح وزير الدفاع السابق بنيامين بن أليعازر أن "الأمريكان لا يدركون حاليا الكارثة التي دفعوا الشرق الأوسط إليها"، وكتب في صحيفة يتد نإمان الحريدية "هل هناك من يعتقد الآن أن الحكومة الأمريكية ستقف إلى جانب إسرائيل وقت الضرورة".88
وكان الملاحظ أن هذا القلق الشعبي الإسرائيلي يزداد مع الوقت؛ ففي استطلاع آخر أجري في مايو 2011 أجاب 44% أنهم يعتقدون أن وضع إسرائيل في المنطقة ساء للغاية عقب تغيير الأنظمة في العالم العربي، و41% أجابوا أن وضعها لم يتغير، أما في نوفمبر 2011 فرأى 68% من المستطلعة آراؤهم أن الأمن القومي الإسرائيلي ساء للغاية في أعقاب الربيع العربي. وكان الملاحظ أن هذا التغير يتزامن مع التوتر الحاصل في مصر وتغيرات المنطقة؛ حيث ارتبط هذا الارتفاع في النسبة بالاعتداء على السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ونجاح حزب النهضة في تونس.89
اتجاه الرأي العام بعد فوز د. مرسي في الانتخابات:
أما بعد فوز محمد مرسي فأظهرت الصحف الإسرائيلية قلقا كبيرا: فكتبت يديعوت أحرونوت "ظلام مصر"، وكتبت إسرائيل هيوم "السير مع القلق"، وكتبت ماكور ريشون "إمبراطورية الإخوان المسلمين". في نفس الوقت تظهر نتائج استطلاع أجري في نفس الوقت أنه بعد فوز مرسي كان من الممكن رصد هدوء ظاهر لدى الجمهور حول الخوف تجاه توقعات المستقبل، وظهر ذلك من خلال مقارنة إجابات الأسئلة التي طرحت في نوفمبر 2011 عن مستقبل اتفاقية السلام بين الدولتين مع احتمالية صعود الإخوان للسلطة في مصر، ونفس الأسئلة التي طرحت في يونية 2012 بعد فوز الإخوان بالبرلمان وفوز مرسي بالرئاسة.. في يونية 2012 ارتفعت نسبة الإسرائيليين الذين توقعوا عدم إلغاء الاتفاقية من 63% (في نوفمبر 2011) إلى 74% في يونية 2012 (بين اليهود وحدهم ارتفعت النسبة من 60% إلى 74%)، ومقابل ذلك انخفضت نسبة الإسرائيليين الذين توقعوا الأسوأ بإلغاء الاتفاقية والعودة لحالة الحرب من 13% إلى 6% (بين اليهود وحدهم انخفضت من 15% إلى 5%). ويشير التقسيم على حسب أنماط التصويت أن هذا التوجه تعدى الخطوط السياسية ووجدنا أثره لدى اليمين واليسار؛ وكان من المثير والمفاجئ ارتفاع نسبة من توقعوا عدم إلغاء الاتفاقية خاصة في أوساط اليمين الإسرائيلي (في يونية 2012 مقابل نوفمبر 2011)؛ فارتفعت بين جماهير الحزب الديني القومي (المفدال) من 20% إلى 82%، وبين جماهير الاتحاد القومي من 53% إلى 92%، وبين جماهير إسرائيل بيتنا من 47% إلى 85%.90
لكن الشك تجاه المتغيرات في السياسة الإقليمية اهتم أيضا بالقلق العام الذي أحسه سكان إسرائيل في أعقاب هذه التغييرات؛ فمثلا كشف استطلاع رأي أجري قبل نهاية عام 2011 عن أن 51% من الإسرائيليين زعموا أن الربيع العربي سوف يغير الوضع للأسوأ بالنسبة لإسرائيل، مقابل (22% زعموا أن الوضع سيبقى كما هو من دون تغيير، و 15% قالوا إنه سيتحسن). كما رصد الاستطلاع كذلك ما قاله القادة الإسرائيليون منذ بداية التحول في المنطقة، وهو أن الديمقراطية، على المدى البعيد، سوف تحسن وضع إسرائيل في المنطقة.91
هذا الظن الإسرائيلي بتحسن وضع دولتهم في ذلك الوقت كان مبنيا على أساس الآثار الإيجابية المتوقعة للربيع العربي، ومن بينها سقوط محتمل لنظام الأسد في سوريا، وضعف مكانة إيران وقوتها في المنطقة، وتأثير ذلك سلبا على حزب الله في لبنان، وإعادة تقييم حماس بمعزل عن طهران. وفي ضوء عدم وضوح الوضع في ذلك الوقت، ونتائج ما حدث، لم يكن مفاجئا أن إسرائيل حافظت على قلة التفاعل تجاه ما حدث، وركزت في الاستثمار في أمنها، إلى جانب جهدها في الحفاظ على اتفاقيات السلام مع مصر والأردن.92
والخلاصة هنا أن استطلاعات الرأي التي اهتمت بقياس رأي الجمهور كشفت عن قلق من الثورة في معظم مراحلها، كما كشفت عن أن تراجع هذا القلق الشعبي، كان مرتبطا على الأغلب بتصريحات عديدة عبر فيها الإسلاميون، وفي مقدمتهم الرئيس مرسي عن التزام مصر بكل الاتفاقيات التي عقدتها، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار الداخلي في مصر نتيجة الانشغال بالأوضاع الاقتصادية الصعبة، فضلا عن دور محمد مرسي في وقف الحرب في غزة عام 2012.
88 - ليئور لهرس: ص. 13.
89 - السابق: ص. 13.
90 - السابق: ص. 15.
91 - Shibley Telhami: 2011 Public Opinion Polls of Jewish and Arab Citizens of Israel. Anwar Sadat Chair for Peace and Development, University of Maryland, November 2011.
92 - برتي: ص. 166 – 167.
حول حرية الصحافة في عهد الرئيس مرسي
"شهد عام حكم مرسي عاما قمعًا واسعًا ضد وسائل الإعلام المختلفة". هكذا قيم أغلب الكتاب الإسرائيليين علاقة الرئيس المصري بالإعلام والصحافة، بطريقة لم تخل من تحيز ظهر جليا في حالات أخرى كثيرة، وكان هؤلاء الكتاب معتمدين على شهادات معارضي مرسي في مصر وكتاباتهم، ومستندين إلى أرقام وإحصائيات من دون العودة إلى قراءتها وتحليلها بصورة موضوعية. غير أن بعض تلك الكتابات تمكنت من تجاوز هذا الانحياز، وقدمت رؤية قائمة على دراسات تطبيقية أجابت عن طبيعة العلاقة بين الإعلام ومؤسسة الرئاسة خلال العام الوحيد الذي حكمه مرسي.
لم يكن تقييم الإسرائيليين لحرية الصحافة في مصر خلال عام حكم محمد مرسي تقييما إيجابيا. وكانت الملاحظة الأبرز أن تقييمهم كان يسير في نفس اتجاه تصريحات المعارضين للرئيس في مصر ومواقفهم وكتاباتهم، والتي كانت تقول إن الإعلام خلال عام الحكم الوحيد لمرسي عانى تضييقا كبيرا نتيجة محاولة الإخوان السيطرة عليه سيطرة تامة.
وقد كتبت الباحثة في تاريخ الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب، ميرا تصوريف، أن عهد مرسي بدأ بالتضييق على الإعلام حينما عين صلاح عبد المقصود عضو الإخوان المسلمين وزيرا للإعلام، ثم قام نظامه باستبدال 80% من رؤساء تحرير الصحف القومية ورؤساء مجالس إداراتها في أغسطس 2012، وعين مكانهم صحافيين لم يكونوا أعضاء رسميين في الجماعة، ولا في حزب الحرية والعدالة، لكنهم كانوا قريبين إليهم من حيث الرؤية. كما صودرت في عهده صحف بسبب ما شنته من نقد على الرئيس مثل صحيفة الدستور، واتخذت إجراءات قضائية ضد الصحافيين الذين نشروا "تقارير كاذبة" حول الرئيس. وتقول تصوريف إن هذه الخطوات أثارت ضجة تجلت في المظاهرات، والإضرابات، ونشر مقالات انتقدت بشدة الاعتداء على حرية التعبير، وأكثر من ذلك أن عددا من الصحافيين امتنعوا من نشر أعمدتهم اليومية إجراء احتجاجيا، ودعوا القنوات التليفزيونية لتعتيم شاشاتها لفترة محددة من الوقت كل ليلة. ولم تكتف حكومة مرسي بذلك، بل قامت بصياغة قانون منظمات المجتمع المدني الذي قيد نشاط هذه المنظمات، وحظر تلقيها تمويلا من عناصر أجنبية، ومنع إجراء استطلاعات رأي إلا بعد الحصول على موافقة الجهات الأمنية.93
وأضافت السياسية الإسرائيلية، وأستاذة دراسات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية في القدس، كسنيا سفيتلوفا، إلى ذلك إحالة بعض الإعلاميين، مثل توفيق عكاشة، للقضاء بتهمة التحريض على قتل الرئيس، واعتبرت ذلك دليلا على قمع الحريات الإعلامية، إضافة لما جرى من إقالة صحفيين وتعيين غيرهم من مؤيدي الإخوان.94
ويعد السفير الإسرائيلي السابق في مصر، تسفي مزال، أحد الدبلوماسيين الإسرائيليين الذين أخذوا خطا معاديا غير موضوعي لا يتغير من الإسلاميين عامة، والإخوان بشكل خاص. وفي سياق الموضوع محل النقاش هنا، نقل مزال إحصائية نشرتها المنظمة العربية لحقوق الإنسان ضمن تقريرها السنوي، أظهرت زيادة في عدد الدعاوى القانونية المرفوعة ضد الصحافيين بناء على قانون إهانة الرئيس خلال الأشهر الستة الأولى من حكم الرئيس مرسي بأربعة أضعاف ما كان عليه الوضع فترة حكم مبارك، و 34 ضعف فترة حكم السادات. وأضاف مزال أن عدد الدعاوى المرفوعة خلال فترة حكم مرسي القصيرة هي أكثر من إجمالي عدد الدعاوى المرفوعة ضد الصحفيين منذ نشر القانون في عام 1909.95
- بين الاستعانة بالأرقام والإحصائيات، ومحاولة فهمها
ينبع جزء من مشكلة التقييم الإسرائيلي لهذا الموضوع، وغيره، في الاعتماد على الإحصائيات التي أصدرتها جهات مختلفة بشأن حرية الصحافة في مصر خلال العام الذي حكمه محمد مرسي. ورغم ما للأرقام من أهمية في إعطاء مؤشرات منطقية للحكم على أي ظاهرة، فإن الاكتفاء بها من دون تحليل قد يكون مضللا في أحيان كثيرة.
وقد يكون من المفيد هنا الإشارة إلى بعض مجهودات أستاذة الدراسات العربية بجامعة بار إيلان، ليمور لافي، حول مدى قمع الإعلام المصري في عهد محمد مرسي. لقد كانت التقارير تتحدث عن صراع على السيطرة على الإعلام المصري، وعن تمسك المجلس العسكري بوزارات مهمة (الخارجية والداخلية والمالية)، وأن الإخوان في مباحثاتهم مع المجلس العسكري عند تشكيل الحكومة أصروا على قيادة وزارة الإعلام. وفي نفس الوقت استخدم الإخوان قانونا مصريا، لم يكن قد عدل بعد الثورة، فقاموا بتغيير 80% من رؤساء التحرير ورؤساء مجالس إدارات المؤسسات الصحافية. ومن ثم، وبعد تولي رؤساء التحرير الجدد مناصبهم كانت هناك تقارير عن زيادة الرقابة، وحكى ممثل نقابة الصحفيين أن رئيس التحرير الجديد لصحيفة الأهرام منع نشر مقالات معارضة للإخوان. واتهم مقال، نشر في صحيفة الوطن المستقلة، حزب الحرية والعدالة برفض مقالات، وبالاعتداء الجسدي على إعلاميين معروفين بانتقادهم للإخوان.
كانت هذه إحدى الروايتين، أما الرواية الأخرى فتقول إن جماعة الإخوان كانت تعتبر تغيير رؤساء التحرير خطوة ضرورية لتطهير الإعلام من رجال النظام السابق ممن لا علاقة لهم بأهداف الثورة، حتى لا يتسببون بثورة مضادة. وفي نفس الوقت اتهم الإخوان وسائل الإعلام بنقل أخبار كاذبة والتحريض والتشهير.
وعلى الرغم من سياسة الإخوان استخدام الإسلام في صالحهم، وتصوير الإعلام على أنه عدو للدين، وللجمهور الإسلامي بشكل عام، وما كانت تدل عليه حدة الصراع من اعتقاد الإخوان بأن أصوات الصحفيين مهددة للحركة الإسلامية، فإن وسائل الإعلام المصرية ظلت تضم عددا كبيرا من الإعلاميين المرتبطين بنظام مبارك، وتدل حدة الصراع على أن الإخوان يعتقدون أن أصوات الصحفيين تهدد الحركة الإسلامية.96
وقد حاولت لافي فحص هاتين الروايتين، وإلى أي درجة كانت رواية قمع الإعلام في عهد مرسي صادقة، وإلى أي مدى وصلت حدود القمع الإعلامي في ذلك العام. ولكي تفعل ذلك قامت بدراستها وفق منهج تطبيقي على صحيفة الأهرام الحكومية، بوصفها الصحيفة الحكومية الأهم في مصر.
- هل من قراءة أخرى؟
جاءت دراسة لافي ضمن ندوة بعنوان "مصر الحديثة وعلاقاتها مع إسرائيل" نظمتها جامعة تل أبيب في 10 أكتوبر 2022، وحملت دراستها عنوان "إعلام رسمي معادٍ؛ حالة صحيفة الأهرام في ظل نظام الإخوان المسلمين". وقد طرحت دراستها سؤالا عما إذا كانت وسائل الإعلام الرسمية التابعة للدولة، التي حافظت دائما على مهمتها التقليدية في كونها مساندة للنظام والناطقة باسمه، قد استمرت على نفس المسار في السنة التي حكم فيها محمد مرسي أم لا؟
ميزت ليمور بين مستويين في بحثها؛ أحدهما قراءة ما كتب حول تقييم الإعلاميين المصريين لعام حكم مرسي، والآخر تطبيقها هي نفسها على صحيفة الأهرام. وبالنسبة للمستوى الأول فقد وجدت أن أكثر المواد المكتوبة اتفقت أن نظام مرسي نجح في إخضاع وسائل الإعلام الرسمية لصالحه في ظل حكم الإخوان المسلمين، وأن هذه الوسائل ظلت موالية لنظامه مثلما فعلت مع سابقيه؛ وقد ذكرت أكثر من مثال لكتاب مصريين أو من أصول مصرية في هذا السياق؛ مثل مقال كتبته رشا عبد الله عام 2014، الذي خلص إلى رسم خط واحد متواصل بين المجلس العسكري والسيسي، وضم نظام الإخوان المسلمين تحت هذا التعميم. ومثل مقال للبروفيسور كاي حافظ97 كتبه في 2015 يقول إن مرسي كان يحكم قبضته على الإعلام الرسمي، واستخدمه للدفاع عن سياسته ومواجهة الانتقادات الموجهة له. ومثل مقال لفاطمة العيسوي في 2016 ذكرت فيه أن الإخوان قاموا بأخونة وسائل الإعلام، وضغطوا عليها حتى تقف بجانب نظامهم. إضافة لمقال في كتاب عبد الله حسن أضاف أن النظام قام بتغيير رؤساء التحرير من أجل مصلحته وتقوية الحكومة، عبر مجلس الشورى الذي يملك هذا الحق، وعين وزيرا للإعلام، ورفع دعاوى قضائية أكثر ب 200 مرة مما قدمه نظام مبارك طوال 30 عاما.
لم تكن ليمور مقتنعة أن مرسي استطاع إخضاع الإعلام وإضعاف الصحافيين، لأن أكثر من زعموا عدم وجود تعددية إعلامية في عهده اعتمدوا على مؤشر حرية الصحافة والإعلام في مصر لعام 2013، والذي صنف مصر "غير حرة". والمشكلة، من وجهة نظرها، أن هذا المقياس كان يقيس حرية الصحافة ووسائل الإعلام لمدة سنة، من يناير وحتى ديسمبر، والمعروف أن مرسي حكم من يونية 2012 حتى يونية 2013، وهذا يعني أن مرسي حكم ستة أشهر فقط في 2013 والستة الأخرى للسيسي، ونفس الأمر في 2012 التي حكم فيها مرسي ستة أشهر كذلك. إلى جانب أن هذا المقياس يقوم بفحص سياسات النظام، من دون أن يقوم بتحليل المحتوى.
أما من قاموا بفحص المحتوى، حسب قول لافي، فكانت مشكلتهم أنهم قاموا بفحص الصفحة الأولى فقط من صحيفة الأهرام ووصلوا لنتائج متناقضة؛ فتوصلت سارة فرج الكامل إلى أن صحيفة الأهرام تجنبت التغطية السلبية غير المتعاطفة مع الإخوان المسلمين، مقابل محمد المصري ومحمد النووي اللذين توصلا إلى أن الصحيفة حافظت على تغطية محايدة. وما فعلوه في هذين المثالين وبنفس الطريقة أنهم فحصوا الصفحة الأولى لصحيفة، في تواريخ محددة، وكل واحد منهما اعتمد على 10 أو 20 صفحة من الصفحات الأولى للأهرام في التسعة أشهر الأولى التي حكم فيها مرسي.
أما المستوى الثاني عند لافي فهو قيامها بالتطبيق بنفسها، من دون الاعتماد على الأحكام المسبقة، متتبعة كل أعمدة الرأي التي نشرت في الأهرام لمدة سنة هي فترة حكم مرسي، بنظام يوم ويوم، مقسمة ما قرأته لثلاثة أعمدة: مع مرسي، ضد مرسي، لا هذا ولا ذاك. فقرأت في النهاية 3839 مقالا:
كانت النتائج التي توصلت إليها لافي مفاجئة لها؛ فقد اكتشفت أن المقالات ذات النبرة السلبية/ضد نظام مرسي كانت أكثر بثلاث مرات من تلك ذات النبرة الإيجابية/ مع النظام، وهذا مغاير تماما لأي نمط في فترات سابقة في مصر. وحين تتبعت المقالات المنشورة باسم المحرر الذي عينه مجلس الشورى ويفترض أنه مؤتمن لدى النظام وجدت أن نسبة المقالات السلبية قليلة ومثلت 12% فقط، بينما كانت المقالات ذات النبرة الإيجابية 45%، ما يعني أن المحرر كان يقوم بما توقعوه منه، فظل مساندا للنظام، مثلما كان السابقون يفعلون، لكن بفارق واحد وهو أن رؤساء التحرير في عصر مبارك وقبله كانوا المؤشر على التوجه العام للصحيفة، وكانت المقالات تمر عبره وهو من يقرر ما ينشر وما لا ينشر، لكن الأمر هنا لم يكن كذلك، فالمحرر يقوم بالمتوقع منه، من دون أن يفرضه على غيره من الكتاب.
وتقول الباحثة إنها عادت للتعامل مع المقالات لكن حسب التقسيم الزمني؛ فوجدت أن المقالات ذات النبرة الإيجابية كانت تتراجع مع الوقت 50 مقالة في يوليو 2012 مقابل 30 فقط في ديسمبر من نفس العام، وهو ما كان يوضح طبيعة العلاقة بين النظام والإعلام الرسمي في هذه الفترة، والوضع لم يكن هكذا في السابق، فلم يكن هذا الخط يتغير لا مع التغيرات أو أي شيء فكان الخط ثابتا، مدح مستمر للحاكم وسياسته من دون اهتزاز ذي قيمة. وتضيف إن 6 أو 7 من كتاب صحيفة حزب الحرية والعدالة كانوا يكتبون في صحيفة الأهرام خلال ذلك العام، وأن مجلس الشورى ربما توصل لاتفاق مع صحيفة الأهرام أن ينشر كتاب من الإخوان في الصحيفة، وأنها حين وافقت على ذلك وضعت قيودا لذلك؛ كعدم الوعد بنشر كل المقالات التي يرسلونها، وإمكانية تحريرها.. وهذا يعطينا فكرة عن كيف كانت تسير الأمور.
حين انتقلت للخط السلبي، وفق التقسيم الزمني حسب الأشهر، وجدت أنه منذ البداية كان النقد أكبر من المدح في الصحيفة، لكن الفارق بينهما لم يكن كبيرا، وبعض محتوى هذه المقالات كان يسير في مسار "لنعطه فرصة"، واستمر هذا الاعتدال، رغم تفوق الخط النقدي، لثلاثة شهور فقط ثم بدأ في الصعود الكبير لأن مرسي لم يف بوعوده في خطة ال 100 يوم. ثم كانت أول ذروة في ديسمبر 2012 والتي تعود غالبا لإعلانه الدستوري في نوفمبر 2012 الذي منح فيه نفسه صلاحيات تشريعية وتنفيذية وقضائية من أجل عبور الفترة. وإلى جانب ذلك كان من الممكن رصد الكثير من صحافيي عهد مبارك ظلوا يكتبون في الصحيفة بشكل منتظم، وأن كتاب الإخوان في الصحيفة كانوا 6 أو 7 بين 400 كاتب.
ثم تصل لافي إلى النتائج النهائية لدراستها:
فقد توصلت إلى نتيجتين: أولاهما اعتقادها أن هذه الفترة كانت مختلفة عن أي فترة أخرى في تاريخ مصر؛ وأن صحيفة الأهرام لم تكن مؤيدة للسلطة، بل إنها، أي لافي، مالت لاعتبارها معارضة للنظام. وأنه كان هناك توجه معاد للإخوان، وأن الصحف المختلفة استمرت على نفس موقفها القديم تجاههم، وبالتالي فإن نمط التأييد للنظام لم يكن موجودا.
أما النتيجة الأخرى فاعتقادها أن الادعاء بالأخونة هي مسألة محل نظر، وأن الإخوان ربما حاولوا فعل ذلك فعلا، لكنهم لم يفلحوا. إلى جانب أن تعيين رؤساء التحرير لم يعن خضوعهم للإخوان.
أما بالنسبة لعدد الدعاوى القضائية الكثيرة، فإن هذا كان يعني، من وجهة نظرها، أن الصحافيين لم تكن لديهم حدود يخشون تخطيها، وأنهم سمحوا لأنفسهم بالسخرية من الرئيس من دون أية معوقات.98
ثم تختم الباحثة بوجود مقولتين تفسران سبب فشل الإخوان المسلمين؛ فهم لم يكونوا يعرفون كيف يديرون دولة، وأنهم كانوا وعاظا، لا رجال دولة، كما قال خليل العناني. ومقولة أخرى تقول إن ما حدث لم يكن لأسباب تتعلق بهم، ولكن لأن هناك من أفشلهم، وهذا يعني أن نظام الدولة العميقة؛ وهي كل الأجهزة التي كانت تحت مبارك أي المؤسسات القديمة كالأزهر، والجيش والشرطة، والإعلام.. أسهمت في وضع الصعوبات أمام مرسي وهذا ما أدى لسقوطه أو إسقاطه في نهاية الأمر.99
هكذا تخطت دراسة لافي نطاق التحيز، وانطلقت في مساحة واسعة تجاوزت مجرد التعامل مع الأرقام والإحصائيات الجامدة، وقدمت بحث حالة موضوعي يكشف حقيقة التعامل مع الصحافة والإعلام في عام حكم محمد مرسي.
93 - ميرا تصوريف: ص. 307 – 308.
94 - كسنيا سفيتلوفا: إعلام الجماهير والعلاقات الإسرائيلية العربية في أعقاب الربيع العربي. من: إسرائيل والربيع العربي.. ص. 56 – 60.
95 - تسفي مزال: مصر تصطبغ بالأخضر. مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة. 23 يناير 2013.
https://tinyurl.com/24ok3car
96 - إريك جرينستاين: جماعة الإخوان تسيطر على الإعلام. تقرير منشور في موقع ميداه 9 سبتمبر 2011.
http://tinyurl.com/yte64kua
97 - أستاذ الإعلام الدولي والمقارن، ودراسة الاتصالات في جامعة إرفورت بألمانيا.
98 - ليمور لافي: إعلام رسمي معادٍ؛ صحيفة الأهرام في ظل حكم الإخوان المسلمين، دراسة حالة. مداخلة مصورة نوفمبر 2022. (ليمور لافي هي أستاذة الدراسات العربية بجامعة بار إيلان)
http://tinyurl.com/27l2cb6l
99 السابق
يمكن تصنيف المادة التي كتبت حول الدستور لدى الكتاب والمتابعين للشأن المصري من الإسرائيليين إلى مسارين؛ أحدهما يرتبط بالجمعية التأسيسية لوضع الدستور، والآخر بموضوع الدستور نفسه أو ببعض مواده.
والملاحظ أن حديث الكتاب الإسرائيليين حول الجمعية التأسيسية كان صدى لخطاب المعارضة المصرية؛ فاستخدم نفس المقدمات والنتائج التي شاعت في الإعلام المصري في ذلك الوقت؛ وبالتالي لم يكن مستغربا أن تكون أهم الانتقادات حول الجمعية: أنها لم تكن معبرة عن تنوع الشعب المصري، وأن الإخوان والسلفيين سيطروا عليها، وقصد الكتاب الإسرائيليون من ذلك القول إن غلبة الإسلاميين أدت لصبغ مواد الدستور بصبغة إسلامية واضحة، إضافة إلى اعتبار قرار الرئيس مرسي تحصين الجمعية التأسيسية من الحل قرارا سلطويا، تخطى به سلطة المحكمة الدستورية العليا المخولة بالفصل في هذه الأمور. وهؤلاء الكتاب هنا يتجاهلون الدور التخريبي الذي لعبته المحكمة الدستورية تحديدًا ضد الثورة، يضاف إلى ما سبق مزاعم تحدث عنها بعضهم عن عيوب شابت عملية الاستفتاء نفسها.
أما الحديث عن موضوع الدستور ومواده؛ فاتسم أحيانا بالكذب وادعاء وجود مواد غير موجودة أصلا في الدستور الذي أقر في نهاية 2012، وأحيانا بمناقشة مواد بعينها ووضع ملاحظات عليها، وأحيانا أخرى بإبراز جوانب إيجابية في الدستور. ويمكن القول إن أهم ما حرصت الكتابات الإسرائيلية عليه إظهار الدستور معاديا للحريات، ومقيدا لها، وأنه لم يشتمل على مواد تحترم المواثيق الدولية فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان والمرأة، أو أنه أعطى صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، أو منح صلاحيات واسعة للجيش، وسمح بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.. هذه الاتهامات وغيرها كانت مؤشرا على أن بعض الكتاب لم يهتموا بالعودة إلى نص الدستور، وأن بعضهم ربما اكتفى بقراءة أجزاء منه فحسب، وربما لم يجد بعضهم أي غضاضة أن يستخدم مزاعم غير صحيحة في معركته ضد الثورة المصرية، وفي إطار عدائه مع التيار الإسلامي.
ثمة مستويان يمكن الكتابة عنهما في هذه النقطة تحديدا؛ يتعلق أولهما بنمط الكتابة الإسرائيلي غير المنطقي، والمنطلق من تحامل واضح ضد الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، وهو تحامل منسجم مع الموقف الإسرائيلي المتخوف من الثورة المصرية ومن أي إنجاز تصنعه منذ يومها الأول. أما المستوى الآخر فيرتبط بمناقشة بعض المقولات الإسرائيلية والنظر إليها بوصفها وجهة نظر جديرة بالبحث في موضوع الدستور، وكيف أن فكرة وضعه كانت مدخلا لنشأة الصراع حول هوية الدولة والتي كانت السبب الأساس في تمزيق قوى الثورة، والتي نفذ المجلس العسكري، وقوى الثورة المضادة من خلفه من خلالها لمحاربة الثورة وإفشالها.
كان الملمح الأبرز لدى أصحاب نمط الكتابة المتحامل والعدائي النقل حصرا عن أصحاب الرأي أو الكتاب المعارضين للإسلاميين في مصر؛ مع تعمد إغفال الرواية الأخرى، وهذا الأمر كان سمة عامة في الكتابات الإسرائيلية منذ بدأت الثورة في مصر، وليس في موضوع الدستور وحده. من ذلك مثلا حديث المدير الأسبق للمركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة، يوسي أميتاي، الذي اعتبر أن طريقة تشكيل الجمعية التأسيسية كانت أحد الأسباب التي عمقت الأزمة الدستورية؛ حيث وصل عدد الإخوان والسلفيين إلى 72 من مجمل أعضائها، مقابل 14 فقط من العلمانيين والليبراليين، وهو ما أدى لحالة غضب، وانسحابات لبعض أعضائها فيما بعد. ويقول أميتاي إن بعض تصرفات مرسي، فيما يخص الدستور، أسهمت في تعميق الهوة في المجتمع المصري، نتيجة أنه كان منفِّذًا لإملاءات المرشد العام. ويضرب أميتاي مثالاً على ذلك بالإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس في 22 نوفمبر 2012، بعد يوم واحد فقط من الثناء الذي حظي به على دوره في وقف الحرب في غزة، منح من خلاله مدة إضافية لجمعية صياغة الدستور، وحصنها ضد الأحكام القضائية، على أساس رغبته في أن تتخلص مصر من الفراغ الدستوري، ومن التشويش على عمل الجمعية التأسيسية، لكنه بفعلته خلق مواجهة حادة مع السلطة القضائية، التي بدأها في نفس الوقت بتطهير القضاء، علاوة على ما أدى إليه الإعلان الدستوري من مواجهة مع الإعلام ورجال الأكاديميا.100
ويقول أستاذ الدراسات الإسلامية والشرق الأوسط، إيلي بوده، إن مرسي لم يكن يستجيب للنقد الشعبي في موضوع الدستور، وفي هذا السياق جاء إعلانه الدستوري المشار إليه،101 وبالتالي فقد قاد ذلك كله في النهاية إلى اضطرابات، واحتجاجات من قبل القوى الليبرالية والعلمانية دعت إلى تعليق الدستور، وإبعاد الرئيس والذهاب إلى انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة.102
من ذلك أيضا ما كتبه السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر، تسفي مزال، حين نقل كلاما عن رفض قادة جبهة الإنقاذ كل مراحل إعداد الدستور بدءا من تشكيل الجمعية التأسيسية، مرورا بصياغته التي لم تلب تطلعات الشعب وانتهاء بتزييف الاستفتاء الشعبي من خلال التخويف والإرهاب والشغب وانتهاك القانون، والتدخل في عمل نظام القضاء، واستخدام القوة.103 وفي موضع آخر اعتبر مزال أن عملية الاستفتاء على الدستور كانت علامة على سيطرة الإخوان على كل مراكز السلطة في مصر، بطريقة ديمقراطية شكلاً. وأنه بناء على توجيهات الرئيس مرسي تم استكمال صياغة الدستور خلال يومين، بعد ستة أشهر من النقاشات العقيمة في الجمعية التأسيسية. ويضيف مزال أن هذا الدستور هو دستور الأقلية، لأن نسبة من ذهبوا للاستفتاء عليه بلغت 32% بصعوبة، ومن هذه النسبة وافق 64%، مقابل رفض 36%، ما يعني أن من وافق على الدستور هم 20% فقط من الشعب، أي حوالي 10.5 مليون فقط، وأن معنى ذلك هو أننا أمام دستور أقلية، وتحديدا أقلية إسلامية متطرفة، لأن الغالبية العظمى من الشعب إما صوتوا ضد الدستور، أو فضلوا عدم المشاركة نهائيا. وإلى جانب ذلك، طبقا لادعاءات مزال، فإن جماعة الإخوان المسلمين سخرت أعضاءها ومؤيديها، وأرسلت ممثلين عنها إلى كل صناديق التصويت؛ حيث مارسوا ضغوطا على المصوتين.104
ما أثاره مزال لا يخرج عن أحاديث بعض العلمانيين والليبراليين في مصر حينها، فالقول بصياغة الدستور في يومين هو كلام متهافت، وما يزيد في تهافته أنه جاء على لسان سفير سابق يفترض تحليه بقدر من المعرفة والدقة؛ فالأصل عند إقرار الدساتير أن تكون جلسة التصويت جلسة واحدة ممتدة، وهو ما حدث عند التصويت على الدستور المصري في جلسة استمرت 16 ساعة متواصلة، وقول السفير، الذي تحمل كل كتاباته عن الثورة المصرية عداء شديدا للثورة عامة، وللتيار الإسلامي على وجه الخصوص، إن الدستور صيغ في يومين، هو تجاهل مقصود لجهود جمعية صياغة الدستور طوال ستة أشهر سبقت الجلسة المشار إليها. يضاف إلى ذلك أن وصفه الدستور "بدستور الأقلية" على أساس نسبة المصوتين المنخفضة (32%) تعني أن دستور الدولة الذي أقر في عام 2014 بنسبة 38.6% كان دستور أقلية كذلك، خاصة وقد شابه العديد من الملاحظات والانتقادات من الداخل والخارج. وعلى الرغم أن ما ذكره مزال كان متكررا على لسان معارضين للدستور، فقد كان ينبغي عليه بحكم موقعه أن تكون مزاعمه مبنية على حقائق مثبتة.
في المستوى الآخر ثمة مقولات منطقية لكتاب إسرائيليين، قد تحتاج إلى فتح حوارات جادة بشأنها؛ من ذلك مثلا ما أثاره أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن جوريون، نمرود هورفيتس، حول الظروف التي كتب فيها الدستور المصري في فترة الثورة، وسؤاله عما إذا كان الوضع حينها مناسبا لصياغة الدستور أم لا؟ ويقول هورفيتس إن "الصعوبة الرئيسة تكمن في أن يتم صياغة دستور مصر، أو دستور أي دولة تمر بظروف مشابهة، من دون أن يكون لدى هذه الدولة تقليد سياسي وقانوني يمكن من خلاله صياغة شخصية البلاد في مثل هذه الفترة المتوترة، وبالتالي فإن أي اقتراح للتشريع يُنظر إليه على أنه جزء من الصراع على السلطة نفسها".105 وتنبع جدوى هذا الكلام من أن أكثر الخلاف الذي واجهته عملية وضع الدستور المصري في ذلك الوقت، كان بسبب الصراعات السياسية، وأن كثيرا من المواد التي تعرضت لانتقادات كثيرة حينها، ربما لم تكن لتتعرض لنفس الدرجة من الانتقاد لو توفر مناخ سياسي صحي، وأن ما فعلته الثورة حين أتاحت الفرصة لدولة مبارك ورجاله بالبقاء في مراكزهم المؤثرة في كافة مؤسسات الدولة (العسكرية، والأمنية، والقضائية، والإعلامية...) كان سببا في تعكير المزاج العام، وإفساد المناخ السياسي، وخلق حالة من الصراع لم يكن من الممكن أن ينتج عنها مطلقا دستور ترضى عنه معظم القوى السياسية وغالبية الشعب.
اختلفت طريقة تناول الكتاب الإسرائيليين في حديثهم المفصل عن مواد الدستور، عن تلك التي تعاملوا بها مع الجمعية التأسيسية؛ فجاء طرحهم أقل عدائية، وتضمن أراء موضوعية أحيانا، من دون أن ينفي ذلك التحامل الواضح والموجود دائما، والذي قد يصل حد اختلاق الأكاذيب أحيانا؛ مثلما ادعى تسفي مزال وجود مواد تتعلق بتطبيق الحدود.106 كما جاء التناول الإسرائيلي ليعرض الاختلافات في الداخل المصري على بنود الدستور، وخصوصا ما يتعلق بالتأثيرات الأيديولوجية على مواده، مع انحياز لرأي المعارضة. وبذلك وجدنا آراء مختلطة تجمع بين قليل من المدح وكثير من النقد؛ وثمة أمثلة كثيرة على هذا النمط في الكتابات الإسرائيلية.
من ذلك ما ذكره يوسي أميتاي عن اعتماد مواد الدستور في جلسة ماراثونية استمرت 16 ساعة، ونتج في النهاية دستور مكون من 236 مادة، سبقتها مقدمة مذهلة، وبدا الدستور، الذي شارك في الاستفتاء عليه نسبة الثلث فقط ممن لهم حق التصويت، وثيقة ديمقراطية للغاية، تمنح مواطني مصر، على المستوى الفردي والعام، حريات لم تكن موجودة في الماضي. فبدأت المقدمة بعبارة "نحن، الشعب المصري" وضم جملة معبرة، والتي تعد إشكالية من وجهة النظر الإسلامية، بأن "الشعب مصدر السلطات". ويقول أميتاي إن الحرب الحقيقية دارت حول المادة الثانية من الدستور، وإن الإخوان المسلمين اختاروا أثناء المباحثات التي سبقت إقرار الدستور أن يقفوا موقفا وسطا بين الليبراليين الذين طالبوا إلغاء هذه المادة من أساسها (والتي كانت موجودة بنفس النص في دستور 1971 الذي أقر في عهد السادات)، والسلفيين الذين طالبوا أن يكون النص "الشريعة هي مصدر التشريع (الوحيد)" تحديدا، واختار الإخوان الإبقاء على النص الساداتي. وعلى الرغم أن الدستور تضمن موادًا منحت حرية العبادة للطوائف الدينية، والمساواة السياسية، والقانونية وبين الجنسين وكانت بعيدة المدى لجميع المواطنين، فإن هذه المواد، حسب أميتاي، تم إخضاعها لمبادئ الشريعة الإسلامية التي اعتبرت قيودا على حرية التعبير والعبادة وحقوق المرأة وغيرها.107
من ذلك أيضا ما ذكره إيلي بوده عن أن الدستور الذي بلورته "لجنة المائة" وسع بنود الحقوق والحريات في مجالات محددة، وقلص صلاحيات الرئيس، وإن كان بعض المعارضين اعتبروا أن الدستور المقترح حينها كان يمنح الرئيس صلاحيات غير محدودة. أما صلب النقد لدى الرافضين للدستور، حسب تعبير بوده، فدار حول عدم اشتماله على التزامات بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وعدم تخلصه من أغلب القيود المفروضة على نشاط منظمات المجتمع المدني والصحف، ومنح صلاحيات واسعة للجيش، والسماح بمحاكمة مواطنين مدنيين أمام المحاكم العسكرية، علاوة على تقليصه حرية الاعتقاد. إضافة إلى ذلك فإن هيمنة القوى الإسلامية على لجنة صياغة الدستور قادت في النهاية إلى ولادة دستور ذي توجه إسلامي أكثر مما كان في الماضي، وزادت المخاوف تجاه محاولة النظام المنتخب أسلمة الدولة، وهذا يعني أن الجدال حول طبيعة دستور 2012 كان سببا إضافيا لحالة عدم الاستقرار.108 ويقدم هورفيتس تفسيرا لسبب حرص الإسلاميين على زيادة المواد التي صبغت الدستور بالصبغة الإسلامية؛ فقد رأوا أن وجود المادة الثانية التي تتحدث عن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدرا للتشريع، لم يكن كافيا، لأنها كانت ذات طابع عمومي وتحمل تفسيرات مختلفة تفرغها من مضمونها، فضلا عن أن تأثير الشريعة رغم وجود هذه المادة في دستور 1971 ظل محدودا، وبناء على هذا التفسير قام الإسلاميون بإضافة المادة 219، والتي فسرت مصطلح مبادئ الشريعة الواردة في المادة الثانية،109 وهذا أثار العلمانيين والليبراليين، لأنهم رأوا أنها تسمح للمشرعين بتوسيع تأثير الشريعة على عملية سن القوانين.110 هذا التفسير الذي قدمه هورفيتس يعني أن الإسلاميين كانوا مسؤولين عن تأجيج الصراع حول قضية الهوية، وإعطاء دور أكبر للشريعة الإسلامية في الدستور، وأن ما قامت به المعارضة كان رد فعل لما بدأه الإسلاميون أصلا.
بعض الكتابات الإسرائيلية اهتمت بعرض الاختلافات بين مواد دستور 71 ودستور 2012 بشكل وصفي، مع عدم إغفالها إعطاء مساحة للآراء الناقدة؛ مثلما عبر عنوان المقال "من السادات حتى مرسي؛ إليكم الاختلافات الدستورية" الذي كتبه الصحافي في يديعوت أحرونوت، روعي كايس. وقد نقل كايس في مقاله تحفظ رئيس دائرة دراسات الإسلام والشرق الأوسط في الجامعة العبرية، البروفيسور رون شاحام، على بعض مواد الدستور؛ كقوله إن مادة تعريف الرئيس (مادة 132) بأنه "رئيس السلطة التنفيذية.. ويراعي الحدود بين السلطات" تعني إعطاء الصلاحية للرئيس للتدخل في أعمال السلطتين التشريعية والقضائية. علاوة على أن المادة (150) التي تتيح للرئيس الدعوة للاستفتاء في المسائل المهمة المرتبطة "بمصالح الدولة العليا" والذي ستكون نتيجته ملزمة للسلطات المختلفة، تجعل الرئيس قادرا على تجاوز البرلمان، أما عن حرية الاعتقاد فيقول شاحام إن الدستور المصري لم يذكر سوى المسيحيين واليهود، وبالتالي نزع الشرعية عن الشيعة، والبهائيين والأقليات الدينية الأخرى. واتفق شاحام كذلك في تعليقه على المادة الرابعة من الدستور، المرتبطة بالأزهر الشريف، مع كتاب مصريين اعتبروا أن الأخذ برأي الأزهر في كل ما يتعلق بأمور الشريعة الإسلامية، يتناقض في شكله مع المواد (175، 177) التي تمنح المحكمة الدستورية، دون غيرها، صلاحية تفسير الدستور.111 حول هذه المادة نفسها، الخاصة بالأزهر الشريف، اعتبر هورفيتس أن أخذ رأي علماء متخصصين في الشريعة في كل ما يتعلق بأمور الشريعة، وإن لم تكن لهم صلاحية التدخل أو اتخاذ القرار فيما يعرض عليهم، يعني إمكانية أن يؤثروا على الرأي العام، وهكذا يكون وجود هذه المادة، جنبا إلى جنب مع المادتين 2، 219، علامة على صبغ الدستور بالصبغة الإسلامية.112
هكذا جاء تعامل الكتاب الإسرائيليين مع مواد الدستور؛ إما منحازا لانتقادات المعارضة المصرية حينها، ومرددا لمقولاتها من دون مراجعة، أو غير متفهم للخصوصية المصرية تجاه بعض القضايا، أو غير عابئ بالاختلافات الثقافية بين مصر بلدا مسلما وغيرها من دول الغرب، أو غير مستوعب لمكانة بعض المؤسسات، كالأزهر الشريف، عند المصريين خاصة والمسلمين عامة، وأهمية جعل استشارة علماء الدين، غير الملزمة، مقصورة على هيئة كبار العلماء، وإغلاق الباب أمام تأثير رجال الدين المحسوبين على أي قوى سياسية، حتى لا تصبح عملية أخذ الرأي في المسائل ذات العلاقة خاضعة للمزاج السياسي. ويشار هنا إلى أن ما أثاره الكتاب الإسرائيليون لم يكن جديدا، فقد كان مثار حديث دائم في الإعلام المصري، وتناول أعضاء في الجمعية التأسيسية في ذلك الوقت وبعده الرد عليه، وعلى تفاصيل الانتقادات التي كانت موجهة لمواده القانونية.
100 - يوسي أميتاي: صيف 2013 في مصر.
101 - إيلي بوده، و ليمور لافي: مصر؛ هل هي حقا ثورة. من كتاب: الموجة الثالثة؛ الاحتجاج والثورة في الشرق الأوسط. ص. 94 - 95.
102 - أميتاي: السابق
103 - تسفي مزال: مصر تصطبغ بالأخضر.
104 - تسفي مزال: دستور إثارة الجدال في مصر. مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة. 25 ديسمبر 2012.
https://tinyurl.com/25gkvkgo
105 - نمرود هورفيتس: السابق
106 - تسفي مزال: مرسي؛ هل كان رئيسا للمصريين؟
107 - يوسي أميتاي: صيف 2013 في مصر: ليست قصة الأخيار في مواجهة الأشرار.
108 - إيلي بوده، و ليمور لافي: مصر؛ هل هي حقا ثورة. ص. 96.
109 - تقول المادة 219 من دستور 2012 "مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة"
110 - هورفيتس: السابق.
111 - روعي كايس: من السادات حتى مرسي؛ إليكم الاختلافات الدستورية. يديعوت أحرونوت 15 ديسمبر 2012.
https://tinyurl.com/2bw5htgm
112 - هورفيتس: السابق.
يأتي هذا الفصل في أربعة مباحث، تتناول الكتابات الإسرائيلية عن دعم الإخوان حركة حماس، وموقفهم من العدوان على غزة سنة 2012، وما أثير حول التعامل مع الأنفاق الواصلة بين غزة ومصر، كما تتطرق تلك الكتابات للضجة التي أثيرت حول رسالة أرسلت باسم الرئيس إلى الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، واشتهرت باسم "رسالة عزيزي بيريز"، ثم يتناول الرؤى الإسرائيلية لعلاقات الإخوان والرئاسة المصرية مع دول الخليج، وأسباب الموقف العدائي الذي اتخذته السعودية ومن سار على نهجها من النظام المصري وجماعة الإخوان، ثم يختم الفصل بتقييم المواقف الإسرائيلية من مصر منذ صعد الإخوان إلى البرلمان والرئاسة حتى وقوع الانقلاب
ركزت الصحافة الإسرائيلية على تعامل مصر مع حرب غزة 2012 في ظل قيادة الرئيس محمد مرسي، وكيف أن العلاقات الفكرية بين حركة حماس والحركة الأم التي كان مرسي ينتمي إليها، جعلت استراتيجيتها مختلفة عن سلفه حسني مبارك الذي تعامل معها بوصفها عدو. وقد عبرت مقالات عدة، ودبلوماسيون إسرائيليون عن انحياز مصر لموقف المقاومة في هذه الحرب، إلى جانب اهتمامها أن يكون دورها في وقف العدوان الإسرائيلي مدخلا لاستعادة مكانتها في المنطقة التي فقدتها في أواخر عصر مبارك، وفي نفس الوقت يكون وسيلة لرفع أسهم مرسي في الداخل المصري. وفي مقابل تأكيد أغلب الكتابات تحقيق حماس مكاسب عديدة في ذلك الوقت، فإن كتابا إسرائيليين شككوا في دور مرسي بنسبة الجهد الأكبر للمسؤولين الأمنيين في مصر لقيامهم بالجهد التنفيذي، وادعى بعضهم، معتمدا على تصريحات لا يمكن تأكيد صحتها، انزعاج قيادات من الإخوان من صرف حماس لتركيزهم في شؤون الدولة المصرية.
- تغير الإستراتيجية المصرية في التعامل مع حركة حماس
تقر أغلب المصادر الإسرائيلية أن تعامل مصر مع العدوان الإسرائيلي على غزة في نوفمبر 2012 كان مختلفا عن تعاملها مع أي عدوان سابق أو لاحق. وينبع هذا الاختلاف من عدة أسباب؛ أحدها، يتعلق بإسرائيل نفسها التي لم تقدر المتغيرات الإقليمية في ذلك الوقت؛ ففي عملية الرصاص المصبوب في عام 2008 كان من الممكن لإسرائيل أن تقدر وجود اتفاق ضمني مع مصر، التي كانت في ذلك الوقت تدير مواجهة مستمرة مع الإخوان المسلمين، الحركة الأم لغيرها في دول المنطقة ومنها حماس، وهي نفس الحركة التي كانت تتولى الرئاسة وتسيطر على الحكومة والبرلمان. وإذا كانت علاقة مصر بإسرائيل في عهد مبارك باردة، باستثناء التنسيق بين السلطات الأمنية في البلدين، فمن المؤكد أن صعود الإخوان للسلطة كان تهديدا أكبر للعلاقة بين مصر وإسرائيل غير المستقرة أصلا".113
أما السبب الثاني فيرتبط بإشارة أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن جوريون، يورام ميطل، أن مصر بقيادة مبارك، والتي كانت تتعاون مع إسرائيل عبر قنوات أمنية واستخبارية، كانت تنظر إلى حركة حماس بوصفها حركة معادية، لكن سقوط نظام مبارك، وصعود مرسي غير السياسة السابقة تماما.. ولذلك فإن الدور الذي قامت به مصر خلال هذا العدوان، وطبقا لرأي ميطل، جعل تلك الجولة من المواجهة بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة مختلفة تماما. فمنذ اليوم الأول ألقى مرسي بمسؤولية العنف على إسرائيل، وتركزت الخطوات التي اتخذها مرسي لمنع العملية البرية، أو أن يكون هناك إضرار بحركة حماس، واستخدم من أجل ذلك الأوراق التي تمتلكها مصر بحذر شديد. كان ميطل يرى أن مرسي يمكنه القيام بدور إيجابي في أزمة حرب غزة، وأن النظام المصري بقيادته اعتبر حرب غزة تهديدا حقيقيا على المصالح القومية لمصر، وكان هذا أمرا جديدا. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد كان مرسي يدعم مطالب حماس برفع الحصار عن غزة، وعارض بشدة وقف عمل المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل، واستؤنفت حركة المرور جزئيا على معبر رفح بتوجيه من مرسي. إضافة لإشرافه على الاتصالات بين الأطراف وصياغة التفاهمات. وقد قدر ميطل حينها أن من بين الأسباب التي دفعت مرسي للعب هذا الدور، والعمل على وقف إطلاق النار، هو الخشية من أن يؤدي استمرار الصراع إلى زيادة الضغوط عليه في الداخل.114
ومن هذه الأسباب أيضا إدراك مرسي أن مكانة مصر مرتبطة بقدرتها على التأثير في المنطقة، ولعب دور فاعل فيها، وأن قيامه بحل هذه الأزمة كان سيساعد في تقوية وضعه في الداخل، ويمكّن مصر، التي أصبحت تراقب بحزن كيف تمكنت إمارة قطر الصغيرة أن تتولى مهاما، وتقدم مبادرات كانت في السابق أمرا خاصا بمصر، من استعادة مصر مكانتها بوصفها اللاعب الإقليمي الأهم الذي قاد العالم العربي طوال عقود. وقد أراد مرسي ونظامه أن يجعلوا موضوع وقف الحرب نقطة تحول تعيد مصر إلى الواجهة.115 وقد استخدم الصحافي الإسرائيلي رأوبين بدتسور في مقال له في هآرتس بتاريخ 21 نوفمبر، عقب انتهاء الحرب في غزة عام 2012، لهجة ساخرة من رئيس الحكومة حينها، بنيامين نتنياهو، ووزير حربه، إيهود باراك، حيث اعتبر أن ذهابهما لهذه الحرب، التي لم تحقق أيا من أهدافها، كان من أجل تحسين مكانة الرئيس المصري محمد مرسي، وهو ما تحقق تماما؛ حيث كانت إسرائيل معلقة بنوايا مرسي الطيبة، والذي كان الأمل الوحيد لإنجاز اتفاق وقف إطلاق نار.116
- انحياز مرسي لحماس
علاوة على ذلك كان كافة الإعلاميين الإسرائيليين مدركين تماما أن العلاقة الفكرية والأيديولوجية بين مرسي وحركة حماس، بحكم اعتبار الحركة فرعا للجماعة في فلسطين، سوف تدفع مرسي لتأييد حركة حماس والتعاطف معها. ومن ثم أظهر مرسي غضبه تجاه إسرائيل، مع تجنب عدم تجاوز الخطوط الحمراء، وتوظيفه لدبلوماسية هادئة أدت لإنهاء الأزمة.117 وفي مقابل هذا الغضب تجاه إسرائيل حققت حماس مكاسب عديدة بسبب هذه العلاقة؛ وقد كتب محلل الشؤون العربية في موقع والا، نير يهاف، إن حماس حققت مكاسب كبيرة في هذه الحرب، حيث تحولت لعنصر شرعي يستقبل بشكل رسمي، من قبل رئيس الحكومة المصرية، وأمير قطر، ووزير خارجية تونس، والسكرتير العام للجامعة العربية، ووزير الخارجية التركي. فحماس في هذا الوقت كانت أقرب من أي وقت مضى إلى مصر، فإذا كانت النبرة المصرية تجاه حماس اتسمت بالحدة والعدوانية في الماضي عند إنجاز أي هدنة، فإنها هذه المرة كانت نبرة الأخ الأكبر الناصح لأخيه الأصغر.118
في نفس السياق تحدث السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر، تسفي مزال، عن أن العلاقة الفكرية بين جماعة الإخوان التي ينتمي إليها مرسي وحركة حماس أثرت في مواقفه من هذه الحرب، وهي مواقف كانت معبرة عن أفكار الإسلام المتشدد، ولا علاقة لها بالبرجماتية التي تحدث عنها كثير من الإسرائيليين، فبخلاف مبارك الذي "أدرك خطورة الإسلام الراديكالي، وعمل طوال الوقت على جعل حماس حركة معتدلة، بل وكبحها قدر إمكانه. تعامل مرسي بصورة مختلفة تماما، فبعد اغتيال أحمد الجعبري مباشرة، وبدلا من أن يهدئ حماس، عاقب إسرائيل بعدة إجراءات دبلوماسية؛ فأعاد السفير المصري، وسلم احتجاجا للسفير الإسرائيلي في القاهرة، ودعا لاجتماع عاجل للجامعة العربية ومجلس الأمن، ولم يعمل على إيجاد تسوية مثلما هو متبع في وقت الأزمة. بل ربط نفسه بحماس، وهكذا جعل نفسه بصورة واضحة في صف واحد مع الإسلام الراديكالي الذي ينتمي إليه، وجماعة الإخوان التي تمتلك مواقف معادية للسامية حتى قبل قيام إسرائيل، وهم الآن في السلطة، يظن العالم أنهم برجماتيون، لكن هذا خطأ، هم زادوا الوضع سوءا حينما ساندوا حماس".119
وقد انتقد مزال الإعلام الإسرائيلي بشدة بسبب اعتقادهم الخاطئ في نزاهة مرسي كوسيط بين الطرفين "حينما فتحت الصحف في إسرائيل لم أصدق كم الهراء الذي كتب عن مرسي، فأولئك الذين كتبوا أنه عمل وسيطا نزيها للتوصل لتهدئة بين إسرائيل وحماس، ليس لديهم أي فهم لما يجري في العالم العربي، من كره إسرائيل ومعاداة السامية.. ما يهم الإخوان ومرسي هو الحصول على تنازلات من إسرائيل، وتوفير صورة انتصار لحركة حماس، وما يؤسفني أن القصة الحقيقية مقلوبة تماما عن الموجود في الإعلام الإسرائيلي".
وقد استدل الكاتب الصحافي آفي جرفينكل، على صحة حديث مزال، بخطاب مرسي بعد صلاة الجمعة أثناء سريان الحرب، إضافة لتغريداته على حسابه في تويتر، واتخذ جرفينكل موقفا مؤيدا لمزال الذي اعتبر أقوال مرسي بمثابة انتهاك لاتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر، وأنه بهذه التصريحات أظهر قلة خبرة دبلوماسية، وتساءل مزال ما هذه "الخطوات التي هدد بها مرسي بقوله (غضبتنا لن تستطيعوا أبدا أن تقفوا أمامها) هل هي قطع علاقات، أم حرب، لقد أضر باتفاق السلام، الذي تضمن بندا يمنع أي طرف من تهديد الآخر أو التحريض ضده، ما فعله هو انتهاك واضح لاتفاقية السلام". ورأى جرفينكل أن ما فعله مرسي، على الرغم من ذلك، لم يكن سوى شعارات، وأن الشعارات في الشرق الأوسط تستخدم حينما لا تكون هناك إمكانية تنفيذ عمل ما. وأن أحد الأمور التي حدثت هو أن حملة التضامن مع غزة لم تقلق أحدا في إسرائيل، لكنها أظهرت كيف يفضل طرفا على الآخر، من دون أن يفسد العلاقات مع الآخر.120
- التقليل من دور مرسي، والتشكيك في مواقف الإخوان
لم تعتمد الكتابات الإسرائيلية منهجا واحدا في تعاملها مع دور مرسي، ومواقف الإخوان خلال هذه الحرب؛ إذ أن بعضها تعمد التقليل من قيمة هذا الدور، أو استخدام تصريحات مشكوك في صحتها. وعلى الرغم من إشادة الصحافة الإسرائيلية حينها بالدور الذي لعبه مرسي، أو التفاجؤ من أدائه الدبلوماسي حينها، فإن هناك أمثلة سارت عكس هذا التيار؛ من ذلك ما كتبه محلل الشؤون العربية في إذاعة الجيش الصهيوني، جاكي حوجي، الذي رأى أن مرسي لم يكن "الشخصية المركزية في اتصالات التهدئة، وأنه لم يجلس مطلقا في غرف المباحثات حينما التقى وفدا حماس والجهاد الإسلامي مع الوسطاء. من يدير الوساطة هو المؤسسة الأمنية في مصر، من خلال ضباط الاستخبارات، هؤلاء هم شركاء مرسي في إدارة السلطة في القاهرة. هم لا يعملون من أجله كما كان في عهد مبارك، هم يعملون معا، وكأنهم شركاء ائتلاف، يمسكون بمراكز قوة، إرث حصلوا عليه من أيام مبارك، أما هو فلديه شرعية الشعب.. والاختلاف بينهما في هذه الأزمة واضح، فمرسي يدير الحملة الدبلوماسية، ورجال الأمن يقومون بالعمل التنفيذي، أي جهود التهدئة. وإذا تقدم شيء هناك، يقومون بإخباره، إضافة لاتخاذ بعض القرارات بالمشاركة، مثل قرار إعادة السفير المصري من إسرائيل".121 ورغم التسليم بأن الجهد الذي بذل حينها لوقف إطلاق النار كان جهدا مشتركا تضافرت فيه جهود مؤسسات مختلفة في الدولة المصرية، فإن النبرة التي استخدمها حوجي تظهر تعمد التقليل من دور الرئيس. وقد يكون من المفيد التنبيه على أن المؤسسات التي شاركت الرئاسة المصرية في عهد مرسي للتوصل لوقف إطلاق النار على النحو الذي وضع المقاومة في موقف قوة، هي نفسها المؤسسات التي كانت موجودة في عهد مبارك، لكن النتائج لم تكن مشابهة، وهذا يعني أن شخص الرئيس كان له الثقل الأكبر في إنجاز وقف إطلاق النار حينها.
يشار كذلك إلى أن بعض الكتاب الإسرائيليين اعتمدوا على ما اعتبروه معلومات، من دون الإشارة إلى مصدرها، ولم نعثر عليها في المصادر العبرية أو العربية مطلقا. من ذلك ما فعله أحد كبار الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، ومسؤول الملف الفلسطيني، العميد احتياط أودي ديكل، والذي ادعى في ورقة صدرت ضمن كتاب "بعد عملية عمود السحاب" التي نشرها المعهد في ديسمبر 2012، أن خيرت الشاطر كان أدان حركة حماس بأنها تعقد الأوضاع في مصر نتيجة المواجهة ضد إسرائيل. وقد جاء كلام ديكل في سياق أن مصالح الحكم والسياسة لنظام الإخوان المسلمين في ذلك الوقت تقدمت على مشاعر التأييد والانتماء الأيديولوجي والديني بين الإخوان وحركة حماس، وأن السياسة الخارجية لمصر في ظل قيادة الإخوان ظلت على نفس نهجها التقليدي، فاستمر الوضع على ما كان عليه في كل ما يتعلق بقطاع غزة. وفي هذا السياق، يقول الكاتب، إن نظام الإخوان المسلمين تجنب فتح معبر رفح للحركة الحرة للأفراد والبضائع من القطاع وإليه، واتخذ نظامهم سياسة برجماتية لا تتصادم مع إسرائيل حول رفع الحصار عن غزة، وسارع للوصول لوقف إطلاق نار في كل مرة تنشب فيها أعمال عنف، وتتصاعد المواجهة بين إسرائيل وحماس وباقي التنظيمات في غزة. وكان الأمر مثيرا للدهشة في ظل العلاقات الخاصة بين الإخوان في مصر، الحركة الأم، وحماس التي تعتبر الذراع الفلسطينية للإخوان. فقد كان النظام في مصر ملتزما أولا بإطعام 85 مليون نسمة، قبل أن يفكر في 1.5 مليون فلسطيني في القطاع. إضافة لذلك نقل ديكل تصريحات من قبيل: "لا يمكن أن يتحكم الذيل في الرأس"، وأن حماس تعمل على حرف مصر عن أهدافها الأساسية الحالية، وعلى رأسها إنقاذ الاقتصاد المصري، وتحديدا من خلال الدعم الخارجي من الولايات المتحدة والغرب، والذي كان يتوقع أن يصل إلى 10 مليار دولار.122
إلى جانب ذلك نقل الصحافي الإسرائيلي تسفي برئيل، في مقال في صحيفة ذا ماركر بتاريخ 21 نوفمبر 2012، تصريحا للرئيس الصهيوني حينها، شمعون بيريز، أثناء لقاء له مع توني بلير، أثنى فيه على الرئيس مرسي كثيرا؛ بقوله "إنه تفاجأ بالدور الذي لعبه محمد مرسي في تخفيف حدة التوتر" لكن تصريح بيريز تضمن عبارات قال فيها "الغريب أن حماس لم تكن تصغي إليه، وإسرائيل هي من سارت باتجاه جهوده".123 وهو تصريح كان يراد له أن يقرأ في إطار وجود خلافات كبيرة بين الرئيس المصري وقيادة حركة حماس، رغم أن أحداث هذه الفترة، وتصريحات قادة المقاومة لم تكن تحمل ما يدعم كلام بيريز.
وقد امتد التشكيك ليصل إلى مساندة الرئيس مرسي لحركة حماس، وإلى القول بأنها لم تحقق شيئا من وراء مساندته لها. وقد ذهب المراسل والمحلل العسكري لموقع والا، أمير بوحبوط، أن من حقق إنجازا استراتيجيا من هذه الحرب هي إسرائيل؛ ويتمثل إنجازها في الدور الإيجابي الذي قامت به مصر، فقد شنت إسرائيل حربا على غزة، رغم أن كبار المسؤولين العسكريين في إسرائيل كانوا يتخوفون من التفكير في شن حرب عليها في ظل وجود رئيس مصري من الإخوان المسلمين، واكتشفت حركة حماس فعليا أن الحركة الأم لم ترغب في مساعدتها، ولم تقف إلى جانبها. صحيح أن الرئيس مرسي أعاد السفير للقاهرة، لكن سلفه مبارك كان فعل ذلك من قبل،124 وبدلا من أن يتخذ مرسي موقفا عنيفا تجاه الإسرائيليين، وقفت القاهرة وسيطا بين الطرفين.125 ما تحدث عنه بوحبوط ناقضته أكثر الكتابات الإسرائيلية، وتصريحات السياسيين السابقين المشار إليها قبلا، إضافة لأحاديث قادة المقاومة والفلسطينيين عن نتائج هذه الحرب تحديدا.
وتحدث بوحبوط كذلك عن إصرار إسرائيلي أن تلتزم مصر بمنع التهريب إلى غزة، وألا يتم تعزيز الذراع العسكرية لحركة حماس، في مقابل منحها تسهيلات في القطاع، وقد طالب ممثلو المستوى الأمني الإسرائيلي المشاركون في المباحثات في مصر، أن تلتزم مصر بوقف انتقال السلاح من دول أفريقية عبر سيناء، ثم إلى القطاع. ونقل التقرير عن مصدر أمني كبير أن الجهود كانت تتضمن إنشاء ثلاث دوائر لمنع التهريب؛ أقربها بالقرب من محور فيلادلفيا، ثم دائرة متوسطة في منطقة سيناء، والثالثة بعيدة تبدأ من حدود مصر، وحاولت إسرائيل أن يكون هناك إلزام بوجود آلية أمريكية لمراقبة الخطوات في إطار المباحثات حول ترتيبات تؤدي إلى وقف إطلاق نار دائم. مقابل موافقة إسرائيل على وجود تسهيلات في المعابر، بما فيها معبر رفح، والسماح بزراعة الأراضي التي تبعد عن الحاجز ب 100 متر، ومضاعفة مساحة منطقة الصيد.126 غير أن بوحبوط لم يتحدث عما إذا كانت هذه الرغبات الإسرائيلية محل ترحيب من القيادة المصرية حينها أم لا، كما لم يشر إلى أي استجابة من الجانب المصري في ذلك الوقت، هذا إذا سلمنا بصحة وجود التقرير الذي تحدث عنه أصلاً.
113 - عوديد عران: الأبعاد الدولية لعملية عمود السحاب. معهد دراسات الأمن القومي 21 نوفمبر 2012.
https://tinyurl.com/ywb92qyg
114 - يورام ميطل: مرسي الشخصية المفتاحية. موقع ماكو 22 نوفمبر 2012.
https://tinyurl.com/2cl3bgh8
115 - إيتامار رابينوفيتس: السابق
116 - رأوبين بدتسور: هكذا عززنا مكانة مرسي. هآرتس 21 نوفمبر 2012.
https://tinyurl.com/27bzr37r
117 - رابينوفيتس:
118 - نير يهاف: "الأخ الأصغر لمصر"؛ الواقع الجديد لحركة حماس. موقع والا 21 نوفمبر 2012
https://tinyurl.com/2r2ln2dw
119 - أفي جرفينكل: الوسيط الظاهري. موقع ماكو 22 نوفمبر 2012.
https://www.mako.co.il/pzm-weekend/Article-42fa111c3e82b31006.htm
120 - السابق
121 - السابق
122 - أودي ديكال: السابق ص. 45.
123 - تسفي برئيل: لماذا اندهش بيريز. صحيفة ذا ماركر 21 نوفمبر 2012.
https://tinyurl.com/22g6pbzm
124 - سبق أن قامت مصر في عهد مبارك بسحب السفير المصري من تل أبيب مرتين على وقع اعتداءات إسرائيلية؛ أولاهما عام 1982 على وقع الاجتياح الصهيوني للبنان، والأخرى في عام 2000 بسبب أحداث المسجد الأقصى، والانتفاضة الفلسطينية الثانية.
125 - أمير بوحبوط: تحليل؛ الإنجاز الحقيقي لمعركة عمود السحاب. موقع والا 21 نوفمبر 2012.
https://tinyurl.com/2nxc2b26
126 - أمير بوحبوط: إسرائيل تضغط على مصر؛ تحملوا المسؤولية عن التهريب. موقع والا 27 نوفمبر 2012.
https://tinyurl.com/2meo6fsb
عادة ما يتركز حديث الإعلام المصري حول ما عرف في ذلك الوقت برسالة "عزيزي بيريز"، وقد جاءت هذه العبارة المشهورة ضمن رسالة تعيين سفير جديد في إسرائيل، وهو السفير عاطف محمد سالم سيد الأهل. ومن المهم هنا التنبيه إلى أن هذه الرسالة ليست موضوع هذا التقرير، إذ ينصب التركيز على رسالة أخرى روج الإعلام الإسرائيلي حينها أنها أرسلت من الرئيس مرسي ردا على تهنئة بيريز له بشهر رمضان. وسبب تعرضنا لهذه الرسالة هو أن الرئاسة المصرية، في ذلك الوقت، كانت أنكرت صحة هذه الرسالة، بينما لم تنكر رسالة تعيين السفير التي تضمنت العبارات التي أثارت لغطا حينها، والتي تحدث بعض مستشاري الرئيس مرسي فيما بعد أنها قد دست ضمن ملفات أخرى، رغم توجيهات الرئيس بأن تكون أي مكاتبات تخص الولايات المتحدة أو إسرائيل مرفوعة إليه في ملف خاص منفصل.
ومن المهم كذلك التنبيه إلى المفارقة في أن الإعلام المصري حينما تحدث عن رسالة مرسي، تناول الرسالة التي تخص تعيين سفير مصري جديد في تل أبيب، والتي حملت عبارات مودة مبالغ فيها، بينما اكتفى الإعلام العبري بالإشارة إلى تعيين السفير، من دون أن يهتم بالرسالة نفسها، ولم يعمل على إبرازها، ربما لتعامله معها بوصفها رسالة بروتوكولية اعتيادية تخص تعيين سفير جديد، رغم عبارات الود التي تضمنتها الرسالة، أو ربما لاحتمال قيام إسرائيل بتسريب هذه الرسالة تحديدا، ثم اتخاذها موقف المتفرج، وكأنها غير معنية بالموضوع، وغير متورطة في إحراج الرئيس.
ومن المفارقة كذلك أنه بينما كان الإعلام العبري يركز على رسالة أخرى حول توجيه مرسي الشكر لبيريز على تهنئته بشهر رمضان، وهذه هي الرسالة المنشورة في الصحافة الإسرائيلية، فإن الإعلام المصري لم يشر إلى هذه الرسالة. ومن المهم الإشارة إلى أن الرسالتين كانتا في أيام متقاربة، فرسالة تعيين السفير كانت مؤرخة بيوم 19 يوليو 2012، أما الرسالة الأخرى فلم تكن تحمل تاريخا من الأساس، غير أن ارتباطها بالتهنئة بشهر رمضان، الذي كانت غرته في 20 يوليو من نفس العام، وبدء النشر عنها في الصحافة الإسرائيلية في نهاية الشهر نفسه، يرجح أنها تعود إلى توقيت بين التاريخين. وبحكم الاهتمام بما كتب حول تناول الصحافة الإسرائيلية لأحداث الثورة، فإن تركيزنا هنا سينصب أساسا على الرسالة التي كتبت عنها الصحافة الإسرائيلية، ومن ثم لن نتعرض لرسالة تعيين السفير.
من الجدير بالذكر أن كتابا إسرائيليين تعاملوا فيما بعد مع الرسالة التي قيل إنه تم توجيهها باسم الرئيس المصري محمد مرسي إلى نظيره الإسرائيلي شمعون بيريز في سياق الصراع بين الجيش المصري والرئيس. وقد نشر معهد دراسات الأمن القومي مقالا بعنوان "حادثة الرسالة المختفية، المبدأ والبرجماتية في العلاقات بين مصر وإسرائيل" للباحث مارك هالر، روى فيه ما صدر عن مكتب الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز والذي ذكر أن السفارة المصرية في تل أبيب قامت بنقل رسالة من الرئيس المصري محمد مرسي يشكر فيها بيريز على تهنئته بمناسبة حلول شهر رمضان، وأشار إلى أنه يتطلع "لبذل أفضل الجهود لإعادة مسيرة السلام في الشرق الأوسط لمسارها الصحيح، من أجل تحقيق الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة، بما في ذلك الشعب الإسرائيلي". ويقول هالر إن النبرة التوفيقية للرسالة كانت مثيرة ومفاجئة للإسرائيليين لأنها كانت تعني فتح مجال للتعامل مع الإسلاميين، غير أن المتحدث باسم مرسي سارع لنفي موضوع الرسالة بزعم أن تقارير الإعلام لا تتوافق مع الواقع.
صورة لرسالة الرئيس مرسي المنشورة في الصحافة الإسرائيلية
صورة لغلاف الرسالة
ويؤكد هالر أن ما نشر من مكتب الرئيس بيريز لم يكن خيالا، فغلاف الرسالة كان مطبوعا على ورق السفارة المصرية الرسمي، لكن هذا الغلاف، وكذلك رسالة مرسي المرفقة (التي كانت مكتوبة على ورق عادي)، لم يحملا تاريخا أو توقيعا، رغم ما عهد على الموظفين الفنيين في وزارة الخارجية المصرية من تشددهم في كل ما يتعلق بالبروتوكول الدبلوماسي. ويتحدث هالر ساخرا عن أن أصحاب نظرية المؤامرة- وواضح أنه يقصد نفسه- يعتقدون أن الرسالة أرسلت بالفعل، لكن لم يكن مرسي من أرسلها، بل أشخاص آخرون أرادوا إحراج الرئيس، وتحديدا المجلس العسكري، لعلمهم أن إظهار أي موقف ودي تجاه الإسرائيليين لا يحقق أي مكاسب في مصر.127
وقبل ترك هذا الموضوع، تجدر الإشارة إلى أن التفاصيل التي تضمنتها الصحافة الإسرائيلية والصور التي نشرتها لرسالة الرئيس، وغلافها الموجه من السفارة المصرية في تل أبيب لم يتم تناولها بتدقيق جيد هناك في ذلك الوقت، ولو تم هذا التناول بشكل منهجي لربما ثبت أن موضوع الرسالة كان ملفقا من أساسه، فالصورتان لم تحملا أي توقيع، كما هو مبين أعلاه، كما أنهما لم تحملا أية إشارة لتاريخ الكتابة أو الإرسال. والأهم أن رسالة الرئيس كتبت على ورقة بيضاء تماما باللغة الإنجليزية، بدون أية أختام، أو ترويسات أو توقيع، كما لم تحمل الرسالة أية إشارة تثبت أنها كتبت على ورقة رسمية. وقد نشر موقع ماكور ريشون الصهيوني الصورتين في خبرين منفصلين في نفس اليوم 31 يوليو 2012. فجاء الخبر الأول الذي تضمن رسالة الرئيس بعنوان "مفاجأة: الرئيس المصري مرسي بعث رسالة تهنئة لرئيس الدولة". وتضمنت تفاصيله إشارات إلى أنها "أول مرة يتوجه فيها شخص من الإخوان المسلمين برسالة إلى شخصية إسرائيلية.. هذه المرة الأولى التي يجري فيها اتصال معلن بين الرئيس المصري ومسؤول إسرائيلي". أما موضوع غلاف الرسالة المكتوبة بالإنجليزية فنشر ضمن خبر عنوانه "بعد الإنكار، تأكيد إسرائيلي: الرسالة من مرسي صحيحة"، وقد ختمت رسالة الغلاف بختم النسر، لكن من دون تاريخ أو توقيع. وتضمنت تفاصيل الخبر إنكار متحدث الرئاسة المصري حينها، ياسر علي، إرسال الرسالة، والقول إنها مزيفة، مقابل تأكيد إسرائيلي أنها حقيقية، وأنها أرسلت من القصر الجمهوري، وأن إنكار المصريين لها جاء بسبب خشيتهم من الرأي العام. وحسب ما رواه الموقع فإن الرسالة تم تسليمها عبر السفير المصري في تل أبيب، ياسر رضا، لمكتب بيريز، وأن مستشاري الرئيس الإسرائيلي سألوا السفير المصري عن إمكانية نشر الرسالة، على أساس أن وزارة الخارجية لا تنشر تفاصيل الاتصالات والأحاديث الدبلوماسية من دون الحصول على إذن الطرف الآخر، فكان رد السفير المصري بالإيجاب، بعد أن ناقش الأمر مع القصر الجمهوري.128
وتضعنا التفاصيل السابقة أمام احتمالين؛ أحدهما ما ذهب إليه مارك هالر أن الرسالة قد أرسلت من مصر من خلال المجلس العسكري، وليس القصر الجمهوري، وأن إسرائيل، بالتالي، لم تكن طرفا في توريط الرئيس مرسي في موضوع الرسالة وإحراجه أمام الرأي العام المصري. أما الاحتمال الآخر فهو أنها أرسلت من خلال المجلس العسكري في مصر، وأن إسرائيل أدركت منذ اللحظة الأولى أن الرسالة غير صحيحة، ولم يرسلها الرئيس مرسي، لكنها اختارت أن تتورط في إحراج الرئيس رغم علمها بأنها رسالة مزيفة. ويبدو الاحتمال الأخير أكثر منطقية في ظل عدم وجود أية دلالات تثبت صحة الرسالة كما هو واضح من صورتيهما الموجودتين أعلاه.
في نفس السياق كان موقع News1 الصهيوني قد نشر صورة رسالة الرئيس مرسي، ولم يتضمن الخبر جديدا باستثناء تصريح رئيسة حزب العمل في ذلك الوقت، شيلي يحيموفيتش، حول الرسالة بقولها "نحن أمام رسالة مشجعة تنشر الأمل، السلام مع مصر كنز استراتيجي مهم جدا.. يجب استمرار الحوار مع مصر، والتطلع لاستمرار التعاون القوي معها".129
وقد يكون من المهم أن نشير كذلك إلى أخبار تواتر نشرها في الإعلام الإسرائيلي منذ الأيام الأولى لتولي مرسي للرئاسة عن دعوة قيل إن الرئيس مرسي وجها للرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز، لزيارة مصر عبر حساب تويتر، ورغم تنبيه موقع القناة 12 الصهيونية في تناوله للموضوع بأن حساب تويتر الذي غرد بدعوة بيريز لزيارة مصر حمل اسم الرئيس محمد مرسي، هو حساب تم إنشاؤه قبل أسبوع واحد فقط من تاريخ التغريدة، ما يعني أنه كان حسابا مزورا، إلا أن موقع القناة صاغ الخبر بشكل فيه لبس واضح ومتعمد.130 وهذا كان يعني وجود رغبة إسرائيلية في خلق حالة من اللبس الذي يشوه صورة الرئيس أمام الرأي العام المصري الذي كانت نبرته الرافضة لإسرائيل في ذروتها في أثناء الثورة.
ومن المهم أيضا في نفس السياق الإشارة إلى أن الصحافي في صحيفة هآرتس، باراك رافيد، كان كتب عن قيام بنيامين نتنياهو، بعد إعلان فوز مرسي بانتخابات الرئاسة في مصر، وقبل أن يستلم مهام عمله، بإرسال رسالة شخصية مكتوبة إلى محمد مرسي، وأن الرسالة تضمنت تهنئة نتنياهو لمرسي على فوزه بالانتخابات، وأنه معني بالتعاون مع الحكومة الجديدة التي ستشكل في مصر، كما عبر عن أمله أن يظل اتفاق السلام قائما بين البلدين، وأن السلام مصلحة مشتركة لهما تمثل عنصرا حاسما للحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة، وتمنى نتنياهو النجاح لمرسي بشكل شخصي، وللشعب المصري عامة في مسيرته نحو الديمقراطية. وقال رافيد إن هذه الرسالة كانت أول رسالة بهذا المستوى توجه من إسرائيل إلى ممثل عن جماعة الإخوان المسلمين. وأضاف رافيد في مقاله أن نتنياهو عقد مشاورات للتباحث حول الرد الإسرائيلي عقب نتائج الانتخابات المصرية، وقد تباحثوا فكرة إجراء اتصال هاتفي بين نتنياهو ومرسي، ومن أجل ذلك توجهت إسرائيل للولايات المتحدة لجس النبض حول إمكانية إجراء مكالمة كهذه، لكن في النهاية تم إلغاء الفكرة، وتقرر إرسال الرسالة المكتوبة. وأكمل رافيد أن الرسالة تم تسليمها إلى مكتب مرسي بواسطة السفارة الإسرائيلية في مصر.131 والملاحظ أن الصحافة الإسرائيلية لم تتعرض إلى أي خبر يفيد أن الرئيس مرسي قام بالرد على رسالة نتنياهو. ولو وضعنا ذلك جنبا إلى جنب مع التفاصيل التي ذكرناها عن رسالة مرسي لبيريز التي ركزنا عليها، فإن ذلك يرجح أن هذه الرسالة كانت مفبركة أو مزيفة بقصد إحراج الرئيس حينها.
127 - مارك هالر: حادثة الرسالة المختفية؛ المبدأ والبرجماتية في العلاقات بين مصر وإسرائيل. معهد دراسات الأمن القومي 2012.
128 - رابط الخبر الأول ويتضمن صورة رسالة الرئيس مرسي:
https://tinyurl.com/27jx954c
- رابط الخبر الآخر ويتضمن صورة غلاف الرسالة من السفارة المصرية في تل أبيب:
https://tinyurl.com/2ynlgvza
129 - مصر تنفي؛ مرسي لم يكتب لبيريز. موقع News1 31 يوليو 2012
https://tinyurl.com/29jbph34
130 - لغز على تويتر: هل دعا مرسي بيريز لزيارة مصر. موقع القناة 12، 5 يوليو 2012.
https://tinyurl.com/2bssmox7
131 - باراك رافيد: نتنياهو في رسالة إلى مرسي؛ يجب الحفاظ على اتفاقية السلام. هآرتس 30 يونية 2012.
https://tinyurl.com/23ex9b7o
كان للربيع العربي تأثير كبير على سياسة دول الخليج جميعها؛ بأشكال ودرجات متفاوتة؛ تأثير كان سببه الرئيس أن أغلب هذه الدول اعتبرت ثورات الشعوب تهديدا لأنظمتها، ومن ثم تصرفت مع الثورات على أساس فكرة العداء، وتعاونت فيما بينها من أجل إفشالها. غير أن هذا العداء تفاوتت حدته من بلد خليجي لآخر؛ فوصل إلى حده الأقصى لدى السعودية والإمارات والبحرين، وقلت حدته لدى الكويت وسلطنة عمان، أما قطر؛ فاعتبرت الربيع العربي فرصة وموطئ قدم لها؛ فاتخذت قرار دعم هذه الثورات؛ إعلاميا في البداية، ثم ماليا حين أسفر المسار السياسي عن تقدم تيار الإسلام السياسي، وهو موقف كان منسجما مع موقف حليفها التركي في ذلك الوقت. وهذا يعني أن الخليج، باستثناء قطر، كان موقفه موحدا تجاه الثورة. وقد اعتقد الباحث في معهد دراسات الأمن القومي، يوئيل جوزانسكي، أن الربيع العربي خلص دول الخليج من السلبية التي كانت سمة موجودة لديهم؛ فبدت متماسكة فيما بينها أكثر من ذي قبل.132
ويرى الباحثون الإسرائيليون أن دول الخليج عامة كانت محصنة ضد الاحتجاجات واسعة النطاق، لكن ذلك لم يمنع من شعورها بالتهديد. وحسب جوزانسكي، كان يفترض أن يؤدي ارتفاع عائدات النفط والغاز في هذه الدول، وانعكاس هذه الثروة على حياة المواطنين ورفاهيتهم إلى شعور هذه الأنظمة بالاطمئنان، لكن طبيعة هذه الأنظمة الاستبدادية، وقمعها حقوق الإنسان دفعها للشعور بالخطر من انتقال تأثير الثورات إليها. ولذلك كان تعامل هذه الدول متباينا؛ فاستجاب بعضها عبر إجراء تغييرات سياسية تكتيكية؛ كتغيير تشكيل الحكومة؛ مثلما فعلت البحرين وسلطنة عمان، أو الإفراج عن معتقلين شيعة؛ مثلما حدث في السعودية، والبحرين، أو القيام باعتقال متظاهرين، وتشديد الرقابة على رجال الدين الشيعة؛ وهو ما جرى في السعودية والكويت، أو رفع مستوى الرقابة على الإنترنت، أو عبر تنفيذ إصلاحات اقتصادية؛ كرفع الأجور للقطاع الخاص؛ مثلما فعلت سلطنة عمان، أو رفع الأجور في القطاع الحكومي وهو ما فعلته السعودية. هذه الإجراءات كلها كانت إجراءات وقائية هدفت لإزالة أي احتمال لاحتجاجات ممكنة، وهو ما دل على خوفهم على استقرار أنظمتهم. وهذا تأكد أكثر بعد تطور الأحداث في البحرين لدرجة اضطرت السعودية للتدخل للسيطرة على الأوضاع هناك.133 هذه التخوفات أنتجت في النهاية حالة عداء كامل مع الربيع العربي، وبالتالي فقد بنت أكثر دول الخليج، خاصة الداعمة منها للثورة المضادة (السعودية والإمارات) موقفها على هذا الأساس حتى لحظة الانقلاب من أجل إسقاط الثورة، وبعدها بدعم النظام الحالي.
هذا العداء الخليجي للربيع العربي، كان واضحا لقوى الثورة في مصر؛ وكان موقع والّا نشر تقريرا حول موقف هذه القوى من حادثة اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة، سبتمبر 2011، ذكر فيه اتهام حركة 6 أبريل للسعودية بالوقوف خلف هذا الحدث، ونقل التقرير عن أحد أعضاء حركة 6 أبريل أن "للسعودية مصلحة في إثارة القلاقل لتعطيل محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك، وأن من اقتحموا السفارة ممولون من جمال مبارك"، وبينما ألقى أعضاء 6 أبريل بالتهمة على السعودية وبقايا نظام مبارك، اتهم الإخوان حينها حركة 6 أبريل، وحركات أخرى بالوقوف خلف الحادثة؛ وتضمنت تصريحات قيادات إخوانية أن حركة 6 أبريل وغيرها "هي التي مهدت الأرض لاقتحام السفارة.134
وكان ي. يهوشوع كتب في موقع معهد أبحاث الشرق الأوسط مقالا بعنوان "في ظل الربيع العربي؛ تحرك سعودي حذر أمام التهديد الإيراني"، ونشر في الموقع 1 يناير 2012، وناقش المقال حينها ما اعتبره خسارة تعرضت لها كل من السعودية وإيران إثر ثورات الربيع العربي؛ فالسعودية خسرت مصر بقيادة مبارك التي كانت شريكة لها في قيادة المعسكر الرافض لإيران، حيث كان المجلس العسكري في مصر غارقا في معالجة الأزمات الداخلية، وكانت إيران تراقب النظام السوري، حليفها المهم، وهو يحارب من أجل بقائه في مواجهة الاحتجاجات التي عمت البلاد. في ذلك الوقت لم يكن استئناف العلاقات المصرية الإيرانية على جدول الأعمال المصري، لكن مصر بدت كما لو كانت لا تمانع في ذلك، خاصة وقد سمحت بعبور سفن للقوات البحرية الإيرانية من قناة السويس، وهي تغييرات كانت تثير قلق السعوديين.135 ومن الواضح أن السعودية لم تكن لتنتظر وصول الإخوان المسلمين للسلطة لتتبين إمكانية بناء مصالح مشتركة مع مصر تحت قيادتهم، كما أنها لم تغير موقفها من الثورة وحركة الإخوان رغم الانتقادات الحادة التي وجهها الرئيس مرسي للنظام السوري وداعميه (إيران)، وهو ما كان علامة على فشل الظنون الإيرانية للمصالحة مع مصر. ويرجع بعض الكتاب الإسرائيليين هذا الموقف إلى اعتبارات جيوسياسية؛ مفادها أن دور مصر التاريخي كمركز قوة في الشرق الأوسط، والأهمية التي توليها لنفسها تتناسب أكثر مع كونها منافسة لإيران لا أن تكون شريكة لها.136 غير أن ذلك لم يغير من عداء السعودية للثورة المصرية، والإخوان المسلمين؛ وظلت ثابتة على موقفها الذي اتخذته منذ اليوم الأول للثورة.
كانت السعودية تتحفظ على الثورة المصرية، ومن ثم نظر المصريون للسعودية على أنها تعمل ضد مصر، وتريد إجهاض الثورة ومساعدة مؤيدي مبارك، مستغلة، هي وغيرها من القوى الإقليمية، حالة السيولة في البلدان التي قامت فيها الثورات، للتأثير في سياسات تلك البلدان. ونتيجة لخشيتها من أن يؤدي الصعود السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر للتأثير سلبا على مستقبل علاقاتها، وبلدان خليجية أخرى مع مصر، عملت على إيجاد توازن ضد جماعة الإخوان المسلمين، عبر تمويل التيار السلفي، وكان ذلك أحد أسباب اتهامها بمحاولة وأد الثورة المصرية، حتى أن السفارة السعودية هوجمت في نفس اليوم الذي هوجمت فيه السفارة الإسرائيلية في عام 2011.137
2 –تأثير وصول الإخوان للحكم وسقوطهم على العلاقات في المنطقة؟
من الضروري أن نضع في حساباتنا أن الثورة المصرية، وإن كانت قد قامت للمناداة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، كانت مهتمة باستعادة مصر مكانتها القيادية في العالم العربي؛ وهذا كان هدفا لكافة قوى الثورة. ولم يكن الإخوان المسلمون استثناء من هذه القاعدة، ويرى الباحث في معهد دراسات الأمن القومي، إفرايم كام، أن الجماعة كانت تتطلع، بعد أن تولى مرسي الرئاسة، إلى قيادة مصر العالم العربي عن طريق استغلال العداء مع إسرائيل وسيلة لتحقيق هذا الهدف.138
وقد استغل الرئيس مرسي المواجهة في قطاع غزة فرصة لجعل مصر تقوم من جديد بدور الأخت الكبرى قائدة العالم العربي؛ فمصر هي الوحيدة التي تمكنت من القيام بدور الوسيط الموثوق وإدارة مباحثات بسرية وفعالية، حتى أن تركيا، وقطر الغنية المتنافستان مع مصر على قطاع غزة لم تتمكنا، وفقا للباحث الكبير في معهد دراسات الأمن القومي، أودي ديكال، من الوساطة بين إسرائيل وحماس، ووقفتا في ظل مصر في تلك المواجهة.139 وهكذا بدا أن الربيع العربي، في ذلك الوقت، أفرز نظام حكم إسلامي ديمقراطي برجماتي في مصر وتونس وليبيا، مقابل أنظمة الحكم الملكية التقليدية، الموالية للغرب في السعودية والإمارات والأردن والمغرب والبحرين؛ وهذا كان مدخلا آخر لعدم قبول هذه الأنظمة التقليدية لما أفرزه الربيع العربي، رغم أن هذه الأنظمة كلها، الحديثة والقديمة، كان لديها نفس العداء مع الجماعات الإسلامية المتشددة؛ كالقاعدة، والسلفية الجهادية، والشيعة المسلحين في اليمن والبحرين ولبنان، إضافة للنظام الشيعي المتشدد في إيران.140
ويتحدث السفير الإسرائيلي الأسبق في القاهرة، يعقوب أميتاي، عن أن عداء أكثر دول الخليج، خصوصا السعودية والإمارات، والتي كانت مصدر المساعدات الاقتصادية لمصر، تُرجم إلى توجيه هذه الدول أموالها للمعارضة المصرية التي تظاهرت ضد نظام الإخوان المسلمين، على خلفية تنافسها ضد مرسي والجماعة، وفي سياق تنافس هذه الدول مع تركيا وقطر المنافستين الإقليميتين اللتين وقفتا مع نظام مرسي. وواكب ذلك عدم استطاعة نظام مرسي تحقيق نجاح اقتصادي يوازي نجاحه في التوصل لوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في عام 2012، واتسم أداؤه بالعجز الشديد، وفشل في الوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وفي جذب الاستثمارات، إلى جانب تدهور السياحة، المصدر الرئيس للدخل.141 هذا العداء الخليجي، والإنفاق المالي لإسقاط الإخوان أكده أكثر من كاتب إسرائيلي؛ وقد تحدث الباحث في دراسات الشرق الأوسط، آساف دافيد، عن كثرة أعداء الإخوان في مصر وخارجها أثناء الثورة؛ وذكر بينهم الولايات المتحدة، وإسرائيل، إضافة لأكثر دول الخليج، وفي مقدمتهم السعودية والإمارات. وهؤلاء جميعا كانوا مهتمين بإفشال تجربة الإخوان، إلا أن الدول الخليجية زادت على ذلك الدعم المالي للوصول لهذا الهدف.142 ويقول نائب رئيس معهد القدس للدراسات الاستراتيجية والأمنية، عيران ليرمان، إن السعودية والإمارات تحديدا قررتا إفساد علاقتهما بالإخوان المسلمين، وقامتا باستثمار المليارات، ماليا وعمليا، في دعم حركة "تمرد" ضد الرئيس مرسي، ثم ضخ المزيد من المليارات لاحقا من أجل تمكين نظام السيسي وترسيخ قوته، وهو ما قابله الأخير بالمبالغة في موقفه العدائي تجاه إرهاب الإسلاميين. هذا الدعم المالي الكبير كان يفوق بكثير، ما أنفقته قطر في دعمها "مشروع" محمد مرسي.143
ولا شك أن خلع مرسي من السلطة في 2013، والتخلص من الإخوان كان حدثا مهما له تداعياته على المنطقة؛ ويقول الصحافي في يديعوت أحرونوت، روعي كايس، إن ما حدث كان ذا أهمية كبيرة في علاقة مصر بدول المنطقة؛ فقد كانت قطر وتركيا توفران الدعم للإخوان المسلمين، واعتبرت الدولتان ما حدث "انقلابا عسكريا"، والسيسي حاكما غير شرعي، ولذلك وصلت العلاقة بين مصر والدولتين إلى مستوى متدن غير مسبوق. لكن على الناحية الأخرى، فإن علاقتها مع الأردن ودول الخليج "المعتدلة" مثل السعودية، والإمارات والبحرين عادت لسابق عهدها بعد أن عبرت هذه الدول عن تأييدها للسيسي، ولم تذرف دمعة على خلع مرسي. وتجدر الإشارة أن هذه الدول لم تكن راضية عن خلع مبارك في 2011، ولا عن طريقة إدارة الولايات المتحدة للوضع حينها.. وعلى هذا الأساس رفعت هذه الدول مساعداتها الاقتصادية لمصر بعد الانقلاب، وفي السياق نفسه جرى الاتفاق على رسم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، ووافقت مصر على نقل ملكية جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وهو قرار أثار المصريين الذين خرجوا للتظاهر لأنهم اعتبروا ما حدث بيعا للدولة، وتحويلها لدولة تحت رعاية السعودية.144
يضاف إلى ذلك أن سقوط محمد مرسي، ونهاية حكم الإخوان في مصر، ألقى بظلاله على علاقة دول الخليج بالأنظمة التي دعمت نظام الإخوان؛ وطبقا للكاتب في موقع ميداه الإسرائيلي، إريك جرينستاين، فقد التفتت السعودية والإمارات لمحاسبة دولة قطر على خروجها عن الإجماع الخليجي من الموقف من الربيع العربي، وإصرار الدوحة على تأييدها الإخوان المسلمين حتى بعد وقوع الانقلاب. ونتيجة لذلك تصاعد الصراع بين السعودية وقطر في مارس 2014، بعد أن صنفت السعودية جماعة الإخوان تنظيما إرهابيا، ورفض قطر التماهي مع نفس الخط؛ وقررت السعودية والبحرين والإمارات سحب سفرائها من الدوحة؛ لأن قطر لم تلتزم بالاتفاقات الأمنية لمجلس التعاون الخليجي.145 علاوة على عدم انصياعها لتهديدات هذه الدول بضرورة تغيير السياسة التحريرية لقناة الجزيرة.146
ولم يقتصر موقف دول الخليج على ذلك؛ إذ انعكس عداء هذه الدول؛ وخصوصا السعودية، تجاه الإخوان المسلمين على تعاملها مع المقاومة الفلسطينية، وفي هذا السياق تحدث يوسي مان، المتخصص في الشأن الخليجي وسوق النفط في الشرق الأوسط في جامعة بر إيلان، عن تغيير السعودية سياستها، وأنها خلال معركة "الجرف الصامد/العصف المأكول" التي خاضتها إسرائيل ضد قطاع غزة 2014، برز لديها توجه موال لإسرائيل وهو ما بدا واضحا في الخطابات، وعلى صفحات الصحف، ومواقع الأخبار السعودية؛ فقد أدركوا أن وجود مشكلة اسمها "الإخوان المسلمين" والإسلام المتشدد أمر لم يعد السعوديون قادرين على السيطرة عليه، وأن فقدانهم السيطرة على المنطقة جعلهم يعتقدون حينها، وأكثر من أي وقت مضى، إمكانية الاعتماد على إسرائيل مثلما يعتمدون على الولايات المتحدة، وأن كل قواعد اللعبة تغيرت، ويجب أن تتغير التحالفات بالتوازي مع ذلك".147 وقد تزامنت المواقف الخليجية المذكورة تجاه الإخوان المسلمين وإسرائيل مع سلسلة فتاوى صادرة عن المؤسسات الدينية في السعودية والإمارات ومصر؛ وهذه الفتاوى، حسب الكتاب الإسرائيليين، لم تكن نابعة، من محبة إسرائيل، بل من الاشتراك في كراهية الإخوان، ورغبة قادة هذه الدول دق مسمار في نعش حركتهم. وهكذا أفتى علماء دين بارزون في العالم الإسلامي؛ بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وعدم التسامح مع الإخوان.148
غير أن أزمة الحركة تعمقت أكثر في الأعوام التالية؛ فتعرضت على المستوى الإقليمي لسلسلة من الفشل؛ فاستأنفت قطر علاقتها مع مصر، وعبرت أنقرة عن رغبتها في إعادة علاقتها مع القاهرة لسابق عهدها. ويرى الباحث في دراسات الشرق الأوسط، موشيه ألبو، أن الخطوات التي اتخذتها الدولتان، كانت تعني ارتباط مصالح البلدين الاستراتيجية بتجديد العلاقات مع مصر والاعتراف الضمني بشرعية نظام السيسي، وبالتالي عدم جدوى استمرار الدعم غير المحدود للإخوان. وفي نفس الوقت كانت مصر تدعم إقليميا كل الخطوات لقمع الإخوان بالتنسيق مع السعودية والإمارات، كما عبرت عن تأييدها المعلن للرئيس التونسي في صراعه ضد حركة النهضة.149
3 – العداء السعودي للإخوان؛ الأسباب والدوافع.
انشغل باحثون إسرائيليون بمحاولة فهم أسباب العداء السعودي للإخوان؛ وركز أكثرهم على محاولة تفسير هذا العداء في إطار الاختلافات الفكرية بين المرجعيات الدينية وطريقة التعامل مع النص الديني، أو محاولة وضعها في سياق الاختلاف بين مدرستين لكل منهما نهج ديني وفكري مختلف. غير أنه، ورغم قبول فكرة المرجعية المختلفة، فإن العلاقة بين الدولة السعودية والإخوان المسلمين كانت علاقة هادئة طوال عقود طويلة، ولم تشهد أي تحولات حادة إلا في عهد الملك عبد الله، وهو خلاف تفاقمت حدته مع مشاركة الإخوان المسلمين في ثورة يناير، ووصول الرئيس محمد مرسي للرئاسة. وهذا يعني أنه رغم الاختلافات الفكرية كانت علاقة الدولة السعودية بجماعة الإخوان المسلمين علاقة هادئة، وأن التحول الذي حدث بينها والحركات المنتمية للإسلام السياسي كان مرتبطا بالأساس بسعي هذه الحركات للوصول للسلطة، أي أن العداء ارتبط أساسا بأسباب سياسية.
في إجابته عن سؤال: ما الذي يحدث بين السعودية والإخوان المسلمين؟ يتحدث أستاذ الدراسات العربية، والمتخصص في الجماعات الإسلامية في جامعة بر إيلان، البروفيسور مردخاي كيدار، عن محاولة فهم موقف السعودية العدائي تجاه الإخوان؛ والذي تمثل في تهنئتها السيسي بعد إزاحة مرسي المنتخب ديمقراطيا، ومساعدتها مصر ماليا بعد الانقلاب، إضافة لتوتر علاقتها بحركة حماس، حتى أنها، حسب قوله، كانت مستعدة لتأييد إسرائيل. ويقدم كيدار إجابة عن السؤال: كيف يمكن أن نفهم وقوف دولة شريعة (السعودية) ضد حركة حماس "المقاومة"؟ ويرد ذلك إلى وجود نموذجين فكريين إسلاميين مختلفين تماما؛ فحركة الإخوان، وكل الحركات التي ارتبطت بها أو نشأت عنها، هي حركات انقلابية/ثورية،150 نشأت للتخلص من الأجانب الذين احتلوا البلاد، ومن الثقافة الأجنبية التي أحضروها معهم من أوروبا لتعارضها مع الشريعة وروح الإسلام، إضافة لرغبة الإخوان في تطبيق الشريعة.. وبالتالي عادة ما كان هدف الحركة زعزعة النظام.
لكن حينما نذهب للسعودية سنجد العكس تماما؛ فقد ربط آل سعود أنفسهم بالأسر التي لها رسوخ ديني وتعاليم تقليدية، وهذه الأسر كانت الظهير الديني لآل سعود، بحيث كانت هناك قدمان للسلطة.. وقد قامت السلطة الدينية من خلال علمائها بكتابة ما يفيد بأن الحاكم "نائب عن الله على عباده"، وردت "ما يحصل من ظلم الحكام للرعية إلى ذنوب الرعية، وأن الصبر على هذا فيه تكفير عن هذه الذنوب". ونتيجة تعارض هذه التعاليم تماما مع أفكار الإخوان، الذين يرون أن الحاكم الظالم هو المذنب، نشأ التوتر بين الإسلام "الإخواني" الذي نشأ ثوريا ومعارضا للدولة ومؤسساتها، والذي يختلف للنقيض عن الإسلام السعودي المؤسسي، القائم على التسليم بأفعال الدولة ومبررا لها، حتى وإن بدت هذه الأفعال غير صحيحة. وعلى هذا الأساس لم يكن من الممكن التوفيق بين هذين النموذجين الفكريين؛ ومن ثم فضلت السعودية الوقوف في صف العلماني عن مساعدة الإخواني. ويرى كيدار، علاوة على ذلك، أن هناك رؤية في المنطقة تميز بين العدو القريب والبعيد، وبالنسبة للسعودية فإن العدو الإخواني (مصر في ظل حكم الإخوان، غزة تحت سيطرة حماس، وتركيا) يمثل العدو القريب، وهذا العدو يجب أن يكون التعامل معه أولوية لأن خطورته وتهديده للسعودية أكبر من العدو البعيد (إسرائيل).151
ومن هنا لم يكن غريبا أن تصدر هيئة كبار العلماء السعودية، في 10 نوفمبر 2020، بيانا يعتبر جماعة الإخوان إرهابية ولا تمثل الإسلام، فضلا عن سعيها فقط لتحقيق أهدافها الحزبية المناقضة للدين الحنيف، وتخفّيها خلف الدين. وقد اعتبر كيدار البيان تعبيرا عن عمق العداوة والكراهية بين النظام السعودي وجماعة الإخوان ومؤيديها، وهي كراهية تفسر لماذا تتوجه حركتا حماس والجهاد الإسلامي إلى إيران الشيعية التي تساعدهم، حسب لفظه، في صراعها ضد السعودية وحلفائها.152
ويقر الباحث في شؤون إيران والخليج العربي وتاريخ الشرق الأوسط في جامعة حيفا، عيران سيجال، بهذا الاختلاف الفكري العميق؛ إلا أنه يعتبر أن السعودية الوهابية أكثر قربا من الناحية الأيديولوجية لتنظيم داعش المنتمي للسلفية الجهادية، والذي تختلف رؤيته بشكل جوهري عن رؤية الإخوان المسلمين، والأكثر من ذلك، والكلام لسيجال، هو أن جزءا كبيرا من الشعب السعودي هو أقرب لداعش أيديولوجيا، وهذا هو التخوف الأكبر للسعودية؛ فالتهديد بالنسبة لها داخلي. لكن الأخطر من ذلك أن عناصر ذات أهمية كبرى في السعودية، منها أقلية داخل العائلة المالكة لا تنظر لداعش بوصفها تنظيما يحمل أزمة لها طالما كان رجاله يحاربون الشيعة. ويفسر سيجال التغير الكبير في السياسة السعودية بأنها منذ أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي التزمت بالتحرك من وراء الكواليس، لإبعاد نفسها عن أي مشاكل، أو تهديدات يمكن أن تتعرض لها نتيجة قيادتها العالم العربي، وكانت مصر تقوم بهذا الدور إلى أن بدأ نظام مبارك في الضعف بدءا من عام 2000، وهنا تحديدا غير السعوديون خطهم، وأصبحوا في مركز القيادة، ووصل الأمر لذروته بوقوع الربيع العربي، وحينها أدرك السعوديون استحالة الصمت؛ فبدأوا في تكوين تحالفات جديدة، بل ودفعت السعودية قواتها إلى البحرين حينما شعرت باحتمالية وقوع انقلاب شيعي هناك.153 ومن الواضح أن هذه التفسيرات الإسرائيلية تنطلق من الاختلاف الفكري، وتنتهي بالسبب الحقيقي لهذا العداء السعودي تجاه الإخوان المسلمين، وهو المنافسة على السلطة، وخشية النظام السعودي من تغير أيديولوجيا المنطقة، بل واحتمالية استعادة مصر دفة القيادة، كما كان الحال دائما، إذا استقر الأمر للثورة، ومن ثم دخلت في عداء مع الثورة منذ اللحظة الأولى. وقد زاد هذا العداء حدة مع قناعة الجميع أن الإخوان هم المرشحون لتولي السلطة في مصر، وهو ما حدث فعليا، وهكذا كانت السعودية على رأس داعمي الثورة المضادة في مصر.154
132 - يوئيل جوزانسكي: دول الخليج في بيئة استراتيجية متغيرة. معهد دراسات الأمن القومي – جامعة تل أبيب. أبريل 2012. ص. 7.
133 - يوئيل جوزانسكي: الخليج والغضب العربي. موقع News1 3 مارس 2011.
https://tinyurl.com/2c3s8u7c
134 - نير ياهاف: الاضطرابات في مصر؛ تبادل الاتهامات، والتملص من المسؤولية. موقع والا 10 سبتمبر 2011.
https://tinyurl.com/23a4jo9v
135 - ي. يهوشوع: في ظل الربيع العربي؛ تحرك سعودي حذر أمام التهديد الإيراني. معهد دراسات الشرق الأوسط. 1 يناير 2012.
https://tinyurl.com/22f3hhew
136 - الثورات الداخلية والتغيير في ميزان الاستراتيجية الإقليمية. من: التقرير الاستراتيجي لإسرائيل 2012 – 2013. ص. 59 – 73.
137 - ي. يهوشوع: السابق
138 - إفرايم كام: مستقبل السلام بين إسرائيل ومصر. ص. 134، 137.
139 - أودي ديكال: التغيير في النظام المصري، والعملية العسكرية في غزة؛ من: بعد عملية عامود السحاب. معهد دراسات الأمن القومي - جامعة تل أبيب 2012. ص. 47.
انظر أيضا: ميرا تصوريف: محمد مرسي، من عمود سحاب يسير أمام المعسكر، لانفجار سحابة في سماء القاهرة. مجلة تسوميت؛ مجلد 2، عدد 12. مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط. وأفريقيا نوفمبر 2012. ص. 3.
140 - موشيه ماعوز: الإسلام السياسي والربيع العربي. ص. 38 – 39.
141 - ميراث نظام مرسي هو الفشل. مقابلة مكتوبة مع سفير إسرائيل الأسبق في القاهرة في فترة حكم الرئيس مرسي، يعقوب أميتاي، موقع جامعة رايخمان 27 يونية 2019. رابط الموضوع
https://tinyurl.com/yonokna5
142 - آساف دافيد: السابق
143 - عيران لرمان: حجر الزاوية؛ السيسي، استقرار مصر، ومستقبل شرق المتوسط. معهد القدس للاستراتيجية والأمن. 26 أكتوبر 2018.
https://tinyurl.com/2nh4l9qk
144 - روعي كايس: بين موسكو ورفح. يديعوت أحرونوت. 6 ديسمبر 2017.
https://tinyurl.com/2yz3comk
145 - إريك جرينستاين: المسيرة الكبرى؛ السعودية تبني مفاعلات، وتتقارب مع إسرائيل. موقع ميداه 3 سبتمبر 2014.
https://tinyurl.com/294pjroo
146 - بنحاس عنبري: السعودية وقطر تعلنان؛ الإخوان المسلمون تنظيم إرهابي. مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة. 9 مارس 2014.
https://tinyurl.com/2yu3xqqe
147 - إريك جرينستاين: السابق
148 - إيلي بوده، ليمور لافي: في الطريق إلى التطبيع؛ التضييق على الإخوان المسلمين. موقع والا 30 ديسمبر 2020.
https://tinyurl.com/252qc599
149 - موشيه ألبو: الأزمة داخل حركة الإخوان المسلمين تزداد صعوبة، هل يستطيع الإخوان العودة لموقع مؤثر في مصر؟ معهد الأيديولوجيا والاستراتيجية. جامعة رايخمان 2021. ص. 4.
150 - هذا ليس وصفا لنمط التغيير عند الحركة، ولكن لأصل فكرة التغيير نفسها على اعتبار أن التغيير في حد ذاته فعل ثوري أو انقلابي يتناقض مع حالة الثبات التي يفضلها النظام السعودي طالما كانت في مصلحته.
151 - المملكة السعودية في مواجهة الإخوان المسلمين. لقاء مرئي بتاريخ 3 يوليو 2020.
http://tinyurl.com/yl5c7myt
152 - مردخاي كيدار: السعودية ضد الإخوان المسلمين. مقال صدر ضمن منشورات مركز بيجين السادات للأبحاث الاستراتيجية. 4 يناير 2021. ص. 2.
153 - إريك جرينستاين: السابق
154 - قد يكون من المفيد هنا ربط موقف السعودية المعادي لتصدر الإخوان المسلمين للقيادة في مصر، في أعقاب ثورة يناير، بحدثين قديمين متزامنين تقريبا؛ الأول هو الثورة الإسلامية في إيران التي انتهت بعودة الخميني في فبراير 79، والآخر حادثة جهيمان واقتحام الحرم المكي في نوفمبر من نفس العام.. وبالتالي فإن النظام السعودي الذي ربما ربط من قبل بين الثورة الإيرانية وحادثة جهيمان، ربما تخوف من أن يؤدي تصدر الإخوان للسلطة في مصر، إلى تشجيع بعض السعوديين على تكرار أحداث خطيرة مشابهة تستهدف النظام السعودي نفسه، وبالتالي فإن تمويل السعودية للثورة المضادة قبل الانقلاب، وتمويل النظام بعد التخلص من الإخوان، ربما كان مدفوعا بهذا التخوف، واعتبار أن النظام السعودي يحمي نفسه.
منذ صعود الإخوان حتى الانقلاب
تكشف الكتابات الإسرائيلية التي تعرضت لموضوع العلاقة بين مصر وإسرائيل من لحظة صعود الإخوان حتى الانقلاب عن وجود حالة من التضارب في تقييم هذه الفترة؛ فبينما قيم كتاب أو سياسيون العلاقة تقييما إيجابيا، نظر إليها آخرون نظرة سلبية واعتقدوا أن بقاء الإخوان في السلطة كان من شأنه أن يزيد الأمور سوءا بالنسبة لإسرائيل. وهذا التضارب كان منسحبا على تقييم ما يمس العلاقة المباشرة مع مصر، وتحديدا اتفاقية السلام، أو فيما يخص العلاقة غير المباشرة والتي قد تؤثر في إسرائيل نتيجة طبيعة الموقف المصري منها، كالملف الفلسطيني والعلاقة مع حركة حماس، أو الملف الإيراني. ومن الضروري التنبيه إلى أن حديثنا هنا يخص ما صاغه المحللون، وأصحاب الرأي، وبعض السياسيين من كتابات حول هذا الموضوع، ولا يخص قناعات قيادات الدولة التي تحدثنا عن تقييمها للأحداث في النقطة الأولى من موقف إسرائيل من الثورة المصرية وتداعياتها.
- اتفاقية السلام
يجب التمييز بداية بين تصور إسرائيل لما كانت تتوقع أن تكون عليه العلاقة المستقبلية مع مصر لو استمر حكم الإخوان، وتقييمها الآني للأحداث. ففي الحالة الأولى كانت إسرائيل على درجة عالية من الثقة أن مآلات حكم الإخوان المستقبلية لن تكون في صالح إسرائيل على الإطلاق.
وقد دفع هذا التوجس من الإخوان إلى اتخاذ إسرائيل موقف معاد لهم، وهو ما دفع الغالبية العظمى من الكتاب الإسرائيليين إلى تبني رواية العلمانيين والليبراليين في مصر في كل القضايا التي كانت محل خلاف بينهم والإخوان، والتعامل مع الشائعات التي كانت تطلق ضد الإسلام السياسي في مصر بوصفها مسلمات. في مقال نشره مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة في 24 يونية 2019، عقب وفاة الرئيس مرسي، كتب السفير الإسرائيلي الأسبق في مصر، تسفي مزال، أن البرلمان الذي فاز الإخوان في انتخاباته كان يركز على وضع تشريعات من أجل تطبيق الحدود، ولم يهتم بإصلاح الوضع الاقتصادي والاجتماعي رغم الوضع الخطير في مصر. فضلا عن كشف حالات فساد بين أعضائه، حسب تعبير مزال.155
الحقيقة أن كلام مزال متحامل للغاية؛ وهو كلام مرسل، يخالف الحقائق، خاصة وقد كتبه في عام 2019، أي بعد الأحداث بفترة طويلة كانت تسمح له بالتثبت مما يكتب. فمن المعروف أن رؤية السلفيين كانت تركز على قضايا تطبيق الحدود، لكن البرلمان لم يناقش أصلا أي تشريع بهذا الشأن، عكس ما يقول مزال. يضاف إلى ذلك أن أعضاء البرلمان في ذلك الوقت لم يتهم أحدهم بتهم فساد مالي أو تقديم/تلقي رشا مالية أو غيره، وما أثير من انتقادات ضد بعض الأعضاء السلفيين، كان مرتبطا بقضايا أخلاقية شخصية، ككذب أحدهم أو ضبط آخر في وضع مخل.
أما ما قاله عن عدم اهتمام البرلمان بإصلاح الوضع الاقتصادي، والاجتماعي فأمر يحتاج إلى إضافة تفاصيل حول الأداء الاقتصادي والاجتماعي للبرلمان، أو إحالة لأي جهد مبذول في هذا الشأن.
وعلاوة على ذلك، وطبقا لكلام السفير، فإن "ممثلي مرسي صاغوا دستورا جديدا كان سيؤدي إلى قيام دولة إسلامية قائمة على الشريعة، ما دفع عشرات الملايين للخروج في ثورة مدنية استجاب لها الجيش وقام بعزل مرسي".156 وهذا، إلى جانب موضوع تشريعات تطبيق الحدود التي تحدث عنها، اتهامات قائمة على نقل مباشر، من دون تدقيق ومراجعة، من مصادر مصرية اهتمت بترويج هذه الشائعات، وجهل بمواد دستور 2012 رغم سهولة الحصول عليه، وتعمد توظيف أكاذيب طالما روج لها رافضو هذا الدستور، لأسباب لم تكن موضوعية على الإطلاق.157
ومن الواضح أن تخوف إسرائيل من اهتمام مصر بمصالحها الخاصة، أثناء رئاسة مرسي، دون وضع اعتبار لتوافقها مع المصالح الإسرائيلية، كان أمرا مزعجا لإسرائيل، وتحديدا فيما يخص التعاون في القضايا الاستراتيجية، وقضايا الأمن والطاقة، التي كانت قائمة في عهد مبارك، وتعززت بشكل غير مسبوق في عهد السيسي بعد الانقلاب. ولذلك كانت تخشى أن يؤدي استمرار مرسي في الحكم لتحالفات إقليمية تنظر هي إليها على أنها تهديد لأمنها القومي، كأن يحدث تقارب مع إيران، أو أن يقوم تحالف إسلامي بين مصر وتركيا، بل إنها كانت تتشكك فيما إذا كان عداء الإخوان الفكري تجاه إسرائيل يمكن أن يسمح بالحفاظ على اتفاق السلام بين البلدين بمرور الوقت.158
وتقول الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي، بندتا برتي، إن فحص مجمل التطورات في العلاقات المصرية الإسرائيلية في فترة الثورة، يكشف عن ميزان سلبي، وتوقع أن تؤثر قوة الإسلاميين المتنامية، المدعومة برأي عام معاد، سلبا على العلاقات المتبادلة بين الدولتين، فتتوتر العلاقات، ويصبح السلام "باردا" أكثر مما كان عليه في الماضي، يصاحب ذلك خطاب مناهض لإسرائيل تستخدمه أحزاب مصرية أخرى بهدف الحصول على شعبية وشرعية كبيرتين.159
بعض الكتابات الإسرائيلية بدت وكأنها تتعمد إثارة الولايات المتحدة ضد الإسلام السياسي في مصر، وتحمّل بعض خطابات الرئيس مرسي أكثر مما تحتمل؛ وقد كتب تسفي مزال في سبتمبر 2012 معلقا على مقابلة أجراها مرسي مع صحيفة نيويورك تايمز في 23 سبتمبر، قبل سفره للجمعية العامة للأمم المتحدة قال فيها إن الولايات المتحدة يجب أن تهدئ الغضب في العالم العربي، وأن تصلح طريقتها وأن تحترم العالم العربي وقيمه ولو تناقضت مع قيمها. وقد فسر مزال كلام مرسي على أنه تحد لأمريكا، وبطلان قيم الديمقراطية الغربية، وإعلان للشعب المصري وللعالم الإسلامي أن فترة الهيمنة الأمريكية انتهت، وأن الإخوان سيغيرون موازين القوى على المستوى الدولي. وأن مرسي لا يخشى وقف الولايات المتحدة المعونة السنوية، لاطمئنانه من مساعدة العالم العربي، وربما إيران. وكل ذلك كان سيؤدي لعواقب وخيمة على إسرائيل.160
كان التناقض في التقييم الإسرائيلي مبنيا على أساس وجود تيارين لدى الإخوان؛ أحدهما تيار راديكالي يسعى لتطوير نظام إسلامي متشدد في مصر، سواء في قضايا المجتمع الداخلية، أو في العلاقات الخارجية مع الغرب، وإسرائيل، وقد يفضي ذلك كله لإلغاء اتفاق السلام معها. وأمام هذا التيار المتشدد تيار برجماتي واقعي قوي، كان يدفع نحو ترسيخ ديمقراطية إسلامية في مصر، بسمات غربية؛ كالتسامح مع الأقليات الدينية، وتبني سياسة خارجية تقوم على المصالح الوطنية، لا على القناعات الأيديولوجية فحسب، وكان ترجيح انتماء مرسي لهذا التيار أكبر.161
ويظهر أن من رأوا أن مرسي ينتمي إلى تيار البرجماتيين اعتمدوا على ما جرى من تنسيق بين مصر وإسرائيل في الجوانب الأمنية خلال عام حكمه، وعلى تأكيد مرسي التزام مصر بالاتفاقيات التي أبرمتها من قبل؛ بما في ذلك اتفاقية السلام، معتبرين أن هذا كان يعني برجماتية واضحة لديه؛ وهكذا تحدث كثيرون عن التعاون بين نظام مرسي وإسرائيل في محاربة العناصر الإرهابية، السلفية الجهادية، التي كانت تسيطر على أجزاء من سيناء، وعن إرسال السيسي رسالة طمأنة لوزير الحرب الإسرائيلي حينها، إيهود باراك، في أغسطس 2012 حول النشاط العسكري المصري في سيناء.162 وفوق ذلك اعتقد بعض المحللين الإسرائيليين أن مرسي لم يكن يرغب أن تدخل مصر في صراع عسكري ضد إسرائيل، لما لذلك من فوائد كضمان تقييد حرية العمل العسكري لإسرائيل، وضمان المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية، واستمرار عمل قنوات الاتصال مع إسرائيل لمنع أي سوء فهم، على أن يكون الاتصال معها وفق القواعد التي يريدها؛ بأن تكون أمنية سرية، وليست علاقات دبلوماسية علنية، ومن دون اتصال مباشر بين القادة.163
وفي هذا السياق أيضا قرأ بعض الإسرائيليين سلوك حكومة هشام قنديل حين لم تفعل التوصيات "المتطرفة" التي اتخذتها لجنة الشؤون العربية بالبرلمان المصري تجاه إسرائيل (إسرائيل لن تكون حليفة، ومصر لن تكون صديقة لها، المطالبة بإعادة النظر في علاقات مصر بإسرائيل، والوقوف في صف المقاومة، وتفعيل سياسة المقاطعة).164 وهكذا أيضا تعامل الإعلام هناك مع ما قيل إنه رد من مرسي على رسالة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس، التي كان أرسلها لتهنئة مرسي على انتخابه رئيسا وبمناسبة قدوم شهر رمضان، واعتبارها أمرا إيجابيا.165
وعلى هذا الأساس تم تقييم أداء الرئيس مرسي "البرجماتي"، واعتبر أنه كان مدركا لفوائد اتفاق السلام مع إسرائيل، لما يمنحه لمصر من قدرة على التأثير فيها، وأن إسرائيل من جانبها تعتبره كنزا استراتيجيا أساسيا، وستبذل ما في وسعها للحفاظ عليه.166
ونتيجة لهذه المواقف اعتبرت أستاذة دراسات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية بالقدس، كسنيا سفتلوفا، أن أغلب المحللين وقعوا في الخطأ في توقعاتهم للتغييرات التي ستحدث على يد الرئيس السابق محمد مرسي في الجيش والاستخبارات، لأن ما كشفته الأيام كان عكس ذلك؛ فالسفارة المصرية في تل أبيب، والإسرائيلية في القاهرة ظلتا تعملان، وبقي المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة يمارس دوره كالمعتاد، واستمر التعاون المكثف على مستوى الجيش والاستخبارات في البلدين، وحاول سياسيون من الحكومة والمعارضة في إسرائيل إقامة علاقات مع الإخوان المسلمين، وكان يفترض أن يلتقي بعض أعضاء الكنيست وفدا من الإخوان المسلمين في واشنطن.167
إن مشكلة هذا التقييم المتناقض، نابعة من أمرين؛ أولهما أن إسرائيل لم تعتد على أن يعطي قادة المنطقة الأولوية لمصالح بلادهم، بغض النظر عن مردود ذلك على إسرائيل سلبا أو إيجابا، وبالتالي كان تقييم الكتاب الإسرائيليين لمرسي متذبذبا حسبما يتوافق مع مصالح دولتهم؛ فهو صاحب أيديولوجيا معادية لإسرائيل، وبرجماتي في نفس الوقت. أما الأمر الآخر فهو أن من قيموا أداء مرسي، خاصة فيما يتعلق بالتنسيق الأمني، في مواقفه تجاه إسرائيل بالبرجماتية، اعتبروا أن مرسي كان صاحب الكلمة في كل ما له علاقة بهذا المجال، بينما الحقيقة كانت عكس ذلك، في أغلب الأحيان، وأن الجيش كان صاحب القرار، إما عبر إقناع الرئيس، أو التصرف من تلقاء نفسه، وبالتالي لم يكن ذلك دليلا على برجماتية حقيقية.
ولعل أفضل من عبر عن هذا الموقف مبكرا بمجرد الإعلان عن فوز مرسي بالرئاسة عضو الكنيست السابق عن حزب إسرائيل بيتنا، إيلي أفيدار، والذي أكد على أن الشريك الحقيقي لإسرائيل في مصر هو الجيش، وأن هذا الجيش لن يختفي، وأن مرسي، غير العسكري، لن يستطيع إعطاء تعليمات للقادة العسكريين.168 وفي سياق مشابه، وبعد أشهر من تولي مرسي للرئاسة، كتب أودي ديكل، كبير باحثين في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أن ما يظهر على السطح من وحدة الموقف بين الجيش وأجهزة المخابرات والرئيس مرسي، لا ينفي الشك المتبادل بينهما، بل وعدم الثقة، ومحاولة كل طرف أن يكون هناك توازن ردع؛ بحيث يتجنب كل طرف التحرك ضد الطرف الآخر ما دامت الصلاحيات الأساسية للطرفين محفوظة. ولذلك لم يكن من قبيل المصادفة، طبقا لقوله، منح الرئيس مرسي وزير دفاعه، السيسي، بعد أشهر من توليه الرئاسة، صلاحية اتخاذ القرار بشأن العمل العسكري، وتعبئة الاحتياط، وتحريك القوات العسكرية.169
- الملف الفلسطيني والعلاقة مع حماس
لم يقتصر هذا التناقض على ملف السلام مع مصر فحسب، بل امتد تقريبا إلى كل القضايا؛ ومن بينها موقف القيادة السياسية في مصر من حركة حماس. وهنا أيضا كان لدينا موقفان؛ أحدهما عبر عن مشاعر القلق الشديد من مستوى الانحياز الذي أبداه مرسي تجاه حماس في أثناء حرب غزة؛ وهذا الموقف عبر عنه بوضوح السفير الإسرائيلي السابق في مصر، تسفي مزال، في أثناء حرب غزة عام 2012؛ حيث اعتبر تصريحات مرسي ضد إسرائيل وتصرفاته رسالة تحذير حول المستقبل مع مصر والذي سيكون إشكاليا وصعبا، وأن تدهور العلاقات بين البلدين كان العلامة الأبرز منذ صعود مرسي للسلطة. وتحدث مزال حينها عن أن العلاقة مع مصر وما دار حينها بين البلدين كان حوارا سياسيا وأمنيا، وليس شعبيا دبلوماسيا، وأن ذلك انعكس على شلل عمل السفارة الإسرائيلية في القاهرة بسبب عدم توفير مبنى بديل لها، إضافة لعدم وجود أي حوار بين مرسي ونتنياهو.170
ولطالما عبر المحللون الإسرائيليون عن انزعاج من تجنب مرسي ذكر اسم إسرائيل مطلقا، ومن تأييده حركة حماس، وسماحه بدخول وفود إيرانية وتركية لقطاع غزة تزامنا مع الحرب الدائرة. لكن في المقابل كان هناك رؤية مناقضة مرتاحة لما يتم من تنسيق أمني لتعزيز مراقبة حدودها مع قطاع غزة، وقيامها بجهود التهدئة بين إسرائيل وحماس في عملية عمود السحاب/حجارة السجيل.171 ورأى أصحاب هذا الاتجاه أن تأييد نظام مرسي لحركة حماس، مقابل مساندة نظام مبارك لحركة فتح، لم يكن يعني تدفقا حرا للأسلحة من مصر للقطاع، أو لتشجيع مصري لحماس أن تشرع في تصعيد الصراع ضد إسرائيل.172
وينطلق هؤلاء المحللون من رؤية أمنية للمؤسسات الإسرائيلية، ربما كانت تتشاركها مع المؤسسة العسكرية في مصر، مفادها أن الهجمات التي شهدتها سيناء كانت نتيجة لتأييد فصائل المقاومة الفلسطينية للعناصر المتشددة في سيناء، فكانت بذلك تهديدا للأمن القومي لمصر، ومن ثم فتحت السلطات المصرية حوارا عقلانيا مع حماس حتى تتوقف عن دعمها لهذه العناصر. ولذلك اختارت الحركة التعاون مع مصر وتحركت ضد السلفية الجهادية في قطاع غزة، واقترحت مساعدة مصر في تأمين الحدود واتخاذ خطوات بشأن أنفاق التهريب مقابل فتح المعبر الحدودي مع القطاع، وهذه الخطوات كانت في صالح إسرائيل في النهاية، خاصة وأن المعبر كان يفتح بشكل متقطع وغير دائم. ومع سعي مرسي لإنجاز هدنة بين المقاومة وإسرائيل بدا أن الإخوان المسلمين غير معنيين بسكب الزيت على النار في المواجهة الإسرائيلية الفلسطينية.173 غير أنه، ورغم قيام حماس في ذلك الوقت بالحد من نشاط السلفية الجهادية داخل قطاع غزة، فإن مسألة، اقتراحها غلق الأنفاق، أو قبول نظام مرسي القضاء عليها محل شك كبير وجدال في الصحافة الإسرائيلية نفسها؛ وقد طرح الصحافي الإسرائيلي تسفي برئيل السؤال عما إذا كان ما قام به الجيش المصري من إغراق للأنفاق بين مصر وقطاع غزة، في ذلك الوقت، تم بشكل مستقل أم بموافقة الرئيس نفسه؛ ورجحت تقارير أشار إليها برئيل أن يكون هذا العمل تم من دون الرجوع للرئيس مرسي، يدل على ذلك أن حماس أرسلت رسالة احتجاج في ذلك الوقت للرئيس المصري تفيد بأن ما حدث يضر أهل غزة ويفسر لصالح إسرائيل، وعلى إثر ذلك قام مرسي بتوبيخ الجيش على هذا العمل، وفكر في إقالة السيسي من منصبه.174
وقد نقل موقع الجزيرة نت عن إسماعيل هنية تصريحات حول زيارته لمصر التي تمت في يوليو 2012، التقى خلالها الرئيس مرسي، خلاصتها موافقة مرسي تحسين الوضع في قطاع غزة، بموافقة مرسي فتح معبر رفح 12 ساعة يوميا، وزيادة عدد المسافرين، واستيعاب كل القادمين الفلسطينيين من الخارج، إضافة إلى اتفاق مع مرسي على حل أزمة الكهرباء في القطاع عبر زيادة عدد شاحنات الوقود القطري عبر مصر من 6 إلى 10 شاحنات يوميا، وإمداد خط أنبوب غاز لشركة توليد الكهرباء، وتنفيذ مشروع الربط الثماني لإمداد القطاع بالتيار الكهربائي.175
غلق الأنفاق مع غزة ودور السيسي:
أما موضوع غلق الأنفاق بين مصر وغزة؛ فقد تناولته مواقع إخبارية عديدة؛ وكان موقع الجزيرة نت قد نشر في 22 سبتمبر 2012 خبرا عنوانه "هل يغلق الرئيس مرسي أنفاق غزة؟" أشار إلى شعور القلق في قطاع غزة من أن "نظام الرئيس محمد مرسي أغلق من الأنفاق أكثر مما فعله نظام سلفه مبارك"، وأن ذلك جاء بعد حادثة مقتل الجنود المصريين في رفح المصرية في 5 أغسطس 2012. وتضمن الخبر تصريحا للمتحدث باسم الداخلية في الحكومة المقالة في غزة عن أن الأجهزة الأمنية في غزة لن تسمح بإغلاق الأنفاق إذا لم يرفع الحصار عن القطاع، وأن الوزارة لم تحصل من السلطات المصرية على أي معلومات حول طبيعة الأنفاق التي دمرتها وعددها. كما نقل عن متحدث حماس، صلاح البردويل، أنه لا مبرر لقيام الجانب المصري بهدم الأنفاق وإغلاقها في ظل ثبوت عدم تورط غزة في مقتل الجنود المصريين. إلى جانب ذلك نقل الخبر نفسه تصريح موسى أبو مرزوق أن الرئيس مرسي تحركه مصالح بلاده القومية، مدللاً على ذلك بقوله إن الأنفاق بين مصر وغزة أغلقت بشكل لم يحدث في عهد الرئيس السابق مبارك. علاوة على ذلك أضاف الخبر – من الجزيرة نت - أن الملف المرتبط بالحدود مع إسرائيل وغزة يتبع سلطة المخابرات المصرية، ولا يتحدث أحد بشأنه، وأنها لم تتمكن من الوصول إلى أجوبة حول الموضوع. كذلك ذكر التقرير أن الرئيس مرسي كان تعهد بإنصاف القطاع المحاصر، إلا أن اعتبارات الأمن القومي ألحت على إدارته بقوة حين قتل جنوده أثناء تناولهم الإفطار في رمضان.176
يشار أيضا أن موقع قناة الحرة في نفس الفترة 16 سبتمبر، نشر خبرا عن تأجيل زيارة لهنية للمرة الثانية لأسباب أمنية بناء على طلب الجهات المصرية177.
وكانت وكالة رويترز نشرت تقريرا في 18 فبراير 2013 بعنوان "مقابلة-مساعد لمرسي: مصر تغرق أنفاقا لوقف تدفق الأسلحة من غزة"، ونقلت الوكالة عن عصام حداد، في معرض مسألة إغراق القوات المصرية للأنفاق، عدم تسامح مصر مع تدفق الأسلحة المهربة من القطاع لأن ذلك يؤدي لزعزعة الاستقرار في سيناء، وأضاف أن مصر لا تريد رؤية "الأنفاق تستخدم كسبل غير مشروعة للتهريب سواء الأشخاص أو الأسلحة التي يمكن أن تلحق الضرر فعليا بالأمن المصري"، إضافة إلى إشارته لتراخي قبضة إسرائيل على القطاع عقب الاتفاق الذي توسطت فيه مصر وأنهى القتال، وإشارته كذلك إلى دخول مواد البناء واحتياجات شعب غزة. واقتبس التقرير عن حداد قوله "لا نود أن نرى تهريب أسلحة عبر هذه الأنفاق سواء إلى (مصر) أو منها بسبب ما نراه في سيناء، ولقد ضبطنا بالفعل في أنحاء مصر أسلحة ثقيلة يمكن استخدامها بطريقة خطيرة جدا". وجدير بالذكر أن تاريخ نشر هذا التقرير تزامن مع مقالة الكتاب الإسرائيلي تسفي برئيل التي نشرت في 21 فبراير 2013.178
أما التقرير الأهم في هذا الموضوع فهو ما نشرته صحيفة الأخبار اللبنانية، المقربة من حزب الله، بتاريخ 23 مارس 2013، وقد تضمن معلومة قريبة مما ذكره تسفي برئيل لكن بتفاصيل أكثر؛ تفيد أن وزير الدفاع السيسي كان غاضبا بشدة من تصرفات قيادات حماس في موضوع هدم الأنفاق، حسب مصادر مطلعة للصحيفة، وأن المرشد العام للإخوان، محمد بديع، وعد إسماعيل هنية، بالتزام الجماعة بوقف هدم الأنفاق التي تعد شريان الحياة الاقتصادية لحركة حماس في القطاع، وطبقا للمصادر التي نقلت عنها الصحيفة فإن "قلة حيلة حماس أمام وقف هدم الأنفاق سبب بديهي لفشل وساطة قام بها مرسي عبر محاولة عقد اجتماع بين إسماعيل هنية والسيسي". وطبقا للتقرير فإن خيرت الشاطر حاول التدخل، غير أن السيسي رفض لقائه لعدم وجود صفة رسمية له، وأن السيسي، حسب المصادر التي لم تحددها الصحيفة، لم يكن مستعدا للتراجع عن استكمال مخطط هدم الأنفاق، ولم يكن لديه مجال للحديث مع قيادات حماس. علاوة على ذلك رفض السيسي دعوة مرسي بالتمهل في غلق باقي الأنفاق على أساس أن المهمة دخلت في مرحلتها الأصعب وبدأ الجيش اقتحام الأنفاق الأكثر عمقا.179
أما فيما يتعلق بموضع تفكير مرسي في إقالة السيسي من وزارة الدفاع فكان تقرير نشرته صحيفة الحرة في 18 يوليو 2013، بعنوان "خفايا عزل الرئيس المصري.. مرسي حاول إقالة السيسي والجيش أمّن التمويل لـ تمرد" مترجما عن تقرير لوكالة أسوشيتد برس تحدث عن أن قادة في الحرس الجمهوري قالوا إن مساعدي مرسي، في أبريل ومايو 2013، حاولوا استمالة ضباط الحرس وضباطا آخرين بارزين في الجيش، توطئة لتغيير السيسي، وذلك حسب مسؤول كبير في قيادة أركان الجيش المصري. ورغم ما كان من شكوك بين الطرفين لكن في الاجتماعات كان مرسي يؤكد للسيسي أنه لا ينوي أن يقيله، وقال "هذه إشاعات"، حسب مسؤولين في وزارة الدفاع. وأبلغ السيسي مرسي أن التسريبات من جهة الجيش كانت هي أيضا "حكي جرائد".180
إلى جانب ما سبق كانت محكم القضاء الإداري في مصر ألزمت الحكومة بهدم الأنفاق الحدودية بين قطاع غزة ومصر التي بلغ عددها 450 نفقًا رئيسيًا، و750 نفقًا فرعيًا، وقد صدر الحكم بناء على دعوى باستغلال هذه الأنفاق في تهريب الأسلحة والمخدرات داخل سيناء وتهديدها للأمن المصري، حسبما نشر موقع بي بي سي العربي في 26 فبراير 2013.181
ولا شك أن ما سبق، إضافة لما ورد في المصادر الإسرائيلية حول موضوع التعامل مع حركة حماس، ومدى تطابق ما فعله السيسي في موضوع الأنفاق -أثناء توليه وزارة الدفاع- مع مصلحة إسرائيل تطابقا تاما؛ يحتاج إلى تأمل ومزيد من التحليل. وبالعودة إلى أصل هذه الموضوع نجد أن حادثة قتل الجنود المصريين في رفح كانت الشرارة التي أدت إلى قرارات وخطوات عديدة، كإقالة قادة المجلس العسكري، وتعيين السيسي وزيرًا للدفاع، والبدء في هدم الأنفاق مبكرا في سبتمبر 2012، وشيطنة حركة حماس، وجعل موضوع الأنفاق الخطر الأكبر على الأمن المصري القومي في الإعلام المصري، وإغراق الأنفاق، وتعنت السيسي ضد الرئيس نفسه. كل ذلك يلقي بظلال الشك حول المرتكب الحقيقي لحادثة قتل الجنود المصريين في رفح، ويحتاج لمزيد من البحث حول هذه الجريمة.
وفي نفس الوقت، فإن ما نسبته المصادر الإسرائيلية من تعاون نظام مرسي في هدم الأنفاق ثم في إغراقها في وقت لاحق لم يكن على ما يبدو بموافقة مرسي أصلا، وأنه كان جزءا من سياسة السيسي التي لم يكن يأتمر فيها بأمر مرسي، وينفذ مخططاته الخاصة بزعم أنها متطلب مهم لتحقيق الأمن القومي المصري. وأغلب الظن أن ما ورد على لسان عصام الحداد حول موضع إغراق الأنفاق كان أقرب لقلة الحيلة.
- الملف الإيراني
في الملف الإيراني أيضا كانت هناك رؤيتان متناقضتان؛ اعتقدت الأولى أن مواقف مصر تجاه إيران كانت مهددة للأمن القومي الإسرائيلي، وهذه الرؤية هي التي سادت في إسرائيل على مستوى القيادة وبين المحللين والكتاب مع توقع تصدر الإسلام السياسي بعد الثورة. فقد كان التيار الأقوى هناك يعتقد أن الإسلام السياسي في مصر وتحديدا الإخوان المسلمين، سوف يدفعون لجعل مصر دولة شريعة، وتحويلها لنموذج مشابه لإيران، والتحالف معها أيديولوجيا واستراتيجيا ضد الغرب وإسرائيل.182 وكان مؤيدو هذا الرأي يفسرون أي تحرك مصري تجاه إيران يتماشى مع ما تفرضه مصلحة مصر ما بعد الثورة على أنه دليل على ما يعتقدون، وتهديد لإسرائيل؛ وفي هذا السياق نظر سياسيون إسرائيليون إلى تأييد مصر في 25 سبتمبر 2012 المقترح الإيراني المقدم للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا، والذي كان يطالب بتغيير هدف الوكالة، بوصفه خطوة تقارب من إيران، ومناهضة للغرب. وبالتالي كان موقفا مقلقا لإسرائيل، لأنه يعبر عن خط جديد في السياسة المصرية، مغاير تماما لسياسة مبارك القديمة.183
وفي مقابل ذلك كان هناك أصحاب الرأي الآخر الذين نظروا إلى هجوم مرسي على النظام السوري في قلب إيران، ودعوته حزب الله للخروج من سوريا بوصفه نقدا حادا لإيران نفسها، ويتعارض مع أي رغبة في التقارب معها.184
هذه التناقضات في التقييم الإسرائيلي كانت في الحقيقة كاشفة عن أن السياسة المصرية في ذلك الوقت كانت ترسم خطا جديدا، لم تعتد عليه إسرائيل، وكانت شاهدا على محاولة جعل المواقف التي تتخذها القيادة السياسية في مصر نابعة من المصلحة الوطنية بالأساس، وهذا كان متوافقا مع مصر ما بعد الثورة.
155 - تسفي مزال: مرسي؛ هل كان رئيسا للمصريين؟ مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة. 24 يونية 2019.
https://tinyurl.com/2ykdp5vp
)
156 - السابق
157 - يرجى هنا الرجوع لبعض حلقات برنامج شاهد على العصر الذي بثته قناة الجزيرة الفضائية في عام 2014 مع د. محمد محسوب.
رابط الحلقة
https://tinyurl.com/273bwhs2
158 - أوريت برلوف، أوفير وينتر: محمد مرسي؛ شهيد أم خائن. معهد دراسات الأمن القومي – جامعة تل أبيب، 1 يوليو 2019.
رابط المقال (آخر اطلاع 3 أكتوبر 2023)
https://tinyurl.com/yumavexg
159 - برتي: ص. 167 – 172.
160 - تسفي مزال: سياسة مرسي الخارجية الجديدة. مركز القدس لشؤون الجماهير والدولة. 25 سبتمبر 2012.
https://tinyurl.com/2x35fvdt
161 - موشيه ماعوز: الإسلام السياسي والربيع العربي. السابق ص. 36
162 - السابق: ص. 36
163 - أودي ديكال: السابق ص.46
164 - إفرايم كام: مستقبل السلام بين إسرائيل ومصر. السابق ص. 133.
165 - موشيه ماعوز: الإسلام السياسي والربيع العربي. ص. 36
166 - أودي ديكال: السابق ص.46
167 - كسنيا سفيتلوفا: ص. 56 – 60.
هنا يوحي كلام الباحثة أن الوفد البرلماني المصري كان من الإخوان، بينما في الخبر الذي نقلت عنه الباحثة من صحيفة يديعوت أحرونوت يتحدث عن لقاء مستقبلي، وأن الوفد الإسرائيلي "سيلتقي، بتنسيق أمريكي مع وفد برلماني مصري بينهم أعضاء من الإخوان المسلمين". ويشار هنا إلى أن اللقاء لم يعقد أصلا، وإن كانت تقارير صحافية إسرائيلية زعمت أنه ألغي بعد أن تسربت أخباره إلى الصحافة.
- موران أزولاي: قمة في الولايات المتحدة، أعضاء كنيست وأعضاء الإخوان المسلمين. يديعوت أحرونوت 11 يونية 2012.
https://tinyurl.com/23om5gak
168 - ما الذي يعنيه فوز محمد مرسي بالانتخابات الرئاسية في مصر؟ السابق
169 - أودي ديكال: ص.46
170 - جرفينكل: السابق
171 - أوريت برلوف، أوفير وينتر: محمد مرسي؛ شهيد أم خائن. السابق
172 - برتي: ص. 167 – 172.
173 - السابق: ص. 167 – 172.
174 - تسفي برئيل: من جديد الجيش يزعج محمد مرسي. السابق
175 https://tinyurl.com/2yyqjg5w
176 https://tinyurl.com/2awhrzry
177 https://tinyurl.com/26wndlv6
178 راجع تقرير رويترز https://tinyurl.com/2xwmtt7d
179 https://tinyurl.com/24bgstjp
180 https://tinyurl.com/2ctpnm2j
181 https://tinyurl.com/28kjw8yc
182 - ماعوز: ص. 36
183 - تسفي مزال: سياسة مرسي الخارجية الجديدة.
184 - ماعوز: ص. 36
يتناول هذا الفصل الكتابات الإسرايلية عن دور الدولة الصهيونية من انقلاب السيس، منذ التحضير له حتى بذل الجهود لتوفير الدعم الخارجي له، ثم يتناول ذلك التخادم الواضح بين النظام الصهيوني ونظام السيسي في أولويات وسياسات كلا النظامين، ثم يختم بالحديث عن مذبحة رابعة العدوية وموقف الكتابات الإسرائيلية تجاهها.
ينطلق الداعمون للانقلاب العسكري في مصر من مقولة ذات إشكالية كبيرة؛ وهي أن الديمقراطية ليست انتخابات فحسب، وأنها ترتكز بالأساس على قيم عالمية يجب أن يقر بها المشاركون في الانتخابات؛ هنا نشير إلى أن المفكر الفرنسي اليهودي/الصهيوني برنار هنري ليفي كان تحدث في ندوة نظمت في يونية 2011، في جامعة تل أبيب بمشاركة وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، عن هذا المعنى. واتفق الاثنان حينها على أن الديمقراطية ليست عملية تصويت فحسب، بل هي عملية تدور حول قيم معينة على الجميع احترامها إذا كان يريد المشاركة؛ من ذلك مثلا أن يكون استخدام القوة مقصورًا على الحكومة وحدها؛ وألا يستخدم حزب القوة لفرض أجندته الخاصة، وأن يقر الجميع بالالتزام بالاتفاقيات الموقعة سابقًا من قبل الدولة. وضرب الاثنان أمثلة بحزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين كنموذج للحركات التي يتعارض وجودها مع هذه القيم، وضربت ليفني مثالاً بقرار المحكمة العليا الإسرائيلية بحظر مشاركة حزب كاخ في الانتخابات بسبب عنصريته؛ لتناقضها مع تلك القيم العالمية التي من شأنها أن تضع معايير وضوابط محددة لا يمكن الاستهانة بها، أو توظيفها من قبل المتطرفين والراديكاليين لفرض قيمهم الخاصة إذا أرادوا المشاركة في هذه العملية.185
بنفس هذا المعنى تحدث فيما بعد نائب رئيس معهد القدس للدراسات الإستراتيجية والأمن، عيران ليرمان، معتبرًا أن الديمقراطية ليست هي التي تحدد الشرعية السياسية، خاصة عند الحديث عن نظام شمولي، أو مختلط، وأن الشرعية لا تعني تحديدًا أن تنتخب وفق القانون، فقد خسر مرسي مكانته رئيسًا رغم ادعائه بقاء شرعيته، ورغم حقيقة أن انتخابه كان قانونيًا تمامًا. وفي مقابل ذلك يتمتع السيسي- ويبدو أنه سيظل متمتعًا- بحجم تأييد كبير، رغم ظروف صعوده للسلطة.186
وهكذا ينطلق هذا التبرير اللاأخلاقي ليعطي مبررًا أخلاقيًا للانقلاب العسكري في مصر، فيتحول من ضرورة احترام قيم بعينها قبل الانتخابات إلى إهدار هذه القيم كلها؛ إذ إن الانقلابات العسكرية لا تجلب في النهاية سوى أنظمة قمعية دكتاتورية شمولية، تهمل مصالح شعوبها، وتهدر حقوق الإنسان، علاوة على تزويرها إرادة الشعب في كل مرة تجري فيها الانتخابات، وبذلك يكون الأساسان (القيم العالمية والانتخابات الحرة) قد أهدرا معا.
حين ننظر إلى تلك القيم العالمية نجد أن واضعيها هو العالم الغربي، من دون إشراك شعوب "العالم الرجعي"-حسب المفهوم الغربي- في صياغتها. والأهم أننا حين ننظر إلى الانقلابات، التي تهدر كل القيم، نجدها دائمًا مدعومة غربيًا، وهذا يعني أن تلك القيم ما هي إلا مدخل يتمكن منه الغرب من دعم الانقلابات حين يتعارض وجود الأنظمة الحرة مع مصالحه، وتصبح تلك الأنظمة الحرة خطرًا عليه. وهذا ما حدث في حالة الانقلاب العسكري في مصر تماما، والذي لم يخطط له المجلس العسكري في مصر منفردًا.
1 - علاقات السيسي بالنظام الصهيوني قبل الانقلاب، وأثناءه
ربما يفكر أغلب المهتمين بموضوع الانقلاب العسكري في مصر في التساؤل عما إذا كانت إسرائيل متورطة في الانقلاب العسكري في مصر، أم لا؟ والواقع أن السؤال ينبغي أن يتعلق بالشواهد والقرائن، لا بحقيقة التدخل ذاته؛ إذ الثابت أن إسرائيل كانت الدولة الأكثر استفادة من الانقلاب العسكري في مصر، وإن لم تكن الوحيدة بالطبع، وهذا يضعها في مقدمة المخططين للانقلاب والداعمين له، سواء كان ذلك بشكل مباشر؛ أو عبر أطراف دولية وإقليمية مختلفة، حققت جميعها درجات استفادة متفاوتة.
ويبدو أن إبعاد مرسي عن السلطة لم يكن كافيًا، وأن المطلوب كان التخلص من الإخوان عمومًا، ما يعني أن أي مسار تفاوضي للتوصل إلى حل للأزمة السياسية كان سيصل إلى طريق مسدود. قد يدل على ذلك كتابات إسرائيلية تحدثت عن أن المواجهة العنيفة مع جماعة الإخوان المسلمين لم تكن أمرًا حتميًا، ولم يكن طريق العنف هو الطريق الوحيد للتقدم نحو إبعاد مرسي عن السلطة.
ويذكر عيران ليرمان أن مسؤولين مصريين ظلوا طوال شهر بعد الانقلاب يصرحون لوكالات أجنبية عن وجود محاولات للتوصل لصفقة مع قيادة الإخوان المسلمين، عُرضت عليهم فيها مهام حكومية، ووضع قانوني جديد مقابل سكوتهم والتعاون مع النظام. غير أن السيسي لم تكن لديه أي رغبة في ضم الإخوان المسلمين، أو أن يعرض عليهم أي فرصة للقيام بدور سياسي. وما ساعد السيسي على سياسته للحل الصفري تلك الأخطاء التي وقع فيها الإخوان بعد إبعاد مرسي، وعلى رأسها وجود أعضاء "الجماعة الإسلامية" في اعتصامات الإخوان ومظاهراتهم.187
وهكذا قدم نظام السيسي الإخوان على أنهم جماعة إرهابية خطيرة، ثم ركز على قمعهم ومطاردتهم.. ففض اعتصامهم في رابعة العدوية، وقتل المئات، واعتقل الآلاف. ورغم هذه الأعمال العنيفة فإنها لم تؤد إلى انقسام الدولة العميقة، بل عززت تماسك الجيش والشرطة وأجهزة المخابرات والمحاكم، حيث تشاركوا في التورط في الإطاحة برئيس منتخب، وما أعقبه من عنف. وقد ظهر هذا الترابط أكثر بعد توسيع السيسي تعريف من يشكلون تهديدا على مستقبل مصر، وهكذا بدأ قمع نشطاء منظمات المجتمع المدني ومطاردتهم، حتى قتل في عام 2015 وحده أكثر من 474، وتعرض حوالي 600 شخص للتعذيب، وقتل الشاب الإيطالي جوليو ريجيني، وتم القبض على شخصيات كبيرة في المعارضة.188
لقد تبين بعد أكثر من عقد على الانقلاب حجم التخطيط المبذول للتخلص من التجربة الديمقراطية في مصر عامة، ومن الإخوان المسلمين على وجه الخصوص، وتبين أن المسألة لم تكن تتعلق بمفهوم "ديمقراطية المرة الواحدة" الذي جرى الترويج له في الإعلام المصري على لسان العلمانيين والليبراليين وأتباع الدولة العميقة. وتبين كذلك كما يقول الصحافي في هآرتس آري شبيط، أن من أفسد التجربة الديمقراطية هي القوى المستنيرة والحديثة التي اصطدمت بروح الديمقراطية، فاشتركت في "انقلاب كامل تم التخطيط له". ويقول شبيط إن ما حدث في مصر له سابقة مشابهة تماما وقعت في جنوب أمريكا منذ 40 سنة بالضبط في السلفادور(يعني الانقلاب على رئيس شيلي سلفادور أليندي سنة 1973)، فبعد أن انتخب رئيس ماركسي، بدأ العمل على خلق وضع غير مستقر، وتمرد شعبي، وكانت السي أي ايه هي المسؤولة عن هذا الأمر، حتى قام الجيش بانقلاب عسكري وهذا مشابه تماما لما حدث في مصر، وكأنهم يقولون للإسلاميين: لعبتم بالديمقراطية، وقلبتموها على رأسكم، فتحملوا.189
أردوغان يتهم إسرائيل بالمسؤولية عن الانقلاب:
كان موقع News 1 الإسرائيلي نشر، في 20 أغسطس 2013، خبرًا عنوانه "أردوغان: إسرائيل مسؤولة عن الانقلاب في مصر"، وقد تناول الخبر حينها اتهام أردوغان إسرائيل بالوقوف وراء الانقلاب في مصر، بعد أن رأت رئيسًا إسلاميًا انتخب بصورة ديمقراطية، وأن تركيا لديها شواهد على ذلك".
وخلال الكلمة قال أردوغان إن حكومته نجحت في إثبات تورط إسرائيل، وقدم دليلاً على ذلك تصريحات جرت على لسان المفكر اليهودي الفرنسي، برنار هنري ليفي، في ندوة انعقدت عام 2011. وحسب أقوال أردوغان فإن ليفي قال حينها "إن الإخوان المسلمين لن يكونوا في السلطة، حتى لو فازوا بالانتخابات، فالديمقراطية ليست صندوق انتخاب فقط". وأضاف أردوغان "الآن يقول الغرب إن الديمقراطية ليست في الصناديق فحسب، لكننا نعلم أن الصناديق هي إرادة الشعب.. هذا ما حدث في مصر، فمن يقف وراء ما حدث؟ إسرائيل، ولدينا شواهد على ذلك".190
في السياق نفسه كانت صحيفة يسرائيل هايوم نشرت، في 21 أغسطس 2013، مقالاً للكاتب دان مرجليت بعنوان "ليس هناك حقيقة في ادعاءات أردوغان"؛ يقول الكاتب إن أردوغان يشعر بالغضب من عبد الفتاح السيسي وقادة الجيش المصري؛ لأنهم منعوا تتريك مصر بعد اعتقال محمد مرسي. ويضيف الكاتب إن أردوغان يعلم حجم تأثير خطوات كهذه في منطقة البحر المتوسط، واحتمالية تهديدها لحكومته، ومن ثم قام بذكر هذا الهراء، وهو يعلم أنه غير صحيح. ويميز الكاتب بين وقوف إسرائيل خلف الانقلاب، وممارستها نشاطها الدبلوماسي لتقنع الغرب - بعد أن أصبح الانقلاب أمرًا واقعًا- أن النظام العسكري في مصر أفضل من الإخوان المسلمين، وأنها ظلت تنظر بقلق تجاه التشدد الإسلامي في القاهرة، وتسير على أطراف أصابعها في كل ما يتعلق بالرئيس مرسي. ويقول مرجليت إن الجيش المصري لم يشرك إسرائيل في خططه، ومن ثم يرى أنه لا يوجد أساس للادعاءات التي ساقها أردوغان والتي اعتادها معادو السامية من الجيل القديم.191
لقد أجريت هذه الندوة المشار إليها (التي شارك فيها المفكر اليهودي الفرنسي برنار هنري ليفي) في جامعة تل أبيب في يونية 2011، وأديرت باللغة الإنجليزية؛ وبالعودة إلى تسجيلها كاملاً، نجد أن ليفني تحدث عن أن هناك أمرًا يمكن للمجتمع الدولي أن يقوم به من أجل تشكيل هذه الأماكن (تقصد الأماكن التي حدثت فيها الثورات) بأن يكون هناك مبدأ عالمي؛ فالديمقراطية قبل الانتخابات، وهي ليست تصويتا فحسب، بل قيما ومبادئ يجب على أي حزب أو طرف يريد الاشتراك في الانتخابات القبول بها؛ مثل أن يكون استخدام القوة مقصورًا على الحكومة وحدها، والالتزام بالاتفاقيات الموقعة سابقًا من قبل الدولة. وهذه الضوابط ضرورية للمتطرفين والعناصر الراديكالية إذا أرادوا أن يكونوا جزءًا من هذه العملية، لكن إن أرادوا الاستهانة بها وتوظيفها ضد القيم الديمقراطية يكونوا قد خرقوا هذه القيم.
وعلى هذا الأساس رفض ليفي مشاركة حركة حماس في حل الدولتين لأنها ذات تاريخ داعم للفاشية العالمية، وأصولها تعود للإخوان المسلمين التي تأسست في عشرينيات القرن الماضي مواكبة للنازية. أما بالنسبة للربيع العربي؛ فيقول ليفي لا يجب أن نكون مشاهدين فحسب لما يحدث؛ فالعالم الحر: إسرائيل وفرنسا وغيرهما، يراقب كيف يتصرفون في العالم العربي، ويقيس استعدادهم وقدرتهم على تحقيق أهداف الحرية، وهو مطالَب بمساعدتهم، وتحسين أدائهم. ويضيف ليفي إن القيم الأخلاقية العالمية لا تتعلق بالمتابعة، بل مساعدة الشعوب للسير في الطريق الصحيح؛ فإن أدت الديمقراطية إلى وصول قوى الظلام للسلطة، فنكون قد حاولنا، وأعطينا فرصة للديمقراطية. وإن أُخذت خطوات حقيقية نحو الديمقراطية، وتقليل فعلي من قوة الإخوان المسلمين نكون جزءًا من العملية. لكن أن نقول منذ البداية لنجمد أنفسنا ونكتفي بالمتابعة؛ فهذا يتعارض مع القيم اليهودية، ومصالح إسرائيل، وليس من السياسة في شيء. فإذا كانت إسرائيل قوة أخلاقية فعليها أن تكون جزءا من هذه العملية.
أما السؤال المهم حول الموضوع المطروح فوجهه أحد الحضور حين سأل كيف نختار بين المبادئ والسياسة الحقيقية، ماذا لو فاز الإخوان في البرلمان في الانتخابات القادمة؟ ماذا سيكون موقفك، هل كنت ستقبل أن يقوم النظام العسكري في مصر بمنع الإخوان المسلمين من أن يكونوا في موقع القوة في مصر مثلما حدث في الجزائر؟ أم علينا أن نلعب لعبة الديمقراطية ونترك الإخوان يفوزون بمصر مثلما فعلت حماس في غزة؟
أجاب برنار ليفي: أتذكر أنني في عام 1992 كنت معارضا لوصول جبهة الإنقاذ في الجزائر إلى السلطة لأن ذلك كان ضد الديمقراطية، ولو وصل الإخوان في مصر فلن أقول هذه إرادة الديمقراطية، بالطبع لا، مرة أخرى الديمقراطية ليست فقط انتخابات، بل مبادئ وقيم، ومن ثم يجب وجود الشرطين.. وسأل السائل: فقط لأفهم! أنت تقول إنهم إذا فازوا بالانتخابات كنت ستشجع النظام العسكري أن يمنعهم من الوصول للسلطة. أجاب برنار ليفي: كنت سأحث على منع وصولهم للسلطة. وأضاف: بناء على المبادئ العالمية التي ذكرناها.. لقد قلت ذلك في الجزائر، ولست نادمًا، صحيح أن ذلك فتح فترة فظيعة من القتل والجريمة والمذابح، لكني أعتقد أن الأمر كان سيكون أسوأ لو تركناهم يصلون للسلطة.
كان الملاحظ أن برنار ليفي يتحدث عن إسرائيل بالضمير "نحن"، رغم أنه فرنسي، وهذا كان يعني تقديم يهوديته على هويته الفرنسية.192
يشار هنا إلى أن مفكرا يهوديا فرنسيا آخر هو "جاكوب كوهين" كان قد أشار في برنامج بلا حدود، 19 يونيو 2014، إلى تدخل إسرائيل بقوة في وأد الثورة في مصر، وأن جزءا كبيرا من تدخلها تم عبر الغرب، إضافة إلى ما ذكره من قيام السيسي فيما بعد بالتضييق على غزة وحصارها، واعتبار كوهين أن السيسي يقوم بدور الخادم لإسرائيل.193 لكن ما لوحظ على حديث كوهين أنه كان عاما، وبلا وقائع أو قرائن.
الحقيقة أن هناك قرينتين، إضافة لكلام ليفي وليفني، أولاهما ما أشارت له صحيفة هآرتس يوم 2 يوليو 2013 ؛ أي قبل الانقلاب بيوم، من قيام الجيش المصري بالتنسيق مع إسرائيل لنقل قوات عسكرية مصرية إلى حدود مصر مع قطاع غزة؛ حيث قامت بإرسال عشرات المدرعات للمنطقة الحدودية للتعامل مع أي نشاط من عناصر مسلحة.194
علاوة على قرينة أخرى ترتبط بما نشره موقع Times of Israel في 19 أغسطس 2013، أي بعد المجزرة التي ارتكبها الجيش المصري في رابعة وميدان النهضة، عن وجود تنسيق بين السيسي والاستخبارات الإسرائيلية قبل الانقلاب، وفي الشهور الأولى بعده، جاء التقرير الذي كتبه أشير زيجر بعنوان "إسرائيل تكثف جهودها لحشد الدعم للحكم العسكري في مصر"، جاء فيه: إن السيسي كانت له علاقات متينة مع إسرائيل أثناء قيادته للمخابرات العسكرية، وأنه حافظ على اتصال مباشر مع إسرائيل حتى عندما اندلع الصراع في شوارع القاهرة بداية من فض ميدان رابعة، وما لحق بها من أعمال قتل.195
ويجب أن يضاف إلى ذلك كله حجم الجهود الكبيرة التي قامت بها إسرائيل لدعم سلطة الانقلاب ونظام السيسي في مصر، فهي في حد ذاتها قرائن أخرى مهمة على تورطها في الانقلاب العسكري في مصر.
2 – كيف دعمت إسرائيل نظام السيسي بعد الانقلاب؟
لا يمكن فصل الجهود التي قامت بها إسرائيل لدعم الانقلاب، عن جهودها في التنسيق والتدبير له. فمنذ اللحظة الأولى كثفت إسرائيل جهودها لتوفر له الغطاء السياسي، وتكون عائقًا أمام أي تفكير بتعليق المساعدات المالية له، وتحديدًا تلك المقدمة من الجانب الأمريكي. وعادة ما يكون الخوف من زعزعة استقرار المنطقة؛ والأضرار الكبرى المتوقعة - لو استمر الإخوان المسلمون- وربط المصالح الغربية والإسرائيلية باستقرار النظام العسكري في مصر؛ هي الذرائع التي تستخدمها إسرائيل لتوفير الدعم المطلوب للانقلاب.
في اليوم التالي للانقلاب مباشرة 4 يوليو 2013، نشرت صحيفة جلوبس الصهيونية تقريرًا بعنوان "قلق إسرائيلي؛ وقف المعونة الأمريكية لمصر يعرض السلام للخطر"، تحدث فيه كاتبه عن تصريحات شخصيات أمريكية نافذة للصحيفة حول وجود توجه إسرائيلي لمطالبة الولايات المتحدة إيجاد وسيلة للاستمرار في خطة المساعدة الأمريكية لمصر، رغم أن القانون الأمريكي يمنع ضخ أموال مساعدات للأنظمة التي تقوم على أساس انقلابات عسكرية. وذكر التقرير تصريح أحد هؤلاء عن رغبة إسرائيل في أن تتفهم إدارة أوباما أهمية المعونة لمصر من أجل استمرار الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.196 فكيف يمكن تفسير قيام إسرائيل بهذه الخطوة، وبهذا القدر من السرعة ما لم يكن لديها علم مسبق بالانقلاب في مصر.
في نفس السياق كانت صحيفة هآرتس نشرت تقريرا بتاريخ 17 أغسطس حول اجتماع المجلس الوزاري السياسي الأمني في إسرائيل يوم 16 أغسطس، ناقش الأوضاع في مصر، ونقل الخبر تصريح مسؤول إسرائيلي كبير أن سياسة إسرائيل أن تبقي على أقل مستوى من الحديث الإعلامي عن الأوضاع في مصر بقدر الإمكان، وأن نتنياهو أكد على هذا التوجه للوزراء ومتحدثي الحكومة. وأشار الصحافي باراك رافيد، كاتب التقرير، إلى أن صحيفة نيويورك تايمز كانت نشرت تقريرًا حول قيام إسرائيل بطمأنة مصر ألا تخشى من الضغوط الأمريكية بعد الإطاحة بمرسي، لأن التهديدات بوقف المعونة الأمريكية هي تهديدات غير حقيقية. واستندت الصحيفة الأمريكية على تقديرات دبلوماسيين غربيين تحدثوا عن علاقات قوية بين إسرائيل وقائد الجيش المصري عبد الفتاح السيسي، والتي جعلت إسرائيل تؤيد الانقلاب والإطاحة بمرسي. وذكر هؤلاء الدبلوماسيون للصحيفة أنه كان واضحًا وجود صلات قوية بين الجنرال السيسي ودائرته المقربة من ناحية؛ ونظرائهم الإسرائيليين من ناحية أخرى. وقد أوضح هؤلاء المسؤولون الإسرائيليون أنهم طمأنوا المصريين، وطالبوهم بعدم القلق من ضغوط الدول الغربية. ولم تذكر نيويورك تايمز إن كان القادة الإسرائيليون قد منحوا التأييد نفسه للسيسي في أيام فض رابعة وما بعدها على يد قوات الجيش، والتي راح ضحيتها مئات الأرواح.
وطبقا للصحيفة الأمريكية كان السيناتور الجمهوري راند بول اقترح وقف المعونة العسكرية الأمريكية لمصر، وردًا على ذلك قامت المنظمة الصهيونية (إيباك) بإرسال خطاب لأعضاء الكونجرس في 31 يوليو أشارت فيه إلى أن أي تقليص يمكن أن يقره الكونجرس بشأن المعونة لمصر سوف يفاقم حالة عدم الاستقرار فيها، وزعزعة المصالح الأمريكية هناك، وسوف يضر بمصالح حليفتها إسرائيل. وقد أعرب أعضاء كونجرس بارزون عن مواقف مشابهة، ومن ثم رفض 86 عضوا مشروع القرار مقابل 13 فقط صوتوا لصالحه.197
ثمة دور شبه معلن قامت به إسرائيل لدعم نظام السيسي في أعقاب الانقلاب.. فقد ذكر التقرير أن إسرائيل تنوي بدء حملة لحث الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على دعم الحكومة العسكرية المؤقتة في مصر بغض النظر عن حقيقة صعود النظام للسلطة باستخدام العنف، واستمراره في حملة القمع ضد الإخوان المسلمين. إضافة إلى ذلك نقل التقرير عن مسؤول إسرائيلي كبير، اشترط عدم ذكر اسمه، قوله "الاختيار في مصر الآن إما الجيش أو الفوضى، نحن نحاول الحديث مع الأشخاص المؤثرين والدول ذات الثقل، ونتشارك رؤيتنا معها، نحن نعرف أن ما نشاهده قد لا يعجبهم، لكن ما البديل؟ إن أصررت على المبادئ الكبرى، فإنك ستفقد الأمر الأساس، وهو إعادة مصر إلى المسار مهما كلف الأمر، أنقذ ما تستطيع أولا، ثم اهتم بعد ذلك بالديمقراطية والحرية". وقد تحدث مسؤول إسرائيلي إلى نيويورك تايمز عن قيام السفراء الإسرائيليين بالعمل من أجل إقناع وزراء خارجية أوروبا أن الحكومة المدعومة عسكريًا في القاهرة هي أفضل طريقة لمنع مصر من الانزلاق نحو الفوضى.
كما ذكر التقرير أيضا أن صناع القرار في إسرائيل كان أغلبهم يعتقدون ضرورة أن تقوم واشنطن بدعم السيسي، لكن بعض الخبراء كانوا قلقين من أن الدعم المعلن للحكومة العسكرية وسط الأحداث التي تنتهك فيها حقوق الإنسان بشكل يومي يمكن أن يضر صورة إسرائيل دولة ديمقراطية. وقد علق رئيس مجلس الأمن القومي الأسبق جيورا أيلاند بقوله: "إن إسرائيل ليست مضطرة إلى دعم النظام المصري، وتحديدًا بشكل معلن، فموقعنا ليس الدفاع عن كل ما يجري، هذا ليس شأننا". وفي نفس الوقت قال أيلاند إن الإدانات الدولية للتصرفات العسكرية في مصر كان مبالغًا فيها، وإن مصالح إسرائيل والغرب "أقرب بكثير" لمصالح السيسي وحلفائه العلمانيين. "فحتى لو لم نتشارك القيم ذاتها، فإننا نتشارك نفس المصالح، إن المصلحة الإسرائيلية واضحة، نحن نريد نظامًا مستقرًا في مصر، وعلى الولايات المتحدة أن تدرك في النهاية أن الشريك المحتمل الموثوق هو تلك التركيبة المكونة من ائتلاف العلمانيين في مصر والنظام العسكري الحالي". وقد تحدث إيلي شاكيد السفير الإسرائيلي السابق في القاهرة عن أن "إسرائيل لم يكن لديها أية أوهام حول إمكانية الديمقراطية في مصر"، لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كانا مخطئين بهذا الشأن.
ونقل التقرير عن المراسل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت، أليكس فيشمان قوله "إن المؤسسات الأمنية الإسرائيلية والمصرية تعمل داخل فقاعة، وفي الوقت الحالي لا توجد أية دلائل تشير إلى تراجع العلاقات بينهما".198
لم تتوقف الشهادات والأدلة عن مدى التعاون بين إسرائيل والانقلاب العسكري في مصر، والتنسيق بينهما عند هذا الحد، وظلت الاتصالات الإسرائيلية مع الولايات المتحدة، والضغوط التي مارستها هي وجماعات الضغط الصهيونية هناك مستمرة طوال الوقت من أجل مساندة النظام العسكري، وخصوصا في الشهور الأولى بعد الانقلاب.
نشر الكاتب إيلي بردنشتاين في صحيفة ماكور ريشون في 25 ديسمبر 2013 تقريرًا عنوانه "بناء على طلب مسؤولين أمريكيين؛ إسرائيل ضغطت من أجل تقديم مساعدة لمصر"، تضمن ما قامت به إسرائيل من جهود أمام الكونجرس الأمريكي، ليس من أجل منع تأجيل المعونة الأمريكية لمصر فحسب، بل لإعادة المعونة التي تأجلت بسبب عزل الرئيس محمد مرسي. اللافت فيما نشرته ماكور ريشون أن تلك الجهود الإسرائيلية لم تكن بناء على طلب من المصريين، أو تقدير إسرائيلي للتبعات الخطيرة لوقف المعونة الأمريكية، لكن أيضا بناء على طلب مسؤولين في البنتاجون، بمن فيهم وزير الدفاع تشاك هيجل، وفي المستوى السياسي للدولة، وهؤلاء طلبوا من إسرائيل العمل لتخفيف موقف بعض أعضاء الكونجرس ممن أيدوا قرار تأجيل المعونة"، وهذا ما صرح به مسؤول إسرائيلي كبير لموقع معاريف NRG. ونتيجة للاتصالات الإسرائيلية، وضغوط اللوبيات الصهيونية، وجهود السفارة الإسرائيلية في واشنطن مع أعضاء الكونجرس المقربين لإسرائيل أمثال روبرت مننديز، وكان رئيسا للجنة الشؤون الخارجية، وبوب كوركر، أقر مجلس الشيوخ، في 18 ديسمبر 2013، قانونًا يتيح للولايات المتحدة استئناف المعونة التي تقدمها لمصر بشكل كامل والمقدرة بـ 1.6 مليار دولار.199
الأغرب في تقرير بردنشتاين هو أن إسرائيل اهتمت أن تكون صاحبة المبادرة في الإبقاء على استمرار المعونة الأمريكية لمصر، وأن نتنياهو حرص في لقاءاته واتصالاته مع أوباما على ثنيه عن وقف المعونة، لدرجة أن نتنياهو أوضح للرئيس الأمريكي أوباما، أثناء لقائهما في البيت الأبيض، 2 أكتوبر 2013، أن تقليص المعونة يخالف اتفاقية السلام بين إسرائيل ومصر التي ضمنتها الولايات المتحدة، إضافة لأهمية دور المعونة العسكرية الأمريكية لمصر في الحفاظ على استقرار المنطقة. وعلاوة على ذلك كانت إحدى النقاط الدائمة التي حرصت إسرائيل على توضيحها للولايات المتحدة هي أن عزل مرسي يمثل أهمية تاريخية لمنطقة الشرق الأوسط؛ لأن ذلك قطع نهائيا محور الإخوان المسلمين بين مصر وتركيا أردوغان "والذي كان من الممكن أن يزعزع الاستقرار في الأردن أيضا".200
وإذا كانت كل الشواهد تدل على تورط إسرائيلي في التخطيط للانقلاب، والقيام بجهود حثيثة لمساندته بعد وقوعه، فمن المؤكد أن وجود النظام العسكري كان ضروريًا من أجل تنفيذ مخططات محددة في المنطقة تخدم المصالح الإسرائيلية.
3- تبرير القمع ما دام يحقق المصالح الصهيونية
كان الخطاب الإسرائيلي إبّان ثورة يناير يؤمِّل أن تفرز الثورة نظامًا علمانيًا يتواءم مع المصالح الصهيونية والغربية، وكانت كتابات نتنياهو نفسه تروِّج إلى أن السلام مرتبط بالتحول الديمقراطي في بلدان العالم العربي. بل إن الاتجاهات الإسرائيلية في التعامل مع الربيع العربي، والتي رصدها أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العبرية بالقدس، ليئور لهرس؛ كانت تركز على قيمة الديمقراطية في المنطقة، وتبرير عدم استعداد إسرائيل لخوض أي مغامرة تتفاوض فيها على القضايا العالقة في منطقة غير مستقرة تغيب عنها الديمقراطية، وهكذا فالمشكلة لم تكن لدى إسرائيل، لأنها كانت "المكان الديمقراطي المستقر الوحيد في محيط دكتاتوري غير مستقر"، مثلما عبر نتنياهو في مارس 2011، ومثلما تحدث وزير الخارجية الإسرائيلي حينها، أفيجادور ليبرمان.201
لكن الثورة أسفرت عن مجلس نيابي يشكل الإسلاميون معظم أعضائه، وعن فوز المرشح الإسلامي لرئاسة الجمهورية، مما أثار رعب الكيان الصهيوني من تصاعد الإخوان المسلمين؛ بما هو معروف من عدائهم الإيديولوجي للمشروع الصهيوني وإسرائيل. وهنا قلب الخطاب الإسرائيلي ظهر المجن، وبدأ السعي الحثيث إسقاط الرئيس مرسي، ولم يكن ذلك ممكنًا دون انقلاب عسكري دموي يتخلص من أكبر حركة إسلامية شعبية متجذرة في البلاد.
وكانت المبررات لدعم ذلك الانقلاب بعد تحققه جاهزة.. منها الدفاع عن اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، بالرغم من الرفض الشعبي لها، وكانت مهددة في ظل تصدر الإخوان المشهد السياسي، وكان تاريخهم وتصريحات بعض قادتهم تشير إلى ذلك. وفي ذلك يقول الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أوريت برلوف وأوفير وينتر: كان تعزيز السلام بين مصر وإسرائيل، ودفع التقارب بين شعبيهما، يتطلب عدة شروط؛ أحدها أن يتم إضعاف القوى الإسلامية المتطرفة وعلى رأسها الإخوان المسلمين، وتقوية القوى السياسية العلمانية والليبرالية على حسابهم. وهذا كان يعني أن الانقلاب على مرسي وخلعه كان مكسبا كبيرًا لإسرائيل.202
وذلك يستلزم التخلص من هاجس الدفاع عن حقوق الإنسان، الذي يروج لدى الغربيين، وينتهكه قادة الانقلاب، وقد كتب بعض الباحثين الإسرائيليين ينتقدون الغربيين عند تقييمهم نظام السيسي، لأنهم يقيِّمونه فقط وفق مصطلحات حماية حقوق الإنسان، وأنه رغم ما ينطوي عليه اهتمامهم من اعتبارات أخلاقية تؤثر على المدى البعيد على شرعية النظام، فإن أولئك الذين يعطون أولوية كبيرة لموضوع حقوق الإنسان، يميلون للتقليل من مستوى خطورة وجود نظام مصري ينظر إليه على أنه ضعيف في مواجهة الإرهاب الإسلامي، أو كنظام متردد في مواجهة جماعة الإخوان المسلمين، وهذه الخطورة لن تكون مقصورة على القيادة وحدها، بل على الدولة ككل، ومن خلفها كل منطقة البحر المتوسط. ومن ثم يرى هؤلاء الباحثون أن عمليات القمع التي يمارسها نظام السيسي يمكن اعتبارها شرعية لو تم تقديمها على أنها ضرورية من أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي.203
ما قاله هؤلاء الباحثون هو بالضبط ما يعتقده الإسرائيليون حقيقة، فلا أهمية لحرية أو ديمقراطية ولا لحقوق الإنسان، ولا داع لانتقاد النظام المصري الدكتاتوري على قمعه الممنهج الذي يمارسه على شعبه حتى تصبح المنطقة آمنة وفق مفهوم الدولة الصهيونية.
4- نظام السيسي بأيديولوجيا إسرائيلية
وقد اهتمت إسرائيل منذ لحظة الانقلاب الأولى بالعمل على استقرار نظام السيسي، ودعمه في مواجهة أي ضغوط يمكن أن يتعرض إليها. وكان الشعور العام في إسرائيل هو أن المصالح بين مصر وإسرائيل، بعد الانقلاب أصبحت أقرب لبعضها بعضا أكثر من أي وقت مضى. وكان الصحافي الإسرائيلي، روعي كايس، كتب في مارس 2016، تقريرا تضمن ما يفيد باقتناع السيسي بمدى تشابك المصالح المصرية الإسرائيلية. وفي هذا السياق أشار التقرير إلى لقاءات جمعت السيسي بمقربين من نتنياهو، وإلى قيام إسرائيل بمساعدة مصر في واشنطن، وأمام الكونجرس لإقناع الرأي العام هناك أن مصر تحارب الإرهاب، وذلك حتى تكون واشنطن أكثر انفتاحا فيما يتعلق بتقديم المساعدة العسكرية، أو غيرها لنظام السيسي. كما تحدث عن أن وفدا من لجنة الخارجية والأمن في الكنيست أكد في مباحثاته في العاصمة الأمريكية استعداد مصر للتعامل مع تنظيم داعش في سيناء، والأهم من ذلك العمل على منع تهريب الأسلحة إلى حماس في قطاع غزة.204
ما أشار إليه كايس كان أمرًا متكررًا واعتياديًا، وكاشفًا عن توجه إسرائيلي بضرورة استقرار نظام السيسي لما لذلك من فوائد للمصالح الإسرائيلية.
ولعل إحدى أهم المقالات المهمة التي نشرت في إسرائيل، والتي تكشف إلى أي مدى تتوافق المصالح الإسرائيلية مع الخطوات التي يقوم بها نظام السيسي في مصر، هي تلك المقالة التي كتبها نائب رئيس معهد القدس للدراسات الإستراتيجية والأمن، عيران ليرمان، بعنوان "حجر الزاوية؛ السيسي، استقرار مصر ومستقبل شرق المتوسط" وهي مقالة مطولة نشرت بتاريخ 26 أكتوبر 2018. وتنبع أهمية المقالة من الرؤية التي عرضها صاحبها من أجل أن يبقى نظام السيسي مستقرا، وهي رؤية متطابقة تماما مع المصالح الإسرائيلية.
يتحدث ليرمان عن أهمية استقرار مصر، معتبرًا أن "صعود أي نظام شمولي إسلامي سيؤدي لنتائج مدمرة لاستقرار المنطقة والعالم". وقد صنف التحديات التي تواجه النظام المصري إلى خارجية وداخلية؛ واعتبر أن التهديد الخارجي الوحيد الذي يواجهه هو بناء سد النهضة في إثيوبيا، وأن حل هذا التحدي يكمن في تنفيذ سياسة مياه أكثر تقدمًا، أما تحديات الوضع على الحدود مع السودان، وكذا مع ليبيا؛ فلا تمثل تهديدًا إستراتيجيًا، وعلى إسرائيل تشجيع الإدارة الأمريكية على دعم إستراتيجية السيسي في الملف الليبي. واعتبر ليرمان أن التحدي الحقيقي أمام نظام السيسي داخلي، وأن عليه مواصلة نفس المسار الاقتصادي والاجتماعي والأيديولوجي والسياسي. والانتصار في معركته الداخلية الفكرية ضد الإرهاب والإسلام الراديكالي، وأن يبذل جهدًا لتغيير الخطاب الإسلامي الديني، وتنفيذ المشروعات القومية التي يخطط لها، كما عليه أيضًا تقوية العلاقات مع دول شرق المتوسط بتأسيس تحالف ثلاثي مع قبرص واليونان.
وفي المقابل فإن الكاتب أوصى إسرائيل بالحفاظ على علاقتها بالقيادة المصرية، وتعزيز التعاون الأمني والاستخباري معها، والتوسع في المناطق الصناعية المشتركة مع مصر، حسب اتفاقية الكويز، وتعميق التعاون الاقتصادي في مجال الطاقة، إضافة إلى أن خبرة إسرائيل في تكنولوجيا المياه يمكن أن تساعد مصر في مواجهة نتائج بناء سد النهضة. علاوة على أن بإمكانها حث الكونجرس الأمريكي على الاستمرار في مساعدة مصر في حربها ضد الإرهاب، ومن جانب آخر تفتح القيادة الإسرائيلية حوارًا مع الحكومة المصرية حول سبل تغيير طبيعة الخطاب الجماهيري في مصر، وتفريغه من النبرة الحالية السائدة المعادية لإسرائيل.
ولكي يحافظ السيسي على التماسك الداخلي، ولكي يعزز من تأييده داخل المؤسسة العسكرية، فإن عليه أن يظهر قويًا، وهذا، من وجهة نظر الكاتب، يفسر الطبيعة المتسلطة التي أزاح بها السيسي أي منافس محتمل من طريقه، ومثل ذلك قدرته على اجتذاب عناصر مهمة في المجتمع المصري، مما سيشكل قاعدة حيوية للاستقرار. وأكد ليرمان كذلك احتياج السيسي لدعم الدولة العميقة، بمؤسساتها الأمنية، والعسكرية والقضائية، واستعانته بمؤيدين وداعمين من رجال الأعمال، وهي فئة تتمتع بتأثير كبير رغم محدوديتها، وبالمثل قادة المؤسسات الدينية والمؤثرين في الرأي العام. وهذا التجنيد ضروري في صراع النظام من أجل الشرعية، وصراعه ضد الإرهاب الإسلامي.
هذه المقتطفات السابقة من المقال تؤشر على عدم استعداد إسرائيل لأي تغيير في مصر يفضي إلى أي ديمقراطية ممكنة، سواء بوصول الإسلاميين أو غيرهم، كما تؤشر، وهو الأهم، على أن التحديات التي تواجها مصر، والتي رصدها المقال، ليست مبنية على أولوية المصالح المصرية، بل على أساس أولويات المصالح الإسرائيلية.
ولو تمعنا بدقة في الخطوات التي يقوم بها النظام المصري خلال السنوات الماضية نجده يتحرك وفق ما تضمنه المقال تماما؛ فتعامل مع قضية سد النهضة بتراخ وإهمال شديدين، ولم يهتم بالتحديات الناجمة عن الصراع في السودان بما يحفظ الأمن القومي لمصر، وأعطى أولوية قصوى لتغيير الخطاب الإسلامي، وتأسست علاقاته مع دول شرق المتوسط على النحو المذكور في المقال، باستثناء العامين الأخيرين، حيث أعطى مجالا لإصلاح العلاقات مع تركيا.
185 - هنري ليفي برنار، وتسيبي ليفني: ندوة متلفزة حول الديمقراطية وقيمها. جامعة تل أبيب يونية 2011.
https://tinyurl.com/24he77zy
186 - لرمان: السابق
187 - لرمان: السابق.
188 - السابق.
189 - الثورة العسكرية في مصر ضد مرسي. لفاء تليفزيوني. السابق
190 - عوفر وولفسون: أردوغان؛ "إسرائيل مسؤولة عن الانقلاب في مصر". موقع News1 20 أغسطس 2013.
https://tinyurl.com/2583uxll
191 - دان مرجليت: لا يوجد أصل لادعاءات أردوغان. صحيفة يسرائيل هايوم 21 أغسطس 2013.
https://tinyurl.com/2d6336l4
192 - برنار، ليفني: السابق
193 - جاكوب كوهين: حول تدخل إسرائيل في وأد الثورة في مصر. بلا حدود 19 يونية 2014.
https://tinyurl.com/27xjn6zr
194 - انكشاف خطة الجيش المصري لعزل الرئيس مرسي؛ مقتل 7 على الأقل اليوم. (متابعة إخبارية في صحيفة هآرتس 2 يوليو 2013)
https://tinyurl.com/22noxp86
195 - Asher Zeiger: “Israel intensifying bid to rally support for Egypt military rule”. The Times of Israel 19 August 2013.
https://tinyurl.com/26n692rr
196 - ران دجوني: وقف المعونة الأمريكية لمصر يعرض السلام للخطر. صحيفة جلوبس 4 يوليو 2013
https://tinyurl.com/27bs7osf
197 - باراك رافيد، نيويورك تايمز: إسرائيل طمأنت الجيش المصري؛ المعونة الأمريكية لن تتوقف رغم الإطاحة بمرسي. هآرتس 17 أغسطس 2013.
https://tinyurl.com/2525cvr6
198 - Zeiger: Ibid
199 - إيلي بردنشتاين: بناء على طلب مسؤولين أمريكيين: إسرائيل ضغطت من أجل المعونة لمصر. صحيفة ماكور ريشون الأربعاء 25 ديسمبر 2013.
https://tinyurl.com/28evfwos
200 - السابق.
201 - ليئور لهرس: الخطاب الإسرائيلي حول الربيع العربي. ص. 10.
202 أوريت برلوف، أوفير وينتر: السابق
203 - عيران لرمان: السابق
204 - روعي كايس، إيتامار أيخنر: ماذا وراء حميمية العلاقات المصرية الإسرائيلية؟ يديعوت أحرونوت 1 مارس 2016.
https://tinyurl.com/2zuqed8b
ثمة ملفات مشتركة تحتاج فيها إسرائيل التوافق مع النظام المصري؛ بدءًا من ملف الغاز في شرق المتوسط، وحصار غزة، ومحاربة الإرهاب، والاصطفاف مع إسرائيل ودول عربية أخرى للحد من اتساع النفوذ التركي والإيراني في المنطقة، وصولاً إلى تغيير الخطاب الإسلامي، بحيث يفرز نموذجًا يسلم بالهيمنة الغربية، ويتعايش مع فكرة الاحتلال، ويقبل بالواقع كما هو. وتؤكد الحقائق على الأرض، والشهادات الإسرائيلية الكثيرة على أن ما يحدث من قبل النظام المصري في الملفات المذكورة وغيرها، منذ لحظة الانقلاب، يصل إلى حد التطابق مع المصالح الإسرائيلية. بل إن المتابع لسلوك النظام المصري يجد التهاون في قضايا تخص الأمن القومي لمصر نفسها، كموقفه من سد النهضة مثلا.
من ذلك مثلا ما كتبه السفير الإسرائيلي في مصر بين عامي 2014 – 2016، حاييم كورين، عن مستوى التعاون بين مصر وإسرائيل في عام 2019، وذكر أنهما عملا معًا على تقليص الوجود الإيراني في الشرق الأوسط، والتعاون من أجل زيادة العقوبات الاقتصادية الدولية ضدها، والصراع ضد أذرعها المختلفة في المنطقة. وإلى جانب ذلك تحدث السفير عن سعي كل دولة من طرفها لتحجيم النشاط التركي في شرق المتوسط عبر عقد التحالفات مع دول أخرى. إلى جانب ذلك فإن رؤية البلدين تجاه دور الولايات المتحدة في المنطقة كان متطابقًا، ما أدى إلى تنسيق مصري إسرائيلي في مجالات عديدة.205 ولا شك أن ملف قطاع غزة، وحركة حماس أحد هذه الملفات التي تشهد تنسيقًا كبيرًا بين البلدين، وهو تنسيق استخباري يتم بناء على مطالبات إسرائيلية في قضية الأسرى أو المفقودين الموجودين لدى حركة حماس قبل حرب طوفان الأقصى.206
وقد أشرنا من قبل إلى مقال نائب رئيس معهد القدس للدراسات الإستراتيجية والأمن، عيران لرمان، والذي بين مدى تطابق المصالح الإسرائيلية مع الخطوات التي يقوم بها نظام السيسي في مصر، سواء في ملف عاز شرق المتوسط، أو ليبيا والسودان، أو في ملف سد النهضة، أو حتى في تغيير الخطاب الإسلامي الداخلي، وهذه كلها اعتبرها لرمان عوامل أساسية من أجل استقرار النظام المصري.207
إن رؤية مصر في ملف الغاز شرقي المتوسط لا تتوافق مع الرؤية الإسرائيلية فحسب، بل تتوافق أيضًا مع الأجندة الغربية التي تسعى لمساعدة أوروبا على تقليل اعتمادها على الغاز الروسي.
في هذا السياق كان رجل الأعمال المصري علاء عرفة الذي يقود شركة دولفينوس المصرية، التي يسيطر عليها الجيش، والتي وقعت في 2018 عقدا لاستيراد الغاز من إسرائيل- قد تحدث في لقاء عقدته شركة نيو ميد إنرجي الإسرائيلية، فقال: إننا في حاجة للاستثمار في الغاز، حتى يمكننا أن ندعم أوروبا، لأن أوروبا الآن تريد بوضوح أن توجد بديلا للغاز الروسي، وإذا كنا لا نستطيع أن نكون بديلاً كاملاً عن الغاز الروسي، فعلى الأقل يمكن أن نقدم عونًا، ونساعد أوروبا على تقليل اعتمادها على الغاز الروسي. 208
بالعودة إلى مقال لرمان، فقد أوصى إسرائيل بالحفاظ على علاقتها بالقيادة المصرية، وتعزيز التعاون الأمني والاستخباري معها، والتوسع في المناطق الصناعية المشتركة مع مصر، حسب اتفاقية الكويز، وتعميق التعاون الاقتصادي في مجال الطاقة، إضافة لحديثه عن أن خبرة إسرائيل في تكنولوجيا المياه يمكن أن تساعد مصر في مواجهة نتائج بناء سد النهضة. علاوة على أن بإمكانها حث الكونجرس الأمريكي على الاستمرار في مساعدة مصر في حربها ضد الإرهاب، ومن جانب آخر تفتح القيادة الإسرائيلية حوارًا مع الحكومة المصرية حول سبل تغيير طبيعة الخطاب الجماهيري في مصر، وتفريغه من النبرة الحالية المعادية لإسرائيل.
ولكي يحافظ السيسي على التماسك الداخلي، ولكي يعزز من تأييده داخل المؤسسة العسكرية، فإن عليه أن يظهر قويا، وهذا- من وجهة نظر الكاتب- كان مفسرًا للطبيعة المتسلطة التي أزاح بها السيسي أي منافس محتمل من طريقه، ومثل ذلك قدرته على اجتذاب عناصر مهمة في المجتمع المصري، مما سيشكل قاعدة حيوية للاستقرار. وأكد لرمان كذلك احتياج السيسي لدعم الدولة العميقة، بمؤسساتها الأمنية، والعسكرية والقضائية، واستعانته بمؤيدين وداعمين من رجال الأعمال، وهي فئة تتمتع بتأثير كبير رغم محدوديتها، وبالمثل قادة المؤسسات الدينية والمؤثرين في الرأي العام. وهذا التجنيد ضروري في صراع النظام من أجل الشرعية، وصراعه ضد الإرهاب الإسلامي.209
ما رصده لرمان من تحديات تواجه مصر، يؤشر على أنها مبنية على أولوية المصالح الإسرائيلية، لا المصرية. ولو تمعنا بدقة في الخطوات التي يقوم بها النظام المصري خلال السنوات الماضية نجده يتحرك وفق ما تضمنه المقال تماما؛ فقد تعامل مع ملف سد النهضة بتراخ وإهمال شديدين، ولم يهتم بالتحديات الناجمة عن الصراع في السودان بما يحفظ الأمن القومي لمصر، وأعطى أولوية قصوى لتغيير الخطاب الإسلامي، وتأسست علاقاته مع دول شرق المتوسط على النحو المذكور في المقال، فضلا عن المشاركة في حصار قطاع غزة، الذي أظهرته حرب طوفان الأقصى كما لم تظهره أي أحداث أخرى سابقة.
يمثل مجال الأعمال أحد المداخل المهمة التي تستطيع إسرائيل من خلالها لعب دور في مجتمع تتمكن من ربط نفسها بمصالح الأغنياء فيه، ومن بينها المجتمع المصري بالتأكيد؛ فكلما اتسع التعاون الاقتصادي، زادت أعداد الشركات العاملة مع الكيان الصهيوني، وزادت معها أعداد العاملين. وهؤلاء جميعا يصبح مصيرهم مع الوقت مرتبطًا باستقرار الأوضاع مع إسرائيل بسبب الحرص على مصالحهم الخاصة، والأكثر من ذلك أنهم يتحولون مع الوقت إلى أعداء لأي تغيير يمكن أن يتسبب في انهيار أعمالهم وفقدان ثرواتهم. ومن هذا المدخل تصبح العلاقات الاقتصادية أمرًا ذا أهمية كبيرة، ويصير التدخل في السياسة الداخلية أمرًا سهلاً عبر رجال الأعمال الذين لا يكون عداؤهم للتغيير نابعا بالضرورة من توافق أيديولوجي أو فكري مع دولة الاحتلال، بل دفاعا عن مصالحهم التي تضعهم في النهاية في نفس المربع معه.
يحدث ذلك على مستوى الدولة أو بعض مؤسساتها إذا دخلت في شراكة اقتصادية مع إسرائيل، كما يحدث أيضا على مستوى الأفراد من رجال الأعمال، وقد ظهرت الحالتان بشكل واضح في التعامل مع الثورة المصرية؛ فكان أحد أسباب عداء الجيش للثورة تلك الشراكة الاقتصادية مع الكيان الصهيوني، التي قًدمت على أنها مشاريع خاصة، ووظفت فيها "واجهات" لإخفاء الشركاء الحقيقيين؛ مثلما حدث في قضية الغاز الطبيعي في عهد مبارك، أو في عهد السيسي فيما بعد. وكان عداء كثير من رجال الأعمال للثورة وتآمرهم عليها؛ وتمويلهم الثورة المضادة للأسباب نفسها.
بدأت هذه الشراكات الاقتصادية على وقع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل؛ وتنامت في ظل اتفاقية الكويز التي وقعت برعاية الولايات المتحدة بين الكيان الصهيوني والأردن في عام 1996، ثم انضمت لها مصر في نهاية عام 2004. والتي تسمح بتصدير المنتجات المصرية إلى الولايات المتحدة، وإعفائها من الجمارك شريطة مساهمة إسرائيل بنسبة 11.7 % في إنتاج هذه السلع، خفضت فيما بعد إلى 10.5%.
ولم يكن من الغريب والحال كذلك أن تزداد أعداد رجال الأعمال المصريين الحريصين على هذه الشراكة الاقتصادية؛ وقد أشار تقرير نشره معهد دراسات الأمن القومي في 3 نوفمبر 2021 إلى العلاقات الاقتصادية بين مصر وإسرائيل، وذكر الباحثان أوفير وينتر وجوني عيسى نقلاً عن بيانات وزارة الاقتصاد والصناعة أن 80% من حجم التجارة التي تتم بين البلدين في عام 2020 تأتي ضمن اتفاقية الكويز، وأن عدد الشركات المصرية العاملة ضمن الاتفاقية بلغ 1104 شركة، أغلبها في مجالات النسيج، وبعضها في مجال الصناعات الغذائية، والزراعية والكيميائية، والجلود والمعادن، بينما بلغت أعداد الشركات الإسرائيلية العاملة ضمن الاتفاقية حوالي 25 شركة فقط. وأن عدد العمال المصريين المستفيدين من هذا التعاون يصل إلى مئات الآلاف، بينما يقف عند حدود 1500 عامل إسرائيل في الشركات الإسرائيلية.210
ونتيجة لهذا التعاون يجري تبادل الزيارات، بشكل متكرر، بين وفود رجال الأعمال من البلدين من أجل البحث عن سبل تنمية الشراكة الاقتصادية، والتوسع في مشروعات جديدة، من ذلك ما ذكره موقع الحكومة الإسرائيلية في 20 يونية 2022 عن زيارة وفد من رجال الأعمال المصريين مكون من 12 شخصًا من رجال الصناعة والتجارة المصريين في مجالات النسيج، والملابس، وأن زيارة الوفد المصري جاءت بمبادرة من السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ووزارة الخارجية، ووزارة الاقتصاد والصناعة. وقد جاءت زيارة الوفد المصري ردًّا على زيارة وفد رجال أعمال إسرائيلي لمؤتمر الكويز في القاهرة نهاية مايو 2022. وحسب التقرير فإن مصر شريكة اقتصادية كبيرة في الشرق الأوسط، وأن حجم التجارة بين البلدين في 2021 بلغ 330 مليون دولار، حيث تتركز الصادرات الإسرائيلية لمصر على النسيج ومنتجاته بنسبة 78%، ومواد كيميائية بنسبة 11%، ومطاط وبلاستيك 8% بإجمالي 120 مليون دولار. أما الاستيراد من مصر فيتركز على مواد كيميائية بنسبة 32%، ومنتجات زراعية وغذائية بنسبة 27%، وآلات وميكنة كهربائية بنسبة 17% بإجمالي 210 مليون دولار.211
ولا شك أن مثل هذه العلاقات المستمرة منذ عهد مبارك من دون انقطاع، يستغلها رجال الأعمال الإسرائيليون في تثبيت أقدامهم بشكل أكبر في السوق المصري، فيقوم بعض رجال الأعمال المصريين بدور الوسيط في شراء أراض لنظرائهم الإسرائيليين؛ وقد كشف تقرير قديم نشرته صحيفة كلكاليست، التابعة ليديعوت أحرونوت، في 18 أكتوبر 2010، عن قيام رجال أعمال إسرائيليين بشراء أراضٍ في سيناء من خلال رجل أعمال مصري قام بدور الوسيط. وطبقا للتقرير تتركز أنشطة رجال الأعمال الإسرائيليين في قطاع السياحة، ولذلك اهتموا أن تكون الأراضي التي اشتروها عبر وسيطهم المصري في مناطق طابا وشرم الشيخ والغردقة وراس محمد، من أجل بناء فنادق في هذه المواقع. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قام رجال الأعمال الإسرائيليون بتوظيف طواقم عمل إسرائيلية بدلاً من المصرية.212
ولا شك في أن تملك الإسرائيليين أراضي في سيناء وتوظيف عمالة إسرائيلية فيها أمر له خطره على الأمن القومي المصري، نظرًا لما لسيناء من أهمية، ولما للصهاينة من أطماعٍ فيها.
إذا انتقلنا لقضية الغاز، فإن الأمر يتخطى المستوى الفردي إلى مستوى مؤسسات الدولة، وتحديدًا الجيش، أو قياداته على وجه الدقة، ويتحول الحديث من ملايين الدولارات إلى المليارات، كما يصبح مصير الدولة نفسها مرتهنًا بالمصالح الإسرائيلية، ومرتبطًا بها. ومن ثمَّ لم يكن من الغريب أن تهتم إسرائيل بشخص حسين سالم (الذي تولى الصدارة من خلال شركته في أمر تصدير الغاز المصري لإسرائيل)، وتبذل جهودًا كبيرة للدفاع عنه، وحمايته بعد الثورة، رغم أنه لم يكن يمثل نفسه عند الاتفاق على تصدير الغاز المصري للكيان الصهيوني. وهناك أدلة كثيرة تثبت هذه الحقيقة؛ من ذلك ما نشرته صحيفة جلوبس الإسرائيلية، في 28 يونية 2012، عن قيام عناصر إسرائيلية في إسبانيا بمساعدة حسين سالم لمنع تسلميه لمصر،25 بعد صدور حكم قضائي مصري بحبسه 15 عامًا لتورطه في صفقة بيع الغاز المصري لإسرائيل بأقل من سعره العالمي. ومن الواضح أن هذا الجهد لم يكن مقصورًا على الشريك الإسرائيلي لسالم، يوسي ميمان، والذي يمتلك 26.6% من أسهم شركة "EMG غاز شرق المتوسط" التي يمتلكها سالم، والتي كانت تدر لمصر حوالي مليار دولار سنويًا، ما يعني أن الحؤول دون تسليم سالم لمصر في ذلك الوقت، ومساعدته لتخطي هذه الأزمة، مثّل مصلحة اقتصادية وإستراتيجية مشتركة للطرفين.26 وذكرت تقارير حينها أن من بين الشخصيات الإسرائيلية التي ساعدت سالم وزير إسرائيلي سابق، والمحامي مردخاي تسيفين الذي يتمتع بعلاقات متفرعة في دول أوروبية، إضافة إلى رجل قانون إسباني مقرب من السفارة الإسرائيلية في مدريد. وقد اقترح هذا الثلاثي عرض قضية سالم في محكمة حقوق الإنسان التابعة للمفوضية الأوروبية في ستراسبورج، من أجل إلغاء قرار أصدرته محكمة إسبانية في مارس 2012 يقضي بتسليم سالم إلى مصر.213
لم يأت الدفاع الإسرائيلي عن سالم من فراغ، فلطالما رأت إسرائيل أن مواقف سالم كانت متماشية مع مصالحها، بدءًا من رسالته التي كتبها في منتصف الخمسينيات، حين كان ضابطًا عسكريا، إلى عبد الناصر طالبًا منه ألا تتخذ مصر إجراءات يمكن أن تؤدي إلى حرب ضد إسرائيل، وأن على مصر وضع مصالحها فوق أي اعتبارات تتعلق بالصراع في الشرق الأوسط. لكن سياسة عبد الناصر دفعت سالم للابتعاد عن السياسة، ثم عاد في عهد السادات لكن في المستوى السياسي، وكان أحد المؤيدين البارزين للسادات وخطواته في اتفاقية السلام مع إسرائيل. ونتيجة لذلك، وحسب صحيفة ذا ماركر التابعة لهآرتس، برز نجم سالم؛ فأصبح يمثل المستوى الأمني المصري في صفقات السلاح التي يتم عقدها في منطقة الخليج العربي، وأصبح بعد ذلك رجل الاتصال بين المستوى الأمني المصري ونظيره الأمريكي. لينتقل إلى عالم الأعمال في منتصف الثمانينيات، من دون الانفصال عن النشاط السياسي؛ فأقام فندقين في شرم الشيخ أصبحا مركزًا للنشاط الدولي المصري، واستضافة المؤتمرات الدولية، وأسس محطة تحلية مياه في شرم الشيخ، ثم تحول مع الوقت ليكون رائدًا في هذا المجال في مصر، وهو المجال الذي تمتلك فيه إسرائيل خبرات مهمة. ثم التقى سالم رجل الأعمال الإسرائيلي يوسي ميمان الذي كان يمتلك شركة مرحاف الإسرائيلية، وقدم الاثنان مبادرة لبناء مصفاة ميدور في مصر، على أن يتولى هو مسؤولية الحصول على الموافقات، وإدارة المباحثات مع المسؤولين في مصر من خلال شركة EMG المملوكة له. وتقوم شركة أمبال214 الخاصة بميمان بمسؤولية التمويل، وجلب شركات المقاولات التي ستقوم بالمشروع. وقد حصلت شركة EMG من السلطات المصرية على تفويض بتصدير الغاز الطبيعي لدول في شرق البحر المتوسط.215
والملاحظ أن ملف الغاز أخذ بعدًا جيوإستراتيجيًا أكبر في عهد السيسي؛ فأصبح أحد أبرز ملفات التعاون بين الدولتين، وهو قائم على مصالح تجارية اقتصادية، إلى جانب المصالح السياسية الإستراتيجية. واتخذت خطوات مهمة لدفع التعاون الذي يتيح لمصر وإسرائيل وقبرص واليونان تكوين مركز إقليمي لاستخراج الغاز الطبيعي من أجل تصديره لأوروبا؛ وشاركت إسرائيل في منتدى غاز شرق المتوسط الذي عقد في القاهرة في 2019، والتقى وزير الطاقة الإسرائيلي مع نظيره المصري. وقد أتاح التعاون المشترك في هذا الملف تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وتوقيع اتفاقية تسمح بضخ غاز طبيعي من حقلي لفياثان وتامار إلى مصر، والذي بدأ ضخه فعليا في 2020. ولم يكن ما سبق ليحدث لولا الاتصالات المكثفة بين حكومتي مصر وإسرائيل، والمظلة السياسية التي توفرت لتنفيذ الصفقات.216
وتجدر الإشارة إلى أن شركة دولفينوس، وهي شركة مصرية قابضة يسيطر عليها الجيش، قامت في عام 2018 بتوقيع صفقة قيمتها 15 مليار دولار، مع شركتي نوبل إنرجي، الأمريكية، وديليك كيدوحيم، الإسرائيلية (التي سيتغير اسمها في عام 2022 إلى نيو ميد إنرجي)، وكان الاتفاق على إمداد مصر بـ 64 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المستخرج من حقول غاز إسرائيلية، على أن توجه هذه الكمية في الأساس لتنشيط الصناعة في مصانع الغاز المسال.217 ومن المعروف أن رجل الأعمال المصري علاء عرفة، هو من يقف خلف شركة دولفينوس، ومن المرجح أنه مجرد واجهة لنشاط الجيش. وكانت صحيفة كلكاليست نشرت، في 1 ديسمبر 2015، تقريرًا موجزًا حول علاء عرفة عنوانه "ما خفي أعظم؛ من يقف خلف شركة دولفينوس". وعلى الرغم أن التقرير لم يكشف شيئا ذا قيمة، فإن فائدته الحقيقية تنبع من تساؤل مهم حول كيف يتحول رجل أعمال جنى ثروته من مجال المنسوجات والملابس إلى مجال الغاز الطبيعي الذي لا يفهم فيه الكثير؟ وهذا التساؤل يجعل عرفة "واجهة" بديلة لحسين سالم، رغم أنه ليس في نفس المستوى.218
ويشار إلى أن معدل تصدير الغاز من إسرائيل إلى مصر تزايد بشكل مضطرد خلال الأعوام الماضية؛ إذ بلغ 2.1 مليار متر مكعب في عام 2020، بينما وصل إلى 8.6 مليار متر مكعب في عام 2023. وقد قام موقع جلوبس بنشر هذه الأرقام نقلا عن وزارة الطاقة الإسرائيلية في فبراير 2024. وتضمن الخبر كذلك ما تعانيه مصر من نقص خطير في الكهرباء؛ حيث وصل معدل استخراج الغاز في عام 2023 لأدنى مستوى في ست سنوات. ورد الموقع ذلك إلى النشاط الضعيف لحقل ظهر الذي تستخرج منه مصر الغاز الطبيعي. وذكر أحد خبراء الغاز الطبيعي في دولة الاحتلال أن احتياطات الغاز الطبيعي المؤكدة في حقل ظهر المصري تراجعت من 1000 مليار متر مكعب إلى 350 مليار متر مكعب، تم استخراج نصفها بالفعل". ويتحدث التقرير عن أن مصر لا توفر محليا سوى 15% من احتياجاتها من الغاز، وهي تعتمد بشكل أساسي على الغاز المستورد من الكيان الصهيوني، وبالتالي فإن أي حرب واسعة تتعرض لها إسرائيل ستكون إحدى نتائجها الكبرى المحتملة توقف تام لاستخراج الغاز من الحقول الثلاثة التي يستخرج الاحتلال الغاز الطبيعي منها، ما يعني أن مصر ستتضرر ضررا بالغا ومؤكدا من هذه الحرب.219 وهذا يعني ارتهان مصالح مصر لصالح إسرائيل، وأن يكون رجال الأعمال، سواء كانوا أصحاب شركات مستقلة، أو واجهات لمؤسسات الدولة، وخصوصا الجيش، أعداء لأي تغيير يمكن أن يرتقي بمصالح مصر على وجه الحقيقة، بل يجعل هؤلاء جميعا يستخدمون كل السبل، خوفًا على مصالحهم التي تزداد متانة مع الكيان الصهيوني.
205 حاييم كورين: التعاون بين إسرائيل ومصر في 2019؛ حميمية إستراتيجية وتباعد مدني. متفيم "المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية. فبراير 2020.
https://tinyurl.com/25l62eos
206 عيران لرمان: مصر تعيش أزمة اقتصادية، وعلى إسرائيل أن تساعدها. معهد القدس للإستراتيجية والأمن، 21 فبراير 2023.
https://tinyurl.com/2yl6xld6
207 لمزيد من التفاصيل حول هذه النقاط يرجى مراجعة "أداء الإخوان مع إسرائيل 7-6"
208 - يوسي أبو، مدير عام شركة نيو ميد إنرجي، علاء عرفة: لقاء متلفز 22 مايو 2022.
209 - لرمان: السابق
210 أوفير وينتر، جوني عيسى: إسرائيل ومصر تتقاربان؛ هل تشكل النقابات المهنية عقبة؟ معهد دراسات الأمن القومي. 3 نوفمبر 2021.
https://tinyurl.com/28elht65
211 - وفد من رجال صناعة مصريين وصل إسرائيل في إطار نشاطات اتفاقية الكويز بين إسرائيل ومصر والولايات المتحدة. 20 يونية 2022.
https://tinyurl.com/28wz9brr
212 - تقرير في مصر؛ رجال أعمال إسرائيليون تملكوا أراض في سيناء. صحيفة كلكاليست 18 أكتوبر 2010.
https://tinyurl.com/29hd9pha
213 بركات: السابق
214 شركة أمبال شركة أمريكية يمتلكها يوسي ميمان، وكانت تابعة لشركة مرحاف الإسرائيلية.
215 رونيت دومكا، ليئور زنو: مسيرة حسين سالم من الجيش المصري إلى صفقة الغاز مع إسرائيل – ثم الاعتقال. موقع ذا ماركر 20 يونية 2011.
https://tinyurl.com/2oqxq273
كثير من تفاصيل هذا التقرير موجودة في بعض المواقع العربية، والمختلف هنا هو الحديث عن تمثيله للمستوى الأمني لصفقات السلاح في منطقة الخليج، وتوسعه في مجال السياحة، وكيف أثرت علاقته بمبارك في تسهيل إجراءات صفقة الغاز بين مصر وإسرائيل. لمزيد من التفاصيل عن التقرير في المواقع العربية راجع:
https://tinyurl.com/2j7o2snh
216 كورين: السابق
217 لرمان: حجر الزاوية.. السابق
218 دورون بسكين: ما خفي أعظم، من يقف خلف شركة دولفينوس. كلكاليست 1 ديسمبر 2015
https://tinyurl.com/2bdnx8ev
219 - دين شموئيل ألماس: الدولة المفاجئة التي ستتأثر من حرب إسرائيل ضد حزب الله. جلوبس 2 يوليو 2024.
https://tinyurl.com/22gatzpw
"مواجهة قوى الظلام المعادية للصهيونية"، "التخفيف من وقع المجازر"، "تبرئة قوات الأمن باستخدام أخبار ملفقة"، و"تصوير ما حدث على أنه خلاف بين طرفين". تلك هي السمات العامة لأسلوب التغطية الإسرائيلية لمذبحة رابعة العدوية وأخواتها. لقد كانت الأصوات الرافضة للجريمة المرتكبة صوتًا نشازًا في الصحافة الإسرائيلية؛ ولم يكن غريبا أن يقف الإعلام الصهيوني هذا الموقف المساند لما حدث، والساكت عن الجريمة، أو الساعي للتخفيف من بشاعتها. فتاريخ الحركة الصهيونية مليء بالمجازر الدموية التي ارتكبتها ضد أعدائها ومن يقف في طريق تحقيق أهدافها.
وفي السطور القادمة تفصيل لبعض ما تضمنته الصحافة الصهيونية حول مذبحة رابعة.
اتسمت طريقة التعامل مع مجزرة رابعة، والمجازر التي ارتكبت في وقت مقارب لها بسمتين أساسيتين؛ أولاهما إظهار تعامل سلطات الانقلاب مع المتظاهرين المؤيدين للشرعية بوصفه مواجهة ضد قوى الظلام. والأخرى التخفيف من وقع المجازر، وصولاً إلى تبرئة قوات الشرطة والجيش من العنف ضد المتظاهرين أو تبريره، عبر استخدام تفاصيل مفبركة، أو استخدام الرواية الرسمية لسلطات الانقلاب، أو من خلال سرد الأحداث بطريقة تجعل المسألة قضية خلاف بين طرفين حول أرقام الضحايا، من دون التعرض لما يحدث على أنه جريمة أصلاً.
في الحالة الأولى وجدنا صحيفة ماكور ريشون تربط المتظاهرين المدافعين عن الشرعية بالإرهاب، ومعاداة الصهيونية، فنزعت بذلك أي احتمال للتعاطف معهم، وجعلت من ممارسات سلطات الانقلاب في مصر أمرًا منطقيًا وأخلاقيًا من وجهة النظر الصهيونية.
وقد صاغت هيئة تحرير الصحيفة تفاصيل الخبر الذي يتحدث عن فض اعتصام مسجد الفتح، أو ما عرف بمذبحة رمسيس الثانية 17 أغسطس 2013، وقبله اعتصام رابعة العدوية بالطريقة المشار إليها؛ فنقلت عبارات عن السلطات المصرية بأن ما حدث في 30 يونية "كان يومًا عبر فيه الشعب عن رغبته في وضع حد للفاشية، نحن سننتصر من خلال القانون والقوة الممكنة، هذه حرب ضد قوى الظلام". وكان ملاحظًا حين أوردت هيئة التحرير تعليق الشيخ القرضاوي الرافض لما قام به الجيش في مصر وصفته بقولها: "الزعيم السني المتشدد.. الذي لم يكن يومًا من مؤيدي إسرائيل".220 وهذا كان معناه النظر إلى تعليقات القرضاوي نفسها في سياق الدفاع عن التشدد، والتعامل مع كل ما يصدر عنه على أنه معادٍ لإسرائيل، وبالتالي نصبح أمام هدف واضح قصده الكاتب، يتمثل في شيطنة الرافضين للانقلاب، واستحقاقهم ما حدث لهم. وأن ما تقوم به سلطات الانقلاب في مصر شرعي للتخلص من المتشددين، وأنه يخدم مصلحة إسرائيل.
أما في الحالة الأخرى، فقد تمت تغطية مذبحة سيارة الترحيلات في 18 أغسطس 2013 بأسلوب مشابه، لكن التغطية هذه المرة كانت ملأى بالتفاصيل غير الصحيحة، فاستخدم العنوان "مقتل 38 معتقلاً حاولوا الهرب من السجن"، وهو عنوان يخالف حتى الخطوط العامة التي اتفق عليها جميع من تناولوا الحدث، ويحمل تبرئة واضحة للشرطة المصرية، لأنها ببساطة كانت تقوم بمنع هروب السجناء. كانت التفاصيل المفبركة التي رواها كاتب التقرير، آساف جيبور، أكثر تأكيدا على تبرئة الشرطة من الجريمة، حيث ذكر أن المعتقلين أمسكوا بأحد الضباط رهينة أثناء محاولتهم الهرب، ومن ثم كانت هناك ضرورة لتحرير الضابط، وتفريق المتظاهرين، فتم إطلاق الغاز المسيل للدموع، ومات هؤلاء المعتقلون من الاختناق، كما أصيب الضابط الرهينة إصابة بالغة.221
وقد يكون انحياز التغطية الإسرائيلية عبر إعطاء مساحة كبيرة للرواية المصرية الرسمية، والاكتفاء بملاحظة هامشية ضد هذه الرواية، ومثال ذلك تغطية الصحافي في يديعوت أحرونوت، روعي كايس، مذبحة الحرس الجمهوري في 8 يوليو 2013، حين ركز على أن الجيش المصري فتح النار على المتظاهرين الإسلاميين لمحاولتهم اقتحام المعسكر الذي يتحفظ فيه الجيش على مرسي، فقتل 42 شخصا، وأصيب أكثر من 300، وأن مسلحي الإخوان هم من بدأوا بإطلاق النار، فقتلوا جنديًا وأصابوا 40 آخرين. ونتيجة لذلك تم القبض على 200 من مؤيدي مرسي، وضبط كميات كبيرة من الأسلحة بحوزتهم. ثم يضيف كايس: إن شاهد عيان قال: إن الجيش هو من بدأ إطلاق النار.222 وبهذا الشكل فإن كايس بدا وكأنه صحفي محايد، أورد وجهتي النظر، لكن الحقيقة أنه كان منحازًا، وهو أمر طبيعي يتوافق مع سوابق صحفية قام بالكتابة عنها، قبل الانقلاب وبعده، في الشأن المصري وفي غيره، تعمد فيها صياغة أخباره بطريقة تنطوي على التفاف واضح لإدانة الإسلاميين وتشويه صورتهم.223
لم يكن تناول أصحاب الرأي في إسرائيل للمذبحة منفصلاً عن التغطية الإخبارية المشار إليها؛ فقد اختار أغلب الكتاب تجاهل تناول الموضوع أصلاً، وكان أكثر من كتبوا عنه منحازين لصالح الانقلاب العسكري. ولعل أهم المقالات التي كتبت عن المذبحة مقالة الكاتب اليساري، يتسحاك ليئور"224 تحت عنوان "في مصر يطلقون النار باسم التنوير"، والتي نشرت في صحيفة هآرتس بتاريخ 19 أغسطس 2013. 225
كان ليئور حادًّا عند حديثه عما أسماه في مقالته "ما كان ينبغي أن يكون يسارًا إسرائيليًا" فقد كان يفترض أن يكون حاملو لواء اليسار في إسرائيل رافضين للانقلاب العسكري الذي وقع في مصر، وللمجازر التي ارتكبها الجيش المصري باسم "التنوير"، رغم أنه انقلاب معد له سلفًا منذ لحظة سقوط حسني مبارك في فبراير 2011، لكن وقوعه كان مسألة وقت فحسب. ولأن المصالح الاقتصادية الكبيرة لهذا الجيش الثري كانت معرضة للخطر، فقد عاد الجيش بسرعة إلى الواجهة مستغلاً مظاهرات كان أكثر المشاركين فيها من أتباع النظام القديم. وهكذا تم بث "إرادة الشعب" في التليفزيون أيامًا متتالية ليكون ذلك ذريعة للدكتاتورية القادمة.
ويؤكد ليئور أن مهزلة استيلاء الجيش على السلطة "باسم الشعب" التي وقعت في مصر، لم تكن سوى امتداد لانقلابات عسكرية مشابهة، وأن الانقلاب العسكري حين تحول إلى مذبحة شعبية مستمرة ضد الأغلبية التي ترفض التنازل عن الرئيس المنتخب، ساد الصمت في إسرائيل، بعد صيحات الفرح التي تعالت يوم عزل الرئيس مرسي، ولم تعد تسمع سوى أصوات رجال استخبارات أو أكاديميين، ينتقدون الغرب "المنافق" لأنه لا يفهم أهمية إطلاق النار باسم التنوير. وقد أكد ليئور أنه لم يكن هناك اختلاف بين انقلاب بينوشيه (في شيلي سنة 1973 ضد الرئيس المنتخب أليندي) وانقلاب السيسي، لكن ذلك لم يمنع بعض أنصار "اليسار الراديكالي المتشبع بحثالة ما بعد الحداثة"، من القول بأن الجيش المصري وقف مع الشعب.
كان ليئور يقصد أن التيار الوحيد الذي كان يفترض به رفض الانقلاب العسكري في مصر هو اليسار الإسرائيلي، لكنه اختار الوقوف في نفس الصف مع جميع التيارات الأخرى، التي استخدمت حججا مختلفة لتبرير القبول بالانقلاب في مصر، وكان القاسم المشترك بينها العداء للإسلام.226
خين نتأمل ما كتبه ليئور نجد منطقًا محايدًا، لا شك في ذلك، لكنه يظهر أمرًا أهم من ذلك بكثير، وهو أن اليسار الإسرائيلي هو التيار الوحيد الذي كان يتوقع الكاتب منه أن يرفض فكرة الانقلاب، بمقتضى انحيازات اليسار الفكرية والسياسية، لكن موقف هذا التيار في النهاية لم يختلف عن بقية التيارات الإسرائيلية التي هللت للانقلاب العسكري في مصر.
ويجسد سكرتير عام الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، عودة بشارات227 من عرب 48، ذلك الموقف اليساري المؤيد للانقلاب، وتصادف أن مقالته نشرت في نفس اليوم الذي نشرت فيه مقالة ليئور. كان بشارات مؤيدًا للخطوات التي اتخذها الجيش، بداية من عزل مرسي وصولاً لطريقة فض اعتصام رابعة والمذابح التي أعقبتها، مبررًا تلك المذابح بادعائه- اعتمادًا على مصادر مصرية موثوقة، حسب قوله- أن مظاهرات الإخوان لم تكن سلمية كما صوروا، وأن ما فعله الجيش أنقذ مصر فعليًا من كارثة كبيرة، لأن الإخوان المسلمين أفسدوا المسار الديمقراطي، وأرادوا أن يفرضوا حكما دينيًا إسلاميًا، يتعارض مع الصلاحيات التي أعطيت لمرسي وحزبه في انتخابات الرئاسة والبرلمان في 2012 .228
أما الكاتب اليساري يوسي أميتاي، مدير المركز الأكاديمي الإسرائيلي السابق في القاهرة، والمتخصص في دراسات الشرق الأوسط، فكتب في موقع هاعوكتس في 24 أغسطس 2013 مقالاً عنوانه "صيف 2013 في مصر؛ ليست قصة أخيار في مواجهة أشرار" تساءل فيه: هل نحن أمام انقلاب عسكري بمبادرة مجموعة من الضباط، قاموا بعزل رئيس منتخب بشكل ديمقراطي، لأول مرة في تاريخ مصر الحديث، فأحدثت مقتلة لمئات من الأبرياء، إن لم يكن الآلاف؟ أم أننا أمام ثورة شعبية هدفها "إصلاح مسار ثورة التحرير الأساسية (25 يناير 2011)، الثورة التي كان فيها ذراعا تنفيذية للشعب المصري.
حاول أميتاي تجنب النظرة الأحادية للواقع المصري المعقد، مع موقف مبدئي رافض لسفك الدماء، واعتبار ما حدث عملًا إجراميًا يستحق الإدانة، ووصمة عار ستبقى على جبين الساعين لدولة مدنية في مصر، وعلى قوات الجيش التي قامت بسفك الدماء؛ ولو بتفويض شعبي. ثم استرجع أميتاي "تراجيديا الأخطاء" التي ارتكبها الإخوان؛ بدءًا من تأخرهم في اللحاق بالثورة، ثم القفز عليها، ثم ترشحهم للرئاسة بعد تعهد بعدم الترشح لها، حتى أنهم فصلوا عبد المنعم أبو الفتوح لهذا السبب. بدأ مرسي بداية مبشرة فحاول تجنب العبارات الأيديولوجية الإسلامية، وسعى لإزالة مخاوف الأوساط العلمانية والليبرالية، وتحدث عن دولة مدنية، وشكل هيئة مستشارين ضمت مثقفًا قبطيًا، وإعلامية محسوبة على اليسار الاشتراكي. لكنه سرعان ما عمَّق الأزمة الدستورية، عبر جمعية وضع دستور أغلب أعضائها من الإخوان والسلفيين. وأصبح في نظر البعض منفذًا لأوامر المرشد العام، وعمَّق الهوة في المجتمع المصري، وزاد من الصراع حول طبيعة الدولة... ومضى أميتاي يعدد الأخطاء التي يرددها معارضو مرسي..
ثم عاد أميتاي ليناقش السؤال الذي طرحه؛ حول إن كان ما حدث انقلابًا عسكريًا مناهضًا للديمقراطية، أم ثورة شعبية لاستعادة المسار الصحيح لثورة يناير؟ ثم يجيب عن ذلك إجابة غامضة، حسب لفظه، لا هذا ولا ذاك، أو كلاهما معًا. وهكذا يخلص إلى أن الطرفين محقَّان؛ فالإخوان رفضوا الإطاحة بحكومة منتخبة ديمقراطيًا، والعلمانيون والليبراليون واجهوا التحركات المتعسفة نحو الثيوقراطية وانتخابات المرة الواحدة. ويختم مقاله بالسؤال إذا كان الأمر بالفعل انقلابًا عسكريًا، فكيف يمكن تفسير الدعم الواسع عند الإطاحة بمرسي، ووجود طيف واسع للغاية على يمين ويسار السيسي، من الشخصيات السياسية المدنية، رجالا ونساء، والبابا تواضروس، والقيادة السلفية، بل حتى شيخ الأزهر؟229
هكذا إذا يختتم أميتاي مقاله، فيثبت ما ذكرناه في البداية، من سعي التغطية الإسرائيلية للتخفيف من وقع ما حدث، عبر سرد أخطاء الإخوان، وإظهار أن "هذا الطيف الواسع" الذي حضر بيان الانقلاب كان دليلاً على أن سائر القوى كانت مضطرة لاتخاذ هذه الموقف؛ بعد أن لم يترك الإخوان لهم بديلا آخر. وفي خضم ذلك كله، تم التخفيف من وقع إدانة المذبحة التي ذكرها في مطلع مقاله.
220 - اكتمال عملية إخلاء المسجد في مصر، مظاهرات في العالم العربي. NRG 17 أغسطس 2013.
https://tinyurl.com/23pqjzub
221 - آساف جيبور: القاهرة؛ 38 معتقلا حاولوا الهرب من السجن، وقتلوا. NRG 18 أغسطس 2013.
https://tinyurl.com/25b2k7da
222 - روعي كايس: صباح دام في القاهرة؛ الجيش فتح النار، 42 قتلوا. يديعوت أحرونوت 8 يوليو 2013.
https://tinyurl.com/2bzjdym4
223 - كان نفس الصحافي قد ادعى في تغريدة له في 17 أغسطس 2021 أنه أجرى لقاء حصريا مع المتحدث باسم حركة طالبان في قطر بعد طرد القوات الأمريكية من أفغانستان في ذلك الوقت، لصالح قناة كان الصهيونية، وزعم حينها أنه أخبر المتحدث باسم طالبان أنه صحافي إسرائيلي، وتم اللقاء بشكل طبيعي. ولاحقا صرح المتحدث باسم الحركة في قطر بأن الصحافي كاذب، وأنه لم يخبره عن جنسيته.
224 - يتسحاك ليئور: شاعر وكاتب مسرحي، وصحافي ينتمي لليسار الراديكالي في إسرائيل، نال عددا من الجوائز الأدبية. اتهم في عام 2021 بتهم تحرش واغتصاب، لكن لم تقدم ضده عريضة اتهام، لكن عمله توقف في صحيفة هآرتس على إثر هذا الاتهام.
225 - يتسحاك ليئور: في مصر يطلقون النار باسم التنوير. صحيفة هآرتس 19 أغسطس 2013.
https://tinyurl.com/28zvcccr
226 - يتسحاك ليئور: في مصر يطلقون النار باسم التنوير. صحيفة هآرتس 19 أغسطس 2013.
الرابط
https://tinyurl.com/28zvcccr
227 - عودة بشارات: صحافي من عرب 48، وهو سكرتير عام الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، وهي تحالف يساري بين العرب واليهود في إسرائيل. يكتب في هآرتس بشكل منتظم.
228 - عودة بشارات: وقت الإخوان ينفد. هآرتس 19 أغسطس 2013.
https://tinyurl.com/2xkxhgsj
229 - يوسي أميتاي: السابق.
تهدف هذه الورقة إلى تقييم أداء الإخوان المسلمين خلال أعوام الثورة، وما بعد الانقلاب، من خلال ما كتب على يد الباحثين الإسرائيليين. ووجه الفائدة في كتابة هذا التقييم هو أهمية الرجوع إلى ما كتبه العدو؛ على أساس احتمالية صحة بعض ما يصدر عنه، وأن يحمل بعض ما كتب بالعبرية جانبًا من الحقيقة. وسوف يتضمن هذا المقال تحديدًا تعليقات تتناول وجوه الاستفادة من الملاحظات التي كتبها المتخصصون الإسرائيليون، أو تفصيل ما جاء مختصرًا في أبحاثهم. ولست في حاجة إلى القول إن ما اشتملت عليه هذه الورقة هو محل أخذ ورد، ويحتاج نقاشا يتجنب الأحكام المسبقة، والمسلمات، والتعصب، وإعمال العاطفة.
1 – تقييم الجانب الفكري والأداء الداخلي
كانت لحظة الربيع العربي لحظة مفاجئة، وحادثًا مزلزلاً للشعوب العربية، والأحزاب السياسية، والحركات الإسلامية؛ فكان المناخ الجديد غير مألوف للجميع؛ وخصوصًا الحركات الإسلامية التي كانت لديها تخوفاتها الأمنية بسبب كثرة الاعتقال والمحاكمات العسكرية التي شملت معظم عهد حسني مبارك.
وقد جلبت هذه المفاجأة حالة ارتباك أيديولوجي كبيرة عانت منها التيارات الإسلامية كافة منذ بداية الربيع العربي وصولاً إلى الوقت الحالي؛ وهو ارتباك شمل ما يسمى تيار الإسلام الحركي (على رأسه جماعة الإخوان المسلمين والحركات المتفرعة عنها)، أو الإسلام المؤسسي (التابع للدولة)، أو السلفية الجهادية، حتى التيار السياسي الشيعي أيضا.
وقد كتب الباحثان الإسرائيليان في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، دوف ديل، وسارا بوير مقالاً يوصف حالة هذه التيارات والأزمات التي تمر بها، صدر المقال في يناير 2021، أي بعد عقد كامل على ثورات الربيع العربي. ويقدم توصيفًا للمعضلات التي تواجهها هذه التيارات، ومن بينها جماعة الإخوان بعد 10 سنين من الثورة، وسبع من الانقلاب عليها. والفرضية التي يقدمها الكاتبان هي أنه في إطار منطقة ممزقة نتيجة عقد من الحروب الأهلية، والاضطرابات السياسية، وأزمات الهوية، فإن كل القوى الإسلامية العاملة على الساحة؛ السنية والشيعية، المعتدلة والمتشددة، المؤسسية والثورية، قد وصلت لنقطة متدنية فكريًا وعمليًا. بالرغم من أن كل واحد من هذه التيارات وجد -في هذه المرحلة أو عقب الاضطراب- فرصة لدعم رؤيته، وترجمتها لأهداف سياسية وعسكرية واقتصادية وتوعوية.230
وبعيدًا عن الخصائص والتحديات الخاصة بكل تيار فكري إسلامي، وديناميات الصعود والهبوط التي شهدها خلال سنوات الاضطرابات، هناك خطوط أزمة مشتركة تضع كل هذه التيارات أمام معضلة فكرية وعملية صعبة؛ ولا شك أن التركيز هنا سينصب على جماعة الإخوان المسلمين أكثر من غيرها:
من ملامح هذه الأزمة تزايد الفجوة بين المستهدف الفكري الإسلامي والمطلوب الجماهيري، في إطار تعزيز الهوية الشخصية على حساب الهويات الجماعية (الدينية، القومية، المذهبية، القبلية، العرقية). فالجماهير التي تقود الاضطرابات هي في الأساس من الشباب الذي يتعرض للثقافة الغربية، ويريد تبني ممارساتها اليومية على الأقل، إن لم يكن الأفكار التي تقدمها. فأغلبهم يضعون أنفسهم (الأنا) في المركز، أما الجماعة والعامة فالاهتمام بها أقل. وبالتالي فإن الفجوة بين المشاكل التي تطغى على المنطقة ومجموعة الحلول التي يقدمها رجال الدين في تزايد.231 مما يعني أن الحركة لكي تقترب للجماهير عليها المزج بين الهمِّ العام المتعلق بالأمة وقضايا المنطقة، والأخلاق، والهم الخاص المتعلق بالحالة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين. وعلى الحركة أن تجعل خطابها انعكاسًا لهذا التوجه، فالمواطن العادي يفكر في تحسين وضعه الاقتصادي، والاجتماعي، والشباب متطلع بطبيعته، ويريد تأمين مستقبله، وعيش حياة كريمة. وبالتالي فعلى الحركة أن تقترب من قضايا "الأنا" التي تخص الشباب وغيرهم من غير جمهورها الملتزم، وأن تضيّق الفجوة المشار إليها؛ بحيث تكون قضايا الأنا مدخلا تجتذب من خلاله الجماهير العريضة إلى القضايا الكبرى، وأن تكون جاهزة برؤية لحل الأزمات الاقتصادية لمصر، مع تحديثها الدائم.
ويرى أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة تل أبيب، أوريا شبيط، أن التيار الرئيس في جماعة الإخوان لا يرفض الغرب على إطلاقه، بل على العكس، يؤكد ضرورة التعلم منه، والأخذ بالتكنولوجيا، وتحديث أساليب الإدارة. وفي هذا الصدد فإن وصفهم بالأصوليين (بمعنى التفسير الحرفي للشريعة والتمرد على الحداثة) هو وصف مضلل، لأنهم يدعون إلى تفسير إبداعي للشريعة، ويرحبون ببعض جوانب الحداثة. وهو تأويل يسمح لهم بتقديم تصور عن التكامل بين النص الديني والشكل الديمقراطي للحكم، ومن هنا يكررون ما تقتضيه الشريعة الدينية من وجود نظام تمثيلي واحترام الحريات الفردية، وهذا الموقف، حسب شبيط، متجذر في فكر الإخوان منذ تسعة عقود، وليس تكتيكيًا بحتًا. غير أن الإخوان، ورغم تحدثهم مثل الديمقراطيين والليبراليين، والتصرف أحيانًا مثلهم، ليسوا ديمقراطيين، ولا ليبراليين، لأن طريقة فهمهم لمكانة الشريعة وتأثيرها داخل النظام السياسي تبعدهم عن المثل الأعلى السياسي للعالم الحر. وسبب ذلك أن الديمقراطية والحريات الفردية في فلسفة الإخوان تخضع في النهاية للأوامر الإلهية،232 وهكذا ينكرون أي قوانين تتعارض مع الأمر الإلهي. ويقر شبيط بما يقوم به النظام الغربي من وضع قيود على عملية التشريع، لكنه في الوقت نفسه يؤكد أن ما يسعى إليه تيار الإسلام السياسي أكثر صرامة.233
ويربط شبيط مقولته عن عدم ديمقراطية الإخوان بسؤاله عن مصدر السلطات في رؤيتهم؛ وهو السؤال الأساس في أي ديمقراطية، هل هو البرلمان أم ماذا؟ ومن سيكون المسؤول عن رفض القوانين التي تعارض القرآن؛ هل هو الشعب، أم من؟ فلو كان الشعب فهذه الديمقراطية، ولو كانت لجهة لم تحصل على قوتها من الشعب فهذا تشويه للديمقراطية. في هذه النقطة تحديدا، استدل الكاتب بالتصور الذي نشره الإخوان عن مستقبل مصر في 25 أغسطس 2007 (في التصور الأولي المقترح لحزب سياسي كانوا ينوون التقدم به، وهو تصور لم يأخذ صورته النهائية)، ويتضمن إشارة إلى مجلس منتخب من علماء الدين، يختص بتقديم المشورة للبرلمان حول موافقة التشريعات للقرآن، أو تعارضها معه، من دون تقديم إجابة عن: ماذا يحدث لو لم يؤخذ بمشورته؟ ومن ينتخب هؤلاء العلماء؟ ومن يضع القانون الذي يتم انتخابهم على أساسه؟ وماذا لو قرر البرلمان عدم الحاجة لمثل هذا المجلس؟ علاوة على ذلك، فإن برنامج حزب الحرية والعدالة، لم يتضمن سوى عبارة واحدة من دون تفصيل، حول هذه القضية الشائكة "مصر دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية". وهذا يعني ألا يتم تشريع قوانين مناقضة للقرآن، وهذا يضعنا، حسب رؤية الكاتب، أمام نظام سلطوي، وإن لم يعلن الإخوان ذلك، لأن الدولة التي يكون فيها لرجال الدين الكلمة الأخيرة على القوانين هي بتعريفها لنفسها دولة سلطوية. وعلى هذا الأساس يخلص شبيط في النهاية إلى أن مجتمعا يحكمه الإخوان المسلمون لا يمكن أن يكون ديمقراطيا.234
ويلاحظ على الرؤية التي عرضها شبيط حجم التعالي الكبير في الطرح؛ خاصة وأنه ربط تقييمه لمدى التزام الإخوان- أو غيرهم في عالمنا الإسلامي- بالديمقراطية باتباع النموذج الديمقراطي الغربي فحسب، وهو نموذج يتبين مع الوقت أنه وُضع بطريقة تسمح بالتحكم في المخرجات بدرجة شبه كاملة، وأن الديمقراطية الغربية، وإن اشتملت على عناصر جيدة يجب الاستفادة منها، فإنها ليست النموذج الأمثل الذي يجب اتباعه. وإلى جانب ذلك- ومما يؤكد هذا التعالي- أن الكاتب يعرض لصعوبة تحقق الديمقراطية في مجتمع يحكمه الإخوان، ويتعامل في محاضرته من منطلق اعتباره الكيان الصهيوني دولة ديمقراطية، رغم أن لديها قانونًا أساسيًا حول يهودية الدولة (قانون القومية)، وهو قانون عنصري غير ديمقراطي، لم يحترم نسبة السكان من غير اليهود في الأراضي المحتلة منذ سنة 48، والتي تصل إلى نحو 28% تقريبا من إجمالي السكان، وجعل دولة الاحتلال مسؤولة عن سلامة اليهود في العالم من منطلق المسؤولية الدينية، سواء كانوا حاملين جنسيتها أو غير حاملين لها، كما أنه يجعل حق تقرير المصير مقصورًا على اليهود، أي أنه يستبعد تماما غير اليهود في الدولة.
وعلى الجانب الآخر هناك نقاط ينبغي مراجعتها بغض النظر عن هذا النقد؛ من ذلك مثلا أن الجماعة تحرص على بناء هياكلها التنظيمية من خلال الانتخابات الداخلية، بالرغم من الظروف الأمنية الخانقة، واحتمال استفزاز النظم الحاكمة المستبدة من جرّاء ذلك، كما أن مرشدها الهام مهدي عاكف أصر على اعتزال مسؤوليته بعد انتهاء مدته، ليكون أول مرشد عام سابق.. لكن الممارسة الانتخابية داخل الجماعة شابتها أوجه قصور يتداولها أفرادها بالنقد، من ذلك حظر الدعاية للمرشحين للمهام الإدارية، مع وجود بعض التوجيهات أو (التربيطات) التي تزكي بعض المرشحين بالفعل. مما لا تتوافق مع قيم الديمقراطية، بل مع الأخلاق والقيم الإسلامية التي قامت الحركة للدعوة إليها، وغياب النظم واللوائح التي تمنع وقوع هذه الممارسات. مما يترك تساؤلات حول القدرة على إدارة ديمقراطية سليمة لدولة بحجم مصر، وليست جماعة محدودة.
2 - تقييم الأداء السياسي والاقتصادي
هناك عدة نقاط مهمة تناولتها الكتابات الصهيونية حول تقييم الأداء السياسي للإخوان المسلمين منذ لحظة انطلاق الثورة في يناير 2011؛ منها تقييم طريقة التعامل مع الثورة، ثم التعامل خلال الفترة الانتقالية، وأداؤهم السياسي الداخلي والخارجي، وإدارة الدولة.
هل 25 يناير ثورة أم لحظة ثورية؟
يطرح أستاذا العلوم السياسية الإسرائيليان، إيلي بوده، وليمور لافي، سؤالهما: إلى أي مدى مرت مصر بثورة؟ ويذكر الباحثان انقسام المنظرين في علم الاجتماع ممن اهتموا بتعريف مفهوم الثورة إلى فريقين: أحدهما اهتم بفحص حالة مفجري الثورة، والآخر ركز على نتائجها. واعتبر الباحثان، اعتمادًا على تعريفات هنتنجتون، وتيدا سكوبول، وهنّا أرندت، أن مصر لم تشهد ثورة، ونبها إلى ضرورة التمييز بين الحالة الثورية، والنتائج الثورية، لأن هذا التمييز مناسب تماما للحالة المصرية. وبناء على هذا التمييز فإن ما شهدته مصر كان "لحظة ثورية". صحيح أن سقوط مبارك على يد الجماهير كان أمرًا غير مسبوق في تاريخ مصر، لكنه لم يكن هدفًا في حد ذاته، بل وسيلة لتحقيق ما عبرت عنه شعارات الثوار "عيش حرية عدالة اجتماعية"، إضافة إلى أن كثيرين رغبوا في إقامة نظام ديمقراطي. ولذلك، عندما سئل أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة ستانفورد، جويل بينين، في يناير 2012 "هل كانت هناك ثورة؟" كانت إجابته واضحة، "إن ثورة 25 يناير لم تكتمل، هي في الحقيقة لم تحدث بعد".235
لقد كان تحول تلك اللحظة الثورية إلى ثورة حقيقية، يتطلب مرور البنى القائمة للسلطة بتغيير أساسي، حتى لا تكون مصر أمام وضعية "مباركية من دون مبارك" التي حذر منها أستاذ العلوم السياسية في جامعة واشنطن، إليس جولدبرج، في مقال له في نفس يوم سقوط مبارك،236 وهو ما حدث فعليا. ولعل أهمية إشارة جولدبرج التي أوردها الكاتبان الإسرائيليان، تنبع من كشفها لخطأ نهج "تبريد الثورة" بهدف إعادة بناء مؤسسات الدولة، وسير عجلة الإنتاج، الذي وقفت خلفه كثير من القوى السياسية في مصر منذ اليوم الأول لرحيل مبارك، وفي مقدمتهم أغلب القوى الإسلامية في مصر، وعلى رأسهم الإخوان المسلمون. اللافت هنا أن العنوان الفرعي لمقال جولدبرج المشار إليه كان "لماذا لن يتقبل عسكر مصر الديمقراطية؟"237 ما يعني أن هناك من كان يقيم موقف المجلس العسكري بشكل صحيح في يوم رحيل مبارك. والسؤال هنا؛ هل كان الإخوان مطلعين على مثل هذه الكتابات التي حذرت من العسكريين في مصر؟ وهو سؤال يطرح أسئلة أخرى لا تقل أهمية تتعلق بالسيناريوهات الموضوعة لاحتمالات تلاعب العسكر بالثورة، وهي سيناريوهات أثبتت التجربة أنها لم توضع أصلا، وهو أمر يحتاج إلى مراجعة، لمعرفة الأسباب وراء ذلك.
ويحدد باحثون إسرائيليون ثلاثة عوامل تحتاجها الثورة كي تنجح وتحقق أهدافها، افتقدتها الثورة في مصر؛ أولها وجود قيادة كاريزمية يمكنها القيادة وتوحيد المتظاهرين، وثانيها أن يكون هناك تصور أيديولوجي يصبح برنامجًا منظمًا لمرحلة ما بعد الثورة، وهذا يختلف عن شعارات الاستيعاب الموجهة للجماهير في المظاهرات، أما الثالث فموقف شامل للسلطة المنتخبة، ومد يد التعاون مع القوى السياسية. فلو نظرنا للعاملين الأول والثاني نجدهما توفرا في الثورة الإيرانية عام 1979، لكنهما غابا تماما في الحالة المصرية. أما العامل الثالث، وطبقا لأغلب المصادر الإسرائيلية، فقد غاب أيضا نتيجة الموقف الاحتكاري الذي اتخذته سلطة الإخوان المسلمين في مصر.238
يظهر تماما أهمية العاملين الأول والثاني، في كل ثورات الربيع العربي بلا استثناء، والخدعة التي تمت ضد هذه الثورات من البداية هي اعتبارها ثورة بلا قيادة، وأن الجميع قادوها على اعتبار أنها "ثورة شعب"، ومن ثم أصبح الجميع قادة، ولكل وجهته، وحدث التفرق والتشتت الذي استفادت منه الثورة المضادة في مصر وتونس وليبيا واليمن وحتى سوريا. ولا شك أن وجود قيادة للثورة كان من شأنه أن يوحد الجميع خلفها، ويؤثر في قبول الكل للبرنامج الذي تستقر عليه هذه القيادة، كما أنه كان سيمنع التشتت والتفرق الذي حدث.. أما العامل الثالث الذي كتب عنه الكاتب بخصوص تونس فقد تبين عدم صحته ولو كان الكاتب قد انتظر حتى حدوث انقلاب تونس لربما غير رأيه.
تقييم إسرائيلي لأداء الإخوان في مرحلة الرئاسة:
حين ننتقل إلى التقييم الإسرائيلي للإخوان المسلمين في إدارة الدولة؛ فإنهم يتفقون على فشل الإخوان في الملفات السياسية والاقتصادية؛ ولا يوجد إنجاز يحسب لهم سوى توسط مصر بقيادة محمد مرسي إلى تهدئة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في عام 2012. وباستثناء ذلك فإن نظام الإخوان المسلمين أظهر فشلا وعدم خبرة في إدارة الدولة، وهزم على أيدي قوى الدولة العميقة، ونقصد المؤسسات التي كانت مخلصة للدولة من أيام مبارك والتي رغبت في الحفاظ على قوتها. لقد كانت الإطاحة بالإخوان المسلمين من حكم مصر علامة على التراجع عن أهداف الثورة وتأسيس سلطة ديمقراطية.
وإلى جانب هذا الاتفاق الإسرائيلي حول فشل الإخوان؛ فإن هناك اتفاقا مشابها على أن معسكر القوى الثورية الشبابية، التي فشلت في إنتاج قيادات كاريزمية أو إقامة أحزاب ذات تأثير، وكذلك المعسكر العلماني اضطرا إلى الموافقة على عودة النخبة العسكرية للسلطة، مقابل فقط أن تتم الإطاحة بالإخوان.239 وعلى الرغم مما يعنيه ذلك من تضحية قوى الشباب والنخب العلمانية بالثورة، وتوظيفهم من قبل المجلس العسكري للتخلص من الإخوان، وما كان يمليه العقل من تقديم مصلحة الثورة أولا، لا أن يتم هدم المعبد فوق رؤوس الجميع، ومع التسليم بالجهود الجبارة لقوى الثورة المضادة؛ داخليًا، وإقليميًا، ودوليًا ضد الثورة المصرية، واستهداف حركات الإسلام السياسي على وجه التحديد، فإن الأمر في حاجة إلى التفكير في الأسباب التي دفعت هذه القوى التي شاركت في الثورة لهذا، وإلى أي مدى أسهمت مواقف الإخوان، وخطابهم السياسي والإعلامي خلال العامين ونصف، منذ الإطاحة بمبارك، في التكاتف ضدهم على هذا النحو.
ويرتبط بالسياق نفسه السؤال عن مدى اهتمام الجماعة بتقييم أسباب تراجع شعبيتها، وانصراف قسم من الناس عنها، والذي كان من تجلياته التصويت للإخوان في انتخابات الرئاسة في المرحلة الأولى بنسبة 24.8% مقابل أكثر من 47 في انتخابات البرلمان؟ والذي لا يمكن الاكتفاء بقراءته على أنه تفتت للأصوات التي حصل عليها الإخوان في البرلمان بين مرشحي الرئاسة من الإسلاميين حينها (مرسي، أبو الفتوح، سليم العوا)، لأن الإخوان في هذه الفترة تعرضوا لهزيمة انتخابية في أكثر من مناسبة؛ كالاتحادات الطلابية، وبعض النقابات، وبعض نوادي أعضاء هيئة التدريس. وهذا كان يعكس حالة من عدم الرضا في الشارع المصري عن أداء الإخوان أشارت لها الصحافة الإسرائيلية؛ مثلما فعلت صحيفة كلكاليست في تقرير لها عن الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة في عام 2012 .240
ويرى بعض الكتاب الإسرائيليين أن إحدى القواعد الأساسية للمعارضة عند وصولها إلى السلطة نتيجة انهيار نظام سلطوي تجنبها تنفير النخب القديمة، وخصوصا الجيش، حتى وإن كان لذلك مبرر "ديمقراطي". غير أن الإخوان في مصر لم يطبقوا هذه القاعدة، وعملوا وفق مبدأ الحق وليس الحكمة، ولهذا ختموا بانقلاب عسكري.241 لكننا حين نراجع سلوك الإخوان مع المجلس العسكري في أغلب أوقات الثورة نجد أن العكس هو الذي غلب على هذا التعامل، وأن ما أخذ على الإخوان في الشهور الأولى بعد رحيل مبارك هو التنسيق مع المجلس العسكري، وتجنب أي تصعيد يؤدي إلى توتير العلاقة مع القادة العسكريين، بل التصدر أحيانًا للدفاع عن مواقف العسكر في مصر عبر تصريحات من قيادات إخوانية، وهو ما قاد لاتهامهم بعقد صفقة مع المجلس العسكري. وإن لم يمنع ذلك من توتر العلاقة في محطات بعينها بدءًا من التعامل مع وثيقة علي السلمي، ثم بعد انتخابات مجلس الشعب، وبعدها في مناسبات أخرى، لكن الملاحظ أن بدء توتر العلاقة بين الإخوان والمجلس العسكري حدث بعد نشوب الخلاف بين الإخوان وبقية قوى الثورة؛ أي بعد أن أصبح الإخوان قوة منعزلة تقف غالبًا بمفردها في مواجهة العسكر، وهذا كان يعني نجاحًا لاستراتيجية المجلس العسكري في تفتيت قوى الثورة كي ينفرد في النهاية بالإخوان المسلمين.
فيما يرتبط بالعلاقة مع إسرائيل؛ فإن ما كتبناه في هذا الصدد يكشف طبيعة الموقف الإسرائيلي المتخوف تجاه الثورة عموما والإخوان المسلمين على وجه الخصوص، الذين خشيت إسرائيل وصولهم إلى السلطة لما يمثله من تهديدات على أمنها القومي في ملفات عدة؛ كمصير اتفاقية السلام، واحتمالية التعاون مع إيران، ودعمهم لحماس على حساب السلطة الفلسطينية، وصولاً إلى احتمالية تنامي قوتهم على حساب المؤسسة العسكرية مما قد يعطل مجالات التعاون الأمني والسياسي والاقتصادي الواسعة بين مصر وإسرائيل. ومع صعود الإخوان الفعلي استخدم السياسيون والإعلاميون الإسرائيليون عبارة "الشتاء الإسلامي" بديلا عن الربيع العربي. ثم جاء الانقلاب ليكشف عن الرغبة الإسرائيلية الحقيقية في فشل الثورة، بل وليكشف، حسب بعض التقارير، عن تورط إسرائيلي في التخطيط للانقلاب، ثم دعم نظام السيسي فيما بعد.
وهنا يتبادر السؤال عن مدى متابعة الإخوان لما كان يصدر في الصحافة الإسرائيلية، والمواقف الدولية عامة، والإسرائيلية على وجه الخصوص؟ فالظاهر أنه لم تكن هناك متابعة للموقف الإسرائيلي وحجم التخوفات الكبيرة التي شعر بها الإسرائيليون، وكيفية تعبيرهم عنها، وانعكاس كل ذلك على أفعال الدولة الصهيونية تجاه الثورة المصرية والنظام المصري في فترة حكم الرئيس محمد مرسي، وهذه المتابعة تختلف عن مجرد توقع العداء الإسرائيلي للثورة. كذلك لابد من توضيح أن قصدنا بذلك لا يعني بالضرورة أن تكون السياسة مبنية على تخوفات إسرائيل، لكن هذه المتابعة للموقف الإسرائيلي كان من شأنها أن تسهم في فهم الموقف الدولي أيضا، وتساعد في كيف يكون شكل المناورة، وطبيعة التصريحات التي تصدر عن السياسيين. خاصة وأن بعض المواقف الشعبية، أو التي صدرت عن السياسيين خلال فترة الثورة تمت تحت وقع تهييج مقصود؛ كاقتحام السفارة الإسرائيلية، أو قرارات بعض لجان البرلمان، كلجنة الشؤون العربية في البرلمان المصري 2012، ضد إسرائيل؛ حين قررت أن إسرائيل لن تكون حليفة لمصر، وأن مصر لن تكون صديقة لإسرائيل، ومطالبة اللجنة إعادة النظر في علاقات مصر بإسرائيل، والوقوف في صف المقاومة، وتفعيل سياسة المقاطعة ضد الكيان الصهيوني.242 والتحفظ هنا ليس على مدى اتفاق هذه المواقف مع مبادئ وقيم دينية ووطنية، بل على طريقتها ووقتها، مما قد يعد افتقادًا للحس السياسي، وعدم تقدير الوضع بشكل جيد؛ لأنها كانت تعني تهديدا، غير قابل للنفاذ، بإلغاء اتفاقية السلام، وهذا كان يعني مزيدًا من تخويف الغرب في وقت لم يكن للإخوان أو لغيرهم من القوى التي شاركت في الثورة أي تحكم في مفاصل الدولة لمواجهة أي سيناريوهات ناتجة عن مثل هذا الخطاب. وهذا الأمر تكرر في الموقف من النظام السوري، حين اتخذ قرار قطع العلاقات معه.
وتبقى هنا إشارات مهمة عن مدى اعتماد متخذي القرار في الجماعة على مخرجات مراكز الأبحاث، وقبل ذلك مدى الاهتمام المؤسسي بإنشاء مراكز أبحاث متخصصة بميزانيات جيدة. ثم أخيرا مناقشة الأسباب التي دعت الجماعة للتعجل في كشف جميع أعضائها وقاعدتها في عامي الثورة، الذي وفر للجهات الأمنية في مصر معلومات مجانية لطالما سعت إليها قبل الثورة، وكل ذلك سهل ضربها لاحقا على هذا النحو.
3 - الواقع وتحديات المستقبل
أ - مشاكل الواقع
تنبع الأزمة الحالية التي يعيشها الإخوان المسلمون من عاملين أساسيين؛ أحدهما مرورها بأزمة داخلية حقيقية وكبيرة، والآخر ضغوط خارجية لا هوادة فيها من أجهزة الأمن. وتختلف الأزمة الحالية عن أزمات سابقة عاشها الإخوان في تضافر العاملين معا هذه المرة، وهذا عظَّم حجم الضرر الذي تعرضت له الحركة. وإذا كانت الجماعة قد اعتادت في الماضي إظهار قدر كبير من الصمود في فترات الاضطهاد الشديد، فإن حجم الضرر الذي ألحقه النظام بالقيادة والقاعدة التنظيمية، ونزع شرعيتها، وشيطنتها في الداخل والخارج، لم يكن مسبوقا. أضف إلى ذلك أن الأزمة الداخلية التي شهدتها الحركة، والصراع على القيادة بعد الانقلاب عظما من تأثير هذه الأضرار، وأفقدا الإخوان كثيرًا من القدرة التنظيمية. وإلى جانب ذلك (كما يرى الكاتب موشيه إليو) فإن غياب القيادة الروحية الكاريزمية لدى الجماعة أفقدها إمكانية أن تكون بديلا سياسيا حقيقيا.243 وبذلك أصبح الصدع الذي تعاني منه الجماعة حاليا الأكثر عمقا طوال تاريخها. وهذا كان يعني أن الإسلام السياسي في نموذجه الإصلاحي، المنادي بالتغيير المتدرج، ورفض العنف، وتقبل الدولة العربية كإطار شرعي، قد فقد تأثيره بسرعة. ولم يكن ذلك يعني اختفاء فكرة الإسلام السياسي كفكرة عالمية لها جذور عميقة في مصر، لكن خطورة ما حدث للجماعة (كما يرى الكاتب الإسرائيلي إيرز شطريم) هو أن تستغل المساحة التي سيتركها الإخوان من قبل عناصر تنادي بأيديولوجيات متشددة، وحركات الجهاد العالمي.244
ويرصد بعض الباحثين الإسرائيليين المتخصصين في حركات الإسلام السياسي ما نتج عن هذه الأزمات من تأثيرات على الجماعة في البنية والأيديولوجيا، وفي نشاطها وحجم مؤيديها.
فعلى مستوى البنية: يرى هؤلاء أن أبرز ما عانت منه الجماعة ضعف القيادة وانكسار البنية الهرمية؛ فلم تعد الطبيعة المركزية والهرمية- التي ميزت الحركة طوال سنوات نشاطها- قائمة. كان أحد الأسباب التي أدت إلى تفكيك هذه المركزية مواءمة نشاط الحركة للوضع الذي عانت منه الجماعة، وحجم القيود والضرورات، ولخفض التوتر بين القيادة والعاملين على الأرض. كذلك فإن الضغوط التي يمارسها النظام، إضافة إلى الانفصال بين القيادة في الخارج والعاملين في مصر كل ذلك لا يتيح العمل بالأسلوب الهرمي التقليدي الذي كان يميز الجماعة عبر سنوات طويلة. وأصبحت عملية صنع القرار في التنظيم لا مركزية، وأصبحت المجموعات العاملة في الميدان تتحرك بحرية أكبر، معتمدة على نفسها نتيجة وجود أغلب القيادات في السجون، أو في المنفى. وتبالغ هذه الدراسات في تحليلها فترى أنه قد ساد في أوساط الشباب شعور قوي أن الحركة فقدت طريقها، ولم تعد لديها رؤية عن كيفية التعامل مع القمع الذي يمارسه النظام، وهذا كله أدى لتعمق التمزق الداخلي، والانتقاد الحاد من الشباب لجيل القيادة القديم، واتهامه بالانفصال عن الواقع.245
أما على المستوى الأيديولوجي؛ فيرصد الكتاب الإسرائيليون حدوث هوة حول موضوع استخدام القوة والعنف ضد النظام، وهو خلاف وصل إلى مستوى قيادات الجماعة؛ حيث أصرت بقايا القيادة القديمة على عدم وجود مبرر لاستخدام القوة، وهذا تم التعبير عنه بوضوح في الإعلان الختامي للمؤتمر الدولي الذي عقد في تركيا سبتمبر 2019 وحضره 500 من الإخوان المؤيدين للقيادة المركزية في إسطنبول، بينما اعتبر فريق آخر أن استخدام القوة ضد ممثلي النظام (من الشرطة، والقضاة .. وغيرهما) له تبريره بسبب قمع الحركة على أيدي نظام غير شرعي. مع توضيح أن هذا الفريق الأخير لم يبرر العنف على خلفية مفهوم "التكفير" الذي اعتمدته تنظيمات جهادية سابقا، ولم يكن هذا مدخلهم على الإطلاق، وأسسوا موقفهم على فتوى صدرت في عام 2015 وقعها 150 من علماء الدين البارزين، بعضهم على علاقة سابقة مع الإخوان، وبعضهم أعضاء في منظمات إسلامية أوروبية، ومعروفون بتأييدهم للإخوان. وفي قلب الفتوى كانت فكرة القصاص في مواجهة القمع، والسعي للإضرار برموز الدولة. وحسب الباحثين الإسرائيليين، ديل، وبوير، فإن هذا الفريق أقام علاقات مع تنظيمات عسكرية أخرى في مصر، بعضها إرهابية، بحيث لم يعد هناك فارق جوهري بين هذا الفصيل الجديد من الإخوان المسلمين، والجهاديين في مصر، رغم الاختلافات الفكرية التي استند إليها كل منهما لتبرير العنف. والفكرة هنا أن هزيمة الإخوان في مصر عام 2013، أثرت على تيارات الإسلام السياسي السني في الإقليم، فأصيب بحالة تشرذم تنظيمي، وغياب التماسك الأيديولوجي، ودخلت الحركة الإسلامية في مصر وفروعها في الخارج في توترات ونقاشات، تمحورت أساسًا حول مسألة استخدام القوة وتبرير العنف، والأهمية النسبية للهوية الإسلامية فوق الوطنية "الأمة"، مقارنة بالهويات والقضايا الوطنية. وهذا كله أدى لضعف هذا المعسكر؛ وهو ما انعكس على تراجع الدعم الشعبي له، وإن ظل محتفظا بقاعدة جماهيرية صلبة بين الجمهور العربي.246
يتوقع العديد من الباحثين الإسرائيليين أن يؤدي تصاعد القمع ضد الإخوان بعد الانقلاب إلى موجات عنف وإرهاب، وإلى انضمام بعض أعضاء الجماعة إلى تنظيمات جهادية، وأن يؤدي تزايد القمع داخل السجون إلى تطور أشكال مختلفة من أيديولوجيا العنف والعمل الإرهابي ضد النظام ومؤيديه،247 لكن يمكن القول، إن الجماعة، في المجمل، تمكنت من استيعاب هذا التوجه لدى من بقي داخلها من أفراد.
يتوقع باحثون إسرائيليون- مثلما فعل الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي، أودي ديكال، وأوريت بيرلوف- أن يمتد تأثير الانقلاب في مصر على جماعة الإخوان إلى النطاق الإقليمي الأوسع، وأن تكون له تداعياته على جميع عناصر الإخوان في المنطقة، وفي تحسين قدرات بعض الأنظمة العربية في مواجهة الحركة؛ كالنظام الأردني.248
وهنا لابد من التفكير في مسألة تكرار فشل التجربة، بأساليب مختلفة؛ على المستوى التاريخي (تكرار تجربة 54 في 2013 في مصر)، وعلى الامتداد الجغرافي (في مصر، واليمن، والمغرب، وتونس). ومع التسليم بحجم التنسيق المناوئ للإخوان على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، فإن تنوع طريقة الإفشال أدى في النهاية إلى نتيجة واحدة، وهي إقصاء الحركات ذات الجذور المشتركة مع جماعة الإخوان المسلمين من الساحة السياسية، وهذا أمر يؤكد على وجود مستويات كبيرة من الخلل الذي يستحق مراجعة كبيرة؛ خاصة وأن تأثيره امتد بالسلب على الفكرة الإسلامية ذاتها، وإمكانية أن يكون لديها الحلول لمشاكل المجتمع.
في هذه الجزئية تحديدًا تحدث أكثر من كاتب إسرائيلي عن شعار "الإسلام هو الحل"، وفقدانه التأثير بعد فشل تجربة الإخوان؛ فكتب الباحثان، ديكال وبيرلوف، عن تبخر الشعار،249 وكتب السفير الإسرائيلي الأسبق في القاهرة، يعقوب أميتاي، إن تجربة الإخوان المسلمين أثبتت أن "الإسلام هو الحل" كان مجرد شعار، لأن الإخوان لم يكن لديهم ما يقدمونه.250 إن جاذبية الشعار قد تحقق حشدًا شعبيًا، لكن احتمالية الفشل ستمثل إشكالية لدى عامة الناس تجاه الشعار، لأن الكثيرين لن يميزوا بين حقيقة أن الإسلام حل فعلي للمشكلات، وطريقة التطبيق والفهم لدى الحركات الإسلامية التي تستخدمه، والتي لا تزيد عن كونها اجتهادا يخصها، قد يصيب أو يخطئ؛ ومن ثم مراعاة ألا تصبح الشعارات المستخدمة سببا للحكم على الدين نفسه.
ومن الواضح أن المصادر العبرية حرصت على وضع التجارب السياسية الإسلامية في المنطقة خلال العقود الأخيرة في سلة واحدة، واعتبارها جميعا تجارب فاشلة؛ في هذا السياق تحدث الباحثان ديل، وبوير، عن فشل التجربة الإيرانية، رغم أكثر من أربعة عقود مرت عليها، وعدم قدرتها على ترجمة رؤيتها إلى واقع ملموس، رغم تجربتها التراكمية، وادعى الباحثان أيضا عدم قدرة حركة حماس تقديم شيء لسكان غزة، رغم سنوات حكمها للقطاع، وأضاف الكاتبان الدمار الذي خلفه تنظيم الدولة الإسلامية، إلى تجربتي إيران وحماس. ويبالغ الكاتبان في تصوير الفشل بالقول إن صورة الفشل في هذه التجارب تكون عميقة للغاية لدرجة أن الواقع - الذي لا يبتعد كثيرًا عن هذا الفشل- يكون أفضل، وأن الضرر السياسي والاقتصادي الذي تسببت فيه فترة حكم الإخوان المسلمين القصيرة في مصر كان كبيرًا للغاية، نتيجة التأكيد المتواصل من نظام السيسي على اعتبار الإخوان مسؤولين عن الفترة الفوضوية الممتدة من سقوط مبارك حتى صعود السيسي. وهذا الفشل في كل هذه التجارب لدى الإسلاميين، كان يقابله، تفوق غربي.251
ما ورد هنا يعد توجها عاما في الكتابات الإسرائيلية، وهو توجه يتعمد أولا تجاهل حالة البلدان السياسية والاقتصادية والاجتماعية قبل وصول الإسلاميين في هذه الأماكن؛ فالواقع أن هذه البلدان كانت تعيش حالة فشل كبير أصلاً قبل وصول الإسلاميين، وهو فشل تضاعف حجمه بعد الانقلابات التي وقعت، وزادت خطورته على هذه البلدان إلى آماد قد يستحيل علاجها. كذلك يتعمد هؤلاء الكتاب تجاهل حجم المعوقات التي وضعت أمام هذه التجارب جميعها، بين حصار اقتصادي دولي، كما في حالة التجربة الإيرانية، أو حصار كامل في منطقة صغيرة واقعة تحت الاحتلال الصهيوني، كما في حالة حماس، أو تجربة لم تأخذ وقتها، وحاربتها كافة قوى الثورة المضادة الداخلية والإقليمية والدولية، مثلما في حالة مصر. كما أن هذا الطرح تعمد كذلك تجاهل الشبهات التي تدور حول تنظيم الدولة الإسلامية؛ كطبيعته، وظروف نشأته، ومدى ارتباطه بأجهزة الاستخبارات العالمية، واستغلاله للخَصم من التجربة الإسلامية وتشويهها بشكل عام، ما يعني أنه لا يمكن ضمه للتجارب الأخرى المشار إليها. علاوة على أنه تجاهل وجه اختلاف كبير بين التجارب في إيران وغزة ومصر، وتجربة تنظيم الدولة؛ ففي الحالة الأولى كانت هناك انتخابات، وهي التي أفرزت النظام الإيراني أو حماس أو الإخوان المسلمين، بينما جاء تنظيم الدولة عبر صعود مفاجئ مشبوه.
ولا شك أن ربط الكاتبين، وغيرهما من الكتاب الإسرائيليين، بين التجارب الإسلامية الناشئة عن عمليات انتخابية، بتنظيم الدولة، هو ربط مقصود هدفه الإساءة للتجربة الإسلامية بشكل عام. وهذا كله لا ينفي بالطبع ما وقعت فيه التجارب الإسلامية المختلفة من أخطاء.
يخرج الكاتبان من هذا الربط الواسع بين التجارب الإسلامية بأنها رسخت صورة من الفشل لدى الجماهير في مصر، وهذا يعني أن عودة الإخوان للعبة السياسية في مصر مستقبلا، سواء في احتماليتها وتوقيتها، تتطلب اختراقهم حاجز الوعي العام الذي لم يكن موجودا بهذا الشكل في عام 2012. 252 وهذا الكلام فيه قدر من الصحة؛ إذ يحتاج الإخوان بذل جهود كبيرة من أجل تصحيح الصورة. وهنا تحديدًا يمكن القول إن عملية طوفان الأقصى يمكن أن تمثل فرصة حقيقية لفعل ذلك لو أفاد منها الإخوان المسلمون.
ب - تحديات المستقبل
يواجه الإخوان المسلمون تحديات كبيرة في لحظات ضعف حرجة لم تمر بالجماعة منذ نشأتها، وبقدر ما تتمكن الجماعة من التعامل مع هذه التحديات، بقدر ما يؤهلها ذلك إلى تصحيح صورتها، والعودة لتكون رقمًا مؤثرًا في مصر، ومن ثم في العالم العربي. وترصد كتابات إسرائيلية بعض ما يواجه الإخوان من أزمات وتحديات؛ في مقدمتها "تراجع الأجيال"، وفقدانها تأثير ما يعرف "بالأعلام الكبرى" أو الشخصيات الكبيرة ذات التأثير الجماهيري الكاريزمي؛ إذ لم تتمكن أي من التيارات الإسلامية حتى الآن من تقديم رجال الدين الشباب الذين يجمعون بين الكاريزما والعلم، ليكونوا خلفا للعلماء القدامى الكبار. ففي أوساط الإسلام السياسي مثلا الشيخ المصري يوسف القرضاوي، وفي أوساط التيار السني المؤسسي لم يكن خلفاء الشيخ عبد العزيز بن باز على نفس درجة الهيبة أو المكانة العلمية التي تمتع بها.253
ومن بين التحديات أيضا أن الجماعة باتت تعاني من صعوبة التعامل مع طوفان المعرفة التكنولوجي، خصوصًا بين من يتصدرون للعمل الإسلامي؛ حيث إن الاطلاع المعرفي والتقني من جميع أنحاء العالم وتوفره بشكل فوري لجمهور شاب ومستنير في عامل التكنولوجيا يتطلب التكيف والانسجام من جانب المتصدرين للعمل الإسلامي على اختلاف توجههم، لكن هذا لم يحدث تقريبا.254
كان كتاب إسرائيليون قد توقعوا أن يؤدي إغلاق القنوات السياسية أمام الإخوان لحظة الانقلاب، إلى دفعهم إلى السعي للتغيير عبر قنوات عسكرية عنيفة، وأن الجيش في ذلك الوقت كان بإمكانه مراقبة الإخوان يفشلون أكثر، وأن "يقطف الثمار" في أقرب انتخابات، لكن الجنرالات لم يصبروا. ويقول أستاذ الدراسات التاريخية في جامعة تل أبيب، آساف دافيد، إن الإخوان كانوا يظنون أن الربيع العربي أفضل ما حدث لهم في العقود الأخيرة، لكن تبين لهم العكس تماما، وسوف يتبين لهم لاحقًا أن الانقلاب العسكري في مصر هو أحد أفضل الأمور التي حصلت لهم، وأن الجيش سيكون قد ساعد بنفسه في وقف التدهور في شعبيتهم.255 ويمكن القول إن جانبًا من هذا الكلام لا يخلو من صحة؛ إذ إن تجربة الإخوان في السلطة رغم قصرها، خصمت من رصيدهم بشكل كبير، ولا يعنينا هنا أسباب ذلك، بقدر ما تعنينا صحة الفرضية، وأن إبعاد الإخوان عن السلطة كان يعني أنهم لم يعودوا في موقع يجعلهم متحملين فشل السنوات التالية للانقلاب، وفي هذه اللحظة كان بإمكانهم استعادة قدر كبير مما خسروه من تأييد شعبي.
ومن المفيد هنا العودة لما كتبه أستاذ الشؤون الاستراتيجية في مركز بيجين/السادات للشؤون الاستراتيجية في جامعة بار إيلان، هيلل باريش، في اليوم التالي للانقلاب (4 يوليو 2013)، حول تفاجئه من ضعف الإخوان المسلمين،256 والملاحظ أن تقييم باريش كان مبكرًا جدًا للحكم على هذا الضعف، لكنه تغافل عن حجم العنف الذي واجهته الجماعة، والدماء التي أقدم نظام السيسي على استباحتها، وبالرغم من ذلك تم تصوير النتيجة على أنه هزيمة للجماعة بسبب ضعفها.. وهذا الضعف كان أحد أسباب انصراف كثير من الشباب عنها.
ج - ما الذي يمكن أن يفعله الإخوان؟
إن ما حدث من فشل للثورة على يد مؤسسات الدولة العميقة بقيادة الجيش وبهذه الطريقة، تم بشكل عنيف لردع الأجيال القادمة من التفكير في الثورة، وهذه التجربة المؤلمة أدت إلى حالة من اللامبالاة واليأس وفقدان الثقة، وغربة بين المواطن ومؤسسات الدولة. ورغم عظم هذه الحالة، وهيمنتها على المناخ العام في مصر، تبقى قابلة للتغيير. ويرى الباحثان إيلي بوده، وليمور لافي أن هذا اليأس يحتوي داخله على بذور الثورة القادمة، ليست بالضرورة أن تكون شاملة، بل يمكن أن تكون ثورة إصلاحية تحدث من رحم النظام نفسه، ويكون هو من يكتب حدودها، وحجم التغيير، بحيث تبدو الثورة في النهاية أسيرة زوج من الكلمات أنتج لنا مصطلح Refolution الذي يتكون من Reform، و Revolution .257
ويرى بعض الكتاب أو الأكاديميين الإسرائيليين أن الاعتقاد بأن فكرة الإخوان قد انتهت في مصر ليس صحيحًا، خصوصًا وأن نسبة مؤيديهم في مصر كانت 50% في وقت الثورة، وهذه النسبة لا يمكن أن تختفي كليًا. وهؤلاء الباحثون يرون أن الكلمة الأخيرة في مصر لم تحك بعد.258 ما يعزز ذلك أنه رغم ما تعانيه التيارات الإسلامية من أزمة فكرية وأيديولوجية، فإن تمتع الإسلام بقوة جاذبة في الشرق الأوسط، يمكن أن يكون مدخلاً لعودة هذه التيارات من جديد، خاصة وأن البديل "الديمقراطي" العلماني المدني، عانى هو أيضا من تلاعب مختلف الأنظمة به، في المنطقة وخارجها طوال العقد الماضي، وبالتالي فهو بديل غير ناضج أيضًا. وهذا يقود إلى إدراك أن الطريقة التي ستتعامل بها التيارات الإسلامية مع الأزمات العديدة التي تعصف بالمنطقة في المستقبل القريب هي التي ستؤثر على الدور الذي يمكن أن يقوم به الدين في الشرق الأوسط على المدى البعيد.259
حين ننظر إلى الفكرتين السابقتين؛ نجد الأولى (ثورة إصلاحية من رحم النظام) مستبعدة على المدى القريب على الأقل، بينما تبدو الأخرى (جاذبية الإسلام كمدخل لعودة التيار الإسلامي) مسألة طبيعية ومنطقية. وهذا يعني أن جهدًا كبيرًا في حاجة أن يبذل. يرتبط بالفكرة الأخيرة ما أشارت إليه دراسة إسرائيلية في عام 2021 من بيانات تظهر تأييد ما يقدر بربع سكان العالم العربي تقريبًا في المنطقة الإخوان المسلمين في عقد ما بعد الربيع العربي، بينما اقترب تأييد حركة حماس لـ 40%، والسبب الأساس لذلك صورة الحركة كقائدة للصراع باسم الفلسطينيين ضد إسرائيل، وبدرجة أقل بسبب أجندتها الإسلامية.260 . وعلاقة ذلك بالإخوان المسلمين في مصر تحديدا هو أن متابعة خطاب قادة حماس يظهر بحثهم الدائم عن المشترك مع الآخرين، وتجنب قضايا الأيديولوجيا الدينية، والقضايا الفرعية، بل وتجنب الطعن في قيادة السلطة الفلسطينية رغم تنسيقها الأمني وملاحقة المقاومة لصالح إسرائيل...الخ، وهذا الخطاب كان سببًا في رفع شعبية الحركة، والتعاطف معها وتأييدها. والمقصود أن الإخوان المسلمين في حاجة إلى الاستفادة من هذا الخطاب، بما يتناسب والحالة المصرية بالطبع؛ وأن يكون الاهتمام بالبحث عن المشترك مع المجتمع المصري خاصة، والعربي عامة، ومحاولة تجنب الأدلجة الضيقة التي تسهم في فصل الجماعة عن الناس، وأن يكون خطابهم مهتمًا بحاجات المجتمع، والطبقات الفقيرة والمتوسطة، في ظل عدم القدرة على العمل الفعلي بين أفراده.
ولا شك أن الإجابة عن السؤال "ما الذي يمكن أن يفعله الإخوان؟" ترتبط بتوصيف جيد للوضع الداخلي في مصر، والإقليمي، والدولي، كما ترتبط بما يريده الإخوان أنفسهم، وما إن كانت قدراتهم تسمح بتحقيق ما يريدونه أم لا. علاوة على ذلك فإن السؤال يرتبط بموازنة الحركة بين استسلامها للواقع أو الطموح. فمن المتوقع، نفسيًا على الأقل، أن يتناسب انجذاب الشباب للحركة بشكل طردي مع طموحها، أو قبولها للواقع، وقد نشأت الجماعة كحركة شباب في الأصل. ويربطنا ذلك بأن الجماعة التي أسسها مجموعة من الشباب، لم تكن تقدم الشباب خلال العقود الماضية للقيام بأدوار قيادية، وهذا نهج يجب أن يتغير، وأن تتخذ الخطوات اللازمة من أجل تغييره، وتغيير البنية الثقافية الداخلية التي لا تثق في اختيار الشباب أصلاً.
إن ما سبق في هذا التقييم، وما كتب في الملفات الأخرى، ليس لنبش مشاكل الماضي، وليس تعمدًا للبحث عن كل نقيصة. كما أنه لم يطرح من أجل البحث عن تبرير، بل من أجل التفكير، وإصلاح الأخطاء كي لا تتكرر من جديد.
230 - دوف ديل، وسارا بوير: نحو حل متجدد؛ التيارات الإسلامية في الشرق الأوسط بعد عقد من الاضطرابات. معهد دراسات الأمن القومي – جامعة تل أبيب، يناير 2021.
https://tinyurl.com/yo6mc8ns
231 - السابق
232 - الكاتب هنا لا يناقض ما قاله عن الإخوان منذ قليل، ولكنه يقصد أن الإخوان صادقون في حديثهم عن الديمقراطية والحرية الفردية والحقوق، لكن ذلك كله خاضع لفهمهم لهذه الأمور داخل إطار الشريعة الدينية وما تحله أو تحرمه.
233 - أوريا شبيط: الإسلاموتوبيا؛ الديمقراطية على نمط الإخوان المسلمين. مجلة ها شيلواح (مجلة للفكر والسياسة) 2011.
http://tinyurl.com/yvq5xp73
234 - أوريا شبيط: صعود الإخوان المسلمين (محاضرة مرئية ألقيت في المعهد الإسرائيلي للتكنولوجيا "هتخنيون" بتاريخ 30 مايو 2012) شبيط أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة تل أبيب.
http://tinyurl.com/26vjl5ux
هذا الجزء من المحاضرة سبقه مدخل موسع عن فكرة الحرية والديمقراطية في فكر الإخوان المسلمين، وهي محاضرة متسلسلة الأفكار يوظف فيها نظام المقدمات التي توصل للنتائج.. وبالتالي يجب قراءة المحاضرة كاملة حتى يتم استيعاب خلاصة هذه النقطة بأن نظاما يحكمه الإخوان لا يمكن أن يكون ديمقراطيا.
235 - إيلي بوده، و ليمور لافي: مصر؛ هل هي حقا ثورة. من كتاب: الموجة الثالثة؛ الاحتجاج والثورة في الشرق الأوسط. تحرير إيلي بوده، و أون وينكلر. كرمل للنشر، القدس 2017. ص. 100 - 101.
236 - السابق: ص. 100 - 101.
237 - Ellis Goldberg: “Mubarakism without Mubarak, Why Egypt’s Military Will Not Embrace Democracy?”. Foreign Affairs, 11 February 2011.
238 - بوده، ولافي: ص. 102.
239 - السابق: ص. 96.
240 - مصر مقبلة على معركة: الإسلامي في مواجهة الجنرال. صحيفة كلكاليست 26 مايو 2012.
https://tinyurl.com/22j4mwre
241 - آساف دافيد: السابق
242 - إفرايم كام: مستقبل السلام بين إسرائيل ومصر. السابق ص. 133.
243 - ألبو: الأزمة داخل حركة الإخوان المسلمين تزداد صعوبة. ص. 4.
244 - شطريم: الإخوان المسلمون في مصر.
245 - السابق
246 - ديل، وبوير: السابق
247 - ألبو: السابق ص. 4.
248 - أودي ديكال، وأوريت بيرلوف: الانقلابات في مصر؛ توصيات لإسرائيل. معهد دراسات الأمن القومي. يوليو 2013.
https://tinyurl.com/yq9wtp2w
249 - السابق.
250 - عوديد رعنان: ميراث نظام مرسي شيء واحد.. الفشل".
251 - ديل، وبوير: السابق
252 - السابق
253 - ديل، وبوير: السابق
254 - السابق
255 - آساف دافيد: السابق
256 - نيري برنر: أسئلة وأجوبة؛ الإخوان المسلمون إلى أين؟ يديعوت أحرونوت 4 يوليو 2013.
http://tinyurl.com/2cm9ow2b
257 - إيلي بوده، و ليمور لافي: مصر؛ هل هي حقا ثورة. ص. 105 - 106.
258 - أوريا شبيط: الإخوان المسلمون بعد الثورة المضادة. محاضرة مرئية، مايو 2020.
http://tinyurl.com/ypmaxs57
259 - ديل، وبوير: السابق
260 - السابق
آساف جيبور: القاهرة؛ 38 معتقلا حاولوا الهرب من السجن، وقتلوا. NRG 18 أغسطس 2013
آساف دافيد: في الانقلاب العسكري الجميع خاسر. منتدى التفكير الإقليمي. معهد فان لير. القدس 9 يوليو 2013
أفي جرفينكل: الوسيط الظاهري. موقع ماكو 22 نوفمبر 2012
أفي يساخروف: رغم التنسيق الأمني مع المصريين هناك ما يدعو للقلق، هآرتس 17 أغسطس 2012 : سرقوا الثورة، هآرتس25 نوفمبر 2011.
ألفو بن: صلاة لسلامة مبارك. هآرتس 26 مايو 2010
أمير بوحبوط: إسرائيل تضغط على مصر؛ تحملوا المسؤولية عن التهريب. تحليل موقع والا 27 نوفمبر 2012.
: الإنجاز الحقيقي لمعركة عمود السحاب. موقع والا 21 نوفمبر 2012
أودي ديكال: التغيير في النظام المصري، والعملية العسكرية في غزة؛ من بعد عملية عامود السحاب، معهد دراسات الأمن القومي، جامعة تل أبيب 2012.
أودي ديكال، وأوريت بيرلوف: الانقلابات في مصر؛ توصيات لإسرائيل. معهد دراسات الأمن القومي، يوليو 2013.
أوريت برلوف، أوفير وينتر: محمد مرسي؛ شهيد أم خائن. معهد دراسات الأمن القومي – جامعة تل أبيب، 1 يوليو 2019
أوريت برلوف، شلومو بروم: التغييرات في ميزان القوى في مصر.. الإخوان المسلمون والرئيس مرسي مقابل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، معهد دراسات الأمن القومي، جامعة تل أبيب 21 أغسطس 2012
أوفير وينتر، جوني عيسى: إسرائيل ومصر تتقاربان؛ هل تشكل النقابات المهنية عقبة؟ معهد دراسات الأمن القومي، 3 نوفمبر 2021.
إريك جرينستاين: المسيرة الكبرى؛ السعودية تبني مفاعلات، وتتقارب مع إسرائيل. موقع ميداه 3 سبتمبر 2014.
: جماعة الإخوان تسيطر على الإعلام، تقرير منشور في موقع ميداه 9 سبتمبر2011
إفرايم كام: الانقلابات بمصر. معهد دراسات الأمن القومي – جامعة تل أبيب، يناير 2014.
: مستقبل السلام بين إسرائيل ومصر، من التقرير الاستراتيجي لإسرائيل 2012 – 2013، معهد دراسات الأمن القومي، جامعة تل أبيب 2013.
إيال زيسر: الإسلاميون المصريون يلعبون اللعبة، وينظرون للمستقبل، موقع والا 28 نوفمبر 2011.
إيتامار رابينوفيتس: طاغية وثني، صحيفة جلوبس 25 يناير 2012.
إيرز شطريم: الإخوان المسلمون في مصر؛ استعدادات متجددة. مقال منشور على صفحة معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي 23 ديسمبر 2015.
إيريت أولنتسكي: بعد الاضطرابات في مصر؛ هروب مالك شركة EMG من مصر. موقع تاشتيوت المتخصص في مجال الصناعة والطاقة، 30 يناير 2011.
إيلي بردنشتاين: بناء على طلب مسؤولين أمريكيين.. إسرائيل ضغطت من أجل المعونة لمصر، صحيفة ماكور ريشون الأربعاء 25 ديسمبر 2013.
: يجب أن نشجع وجود حوار مع الإخوان المسلمين، NRG، 18 ديسمبر 2011.
إيلي بوده، وليمور لافي: في الطريق إلى التطبيع، التضييق على الإخوان المسلمين، موقع والا ، 30 ديسمبر 2020.
: مصر؛ هل هي حقا ثورة، من كتاب: الموجة الثالثة.. الاحتجاج والثورة في الشرق الأوسط، كرمل للنشر، القدس 2017.
باراك رافيد: : إسرائيل طمأنت الجيش المصري؛ المعونة الأمريكية لن تتوقف رغم الإطاحة بمرسي. هآرتس 17 أغسطس 2013.
الربيع العربي، وعام الشتاء الإسرائيلي، هآرتس8 ديسمبر2011.
نتنياهو في رسالة إلى مرسي؛ يجب الحفاظ على اتفاقية السلام. هآرتس 30 يونيو 2012.
بنحاس عنبري: السعودية وقطر تعلنان الإخوان المسلمون تنظيما إرهابيا، مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة 9 مارس 2014.
بندتا برتي: الربيع العربي وصعود الإسلام السياسي، التقدير الاستراتيجي لإسرائيل 2012/2013،
معهد دراسات الأمن القومي، جامعة تل أبيب، يناير 2013.
بوعز فيلر، عاموس يدلين: الجيش الإسرائيلي سيتغير تماما بسبب مصر، يديعوت أحرونوت
9 فبراير2001.
: الربيع العربي فرصة أكثر من كونه تهديدا، يديعوت أحرونوت 28 يونيو2011.
تسفي برئيل: لماذا اندهش بيريز؟ صحيفة ذا ماركر 21 نوفمبر 2012.
: من جديد الجيش يزعج محمد مرسي، ذا ماركر21 يناير 2013.
: ورطة مرسي بين الانحياز لقيادة الإخوان المسلمين أو الخضوع لليبراليين، هآرتس 5 ديسمبر 2012.
تسفي مزال: الإخوان المسلمون يصارعون على هوية الدولة، موقع والا 21 نوفمبر 2011.
: الثورة المصرية تصحح مسارها، مركز القدس لشؤون الجماهير والدولة 4 يوليو 2013.
: دستور إثارة الجدال في مصر، مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة. 25 ديسمبر
2012.
: سياسة مرسي الخارجية الجديدة. مركز القدس لشؤون الجماهير والدولة. 25 سبتمبر 2012.
: مرسي.. هل كان رئيسا للمصريين؟ مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة، 24 يونيو 2019.
: مصر تصطبغ بالأخضر. مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة. 23 يناير 2013.
جاكوب كوهين: حول تدخل إسرائيل في وأد الثورة في مصر. بلا حدود 19 يونية 2014.
حاييم كورين: التعاون بين إسرائيل ومصر في 2019؛ حميمية إستراتيجية وتباعد مدني. متفيم "المعهد
الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية. فبراير 2020
خضر سواعد: كيف أفشل المستوى البيروقراطي الديمقراطية. (كلمة مرئية بتاريخ 4 مايو 2020
: خطاب نتنياهو أمام الكنيست بتاريخ 23 نوفمبر 2011
دافيد جوفرين: الطريق إلى الربيع العربي؛ الجذور الأيديولوجية لاضطرابات الشرق الأوسط في الفكر العربي الليبرالي. دار ماجنس، القدس 2016.
دان مرجليت: لا يوجد أصل لادعاءات أردوغان. صحيفة يسرائيل هايوم 21 أغسطس 2013
دوف ديل، وسارا بوير: نحو حل متجدد؛ التيارات الإسلامية في الشرق الأوسط بعد عقد من الاضطرابات. معهد دراسات الأمن القومي – جامعة تل أبيب، يناير 2021
دورون بسكين: ما خفي أعظم، من يقف خلف شركة دولفينوس. كلكاليست 1 ديسمبر 2015
دين شموئيل ألماس: الدولة المفاجئة التي ستتأثر من حرب إسرائيل ضد حزب الله. جلوبس 2 يوليو 2024
رأوبين بدتسور: هكذا عززنا مكانة مرسي. هآرتس 21 نوفمبر 2012
ران دجوني: وقف المعونة الأمريكية لمصر يعرض السلام للخطر. صحيفة جلوبس 4 يوليو 2013
روعي كايس: بين موسكو ورفح، يديعوت أحرونوت 6 ديسمبر 2017.
: صباح دام في القاهرة؛ الجيش فتح النار، 42 قتلوا، يديعوت أحرونوت 8 يوليو 2013.
: من السادات حتى مرسي؛ إليكم الاختلافات الدستورية، يديعوت أحرونوت 15 ديسمبر 2012.
روعي كايس، إيتامار أيخنر: ماذا وراء حميمية العلاقات المصرية الإسرائيلية؟ يديعوت أحرونوت 1 مارس 2016
رونيت دومكا، ليئور زنو: مسيرة حسين سالم من الجيش المصري إلى صفقة الغاز مع إسرائيل – ثم الاعتقال. موقع ذا ماركر 20 يونيو 2011.
رونيت مرزان: الخطاب المخدر لقطر وتركيا والإخوان المسلمين. جامعة حيفا، فبراير 2021.
شاؤل مشعل: مستقبل الربيع العربي. منتدى هرتسليا يتبع معهد السياسة والاستراتيجية في مدرسة لاودر المتخصصة في دراسات الحكم والدبلوماسية والاستراتيجية
شمعون شامير: ثورة، انقلاب، انقلاب على الانقلاب. (محاضرة مرئية في مؤتمر عقده مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا. جامعة تل أبيب 29 أبريل 2012.
عاموس يدلين: عام على الانتفاضة العربية، سنة على الربيع العربي، النتائج الإقليمية والدولية. معهد دراسات الأمن القومي، جامعة تل أبيب 2012.
عاموس هرئيل، ناتاشا موزجوفيا: جالانت؛ التغييرات في الشرق الأوسط تقلق إسرائيل. صحيفة هآرتس 15 يونية 2012
عمري إفرايم: فشل استخباري؟ مبارك أيضا لم يتوقع الثورة، صحيفة يديعوت أحرونوت، 31 يناير 2011.
: متخصصون؛ الولايات المتحدة ستؤيد كل الثورات، يديعوت أحرونوت 30 يناير 2011.
عميرام بركات: عناصر إسرائيلية تساعد حسين سالم من أجل عدم تسليمه إلى مصر. صحيفة جلوبس 28 يونية 2012
عوديد عران: الأبعاد الدولية لعملية عمود السحاب. معهد دراسات الأمن القومي 21 نوفمبر 2012.
عوديد رعنان: ميراث نظام مرسي شيء واحد.. الفشل" لقاء صحافي مع السفير الإسرائيلي في القاهرة، يعقوب أميتاي، موقع ها زيراه للدبلوماسية وعلاقات الخارج، جامعة ريخمان. 27 يونية 2019
عودة بشارات: وقت الإخوان ينفد. هآرتس 19 أغسطس 2013.
عوفر وولفسون: "أردوغان: إسرائيل مسؤولة عن الانقلاب في مصر"، موقع News1 20 أغسطس 2013.
عيران لرمان: حجر الزاوية؛ السيسي، استقرار مصر، ومستقبل شرق المتوسط، معهد القدس
للاستراتيجية والأمن 26 أكتوبر 2018.
: مصر تعيش أزمة اقتصادية، وعلى إسرائيل أن تساعدها، معهد القدس للإستراتيجية
والأمن 21 فبراير2023.
ليمور لافي: إعلام رسمي معادٍ؛ صحيفة الأهرام في ظل حكم الإخوان المسلمين، دراسة حالة. مداخلة مصورة نوفمبر 2022
ليئور جوطمان: مائير داجان؛ التهديد العسكري على إسرائيل تلاشي لثلاث أو خمس سنوات.
صحيفة كلكاليست 10 يوليو 2012
ليئور لهرس: الخطاب الإسرائيلي حول الربيع العربي، من "إسرائيل والربيع العربي، الفرص الكامنة في التغيير"، تحرير: نمرود جورن، جنيا يودكفيتس، مجلة ميتفيم، تصدر عن المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية، 2013.
مارك هيلر: حادثة الرسالة المختفية؛ المبدأ والبرجماتية في العلاقات بين مصر وإسرائيل. معهد دراسات الأمن القومي 2012.
: "ردود فعل إسرائيلية على الربيع العربي"، في: "يوئيل جوزنسكي محررا، عام على الربيع العربي التداعيات الدولية و الإلقليمية" تل أبيب: مركز بحوث الأمن القومي، نشرة (144، 2012) ص: 75 – 77.
مردخاي كيدار: السعودية ضد الإخوان المسلمين. مقال صدر ضمن منشورات مركز بيجين السادات للأبحاث الاستراتيجية. 4 يناير 2021
مزال موعلم: مريدور؛ ليس هناك مصلحة مصرية لإلغاء اتفاقية السلام. NRG، 4 ديسمبر 2011
موران أزولاي: إلغاء لقاء أعضاء الكنيست والإخوان المسلمين، يديعوت أحرونوت 12 يونيو 2012.
: قمة في الولايات المتحدة، أعضاء كنيست وأعضاء الإخوان المسلمين، يديعوت أحرونوت 11 يونيو 2012.
موشيه ألبو: الأزمة داخل حركة الإخوان المسلمين تزداد صعوبة، هل يستطيع الإخوان العودة لموقع مؤثر في مصر؟ معهد الأيديولوجيا والاستراتيجية. جامعة رايخمان 2021.
موشيه ألبو، وإيتي خيمينز: الثقافة، الثورات، وتحديات الاستخبارات؛ الربيع العربي في مصر دراسة حالة. تحديث استراتيجي (عدكون إستراتيجي) دورية صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي، جامعة تل أبيب مجلد 26، عدد 1، 2023.
موشيه ماعوز: الإسلام السياسي والربيع العربي. من: "إسرائيل والربيع العربي، الفرص الكامنة في التغيير"، تحرير: نمرود جورن، جنيا يودكفيتس، مجلة ميتفيم، تصدر عن المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية 2013.
ميخائيل باراك: السلفيون في مصر وثورة يناير 2011؛ لماذا السياسة الآن؟ مجلة تسوميت تصدر عن مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا جامعة تل أبيب. عدد 1، مجلد 10، أكتوبر 2011
ميرا تصوريف: الإخوان المسلمون؛ من ربيع إسلامي إلى خريف أخضر. من كتاب: الموجة الثالثة؛ الاحتجاج والثورة في الشرق الأوسط. تحرير إيلي بوده، و أون وينكلر. كرمل للنشر، القدس 2017.
: محمد مرسي، من عمود سحاب يسير أمام المعسكر، لانفجار سحابة في سماء القاهرة، مجلة تسوميت؛ مجلد 2، عدد 12، مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا نوفمبر2012.
نمرود هورفيتس: الربيع الإسلامي؛ ثورة في موسم انتقالي، موقع مولاد 7 أبريل 2013.
نير ياهاف: "الأخ الأصغر لمصر"؛ الواقع الجديد لحركة حماس. موقع والا 21 نوفمبر 2012.
: الاضطرابات في مصر؛ تبادل الاتهامات، والتملص من المسؤولية، موقع والا، 10 سبتمبر2011.
: "لو فزنا في الانتخابات سنقطع العلاقات مع إسرائيل" موقع والّا، 27
نوفمبر 2010.
نيري برنر: أسئلة وأجوبة؛ الإخوان المسلمون إلى أين؟ يديعوت أحرونوت 4 يوليو 2013.
هنري ليفي برنار، وتسيبي ليفني: ندوة متلفزة حول الديمقراطية وقيمها. جامعة تل أبيب يونية 2011
ي. يهوشوع: في ظل الربيع العربي؛ تحرك سعودي حذر أمام التهديد الإيراني. معهد دراسات الشرق الأوسط. 1 يناير 2012.
يتسحاك ليئور: في مصر يطلقون النار باسم التنوير. صحيفة هآرتس 19 أغسطس 2013
يوآف زيتون: الاستخبارات العسكرية؛ المنطقة تصبح أقل استقرارا، واحتمالية الاشتعال قائمة، يديعوت أحرونوت 27 أغسطس 2012.
: اللواء أيزنبرج؛ ازدياد احتمالات الحرب الشاملة، يديعوت أحرونوت 5 سبتمبر 2011.
يوئيل جوزانسكي: الخليج والغضب العربي، موقع News1، 3 مارس 2011.
: دول الخليج في بيئة استراتيجية متغيرة. معهد دراسات الأمن القومي، جامعة تل أبيب، أبريل 2012.
يهوناتان دحوح هاليفي: وثيقة استخبارية تكشف؛ انخراط الإخوان المسلمين في التخطيط للثورة في مصر وتوجيهها، مركز القدس لشؤون الجمهور والدولة 15 أغسطس 2012.
يوحاي سيلع: مصر ما بعد انتصار الإخوان المسلمين. The Mideast Forum، 7 يوليو 2012
يورام ميطل: الإطاحة بمرسي والنضال من أجل إعادة الثورة المصرية إلى مسارها، معهد دراسات الأمن القومي 7 يوليو 2013.
: مرسي الشخصية المفتاحية، موقع ماكو، 22 نوفمبر 2012.
يوسي أميتاي: صيف 2013 في مصر؛ ليست قصة الأخيار في مواجهة الأشرار. موقع هاعوكتس،24 أغسطس 2013.
الإخوان المسلمون في العالم العربي وفي الجاليات المسلمة في غرب أوروبا؛ مركز معلومات
الاستخبارات والإرهاب. 26 ديسمبر 2011.
: الإخوان المسلمون بعد الثورة المضادة. محاضرة مرئية، لأوريا شبيط، مايو 2020
الإسلاموتوبيا؛ الديمقراطية على نمط الإخوان المسلمين. مجلة ها شيلواح (مجلة للفكر والسياسة) 2011.
اكتمال عملية إخلاء المسجد في مصر، مظاهرات في العالم العربي. NRG 17 أغسطس 2013.
انكشاف خطة الجيش المصري لعزل الرئيس مرسي؛ مقتل 7 على الأقل اليوم. (متابعة إخبارية في صحيفة هآرتس 2 يوليو 2013)
بعد الإنكار، تأكيد إسرائيلي: الرسالة من مرسي صحيحة. موقع ماكور ريشون 31 يوليو 2012
تقرير في مصر؛ رجال أعمال إسرائيليون تملكوا أراض في سيناء. صحيفة كلكاليست 18 أكتوبر 2010.
الثورات الداخلية والتغيير في ميزان الاستراتيجية الإقليمية. من: التقرير الاستراتيجي لإسرائيل 2012 – 2013، معهد دراسات الأمن القومي – جامعة تل أبيب 2013
الثورة العسكرية في مصر ضد مرسي" لقاء تليفزيوني في القناة الأولى الإسرائيلية. 5 يوليو 2013
رئيس البرلمان المصري: الضغوط الأمريكية للإصلاح قد تقود لدولة دينية". صحيفة القدس العربي 26 نوفمبر 2010.
صعود الإخوان المسلمين (محاضرة مرئية ألقيت في المعهد الإسرائيلي للتكنولوجيا "هتخنيون" بتاريخ 30 مايو 2012.
علاء عرفة، لقاء متلفز مع يوسي أبو، مدير عام شركة نيو ميد إنرجي، 22 مايو 2022.
المملكة السعودية في مواجهة الإخوان المسلمين. لقاء مرئي بتاريخ 3 يوليو 2020
ما الذي يعنيه فوز محمد مرسي بالانتخابات الرئاسية في مصر؟ (لقاء تليفزيوني جمع بنيامين إليعازار وزير الحرب الأسبق بين عامي 2001 – 2002، وإيلي أفيدار، والصحافي يارون شنايدر.26 يونية 2012.
مصر تنفي؛ مرسي لم يكتب لبيرس. موقع News1 31 يوليو 2012
مصر مقبلة على معركة: الإسلامي في مواجهة الجنرال. صحيفة كلكاليست 26 مايو 2012
مفاجأة.. الرئيس المصري مرسي بعث رسالة تهنئة لرئيس الدولة. موقع ماكور ريشون 31 يوليو 2012.
مقابلة متلفزة مع أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة حيفا، ليعاد بورات عقب الجولة الأولى من انتخابات مجلس الشعب في مصر في 2011.
ميراث نظام مرسي هو الفشل. مقابلة مكتوبة مع سفير إسرائيل الأسبق في القاهرة في فترة حكم الرئيس مرسي، يعقوب أميتاي، موقع جامعة رايخمان 27 يونية 2019.
Asher Zeiger: “Israel intensifying bid to rally support for Egypt military rule”. The Times of Israel 19 August 2013.
Ellis Goldberg: “Mubarakism without Mubarak, Why Egypt’s Military Will Not Embrace Democracy?”. Foreign Affairs, 11 February 2011 .
John L. Esposito, Tamara Sonn & John O. Voll: Islam and Democracy after the Arab Spring. Oxford University Press. New York 2016.
Joshua Mitnick: Amid Syria’s turmoil, Israel sees Assad as the lesser evil. The Christian Science Monitor. May 6, 2011.
Shibley Telhami: 2011 Public Opinion Polls of Jewish and Arab Citizens of Israel. Anwar Sadat Chair for Peace and Development, University of Maryland, November 2011.
Shimon Peres: We in Israel welcome the Arab spring. The Guardian 1 April 2011. |